حكومات السلطة الثلاث


undefined
مي الزعبي

تعاقبت على السلطة الوطنية الفلسطينية في أقل من 1.5 عام ثلاث حكومات، وذلك منذ تحول الحكومة في انتخابات يناير/ كانون الثاني 2006 إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وخروجها لأول مرة من يد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

ولم تقتصر السرعة في تلك الفترة الزمنية على تغيير الحكومات بل طالت أيضا الأحداث التي تلاحقت على كل الأصعدة.

الحكومة المنتخبة
حكومة الوحدة الوطنية
حكومة الطوارئ

الحكومة المنتخبة

رئيس السلطة الوطنية محمود عباس (يمين) ورئيس الحكومة إسماعيل هنية (الفرنسية-أرشيف)
رئيس السلطة الوطنية محمود عباس (يمين) ورئيس الحكومة إسماعيل هنية (الفرنسية-أرشيف)

شهد عام 2006 ولأول مرة انتقال القرار الفلسطيني من فتح إلى حماس، عقب فوز الأخيرة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2006 والتي شهد المراقبون الدوليون بنزاهتها، وجاء الفوز بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي بواقع 76 مقعدا من أصل 132، بينما حصلت فتح على 43 مقعدا.

في نهاية مارس/ آذار شكلت حركة حماس أول حكومة لها، لكن الرئاسة التي أحجمت حماس عن خوض غمار انتخاباتها قبل نحو عامين ظلت بيد حركة فتح، وجاء تشكيل الحكومة بعد فشل مفاوضات مكوكية انتهت برفض كافة القوى والفصائل المشاركة في حكومة ائتلاف وطني سعت حماس لتشكيلها.

ومنحت الأغلبية المطلقة الثقة للحكومة الجديدة برئاسة إسماعيل هنية بواقع 71 صوتا، فيما حجبت كتلتا فتح والطريق الثالث الثقة عن الحكومة، كما منحتها كتلة أبو علي مصطفى الثقة، وتغيبت كتلة فلسطين عن الجلسة، وامتنعت كتلة البديل عن التصويت.

وقد طغى الحضور الحمساوي على الحكومة العاشرة منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994.

وأدى الوزراء الـ24 اليمين الدستورية يوم 29 مارس/ آذار 2006، وشغلت أسماء قيادية في حماس مناصب وزارية هامة، كناصر الشاعر نائبا لرئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم، ومحمود الزهار وزيرا للخارجية، وسعيد صيام وزيرا للداخلية والشؤون المدنية، وعمر عبد الرازق وزيرا للمالية، ويوسف رزقة وزيرا للإعلام.

ويبدو أن مبادئ حماس الرافضة الاعتراف باتفاقيات أوسلو القائمة على أساس الاعتراف بالوجود الإسرائيلي في فلسطين قد وضع الحركة وحكومتها تحت ضغوط داخلية وإقليمية ودولية، وتعرضت لحصار اقتصادي وسياسي خانق.

ضغوط داخلية

"
هدد الرئيس عباس الحكومة باستخدام صلاحياته الدستورية بحلها إذا أصرت على موقفها الرافض للتفاوض مع إسرائيل والاعتراف بها
"

فعقب يوم من أداء اليمين الدستورية هدد رئيس السلطة الوطنية محمود عباس الحكومة باستخدام صلاحياته الدستورية بحلها إذا أصرت على موقفها الرافض للتفاوض مع إسرائيل والاعتراف بها، ثم صادر من الحكومة السيطرة على الأجهزة الأمنية والإعلامية والمعابر والحدود.

ويوم 10 يونيو/ حزيران دعا الرئيس عباس لإجراء استفتاء شعبي على وثيقة مبادرة الأسرى الفلسطينيين للوفاق الوطني، ورفضت حكومة حماس خطوة الرئيس واعتبرتها إجراء غير قانوني، وفي نهاية الشهر وقعت الحركة مع الفصائل الفلسطينية على وثيقة الوفاق الوطني التي مهدت لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعرضت حماس لاتهامات بتقديم تنازلات إثر توقيعها على الوثيقة.

ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وتدهور أوضاع المواطنين إزاء عجز الحكومة عن دفع رواتبهم، سادت حالة من الفوضى الشارع الفلسطيني وتطورت إلى رفع السلاح بين حركتي فتح وحماس، واندلاع اشتباكات دموية بين مناصري الطرفين.

ضغوط إقليمية
ومن الضغوط العربية رفض الأردن يوم 18 إبريل/ نيسان استقبال الزهار بعد يوم من رفض المسؤولين المصريين استقباله، واتهمت الأردن حماس بإدخال أسلحة ومتفجرات وصواريخ للبلاد والتخطيط لضرب مواقع وأهداف أردنية.

وفي دور مصري، اجتمع الرئيس حسني مبارك يوم 5 يونيو/ حزيران مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للبحث في سبل تقوية عباس وإضعاف حكومة حماس.

ضغوط إسرائيلية ودولية
وفي أول رد فعل إسرائيلي على إعلان نتائج الانتخابات وفوز حماس، جمدت سلطات الاحتلال مستحقات السلطة الفلسطينية البالغة شهريا 55 مليون دولار، وطالبت المجتمع الدولي بمحاصرة قيادات حماس وحكومتها سياسيا، ورفضت استقبال الأجانب الذين يلتقون بهذه القيادات.

ثم قامت قوات الاحتلال بشن هجوم بري وجوي اختطفت خلاله 64 مسؤولا بينهم ثمانية وزراء و21 نائبا وعدد من رؤساء البلديات في مناطق الضفة والقطاع تنفيذا لتهديداتها بشل حكومة حماس.

كما فرضت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي عزلة سياسية على الحكومة، وأقر الكونغرس الأميركي يوم 23 مايو/ أيار قانونا يمنع تقديم المساعدة للفلسطينيين، ويعتبر كل دعم مقدم لهم لا يمر عبر ما وصفها بالقنوات الشرعية والرسمية إرهابا أو مساندة له.

حكومة الوحدة الوطنية

undefined

مرّ عام بعد تشكيل حكومة حماس تخلله حصار اقتصادي وسياسي خارجي على حكومتها، وضغوط من اللجنة الرباعية الراعية لخارطة الطريق والتي تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، وغزو إسرائيلي لغزة واعتقال وزراء ونواب الحكومة.

كما تدهورت العلاقة بين فتح وحماس لتقترب من حرب أهلية، وهدد الرئيس عباس بالدعوة إلى انتخابات مبكرة أو استفتاء لإقالة حماس، وفشلت المفاوضات التي أعقبت توقيع وثيقة الوفاق الوطني والتي استمرت أشهرا بين عباس والحركة في تشكيل حكومة وحدة وطنية.

اتفاق مكة
مع كل هذا التأزم والتصعيد على الساحة الفلسطينية، استطاعت فتح وحماس من خلال اتفاق مكة يوم 8 فبراير/ شباط 2007 بوساطة المملكة العربية السعودية من وضع حد للنزاع بين الحركتين.

ونص الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتحريم الدم الفلسطيني، ولم يشر بشكل مباشر إلى الاعتراف بإسرائيل كما تطالب اللجنة الرباعية، ودعا كتاب التكليف إلى احترام الاتفاقات الموقعة بين السلطة ومنظمة التحرير وإسرائيل، مع العلم أن قيادة فتح والسلطة أصرت على كلمة التزام، فيما أصرت حماس على كلمة احترام.

وبناء على الاتفاق كلف عباس رئيس الحكومة إسماعيل هنية بتشكيل أول حكومة وحدة وطنية فلسطينية تشمل 24 وزارة، وتضم أعضاء من حركتي فتح وحماس ومستقلين والكتل البرلمانية باستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومقاطعة من حركة الجهاد الإسلامي مع تأكيد على دعمها ومساندتها للحكومة.

وبعد اجتماعات بين هنية وعباس تخللتها عدة عقبات أبرزها الاتفاق على هوية الشخصية التي ستسند لها حقيبة وزارة الداخلية، تم الاتفاق على هاني القواسمي وهو شخصية مستقلة، وصوّت المجلس التشريعي بأغلبية ساحقة على منح الثقة لأول حكومة وحدة وطنية، وأعلن تشكيلها يوم 17 مارس/ آذار 2007.

ومن أبرز الشخصيات التي تضمنتها التشكيلة عزام الأحمد (فتح) لمنصب نائب رئيس الحكومة، زياد أبو عمرو (مستقل) لوزارة الخارجية، سلام فياض (مستقل) لوزارة المالية، هاني القواسمي (مستقل) لوزارة الداخلية، زياد الظاظا (حماس) لوزارة الاقتصاد.

ومن أهم نقاط برنامج الحكومة منح الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير تفويضا بإجراء مفاوضات مع إسرائيل، واحترام الحكومة لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة سابقا بين المنظمة وإسرائيل.

"
حكومة الوحدة لم تحقق الأمل الذي علق عليها برفع الحصار الاقتصادي والسياسي الدولي وتحقيق التهدئة
"

ولقيت الحكومة ترحيبا عربيا، وأملا في أن تضع حدا للنزاع الفلسطيني، ودفع عملية السلام في الشرق الأوسط، ومقاطعة الولايات المتحدة الأميركية لوزراء حماس وقصر اتصالاتها على الوزراء المنتسبين لفتح والمستقلين، أما الاتحاد الأوروبي فقد رهن موقفه بأفعال الحكومة.

وأعلنت إسرائيل عدم اعترافها بالحكومة وبأنها ستقصر اتصالاتها على الرئيس عباس، ودعت الدول الغربية إلى اتخاذ نفس الموقف.

لكن حكومة الوحدة لم تحقق الأمل الذي عُلق عليها برفع الحصار الاقتصادي والسياسي الدولي، وتحقيق التهدئة.

وفشلت جهود القواسمي في إعادة الانضباط إلى قطاع غزة مما دفعه لتقديم استقالته احتجاجا على عدم منحه صلاحياته كاملة لإنهاء الفوضى الأمنية، وخصوصا عقب تعيين الرئيس عباس محمد دحلان مستشارا للأمن القومي.

وتصاعد التوتر بين حركتي فتح وحماس على خلفية تطبيق الخطة الأمنية التي وضعها رئيس السلطة ورئيس الحكومة لوضع حد للانفلات الأمني، والتوفيق بين الأجهزة الأمنية التابعة للرئاسة والقوة التنفيذية التابعة للحكومة.

إقالة الحكومة
وتجددت اشتباكات دموية بين الحركتين بعد أسابيع من إنشاء الحكومة، وأعلنت فتح انسحابها منها، ولم تفلح الوساطات العربية والتحذيرات الدولية في وقف الاقتتال الداخلي الفلسطيني الذي انتهى بسيطرة حماس على مقار الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في غزة يوم 14 يونيو/ حزيران، وإصدار رئيس السلطة ثلاثة مراسيم هي: إقالة حكومة الوحدة الوطنية التي تقودها حماس بعد ثلاثة أشهر فقط من تشكيلها، وإعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة تنفذ حالة الطوارئ.

حكومة الطوارئ

 
 

رفضت حماس المراسيم الرئاسية، واتهمت عباس بالاستجابة لإملاءات أميركية، ووصفت قراراته بأنها "عربدة قانونية" وأصرت على بقاء هنية رئيسا للحكومة حتى إذا حلها الرئيس، وقالت الحركة إنه بموجب القانون تتحول حكومة هنية إلى حكومة تصريف أعمال في ظل عدم ذكر القانون لشيء اسمه حالة الطوارئ.

ولقيت قرارات عباس دعما كاملا وترحيبا من اللجنة الرباعية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتعهدت أميركا برفع الحصار السياسي والمالي بمجرد بدء حكومة الطوارئ مهامها، وأعلن وزراء الخارجية العرب دعمهم لعباس وفي الوقت ذاته تأييدهم للمجلس التشريعي المنتخب وإدانة أحداث غزة.

وأعلن سلام فياض وزير المالية في الحكومة المقالة تشكيل حكومة الطوارئ يوم 17 يونيو/ حزيران 2007 بتكليف من الرئيس عباس، وأدت الحكومة اليمين الدستورية دون مصادقة المجلس التشريعي.

وتولى فياض أيضا وزارتي الخارجية والمالية، في حين تولى اللواء عبد الرزاق اليحيى وزارة الداخلية والشؤون المدنية، فيما أسندت سائر الحقائب العشر الباقية إلى شخصيات مستقلة.

وتمسك هنية بشرعية حكومته، واعتبر حكومة الطوارئ غير قانونية وغير دستورية.

رأي القانون
وأثارت حكومة الطوارئ جدلا قانونيا في مدى شرعيتها، فقد أوضح النائب السابق بالتشريعي عزمي الشعيبي والذي كان عضوا بلجنة إعداد مسودة القانون الأساسي الفلسطيني أن إجراءات الرئيس عباس قانونية دستورية سليمة، حيث نصت المادة 113 على أنه "لا يجوز حل المجلس التشريعي الفلسطيني أو تعطيله خلال فترة حالة الطوارئ أو تعليق أحكام هذا الباب" وتعني "أن بالإمكان تعطيل مواد في أبواب أخرى".

من جهة أخرى، قال أنيس القاسم الذي أشرف على وضع القانون الأساسي والمحامي الدستوري الفلسطيني المستقل يوجين قطران إن الوثيقة التي بدأ الاثنان صياغتها قبل أكثر من عشرة أعوام تمنح عباس صلاحية عزل هنية، ولكنها لا تمنحه حق تعيين حكومة جديدة من دون موافقة تشريعية ولا حق تعطيل مواد في القانون الأساسي.

"
لا يشمل القانون الأساسي الفلسطيني أي مادة تعطي الرئيس تفويضا لتشكيل حكومة إنفاذ حالة الطوارئ
"

وأضاف القاسم وقطران أن القانون الأساسي ينص على بقاء حكومة الوحدة المقالة بقيادة هنية لتصريف الأمور لحين حصول عباس على موافقة برلمانية على الحكومة الجديدة، ولا تسقط حكومة هنية خلال فترة الطوارئ، وبموجب المادة 79/4 "لا يجوز لرئيس الوزراء أو لأي من الوزراء ممارسة مهام منصبه إلا بعد الحصول على الثقة به من المجلس التشريعي".

ولا يتضمن القانون الأساسي أية بنود خاصة بحكومة طوارئ، ولا يشمل أي مادة تعطي الرئيس تفويضا لتشكيل "حكومة إنفاذ حالة الطوارئ".

حكومة تسيير أعمال
ويوم 13 يوليو/ تموز قدم فياض استقالته إلى الرئيس عباس الذي أعاد تكليفه بتشكيل حكومة عادية جديدة، مع مواصلة الحكومة الحالية العمل كحكومة تسيير أعمال.

وتقديم الاستقالة جاء استنادا إلى القانون الأساسي، حيث لا تمدد حالة الطوارئ لأكثر من شهر إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي المشلول حاليا بعد أن قاطعه نواب حركة حماس والذين يمثلون أغلبية أعضائه.

ولم تفلح أيضا حكومة الطوارئ في وقف الاقتتال الفلسطيني ووقف الاشتباكات الدموية بين مناصري حركتي فتح وحماس.
_______________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة