التبت والعالم
لا تزال قضية التبت في نظر العالم الرسمي عموما قضية حقوقية عرقية بالدرجة الأولى، سواء اتفقوا معها أم اختلفوا. والدول التي لها علاقة جيدة مع الصين أو ليست لها مصالح في قضية التبت، لا تعير اهتماما خاصا بها، خاصة بعض دول الجوار مثل روسيا وإيران وباكستان وغيرها.
غير أن هناك مجموعة من الدول الآسيوية تقدم احتراما خاصا للدلاي لاما، لكنها تؤثر الابتعاد عن أي إطار سياسي يجمعها به أو بقضيته، أخذا بعين الاعتبار مصالحها ومخاوفها من الصين. وعلى رأس هذه الدول اليابان.
أما العالم الغربي على وجه خاص فإنه يحتضن القضية التبتية سياسيا عبر الباب الحقوقي، ويحظى الدلاي لاما الزعيم الروحي للمعارضين التبت باحترام خاص لدى الشعوب الغربية، فهو في نظرهم ناشط حقوقي يعتمد المقاومة السلمية لتحقيق أهداف شعبه بالتحرر من الاضطهاد الصيني الشيوعي.
وهو بحسب مقاييسهم شبيه بالمهاتما غاندي يلبس ثوبا بسيطا ويحمل قضية معقدة، وهذا التوصيف لا يبتعد كثيرا عن حقيقة مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ويشمل كذلك -بوجه ما- أبرز دولة مجاورة للصين ألا وهي الهند، ومنها البداية.
الهند
فالهند كانت من الدول الأولى تاريخيا التي احتجت على سيطرة الصين الشيوعية على التبت، فضلا عن الحذر الذي يشكل جزءا مهما في علاقتها مع بكين. كما أن الهند تستقبل الدلاي لاما وحكومة المنفى التبتية على أرضها المحاذية للصين في تلال دارمسالا.
ولا تخفي الهند تعاطفها مع التبتيين، وهو الذي دفعها لأن تعلن أسفها لوقوع أحداث العنف الأخيرة التي وقعت في التبت في مارس/ آذار الماضي، ولكنها في نفس الوقت طلبت من الدلاي لاما والتبتيين الموجودين على أرضها عدم القيام بأي نشاط سياسي قد يؤثر على العلاقة مع الصين، في تأكيد على التزامها سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للصين.
أميركا
أما الولايات المتحدة فهي مفتوحة لكل المؤسسات الحقوقية والإعلامية وغيرها التي تؤيد التبتيين، وحظيت قضيتهم في عهد الإدارة الحالية بإشارة ترحيب خاصة، حيث ظهر الرئيس الأميركي جورج بوش مع الدلاي لاما إلى العلن أثناء زيارة الأخير لواشنطن في خطوة غير مسبوقة، كما قدم الكونغرس الأميركي للدلاي لاما الميدالية الذهبية وهي أعلى وسام مدني أميركي.
ولكن هذا التصرف الأميركي لم يزد عن كونه تكريما لشخصية حقوقية دينية ناشطة ولم تعط أي بعد سياسي، كما أن واشنطن لا تجادل في أن التبت جزءا من الأراضي الصينية، بغض النظر عن التحليلات التي تتحدث عن استعمال الإدارة الأميركية للمسألة الحقوقية في التبت للضغط على الصين بغية دفعها إلى انفتاح سياسي أكبر.
أوروبا
ورغم المخاوف التاريخية الصينية من الاستعمار الأوروبي وتحديدا البريطاني منه واتهامه بأنه المحرض الأساسي لولادة فكرة استقلال التيبت، فإن الموقف الأوروبي عموما طمأن الصين إلى التزامه بوحدة التراب الصيني عندما أقر من حيث المبدأ بأن التبت جزء لا يتجزأ من أرض الصين، وهو ما أكدته المفوضية الأوروبية بعد أحداث مارس/ آذار الأخيرة، ولكن هذا لم يمنعها من إثارة قضية حقوق الإنسان في الإقليم وإعطائها الأولوية في أي محادثات تجري بين الطرفين.
ولا شك في أنه رغم الاستقبال الحافل الذي حظي به الدلاي لاما في أكثر من عاصمة أوروبية، إضافة إلى انتشار مجموعات حقوقية كبيرة مؤيدة له في كافة أوروبا، استطاعت الصين أن تكرس مبدأ خضوع التبت للسيادة الصينية مدخلا للتعامل معها في أي شأن آخر، خاصة أن الإقرار الأوروبي بسيادة الصين تجدد بصورة واضحة بعد الأحداث الدامية الأخيرة التي تمت إدانتها عالميا من قبل جهات حقوقية كبيرة.
كما أن الأوروبيين أعلنوا موافقتهم على حضور الألعاب الأولمبية التي ستجرى على الأرض الصينية في هذا العام بدون أي شروط، وإن شكلوا بعض الضغط لتترك الصين باب التفاوض مع الدلاي لاما مفتوحا.