5 سنوات على تفريعة السويس.. متى يعترف السيسي بخطأ قراراته المتسرعة؟
حلّت قبل أيام الذكرى الخامسة لإنشاء تفريعة قناة السويس، والتي عقدت عليها السلطة المصرية ومؤيدوها آمالا بجلب الرخاء للمصريين الذين راهن بعضهم بمدخراته واستثمر فيها أملا في تحسين وضعه الاقتصادي.
فبعد تعويم الجنيه المصري نهاية عام 2016، فقد ثلثي قيمته الشرائية (الدولار قفز عند التعويم إلى نحو 18 جنيها، ثم انخفض اليوم إلى 16 جنيها، بعد أن كان يساوي نحو 6 جنيهات وقت البدء في حفر التفريعة).
وتتجدد آلام الحاج عمار مع كل ذكرى لافتتاح التفريعة التي حلت ذكراها الخامسة قبل أيام، وقد استدعى تفاصيل ما أقدم عليه قائلا للجزيرة نت إنه يشعر أن الحكومة "استغفلته وهي تخطط منذ البداية لتعويم الجنيه، ولن تخسر بل ستكسب من فارق تحويل الأموال بين الدولار والجنيه قبل التعويم وبعده"، بحسب تعبيره.
أما كريم -وهو مستورد لمعدات التصوير- فيشعر أيضا بالغضب الشديد للركود الذي خنق اقتصاد البلاد نتيجة سحب السيولة من أيدي الناس ووضعها في مشروع التفريعة، ويتحدث للجزيرة نت في ذكرى افتتاحها الخامسة قائلا: مصر لم تكن تفرح يومها كما رددت أبواق السلطة، بل كانت حزينة من تردي أوضاع الناس وخاصة التجار، ورغم ذلك تعلقنا بأمل أنها ربما تتحسن بعد الافتتاح وزيادة عوائد القناة، لكن "الركود استقر واستمر، وتردت الأوضاع أكثر، والسيسي لا يريد الاعتراف بخطأ قراراته المتسرعة".
وجمعت الحكومة من المصريين نحو 64 مليار جنيه لحفر التفريعة (نحو 10 مليارات دولار وقتها)، ولم يكف المبلغ فاقترضت نحو 850 مليون دولار من البنوك المحلية، بينما تحملت الميزانية العامة للدولة حوالي 7.6 مليارات جنيه سنويا، هي مقدار خدمة الدين لـ64 مليارا جرى جمعها.
وأوضح الخبير الاقتصادي مصطفى شاهين أن دراسة الأوضاع الاقتصادية العالمية وقتها كانت تؤكد ضرورة إرجاء المشروع، نظرا لمرور الاقتصاد العالمي بتباطؤ واضح، فضلا عن مؤشرات عديدة كانت تؤكد إقدام الدول الكبرى على إيجاد بدائل لقناة السويس برمتها، منها إنشاء قطار يربط بين الصين وأوروبا.
وتابع شاهين في حديثه للجزيرة نت أنه لم يكن متوقعا تحقيق أي عوائد من التفريعة بحسب دراسات الجدوى، فلم تكن القناة قد بلغت مرحلة ذروة المرور فيها، لكي يتم تبرير حفر التفريعة الإضافية بتخفيف الزحام وتيسير المرور وتحقيق عائدات أكبر.
ولفت إلى أن أرقام القناة خلال السنوات الخمس الفائتة، لم تشهد تحسنا كبيرا في العوائد، مما أحرج النظام الذي تفاءل بتحقيق 100 مليار دولار عوائد سنوية، وظلت الأرقام تدور حول 5 مليارات دولار سنويا، بينما ظل عائد السياحة يحقق 13 مليار دولار، وعوائد المصريين بالخارج 29 مليارا، وهما لم يرهقا ميزانية الدولة كما فعلت التفريعة.
وقال شاهين -وهو أيضا أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية- إن المشروع مثّل ضغطا على حصيلة النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، بحسب اعتراف رئيس البنك المركزي السابق هشام رامز.
وأوضح شاهين أن ما جرى دفعه من الاحتياطي النقدي للبلاد في المشروع بلغ حوالي 8 مليارات دولار خلال عام، بدلا من 3 سنوات، مما اضطر الحكومة في النهاية لقرار تعويم الجنيه، وانخفاض قيمة العملة المحلية إلى الثلث، وزيادة معدل التضخم إلى 36%، وارتفاع الأسعار مع انخفاض الدخول.
وقال خبراء بالملاحة إن التفريعة الجديدة لم تحقق الازدواج الكامل بالقناة الجديدة، إذ لا تزال السفن تضطر للانتظار في البحيرات المرة، واتباع طريقة القوافل للمرور، مؤكدين أن تضاعف أرباح القناة مرتبط بحركة التجارة الدولية لا بتوسيع المجرى الملاحي، بينما تتزايد حركة التجارة الدولية بنسبة 3% فقط تقريبا كل عام، قبل أن تنخفض لأسوأ مستوياتها منذ شهور بفعل هجمة فيروس كورونا المستجد.
وقال تقرير شبكة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية إن مشروع "توسعة قناة السويس" كان معناه أن "مصرّ تهدر 8 مليارات دولار على توسعة لقناة السويس، لا يحتاجها العالم".
وأشار التقرير إلى أن المشروع من شأنه نظريا أن يضاعف حجم حركة العبور في قناة السويس، لكن الحركة فيها أصلا ليست بهذا الحجم حاليا، حيث إن حجم التجارة العالمية والأوروبية بشكل خاص في تراجع منذ عام 2005.
تقارير رسمية
في المقابل، قالت تقارير رسمية إن تفريعة القناة الجديدة ساهمت في رفع إيرادات القناة على مدار السنوات الخمس الماضية إلى 32 مليارا و442 مليون دولار.
وتراوح مجمل إيرادات القناة سنويا بين 4.9 مليارات دولار في حده الأدنى، و5 مليارات و750 مليون دولار سنويا في حدها الأقصى على مدى السنوات الخمس الفائتة، وهو رقم يقترب من آخر عائد حققته القناة عام 2010، قبل التوسعة.
وبحسب رئيس هيئة قناة السويس السابق مهاب مميش -في تصريحات له عام 2015- فإن المشروع سيزيد دخل القناة في أول عامين (حتى 2017) ليصل إلى 8 مليارات دولار سنويا، (وهو ما لم يحدث) ثم يرتفع بحلول عام 2023 إلى 13.4 مليار دولار سنويا.
ونفى المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ما تردد في بعض وسائل الإعلام المحلية والأجنبية وصفحات التواصل الاجتماعي، حول أنباء عن سداد ديون هيئة قناة السويس المقدرة بنحو 600 مليون جنيه من الموازنة العامة الجديدة للدولة 2019-2020، بعد عجز الهيئة عن السداد.
اعتراف وتبرير
أما في بيانات هيئة القناة، فنجد اعترافا بتراجع الإيرادات عما كان مأمولا، مع إرجاع السبب لتدني حركة التجارة العالمية والانخفاض الشديد في أسعار النفط، وتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد الصيني، وعدم تحقيق منطقة اليورو حتى الآن الانطلاقة الاقتصادية المرجوة.
واعتادت هيئة قناة السويس -بعد افتتاح التفريعة- نشر أرقام العوائد بالجنيه بدلا من الدولار، لإظهار زيادة كبيرة في الأرقام.
ومن جانبه، حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تبرير الفشل في تحقيق ما وعدت به السلطة بشأن القناة الجديدة، قائلا إن الهدف الأساس للمشروع كان رفع الروح المعنوية للمصريين.
وكان مميش قد صرّح بأن السيسي فاجأه على الهواء أثناء استعراض مراحل التنفيذ وتحديده المدة بـ36 شهرا، بعبارة "هي سنة"، مما زاد التكلفة بتعبير مميش.
وفي تصريحات للإعلام المحلي، قال وزير النقل الحالي كامل الوزير -وكان رئيسا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة وقت تنفيذ المشروع- إن السيسي رفض مدة السنوات الثلاث لحفر القناة في ليلة الإعلان عن المشروع، وطلب تقصير المدة لعامين فقط، متابعا: "إلا أنني فوجئت على الهواء أثناء الاحتفالية بإعلان الرئيس الانتهاء من حفر قناة السويس الجديدة خلال عام واحد".
ولفت كامل الوزير إلى أن السيسي فكّر في حفر قناة السويس الجديدة "بعد أسبوع واحد من توليه الحكم"، خلافا لما ذكره مميش من أن العرض بالحفر جاء من جانب الهيئة.
وتمتد التفريعة الجديدة لقناة السويس -التي افتتحت في 6 أغسطس/آب 2015- بطول 35 كلم، بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات بحيرتي المرة والبلاح.
وحظيت التفريعة الجديدة في الافتتاح والذكرى السنوية باحتفاء رسمي لم تحظ به سابقاتها على امتداد المجرى الملاحي، رغم تعدد مشاريع التوسعة والحفر. ففي عام 1980 وحده جرى افتتاح 3 تفريعات، هي: تفريعة بورسعيد بطول 40.1 كلم، وتفريعة التمساح بطول 4.3 كلم، وتفريعة الدفرسوار بطول 8.4 كلم، فضلا عن تفريعات أخرى.