رامين جافدي.. عبقري موسيقى "صراع العروش"

ياسمين عادل
لم يعد يفصلنا عن نهاية مسلسل "صراع العروش" سوى أسبوع واحد، بعد عرض الحلقة الخامسة أمس، وبقدر ما يمكن تأويل نجاح العمل بحبكته غير التقليدية والتمثيل المتقن لأبطاله، فهناك عنصر رئيسي آخر لا يمكن غض الطرف عن عبقريته؛ وهو الموسيقى التصويرية شديدة الخصوصية والإبداع التي كتبها للعمل رامين جافدي.
ولد جافدي في ألمانيا عام 1974 لأب من أصول إيرانية وأم ألمانية، وبداية من عمر أربع سنوات ظهرت موهبته الفريدة، إذ اعتاد عزف المقطوعات الموسيقية على الأورغ دون أن يعلمه إياها أحد، مما جعل والده يحرص على منحه دروسا في الموسيقى. وإن كان جافدي لم يأخذ الأمر بجدية إلا ببلوغه 13 عاما بعد امتلاكه الغيتار الأول، وتأكده من كون تأليف الموسيقى هي المهنة التي يريد احترافها مستقبلا.
في البدء كانت الموسيقى الشرقية
أول ما انجذب له جافدي كان الموسيقى الشرقية عموما والإيرانية خصوصا، بعدها ولى اهتمامه للموسيقى الكلاسيكية، قبل التحاقه بكلية "بيركلي" للموسيقى، وهناك تخصص في دراسة الجاز والروك، كما عزف الميتال ضمن إحدى الفرق الموسيقية.
كل ذلك أسهم في إثراء مخيلته وتنمية موهبته، مما جعل موسيقاه ذات طابع خاص وقدرة على الجمع بين ألوان موسيقية مختلفة بتناغم وتناسق غير مسبوق.
الخروج من عباءة الكبار
بعد الجامعة ترك جافدي الفرقة وقرر العمل بتأليف الموسيقى التصويرية، فانضم للموسيقي هانز زيمر وعمل معه فترة، قبل أن ينتقل للعمل مع الموسيقي كلاوس بادليت، لكن وكما يليق بروح فنان حرة، سعى جافدي في 2004 للاستقلال والعمل بمفرده قدر المستطاع.
فكانت النتيجة موسيقى فيلم "بلايد.. الثالوث"، ومع الوقت بدأ صيته في الانتشار، مما أهله لتأليف موسيقى أعمال مهمة مثل فيلم "الرجل الحديدي"، ومسلسل "بريزون بريك"، ولعبة "ميدل أوف أونر". لكن مع ذلك المشوار الحافل بالمقطوعات الموسيقية المهمة والترشيحات للجوائز، يظل التحاق جافدي بركب صناع "صراع العروش" هو الخطوة الأهم في مسيرته الفنية، التي عرفت العالم عليه.
نقطة التحول
بدأ الأمر في 2010 حين طلب منه منتجو المسلسل قراءة الحلقات، وما إن انتهى منها حتى أدرك أنه أمام عمل استثنائي عليه أن يكون جزءا منه رغم كثرة مشاغله.
واجه جافدي تحديات عدة خلال محاولته إبداع مقطوعات موسيقية؛ أولها كان اشتراط المنتجين عدم استخدام الناي كونه الاختيار الدائم لأعمال الفانتازيا، وهو ما استعاض عنه بالتشيللو. تلاها أزمة تعدد الشخصيات الرهيب، مما استلزم تأليفه موسيقى مختلفة لكل شخصية رئيسية وكل عائلة.
أما جافدي فكانت لديه معضلة شخصية تمثلت في رغبته في عدم مشاهدة الحلقات قبل كتابة الموسيقى كي لا يفسد على نفسه متعة المفاجأة، ولتلافي ذلك انتهج طريقة مبتكرة للتأليف اعتمدت على جلوسه مع المؤلفين أول كل موسم لمعرفة الخطوط العريضة للأحداث ومعاينة بعض مواقع التصوير بجانب لقاء الممثلين إذا لزم الأمر.
بعدها يبدأ تأليف المقطوعات وترتيبها برأسه وفقا للتطور الدرامي للأحداث، ثم تأت خطوة عزف المقطوعة بكل آلة موسيقية على حدة لاكتشاف أي واحدة الأنسب لتصبح الرئيسية في المشهد، وأخيرا يصل لمرحلة خلق التناغم بين الآلات المختلفة واكتشاف الطبقات التي سيتم استخدامها.
النجاح مجرد بداية
انطلاقا مما سبق، لم يكن غريبا أن تلفت موسيقى "صراع العروش" الانتباه بمجرد عرض الحلقة الأولى، حتى أن منصات التواصل اكتظت وقتها بتسجيلات لأشخاص يعيدون عزف شارة البدء، سواء بالآلات أو بطرق غريبة.
لم تكن الشارة وحدها ما لاقت رواجا، بل تكرر الأمر مرارا، ووفقا لتصريحات جافدي فإنه لا يتوقف عند النجاح الذي تحققه موسيقاه كل موسم، وإنما يصر على تقديم شيء مختلف العام التالي. كما يحاول استخدام آلات جديدة وربطها بأحداث محورية ومشاهد لن تنسى كالمرة التي استخدم فيها البيانو منفردا لأول مرة خلال مقطوعة "نور الآلهة السبع" التي صاحبت مشهد محاكمة سيرسي الملحمي.
وإن كان أشهر المقطوعات التي حققت نجاحا مدويا مقطوعة "رياح الشتاء" بنهاية الموسم السادس، التي وفقا للإحصاءات الأكثر استماعا خلال المواسم، بالإضافة إلى موسيقى الحلقة الأخيرة من الموسم السابع التي طرحها صناع المسلسل قبل عرض الحلقة، لتتوالى بعدها تنبؤات المشاهدين بما سيحدث بناء على طبيعة الموسيقى.
|
الغريب أنه مع كل النجاح والشهرة المستحقة التي تحظى بها مقطوعات جافدي، إلى حد تجاوز عدد مرات الاستماع لها شهريا 3.5 ملايين مرة عبر موقع "سبوتيفاي"، بجانب ترشحه لجائزة "غرامي" مرتين، والإيمي ست مرات؛ فإنه لم يحصد منها إلا جائزة إيمي واحدة العام الماضي.
لحسن الحظ أن الجوائز لا تشغل بال جافدي، بقدر اهتمامه بتحقيق النجاح الجماهيري والمهني، ويكفيه كونه أول مؤلف موسيقى تصويرية في العالم يقيم جولة موسيقية لعزف مقطوعات مسلسل تلفزيوني.
حالة عصبية تفضي لموهبة
يذكر أن جافدي يعاني من حالة عصبية نادرة تعرف باسم "سينيستيسيا" (synesthesia) تجعل صاحبها يخلط بين الحواس، فيرى الأصوات ويسمع الألوان. الأمر الذي بدا مثاليا كونه يعمل بالموسيقى، ذلك لأن داخل رأسه تأليف مقطوعة موسيقية يشبه تماما رسم لوحة، كل نوتة لها لون محدد وواضح، مما يسهل عليه كتابة موسيقاه.
الطريف أنه لم يكن يعرف أن هذا ليس السائر بين البشر، بل لم يكتشف حالته إلا بعد زواجه، حين سألته زوجته ذات ليلة كيف يؤلف موسيقاه، وحين أجابها أخبرته الحقيقة.
|