موسيقى الشارع.. من قلب السنغال إلى سواحل المغرب

عبد الغني بلوط-الصويرة
في صباح شتوي بارد تلطفه أشعة شمس خجولة، تبدأ الحركة تدبّ شيئا فشيئا في شوارع مدينة الصويرة جنوبي غربي المملكة المغربية على المحيط الأطلسي، في وقت تنبعث فيه موسيقى هادئة من قلب ساحة القصبة العتيقة.
يقف وراء الميكروفون، مامادو سومار، شاب أفريقي ذو بشرته السوداء، يحمل قيثارته، يعزف ويغني أمام جمهور قليل، في حين ينتظر شباب مغاربة وأجانب آخرون دورهم أيضا للعزف على آلاتهم الموسيقية.
مامادو القادم من دكار عاصمة السنغال، عمل لمدة مع فرقة موسيقية في مراكش، وبعد انتهاء عقده قرّر البقاء في المغرب من أجل كسب قوت يومه من العزف والغناء، وباحثا عن تجربة جديدة في الحياة.
يقول مامادو "استهواني المغرب وجمال مدنه، واخترت الموسيقى عنوانا لي في هذه الحياة لتمرير رسالة السلام منه إلى العالم".

استمتاع وإمتاع
ترتبط موسيقى الشارع دائما بالمغامرة، ولكنها في الصويرة لها رونق خاص، لأنها تقدم من شباب يحملون جنسيات مختلفة، يعزفون موسيقى جديدة ومتنوعة، وهذا الجمال هو ما يدفع المارة لمنح فناني الشارع بعض النقود.
يقول الباحث المغربي في الموسيقى نسيم حداد "ما يمنحه الناس لفناني موسيقى الشارع لا يكون بسبب الشفقة على حالهم، بل هو تعبير بالرضا عما يقدمون، وتقاسم لمشاعر الود والحب للموسيقى".
ولا ينتظر الفنان من جمهوره المال، يقول مامادو "نحن لا نجبر أحدا على إعطائنا المال، نعزف ونعزف، نستمتع ونمتع، وكل ما نحصل عليه خير وبركة"، ويضيف مامادو أن نظرات الفخر والإعجاب في عيون المستمعين له كافية، وتشعره بالرضا والفرح.

فنان السلام
يعتبر مامادو نفسه فنانا يحمل رسالة السلام، فلا يكترث كثيرا لنظرات الناس الناقصة له أو لموسيقى الشارع، ويقول "الشعور بالتمييز ظاهرة كونية، يعاني منها السود كما يعاني منها العرب أو غيرهم، لذا فالفنان لا يتأثر بل يؤثر ويدفع الناس نحو الإخاء والسلام".
ويعرف مامادو نفسه بلقب "رجال يا سلام"، وهو عنوان مقطوعته الفنية المفضلة التي كانت أولى تجاربه في التأليف، وقد أحبها الشباب في بلده وبعض الدول المجاورة نظرا لما تعانيه من حروب ونزاعات عرقية وإثنية، على حد تعبيره.
صعاب الطريق
لا تخلو مغامرة مامادو وفناني الشارع من الصعاب، فالموسيقى وحدها لن تؤمن لهم مصاريف حياتهم، لذلك عادة ما يلجؤون إلى العمل في المطاعم.
كما يعاني مامادو من انزعاج التجار والسكان حيث يعزف من مكبرات الصوت، التي لا تتوقف طيلة الوقت، فيضطرون إلى الانتقال كثيرا بين الأحياء أو التعاون مع المقاهي والمطاعم السياحية.
يرجع حداد نفور بعض الناس من موسيقى الشارع إلى المتخيل في ذهن الناس والذي يركن إلى الدفاع عن الهوية المحلية باعتباره هذا الفن دخيلا على ثقافتهم ولا يمثلهم، على حد تعبيره.