كرنفال ألف عروس.. براءة الدمى المتحركة وسخريتها بتونس

محمد علي لطيفي-المنستير
هناك على ضفاف أمواج بحر تلك المدينة الهادئة، يشارك شاهين شأنه شأن الكثير من الأطفال بالدورة الثانية من المهرجان الدولي "روسبينا عاصمة العرائس" بكرنفال يضم ألف عروس، ضمن برنامج تفنن تونس الإبداعي، بمشاركة عدة دول عربية وأوروبية، أهمها سوريا وإسبانيا والعراق.

أداة للتعبير
لم يكن شاهين يهتم كثيرا بتلك العرائس (الدمى) هو فقط كان يعتبرها هدية تقدم إلى الفتيات ليلة أعياد ميلادهن، لكنه اكتشف لتوه سرا دفينا آخر في دميته التي أصبحت جزءا منه، يحاكيها مواجعه وخوفه، ويحرك فيها إحساس الحب.
يقول مبتسما للجزيرة نت إنها تجربة فريدة من نوعها، وإن هذه الدمية صارت تروي جزءا من مواجعه وأحزانه وفرحه، حتى أن لباسه الأسود الذي اختاره بعناية كان يتناسق مع لون العروس المتحركة ودوره في المسرحية لشد انتباه الجمهور، واصفا إياه بالتناسق الفني الجميل.
يردد وهو يضم عروسته إلى صدره "أهم تلك الرسائل التي تعلمتها طيلة العروض هي روح الجماعة التي تهزم الفشل، وأن التعبير يكسر حاجز الخوف في التوفيق بين دراسته وعمله الإبداعي في صنع عروسة والمشاركة في العروض الفنية".
يضيف شاهين للجزيرة نت أنه لم يكن يعلم أن هذه الدمى الكرتونية يمكنها أن تروي في حركتها الكثير من المواقف التي لم نستطع البوح بأسرارها، وتخفي وراءها عالما فنيا في غاية الإبداع، مشيرا إلى أن تجربته ضمن مشروع تعزيز قدرة الطفل على التواصل والتعبير كانت رائدة.

الرسائل المشفرة
يراقص شاهين بأنامله الصغيرة دميته التي صنعها من الخفاف وقطع القماش، وبنظرة الواثق من نفسه، يؤكد أنه أصبح بارعا في تحريكها بعد ستة أشهر من التدريب صحبة رفاقه في 42 مدرسة، بقيادة مدربين في الاختصاص، فكانت اللعبة روحا حية تتكلم إحساسا ومشاعر من القلب.
استطاع أن يكسر حواجز الخوف والرعب، وأن يقف على عتبة المسرح بكل ثقة، فهو يدرك أن حجم تلك الرسائل المشفرة جزء من الدور المسرحي الذي كتبه عن تجربته وطفولته الممزقة وتفاصيل أخرى من سلطة الرقابة والخوف.
من جهتها، تقول زينب الواعر إحدى المشاركات بالمهرجان إن تلك الدمى المتحركة تحمل رسائل فنية تختزل حبها للحياة، ومساعدة الفقراء ونبذ العنف، موضحة أن تجربتها الفنية مع هذه الدمى المتحركة كسرت حواجز الخوف بالنسبة إليها.
وقالت أحلام أبو أمل مديرة الفضاء الدولي "روسبينا عاصمة العرائس للمسرح" والمديرة الفنية للمهرجان أن هذه الأعمال الفنية تسعى إلى معالجة المشاكل النفسية وكسر حواجز سلطة الخوف من الرقابة وتجسيدها في عمل إبداعي للتخلص من الطاقات السلبية للطفل.
ويرى خالد شنان مدير المهرجان للجزيرة نت أن العرائس (الدمى) سلطان هذا الفن الجميل الذي يحمل الكثير من الرسائل لأن هدفه الأساسي كسر الخوف وسلطة الرقابة، كما يمكن اعتبار أهداف هذه الأعمال "بيداغوجية" من أجل تحسين التواصل بين الطفل والمجتمع، من أجل تكريس ثقافة النقد والتعبير.
ويضيف أن كرنفال ألف عروسة -الذي جرى في الفترة من 17 إلى 21 مارس/آذار الجاري- سجل حضور عديد الدول العربية والأوروبية من أجل التبادل الثقافي.

الكوميديا الساخرة
بعيدا عن تلك الرسائل البيداغوجية، يتعدى الوجه الخفي لتلك الدمى مجرد التعبير عن الإحساس والمشاعر، ليصبح كوميديا ساخرة، كثيرا ما تثير حرج واستياء السياسيين وهي ترسم شخصياتهم المجسدة، في أعمال فنية ساخرة، حسب وصف الأسعد المحواش مخرج ومكون مسرح العرائس في تصريحه للجزيرة نت.
ويعتبر المحواش أن هذا الفن الكوميدي الساخر يواجه رقابة من السلطة بسبب نقده لسياسات النظام في ومضات كوميدية، وهو ما أدى في كثير من الأحيان إلى محاكمة أصحاب تلك الأعمال الفنية.
وأشار إلى أن "القلابس" أو الدمى المتحركة منعتها الكنيسة في إيطاليا قديما، تماما كالسلطة الحاكمة بالدول العربية اليوم، حيث تثير مخاوف السياسيين الذين يخشون تراجع شعبيتهم.
يداعب الفراتي بلطف دميته، على أمل أن يصبح فنانا أو صاحب برنامج تلفزيوني مشهور للدمى المتحركة، يجسد فيه عبقريته وجنونه لينقل إحساسه الدفين ومواجعه وقضايا مجتمعه.