أكراد العراق
الأكراد مكون مهم من مكونات المجتمع العراقي بل ومن مكونات دول أخرى في الشرق الأوسط وفي آسيا. يقدر عددهم بخمسة وعشرين مليونا يتوزعون بين خمس دول 46% منهم في تركيا، و31% في إيران، و5% في أرمينيا وسوريا، و18% في العراق.
التاريخ والأرض والشعب
تسود بين الأكراد 18 لهجة كردية مختلفة ولهم تاريخ حافل خاصة في إطار الحضارة الإسلامية، إذ توجد أسماء كردية شهيرة من أمثال أبي مسلم الخراساني قائد الدولة العباسية الشهير، وصلاح الدين الأيوبي صاحب موقعة حطين، وابن تيمية الفقيه المعروف وغيرهم كثير.
وكردستان العراق التي يسكنها ثلاثة ملايين و800 ألف كردي عبارة عن جبال وهضاب ومجموعات بشرية تعيش وفق نظام قبلي صارم تروج فيه مفاهيم الإباء والشجاعة والفروسية، ويقوم على نشاط اقتصادي معتمد على الرعي والزراعة.
الخريطة السياسية الكردية
تموج الساحة الكردية في العراق بالعديد من التشكيلات السياسية المختلفة من أبرزها:
الحزب الديمقراطي الكردستاني
أسس هذا الحزب عام 1946 ويتزعمه الآن مسعود البرزاني بن الملا مصطفى البرزاني.
تغلب النزعة القومية الكردية على الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويعتمد إلى حد كبير على العشيرة البرزانية، ويكثر أتباعه في منطقة أربيل شمالي العراق.
وللحزب علاقات جيدة مع تركيا والحكومة العراقية والولايات المتحدة والدول الغربية إلا أن علاقاته مع إيران يعتريها سوء تفاهم غالبا.
الاتحاد الوطني الكردستاني
انشق الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني عام 1975 عن الحزب الديمقراطي الكردستاني.
يتبنى الحزب اتجاهات قومية كردية، ويوجد لدى العديد من كوادره ميول ليبرالية.
وتوجد قواعد الحزب بكثرة في النصف الجنوبي من كردستان العراق.
تربط الحزب علاقات متينة بكل من إيران والولايات المتحدة الأميركية.
وليست علاقاته بالحكومة المركزية في بغداد وكذلك في تركيا بالحسنة، فهما أقرب بكثير إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني منهما إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.
حزب الاتحاد الإسلامي
يتمثل حزب الاتحاد الإسلامي فكر الإخوان المسلمين، وقد أسس عام 1992 بقيادة الشيخ صلاح الدين محمد بهاء الدين، وهذا الحزب ذو توجه إصلاحي لا يعتمد على المواجهة المسلحة، وقد شارك في حكومة أربيل التي يتزعمها مسعود البرزاني بوزير واحد (وزير العدل). ولحزب الاتحاد الإسلامي علاقات طيبة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية ومع الزعيم التركي أربكان وتنظيمه السياسي.
الحركة الإسلامية
عرفت الحركات الكردية ذات التوجه الإسلامي تشرذما كثيرا، وظلت الحركة الإسلامية لمدة طويلة أهم حزب إسلامي كردي. وهو حزب، من حيث التوجه، غير بعيد من حركة الإخوان المسلمين العالمية. أسست الحركة الإسلامية في الثمانينات بقيادة الملا عثمان ثم ترأسها الملا علي عبد العزيز. وبعد وفاته آلت رئاستها إلى ابنيه الملا علي والملا صادق.
حزب كادحي كردستان
حزب يساري يتزعمه قادر عزيز، وتربطه علاقات قوية بالحزب الوطني الكردستاني فتحالفا في الانتخابات التي تمت بمحافظة السليمانية سنة 1992، كما وقف بجانب الحزب الوطني الكردستاني يوم 31 أغسطس/آب 1996 حينما دخل الجيش العراقي السليمانية.
جماعة أنصار الإسلام
جماعة أنصار الإسلام (پاك) من أحدث التشكيلات السياسية الكردية حيث أسست يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2001، ويتزعمها الشيخ فاتح كريكار ويكنى "أبو سيد قطب".
انشقت هذه الجماعة عن الحركة الإسلامية السالفة الذكر وعرفت، لتشددها، بلقب "طالبان الكردية".
بدأت جماعة أنصار الإسلام بعد يوم واحد من تأسيسها الحوار مع الاتحاد الوطني الكردستاني رغم الصدامات الدامية التي وقعت بين هذا الحزب وبعض أتباع جماعة جند الإسلام -أحد مكونات جماعة أنصار الإسلام- والتي أسفرت عن سقوط قرابة ألف قتيل في صفوف الاتحاد مقابل حوالي 50 قتيلا ينتمون إلى جماعة جند الإسلام.
بعد بدء الحوار بقليل تعرض الدكتور برهم صالح، رئيس الحكومة الكردية في السليمانية وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني البارز، إلى محاولة اغتيال اتهمت فيها جماعة أنصار الإسلام مما أدى إلى تدهور العلاقات من جديد بينها وبين الاتحاد الوطني الكردستاني رغم نفي الجماعة علاقتها بالحادث.
تنشط جماعة أنصار الإسلام في كردستان العراق سياسيا وعسكريا وتتعرض منذ 11 سبتمبر/أيلول للاتهام من طرف خصومها وخاصة الاتحاد الوطني الكردستاني بالانتماء لتنظيم القاعدة.
الدولة الكردية ومشكلة الانقسام الحزبي
” ” |
منذ زمن طويل والأكراد يحلمون بوطن قومي يجمع شتاتهم ويلم شملهم، فاللغة والتقاليد والتاريخ وغيرها من المظاهر الاثنية تجعل الأكراد يرغبون في تأسيس دولتهم الخاصة بهم. ولم تقبل الدول التي يوجد فيها أقلية كردية بذلك سواء في تركيا أو العراق أو سوريا أو في إيران.
لكنه وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 أصبح لأكراد العراق وضعا خاصا بهم إذ استطاعوا أن يحققوا في "الملاذ الآمن" الذي وفرته حماية الطيران الأميركي والبريطاني "كيانا خاصا بالأكراد".
الكيان الكردي بعد عاصفة الصحراء
طبع الانقسام التقليدي الذي تعيشه الساحة الكردية العراقية "الكيان الكردي" الجديد، فتوجد هناك "حكومتان" رئيسيتان إحداهما في السليمانية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه جلال الطالباني، ويترأسها الدكتور برهم صالح ولها علاقات متينة مع إيران.
والثانية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني وهي في أربيل وقريبة في تحالفاتها من تركيا ومن الحكومة المركزية في بغداد ويتزعمها مسعود البرزاني ويترأس حكومتها نيشروان برزاني.
قررت بغداد في أكتوبر/تشرين الأول 1991 سحب موظفيها من كل الإدارات العاملة في كردستان العراق بعد حظر الولايات المتحدة الأميركية على الطيران العراقي التحليق فوق المنطقة الواقعة شمالي خط عرض 32، وقد استغل الحزبان التقليديان الوضع فأصبحوا يديرون أمور المنطقة بأنفسهم بالتعاون مع المنظمات الدولية وتحت حماية الطائرات الغربية.
وفي مايو/أيار 1991 قام الأكراد بإجراء انتخابات لتشكيل برلمان لهم وتناصف الحزبان الرئيسيان مقاعد هذا البرلمان، وأعلن عن تشكيل حكومة في يوليو/تموز 1991. بيد أن التنسيق بين الحزبين ما لبث أن تلاشى وحل محله التناحر والاقتتال.
الوضع الأمني والعسكري في كردستان
قبل حرب الخليج الثانية كانت المناطق الكردية تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب الاشتباكات المسلحة التي كانت تندلع بين الحين والآخر مع الحكومة المركزية في بغداد، وبعد عام 1991 لم يتغير الوضع كثيرا إذ سرعان ما دب الخلاف بين أكبر فصيلين سياسيين كرديين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني استعان أحدهما بالطرف العراقي وحاول الآخر الاستعانة بأطراف خارجية. وكانت أبرز محطات الصراع بينهما على الوجه التالي:
- اندلع قتال شرس في مايو/أيار 1994 بين الحزبين (حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) بعد تصاعد الخلافات بينهما.
- طلب مسعود البرزاني في أغسطس/آب 1996 تدخل الجيش العراقي فلبى طلبه ووجه ضربات شديدة لقوات الطالباني.
- تعثر إعلان الاتفاق بين الحزبين في أكتوبر/تشرين الأول 1996 ولم ينجح كذلك وقف إطلاق النار المقرر أن يكون في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1996 رغم الرعاية الأميركية والبريطانية والتركية للمبادرة.
- وقع الطرفان وبوساطة أميركية في سبتمبر/أيلول 1998م اتفاقية جديدة.
- نشبت مصادمات مسلحة بين قوات الحزبين في يوليو/تموز 2000 استمرت لعدة أيام وأدت إلى سقوط 40 قتيلاً معظمهم من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
- نشب قتال آخر بينهما في منتصف سبتمبر/أيلول 2000 استمر بصورة متقطعة على مدى أسبوعين في عدة مناطق، من بينها قلعة ديزة ورانية وزيلي. ولقي العشرات من الجانبين مصارعهم.
- توقف القتال يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 2000 عندما أعلن حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار من جانب واحد.
- تعرض الدكتور برهم صالح رئيس الحكومة الكردية بالسليمانية وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني في أبريل/نيسان 2002 لمحاولة اغتيال اتهمت جماعة أنصار الإسلام الكردية بتدبيرها وقد نفت ذلك.
دور الحكومة المركزية في الصراع
تتهم منظمات حقوق الإنسان الدولية بغداد بالتهجير القسري للأكراد والتركمانيين من كركوك وخانقين ومخمور وسنجار وطوز خورماتو وغيرها من المناطق في إطار برنامج "التعريب" الذي تطبقه. وتذهب هذه المنظمات إلى أن السلطات العراقية قد استولت على ممتلكاتهم وأموالهم، وجُرد الذين تم تهجيرهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة الكردية من كل ممتلكاتهم وسحبت منهم بطاقاتهم التموينية، كما تذكر منظمات حقوق الإنسان.
الأكراد والحرب الأميركية المحتملة ضد العراق
” |
لا تخفي بعض الأطراف الكردية ضرورة الإبقاء على التجربة الكردية مع النظام الحاكم في بغداد والقائمة على مفهوم "الكونفدرالية" واستمرارها حتى إذا نجحت المحاولات الأميركية للخلاص من الرئيس العراقي الحالي صدام حسين.
ويبرر الأكراد ذلك بأن تجربة الكونفدرالية، مهما اعتمدت على حراسة الطيران الأميركي والبريطاني ومهما أضعفت من شأن وحدة الدولة المركزية، قد خلقت استقرارا وعدالة اجتماعية وتوزيعا منصفا للسلطة والثروة.
وتذهب بعض التكهنات إلى احتمال لعب أكراد العراق دورا في الإطاحة بنظام صدام حسين مما يرشح تحالفا أميركيا كرديا لمواجهة هذا النظام، خاصة وأن تاريخ المواجهة بين الأكراد والحكومة المركزية طويل ودام وبخاصة في حلبجة عام 1988 التي قتل فيها الجيش العراقي حوالي خمسة آلاف شخص معظمهم من المدنيين بالغازات السامة.
لكن عدم التأكد من الهدف الحقيقي لخطة التدخل الأميركي الجديد الذي يغذيه الخوف من التورط مع الإدارة الأميركية في عملية مسلحة ضد العراق تجعل الكثير من الأكراد غير متحمسين لعملية الإطاحة هذه. خاصة وأنهم يرون أن بوش الأب قد خذلهم في 1991 حيث شجعهم على الانتفاضة ضد نظام بغداد وتركهم فريسة له بعد ذلك، مما تسبب في مقتل الكثير منهم وقد يسير بوش الابن على خطى والده. وقد عبر عن ذلك صراحة مسعود البرزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بقوله "نحن غير جاهزين للمجازفة، لأننا غير متأكدين من أن المجازفة ستحسن أوضاعنا".
وتتفق رؤية "الحكومتين الكرديتين" بأربيل والسليمانية في شأن الخطة الأميركية التي يتم الإعداد لها، فهناك في الجانبين تخوف وتباطؤ من دعم خطة أميركية ضد صدام حسين، فمن غير المتوقع -حسب بعض المراقبين- أن يعرض الأكراد أمنهم تحت طائلة الاهتمام بالأولويات الأميركية.
” |
ولم تمنع هذه الوضعية الكردية غير المشجعة -بالنسبة لدعاة الحرب في أميركا وبالنسبة للمعارضة العراقية في الخارج- بعض المراقبين من مقارنة وضعية أكراد العراق ووضعية قوات الشمال بأفغانستان غداة الهجوم الأميركي على طالبان.
ففي حالة وقوع هذا الهجوم الأميركي على العراق ستكون المنطقة الكردية -حسب هؤلاء المراقبين- نقطة انطلاق مهمة للهجوم البري. وستقوم القوات الأميركية -حسب أحد السيناريوهات- ومقاتلو المعارضة العراقية بتكرار تجربة الحرب ضد طالبان في أفغانستان، حيث ستستخدم المناطق الواقعة تحت السيطرة الكردية والقوات الموجودة فيها مثلما استخدمت الأرض وقوات التحالف الشمالي الأفغاني في الحرب ضد طالبان.
وفي كل الاحتمالات، وتبعا لجميع السيناريوهات، فإن أكراد العراق يشترطون أن تضمن لهم "كونفدراليتهم" داخل الدولة التي ستخلف صدام. ومع أن ما ينقل عن المسؤولين الأميركيين لا يخلو في الغالب -تصريحا وتلميحا- من معارضتهم إنشاء دولة كردية شمالي العراق، إرضاء في أغلب الحالات لحليفتهم المحورية تركيا. ويبقى التساؤل مطروحا: هل تعطي الحرب الجديدة التي قد تشنها الولايات المتحدة ضد نظام بغداد حلولا للأكراد أم ربما زادت من تعقيد وضعهم.
_______________
قسم البحوث والدراسات-الجزيرة نت
المصادر:
1 – كردستان العراق
2 – الجماعة الإسلامية في كردستان العراق
3 – الدور الكردي في عراق ما بعد صدام
4 – الأكراد وأميركا
5 – حقوق الإنسان في العراق
6 – موقع حركة أنصار الإسلام الكردية
7 – حزب الدعوة الإسلامية الكردي وكذلك: الموقع الثاني للحزب
8 – موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني