طرد عمرو واكد وخالد أبو النجا.. خيانة عظمى في نقابة الممثلين

محمد اليماني - خالد أبوالنجا و عمرو واكد خلال زيارة الكونغرس الأمريكي (مواقع التوصل) - لرفضهما التعديلات الدستورية.. الفنانين عمرو واكد وخالد أبو النجا يواجهان تهما بـ"الخيانة العظمى والاستقواء بالخارج"
خالد أبوالنجا وعمرو واكد خلال زيارة الكونغرس (مواقع التواصل الاجتماعي)

أسامة صفار

في فبراير/ شباط 2013 كان الكاتب والسيناريست الكبير يجلس في مكانه المفضل بأحد فنادق العاصمة المصرية محاطا بمريديه وأصدقائه من الممثلين والمنتجين والإعلاميين، بينما يدور الحديث حول الحكم الإخواني ومستقبل السينما، وتتعالى الضحكات أحيانا ويسود الصمت المتوتر أحيانا أخرى.

وفجأة يرن هاتف (موبايل) الكاتب الكبير، فيسارع بالانفصال عن المجموعة ليتخذ مكانا ليس بعيدا، ويدور حوار يبدو خلاله الكاتب الذي لم يشتهر عنه التواضع متواضعا لأقصى درجة ويحاول طمأنة الطرف الآخر أن كل شيء تمام وأن الوسط الفني كله جاهز وينتظر. عاد الكاتب إلى أصدقائه مبتسما، فيما يتطلع الجميع إليه ويقول: بعد أربعة أشهر سينتهي كل شيء.

كان الإعلام المصري يعمل بالتعاون والتنسيق مع أجهزة الأمن وأجهزة الدولة العميقة بدأب وإخلاص لم يتوافر من قبل لمثل هؤلاء، وبين الشاشات التي امتلأت بالنقد والتجاوز في حق الرئيس المنتخب حديثا (محمد مرسي) وبين الأزمات الأمنية المفتعلة، انطلق الممثلون والكُتاب على الشاشات بالداخل والخارج، ولم يحرك نقيب الممثلين ساكنا يومها ضد أي من أعضاء نقابته.

وفي تناقض واضح مع ما سبق، يأتي فصل كل من الممثلَين خالد أبو النجا وعمرو واكد من نقابة الممثلين المصريين 26 مارس/آذار الجاري، تتويجا لحملة إعلامية شرسة ضد الممثلين العالميَين تشارك فيها وسائل الإعلام المصرية وذلك على خلفية مشاركتهما في جلسة استماع غير رسمية بالكونغرس الأميركي عقدت 25 الشهر الجاري حول ملف حقوق الإنسان والتعديلات الدستورية في مصر. 

ويعد القرار الذي اتخذه نقيب الممثلين المصريين أشرف زكي هو الأسرع في تاريخ النقابة بمصر، حيث صدر القرار وتبعه بيان النقابة بعد ساعات قليلة من الجلسة ودون تحقيق أو تواصل مع المعنيين.

‪الممثلان عمرو واكد وخالد أبو النجا لهما مواقف معارضة للنظام المصري‬  (مواقع التواصل الاجتماعي)
‪الممثلان عمرو واكد وخالد أبو النجا لهما مواقف معارضة للنظام المصري‬  (مواقع التواصل الاجتماعي)

استقواء
وبرر البيان الموقع من أشرف زكي القرار بأن الممثلين "توجها دون توكيل من الإرادة الشعبية لقوى خارجية واستقويا بها على الإرادة الشعبية واستبقا قرارها لتحريكها في اتجاه مساند لأجندة المتآمرين على أمن واستقرار مصر".

وفي الاتجاه نفسه تواصلت الحملة الإعلامية التي انطلقت ضد الممثلين منذ أعلنا عن مواقفهما ضد النظام الحاكم وممارساته، بدءا من التعريض بالممثل خالد أبو النجا الحاصل على عدد من الجوائز المحلية والدولية عن التمثيل بالإضافة إلى مشاركته في أكثر من عمل عالمي، إلى انتهاج الأسلوب نفسه مع عمرو واكد الذي تعد مشاركاته في الإنتاج الهوليودي أكثر كثافة من مشاركاته في مصر، ومنع من تجديد جواز سفره.

وكان الفنان المصري حسين فهمي قد اعترف بفخر في لقاء تلفزيوني أنه سافر نحو خمس مرات إلى الولايات المتحدة الأميركية أثناء حكم الرئيس محمد مرسي وتحدث إلى أعضاء في الكونغرس، مؤكدا أن جماعة الإخوان الحاكمة في مصر هي جماعة "إرهابية"، وأن على الكونغرس أن يقف ضدها ويساعد من يعملون ضدها. 

لم يكن اعتراف فهمي تحت ضغط أو قهر ولكنه جاء عبر برنامج تلفزيوني فيما يعد إشارة من فهمي إلى مساهمته في تمهيد الأرض ليتسنى للسيسي السيطرة على الأمور. 

ورغم مرور سنوات على الاعتراف المصور في مقطع فيديو، فإن النقيب لم يتحرك باتجاه حسين فهمي، وهو ما يشير إلى اختلاف المعايير بين جهتين يمثل الأولى فيها ممثلان تبنى كل منهما الموقف ذاته انطلاقا من مواقف مبدئية تتعلق بالحرية وحقوق الإنسان، والثانية ممثل جاء تحركه طبقا لخطة ممنهجة شملت النجوم والإعلاميين إبان حكم مرسي في التمهيد لانقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

وقام النجوم والإعلاميون بدور كبير في محاولة إضفاء صورة مقبولة على نظام السيسي عبر سنوات ما بعد الانقلاب، وذلك من خلال مشاركته رحلاته إلى دول أوروبا والولايات المتحدة أحيانا، والسفر ضمن وفود إلى مختلف دول العالم لتحسين وجه النظام المصري فيما سمي حينها "الوفود الشعبية". 

ويستدعي سلوك النقيب أشرف زكي ذلك التراث الاجتماعي لفناني شارع محمد علي الذين كان ولاؤهم ينصب على صاحب "الفرح" باعتباره من يدفع لهم في النهاية، وبالتالي فإن الحفل يصبح مخصصا لتلميع صورته وكلما زاد العطاء ازداد المديح.

ولاء
وعلى العكس من ذلك يأتي سلوك خالد أبو النجا وعمرو واكد الصادم الذي يتناقض مع منظومة قيم متوارثة، تتلخص في الولاء التام لمن يملك المال والسلطة وهو ما يفسر تلك السرعة في اتخاذ قرار الفصل بشأن الممثلين. 

وتؤكد مصادر نقابة الممثلين أن سر السرعة في اتخاذ القرار الذي كان ينبغي أن يسبقه تحقيق واستدعاء للممثلَين أن الضابط المسئول عن نقابة الممثلِين قام بصياغة البيان واتخاذ القرار واكتفى النقيب بالتوقيع. 

وبلغت المفاجأة أقصاها لدى الفنان خالد أبو النجا الذي أبدى دهشته، مشيرا إلى أنه لم يتلقَّ اتصالا واحدا من النقابة يدين أو يشجب أو يلوم على سلوك لا علاقة له بعضوية نقابة الممثلين.

وفي المقابل أرجع الدكتور أحمد عبد الباسط -أحد منسقي الجلسة التي عقدت في الكونغرس- الحملة المسعورة على الفنانَين إلى أن "النظام يحاول دائما تصوير المعارضين باعتبارهم من جماعة الإخوان، وحين يتقدم المعارضين للتعديلات الدستورية، اثنان من الممثلين المعروفين في العالم، فإن هذا الأمر يعني ضرب مصداقية النظام، فضلا عن دعم الموقف المعارض".

وينتمي الممثل حسين فهمي إلى عائلة ارستقراطية، فهو حفيد رئيس وزراء مصري سابق، وقد صودرت ممتلكات أسرته من قبل ضباط يوليو، ولكنه استرد بعضها عبر أحكام قضائية، بينما بقيت القضايا المتعلقة بالبعض الآخر حتى الآن بين أروقة المحاكم وبينها "قصر المانسترلي" الشهير الذي يضم متحف أم كلثوم والذي يحلم فهمي باسترداده باعتباره ميراثا عن والدته.

وينتمي خالد أبو النجا إلى عائلات كبرى، فأبو النجا ابن لضابط كبير صرف من القوات المسلحة رغم مشاركته في حرب أكتوبر بسبب معارضته لاتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، كما ينتمي عمرو واكد إلى واحدة من كبرى العائلات في الأقاليم المصرية، وقد سبقه إلى عالم الأضواء الكاتب الراحل لطفي الخولي الذي يعد من أهم الكُتاب العرب.

وكانت السلطة المصرية أطاحت بعدد من الفنانين بطرق مختلفة، إما لرفضهم التعديلات التي تسمح للسيسي بالبقاء في الحكم حتى عام 2034 أو لِلَفت الأنظار بعيدا عنها نهائيا، وبينهم النائب والمخرج خالد يوسف والمطربة شيرين.

المصدر : الجزيرة