فتح والطريق إلى السلطة

undefined
 
حركة التحرر الوطني الفلسطيني (فتح) واحدة من أهم وأكبر الحركات الوطنية الفلسطينية على مدى الأربعين عاما الماضية. شكل قادتها وكوادرها العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت بمثابة الوعاء السياسي أو "الوطن المعنوي" للفلسطينيين منذ تأسيسها عام 1964 حتى عام 1994، وهو العام الذي بدأ فيه دور المنظمة ينحسر أمام السلطة الوطنية الجديدة برموزها ورجالاتها وحساباتها الخاصة، ولم تكن هذه السلطة في أغلب تشكيلاتها سوى مزيج فتحاوي من فلسطينيي الداخل والخارج أوجده اتفاق أوسلو عام 1993. 
 
بيئة مطلوب تمهيدها

"
فكرة حركة فتح هدفت إلى تجميع كل الوطنيين والمؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية أيا كان دينهم أو مذهبهم أو انتماؤهم السياسي، لكن هذه الفكرة المشرقة كانت سببا في دخول تيارات كثيرة في الحركة، أصبح من الصعب ضبطها تنظيميا

"

تغيرات كانت لازمة في البيئة الفتحاوية لقبول كوادرها التي عاشت على شعار الثورة "ثورة حتى النصر" ما ستقدم عليه الحركة من خطوات سياسية مهمة ومؤثرة ليس في مسيرتها بوصفها فصيلا نضاليا فحسب، ولكن في مسار القضية الفلسطينية بأكمله، وبواجهة لا تتخذ مباشرة من اسم فتح عنوانا لها ولكن من "منظمة التحرير الفلسطينية" قاطرة شرعية للسير وراءها.
 

وقد سبق تلك التغييرات ظروف وعوامل ساعدت على ذلك منها: 
  • الصراعات الداخلية والانشقاقات الكثيرة التي تعرضت لها الحركة واستنزفت طاقتها.
  • معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 وما نجم عنها من تحييد مصر في الصراع العربي الإسرائيلي، وفقدان القضية الفلسطينية عمقا إستراتيجيا كان مطلوبا في النضال والكفاح المسلح.
  •  الابتعاد عن نقاط التماس والارتكاز التي كانت متوفرة في الأردن وسوريا ولبنان وانتهاء ذلك كله بالخروج الكبير من بيروت إلى تونس عام 1982 بعد حصار وقتال مريرين. 
كل ذلك خلق بيئة تقبل بإحداث تغييرات على الخط الفكري للحركة، ولا تمانع في التحول من النهج الثوري إلى السير باتجاه المفاوضات والمؤتمرات والاتفاقيات، وكان من علامات ونتائج ذلك:

  • تعديل ميثاق منظمة التحرير عام 1968 ليتخذ صبغته "الوطنية" وينص صراحة عليها بدلا من الصبغة "القومية" التي كانت موجودة.
  • تقديم البرنامج المرحلي أو "برنامج النقاط العشر" عام 1974 والذي جاء ضمن ما جاء فيه النص على إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على أي جزء يحرر من فلسطين.
  • الموافقة على فكرة "الدولتين" عام 1988 وفي العام نفسه أعلن الاستقلال الفلسطيني في الجزائر، وهو في المحصلة النهائية تعبير عن رؤية لحل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
  • القبول بقراري 242 و338 أساسًا للحل السلمي وهو ما يعني القبول والاعتراف بإسرائيل.
  • الدخول في مفاوضات سرية مع إسرائيل في العاصمة النرويجية أوسلو انتهت بـ"إعلان المبادئ" الذي شكل أرضية لاتفاق القاهرة في مايو/أيار 1994 الذي تم بموجبه أنشئت السلطة الوطنية الفلسطينية.

هذا التمهيد الذي تم كما سبق القول "بواجهة" أو تحت "مظلة" منظمة التحرير التي تمثل حركة فتح العمود الفقري لها أوصل فتح إلى أبواب السلطة التي بدأت بأوسلو.

المسيرة بدأت بأوسلو
معروف أن الذي وقع اتفاقية أوسلو عن الجانب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، ومعروف أيضا أن المسيطر على معظم المناصب القيادية الهامة في هذه المنظمة هو حركة فتح التي تزعمها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبل موته ثم محمود عباس في الوقت الحالي.
 
التداخل بين المنظمة باعتبارها وعاء سياسيا يفترض أن يكون جامعا للشعب الفلسطيني، وبين فصيل بعينه أو حركة نضالية بذاتها كحركة فتح هو مفتاح فهم علاقة فتح بالسلطة ونقطة البداية لتتبع هذا المسار صعودا وهبوطا.
 
وانتهت بفوز حماس

"
قضمت نتائج انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 التي فازت فيها حماس بالأغلبية جزءا من كعكة السلطة التي انفردت بها فتح على مدى أكثر من عشر سنوات مما مثل صدمة للحركة ولكوادرها
"
النظام السياسي الفلسطيني يتكون من سلطات ثلاث، سلطة تنفيذية (رئيس ومجلس وزراء) وسلطة تشريعية ممثلة في المجلس التشريعي، وسلطة قضائية.
 

منذ عام 1994 حتى عام 2006 كانت حركة فتح تسيطر على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي وفقا لنتائج الانتخابات التي جرت عام 1996 وقاطعها التيار الإسلامي بجناحيه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد.
 
كما كانت رئاسة السلطة الوطنية بيد حركة فتح أيضا سواء إبان عهد ياسر عرفات أو خليفته محمود عباس.
 
والحال نفسه بالنسبة إلى الحكومة فقد كان معظم وزرائها فتحاويين، وحينما تغير القانون الأساسي عام 2005 واستحدث منصب رئيس للوزراء منفصل عن منصب رئيس السلطة تولاه أيضا رمز فتحاوي هو محمود عباس، ثم من بعده أحمد قريع.
 
ويمكن القول بشيء من التعميم الحذر أن فتح لم تواجه تنافسا حقيقيا أو عقبات مؤثرة في سبيل وصولها إلى السلطة أو تربعها على قمتها لمدة عشر سنوات حيث لم تنازعها الفصائل الفلسطينية الأخرى العاملة في الساحة والتي تحظى بشعبية مثل حماس والجهاد، كما لم يمثل لها المستقلون تهديدا ذا بال.
 
واستمر هذا الوضع إلى أن جاء عام 2006 وأجريت انتخابات تشريعية جديدة شاركت فيها حماس وفازت بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وانهزمت فيها فتح بشكل لم تكن تتوقعه وكانت المفاجأة للجميع، وأطلق كثيرون على هذه النتيجة الزلزال السياسي الذي ستشهد الساحة الفلسطينية والمنطقة العربية توابعه وارتداداته.
 
صراع تتوالى فصوله
فقدت فتح جزءًا مهما من سلطتها هو الحكومة ولم يبق في يدها سوى الرئاسة وطفت على السطح خلافات في الرؤى والسياسات وتنازع على الصلاحيات، وتصاعدت الخلافات وسارت الأمور في منعطفات باتت معروفة بدءا من تشكيل حكومات وانتهاءً بقتال ضار مع حماس حسمت الأخيرة نتائجه عسكريا في غزة، لكن هذا لا يعني سوى بداية لفصول من الصراع قد تكون أشد مما مضى.
_______________
الجزيرة نت
المصدر : الجزيرة