أماني الحجي.. أول كويتية تصدح بغناء الأوبرا في الخليج

أماني الحجي.. أول حنجرة تصدح بالغناء الأوبرالي في الكويت والخليج
أماني الحجي تسعى للعالمية بعد أن صدحت بصوتها على مسارح الكويت ومصر (الجزيرة نت)

نادية الدباس-الكويت

لم تكن أماني الحجي تعلم أن مشاهدة مقابلة تلفزيونية ستحول مسارها الدراسي إلى حيث لم تتوقع، وسيجعلها أول "سوبرانو" كويتية وخليجية تصدح بالغناء الأوبرالي الذي لم تألفه المنطقة.

تقول الحجي -في حديث للجزيرة نت- إن الموسيقى والأغاني الغربية استهوتها في صباها وبدايات الشباب، حينها لم تكن تعلم بوجود معهد للموسيقى في الكويت، وبينما كانت في الصف الأول الثانوي تدرس الموسيقى كمادة اختيارية، استمعت إلى مؤسس المعهد آنذاك الراحل أحمد باقر ضيفا في برنامج "صباح الخير يا كويت"، وكان يشرح أسس التقدم للمعهد ومسار الدراسة فيه.

وسرعان ما قصدت الحجي والدتها وأخبرتها برغبتها الشديدة في دراسة الموسيقى فنهرتها متعللة بالرفض الذي ستقابل به من قبل والدها بحكم خيارها الخاطئ الخارج عن العادات والتقاليد، التي يجب ألا تكسرها، لا سيما إذا جاء من فتاة إبان فترة الثمانينيات.

لكن ولعها الشديد بالموسيقى لم يجعلها تستسلم، فقامت بمحاولة تلو أخرى لإقناع والدها، وكان لها ما أرادت بعد أن أكدت له أنها لن تسلك مجال الغناء، وأن هدفها هو العمل مستقبلا معلمة موسيقى في مدارس وزارة التربية.

وبتحدٍ وعزيمة، بدأت الحجي أولى خطوات تحقيق حلمها بالتحويل من المدارس العادية إلى مدرسة الثانوية الموسيقية، فدرست فيها أربع سنوات، ومن ثم أربع سنوات أخرى في المعهد العالي للفنون الموسيقية.

النوتة الأولى
في الثانوية الموسيقية، تعرفت الحجي على الموسيقى عن كثب، فباتت تعرف كيف تقرأ "النوتة" وتتعمق فيها، كما تعلمت النغمات، بعد أن كانت تتذوقها عن طريق السمع لا غير.

وتروي الحجي أنها "اختارت العزف على الفلوت كمادة فرعية إلى جانب البيانو كآلة موسيقية رئيسية في المواد التي أدرسها بالمدرسة، وذات مرة كنت في إحدى الحصص فسمعت صوتا غريبا كانت تشدو به أستاذة الموسيقى عالية حسين، فشدها للوهلة الأولى هذا اللون الجديد والمميز، لكنني لم أتعرف على النوتة الخاصة به، لأبدأ رحلة بحثي عنه، فتأتيني الإجابة بأنه غناء أوبرالي أستطيع التخصص فيه عند التحاقي بالمعهد العالي للفنون الموسيقية".

وقبل نجاحها ودخولها المعهد، استطاعت أماني الإلمام بالفن الأوبرالي من خلال بحثها بين دفات الكتب المتخصصة فيه في مكتبة مدرستها، لتنضم فور دخولها المعهد إلى قسم الأصوات، لتكون أول كويتية وخليجية تتخصص في فن الأوبرا.

وفي المعهد أخذت بيدها الدكتورة عصمت الجبالي التي وجدت فيها خامة قابلة للتشكل، ونصحتها بالمضي قدما كونها تملك "حنجرة ذهبية"، وبدأت أولى المراحل بالتدرب على تقنية الصوت والتنفس وكيفية إخراج الطبقات المختلفة للأصوات وغيرها من ضرورات الدراسة.

وهنا تقول الحجي "بدأت الجبالي تبث فيّ الثقة وتمنحني الجرأة للغناء على خشبة المسرح في السنة الأولى من الدراسة، وقتها كنت أخبر عائلتي عن حفلات المعهد بأنها من ضمن الحصص التي يتوجب تقديمها على مدى سنوات الدراسة".

أماني الحجي سعت على مدى أكثر من عقدين لتغيير نظرة المجتمع الكويتي للفن الأوبرالي (الجزيرة نت)
أماني الحجي سعت على مدى أكثر من عقدين لتغيير نظرة المجتمع الكويتي للفن الأوبرالي (الجزيرة نت)
الغزو العراقي
حصلت الحجي على شهادة المعهد العالي للفنون الموسيقية بدرجة امتياز، وهو ما خولها أن تبقى في المعهد ولكن هذه المرة معيدة، وتزامن ذلك مع وقوع الغزو العراقي للكويت، الذي ما إن انتهى حتى عادت لتقدم أوراقها في المعهد وتبدأ رحلة التدريس فيه.
في السابق كانت الحجي إلى جانب طالبين آخرين فقط اختاروا تخصص الأصوات "الأوبرا" في المعهد، لكن الإقبال عليه من الجنسين بلغ ذروته بدءا من عام 2000، حيث أصبح يتخرج فيه سنويا بين 10 و15 طالبا، وهو رقم قياسي في المجتمع الكويتي، خاصة شريحة الشباب الذين تغيرت نظرتهم، وباتوا يستسيغون فن الأوبرا.

وعلى مدى أكثر من عشرين عاما سعت الحجي إلى تغيير نظرة الكويتيين إلى فن الغناء الأوبرالي، وكان هدفها هو الوصول إلى كل كويتي وكل بيت، وتقول إنها نجحت في ذلك إلى حد بعيد، بعد أن كان البعض يعتبره مجرد صراخ.

الحفلات التي تقدمها الحجي اليوم يؤمها الكويتيون بشكل كبير، وكان آخرها في دار الأوبرا بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، فكانت تتلمس صدى تقبلهم فن الأوبرا من خلال الحضور الكثيف وإنصاتهم خلال الغناء، ومن ثم التهافت عليها بعد انتهاء الحفل ليكيلوا لها المديح، ويطلبوا منها تعليمهم الطريقة لتعلم هذا الفن، وهو ما جعلها تتساءل في نفسها: أهؤلاء كويتيون فعلا أم أجانب؟

وبمرور الوقت، بدأت الدعوات توجه للحجي للغناء في مصر، ليتفاجأ زملاؤها هناك بكونها فتاة كويتية وخليجية تتقن الغناء الأوبرالي، ومن ثم كانوا يسألونها: هل أنت كويتية حقا؟ وهل درست هذا الفن في الكويت؟ أم أنك تخرجت من بلدان لها باع طويل في هذا الفن كروسيا أو الولايات المتحدة؟ وتقول إنها كانت تعذرهم في أسئلتهم هذه، حيث إن المتعارف عليه أن الكويتيين لا يغنون إلا اللون الشعبي المعروف في منطقة الخليج.

أماني الحجي حققت حلمها بأن تكون أول سوبرانو كويتية وخليجية، ورغم أنها صدحت بصوتها خمس مرات في دار الأوبرا المصرية وعلى مسارح الكويت، فإنها ما زالت تصبو إلى العالمية

أول "سوبرانو"
حققت الحجي حلمها بأن تكون أول "سوبرانو" كويتية وخليجية، ورغم أنها صدحت بصوتها خمس مرات في دار الأوبرا المصرية وعلى مسارح الكويت، فإنها ما زالت تصبو إلى العالمية، متمنية أن تزول جميع العراقيل التي تقف حائلا دون ذلك.

تغني الحجي "الأوبريتات" باللغات الإيطالية والفرنسية والألمانية، وعن إمكانية تعريبها تؤكد وجود صعوبات جمة، وتقول "يحتاج ذلك إلى الكثير من المتطلبات لإخراجها بالصورة المشرفة والمتكاملة، فهي تحتاج إلى "كورال" كبير وفريق أوركسترا وديكور ومسرح، فضلا عن طاقم الإيقاع الحركي والأزياء.

لكنها أيضا تشير إلى وجود بعض المحاولات لتعريب "الأوبريتات"؛ ففي الكويت نجح الدكتور رشيد البغلي قبل نحو ثلاثة أعوام في عمل "أوبرا ديرة" باللهجة الكويتية، وكانت مع فريق أوركسترا متكامل ولاقت نجاحا كبيرا.

وتضيف أنه في مصر أيضا قُدمت أوبرا "زواج فيغارو"، وهي أوبرا ألمانية قدمت باللغة العربية الفصحى ضمن منظومة أوبرالية متكاملة.

مسيرة الحجي لم تقتصر على الغناء الأوبرالي، فقد قدمت ألوانا فنية متنوعة، أبرزها قيامها مع الفنان عبد القادر هدهود بتعريب لوحة "علاء الدين" ضمن أوبريت للأطفال، والتي لاقت ثناء كبيرا من الحضور.

المصدر: الجزيرة

إعلان