شن الطيران الإسرائيلي في الخامس من يونيو/ حزيران 1967 هجوما جويا دمر به أغلب ما بحوزة سلاح الطيران في كل من مصر وسوريا والأردن، وفرض سيطرته الجوية على سماء البلدان الثلاثة.
بعد ذلك بدأت عملياته البرية والبحرية، وحققت إسرائيل في نهايتها نصرا كبيرا كانت له نتائج مهمة عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
وعلى الرغم من الانتصار الجزئي الذي حققه العرب في حرب 1973، فإن عظم الآثار التي خلفتها هزيمة 1967 لا تزال تتفاعل في الواقع العربي حتى الآن.
الطلعات الجوية المباغتة للطيران الإسرائيلي في اليوم الأول لحرب 1967 وما خلفته من تدمير لسلاح الطيران العربي حسمت المعركة، وأصبح بمقدور هذا الجيش تنفيذ مهامه العسكرية بسهولة وكانت الخسائر العسكرية والبشرية على النحو التالي:
" أجبرت الهزيمة التي مني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي في الضفة وغزة ومدن القناة (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم "
ولم تتوقف الخسائر عند هذا الحد وإنما أجبرت تلك الهزيمة التي مني بها العرب ما بين 300 و400 ألف عربي بالضفة الغربية وقطاع غزة والمدن الواقعة على طول قناة السويس (بورسعيد والإسماعيلة والسويس) على الهجرة من ديارهم، وخلقت مشكلة لاجئين فلسطينيين جديدة تضاف إلى مشكلة اللاجئين الذين أجبروا على ترك منازلهم عام 1948. كما أجبرت قرابة مائة ألف من أهالي الجولان على النزوح من ديارهم إلى داخل سوريا.
كما ألحقت الحرب هزيمة نفسية بالجيوش العربية بعد أن فقدت الكثير من ثقتها في قدراتها العسكرية وكفاءتها القتالية، في حين ارتفعت معنويات الجيش الإسرائيلي وراجت مقولته "إنه الجيش الذي لا يقهر".
وطال الإحباط كذلك الشعوب العربية، وانعكس ذلك في المظاهرات والمسيرات التي اندلعت بعد الحرب كما انعكس على ما أنتجته هذه الشعوب من أدب وفن.
شملت النتائج أيضا احتلال مساحات كبيرة من الأرض، الأمر الذي زاد من صعوبة استرجاعها حتى الآن كما هو الشأن في كل من فلسطين وسوريا، وحتى ما استرجع منها (سيناء) كانت استعادة منقوصة السيادة.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها كانت إسرائيل تحتل المناطق التالية:
كما يتضح من الجدول، فقد كانت مساحة شاسعة (69347 كلم2) تلك التي استولت عليها إسرائيل في تلك الحرب، وإذا قارناها بما استولت عليه عام 1948 وأقامت عليه دولتها (
20700 كلم2) يتضح أن هزيمة يونيو/ حزيران أضافت لإسرائيل ما يعادل ثلاثة أضعاف ونصف من مساحتها التي كانت عليها يوم الرابع من يونيو/حزيران 1967.
هذه المساحات الجغرافية الشاسعة حسنت من وضعها الإستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، ومكنتها لأول مرة منذ نشأتها من الاستناد في خططها الدفاعية إلى موانع جغرافية طبيعية مثل مرتفعات الجولان ونهر الأردن وقناة السويس.
فور احتلالها لسيناء عام 1967 شرعت إسرائيل على الفور في:
نهب آبار النفط لسد احتياجاتها المحلية
الاستفادة من المطارات والقواعد الجوية التي كانت موجودة آنذاك
وضع أجهزة إنذار على الجبال والمرتفعات
إقامة خط دفاعي على الضفة الشرقية لقناة السويس عرف باسم خط بارليف
" عام 1967 احتلت إسرائيل سيناء، وعام 1973 استعادت مصر جزءا منها، وعام 1979 وبعد معاهدة السلام مع إسرائيل استعادتها على مراحل، ولكن وفقا لشروط المعاهدة لا تمتلك مصر حرية تسليح سيناء "
هذه الأمور مجتمعة أفادتها عسكريا وإستراتيجيا فحسنت من قدرتها على المناورة بقواتها، وأصبح بمقدورها مهاجمة مصر في العمق فطالت طائراتها الكثير من المنشآت العسكرية والمدنية والاقتصادية (مطارات، مصانع، مدارس،.. إلخ) إلى أن تمكن الجيش المصري من الحد من هذه الهجمات وذلك بعد تمكنه من بناء حائط صواريخ على القناة بمساعدة الاتحاد السوفياتي.
وعلى الرغم من استعادة مصر جزءا من سيناء في حرب عام 1973 والأجزاء الأخرى بالمفاوضات التي أعقبت ذلك سواء في كامب ديفد عام 1978 وما تلاها من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 أو بالتحكيم الدولي عام 1988 واستعادة آخر ما تبقى (طابا) عام 1989، فإن هذه الاستعادة -كما سبق القول- غير مكتملة السيادة، وهو ما يعني أن هزيمة 1967 لا تزال تلقي بتداعياتها على الشأن المصري حتى الآن.
فطبقا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها (1، 2، 3) فإنه:
محرم على الجيش المصري تسليح سيناء بالعتاد الحربي الذي يريده والذي يضمن لها السيادة والحماية الكاملة، وكل ما يوجد هناك بدءا من أعداد الجنود ونوعيات ما يحملونه من أسلحة مقرر سلفا في المعاهدة وخاضع لمراقبين دوليين تابعين للأمم المتحدة ومن غير الجائز تغييره إلا بموافقة الطرفين وبتصديق من برلمانهما.
وفي عموم سيناء ممنوع على المصريين إقامة مطارات أو موانئ حربية، وأن سيناء كلها مقسمة إلى خطوط ومناطق أمنية، ويتم وفقا للمعاهدة وضع أعداد معينة بأسلحة محددة من القوات المصرية في كل منطقة أو خط أمني.
وقد التزمت الحكومات المصرية المتعاقبة بتنفيذ ما ورد في هذه المعاهدة، حتى إنه حينما قالت إسرائيل إن عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية عبر غزة قد ازدادت طالبة من الحكومة المصرية زيادة أعداد قواتها لمراقبة الحدود بواقع 750 جنديا فقط، اشترطت مصر أن يتم ذلك بتوقيع بروتوكول إضافي يلحق بمعاهدة السلام وأن يصادق عليه الكنيست، وهو ما تم بالفعل في سبتمبر/ أيلول 2005 بأغلبية 53 صوتا مقابل 28.
أما طابا (كلم2 واحد) الواقعة شمال خليج العقبة والتي استعادتها مصر بالتحكيم الدولي عام 1988 واستلمتها عام 1989، فإنه ووفقا لقرار القضاة الدوليين مسموح للإسرائيليين بدخولها دون تأشيرة دخول مدة 48 ساعة.
ولا تزال تلك الأوضاع على حالها حتى الآن، أرض غير مكتملة السيادة، ووجود إسرائيلي في منتجع طابا تحت لافتة السياحة بتحكيم دولي.
" كان من تداعيات 1967 احتلال الضفة والقدس الشرقية وتقطيعهما بالمستوطنات وتهويدهما بمحاولات طرد العرب وهدم منازلهم، كما صودرت أراض بلغت نصف القدس الشرقية يوم الرابع من يونيو/ حزيران 1967 "
والحال نفسه تكرر على الجبهة الأردنية، فقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (5878 كلم2) عام 1967 وقلصت حدودها مع
الأردن من 650 كلم إلى 480 كلم (من بينها 83.5 كلم طول البحر الميت).
وشرعت إسرئيل على الفور في نهب الكثير من ثروات الضفة لا سيما المائية منها، والقيام وبطريقة منهجية بعمليات تهويد للقدس الشرقية.
واستطاعت باستيلائها على أراضي الضفة تحسين وضعها الإستراتيجي وقدرتها على المناورة العسكرية، وإزالة الخطر الذي كان من الممكن أن يتهددها من وجود أي جيش عربي منظم ومسلح في الضفة الغربية التي تعتبر القلب الجغرافي لفلسطين التاريخية.
وكان من تداعيات ذلك:
السيطرة على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (حوالي 70 كلم 2) والتحكم في مقدساتها الإسلامية كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة.
إخضاع 2.5 مليون فلسطيني لسيطرتها. (تقديرات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام 2006).
زيادة أعداد المستوطنين وبناء المستوطنات التي ابتلعت مساحات كبيرة من أراضي الضفة والقدس حتى وصل عدد المستوطنين الآن 260 ألفا بالضفة و185 ألفا بالقدس الشرقية (وفقا للمصدر السابق).
ضم القدس الشرقية إلى القدس الغربية في يوليو/ تموز 1967 ثم إعلانهما بقرار من الكنيست عاصمة موحدة وأبدية في يوليو/ تموز 1980.
العمل وبالتدريج على تنفيذ سياسة تهويد للقدس وطرد للسكان العرب وهدم للمنازل والأحياء العربية، ومصادرة للأراضي حتى بلغ مجموع ما صادرته من تلك الأرض ما يقارب نصف المساحة التي كانت عليها القدس الشرقية في الرابع من يونيو/ حزيران 1967.
أما على الجبهة السورية وبعد هزيمة الجيش السوري، فقد استولت إسرائيل على 1158 كلم 2 من إجمالي مساحة هضبة الجولان البالغة 1860 كلم 2.
وحقق استلاؤها على تلك الهضبة مزيدا من المكاسب الإستراتيجية التي كانت تحلم بها وذلك لما تتميز به الجولان من تضاريس تجعلها مرتفعة عن سطح البحر حيث تستند إلى جبل الشيخ من جهة الشمال ووادي اليرموك من الجنوب، وتشرف إشرافا مباشرا على الجليل الأعلى وسهلي الحولة وطبريا. وكانت إسرائيل قبل الخامس من يونيو/ حزيران تعتبر الوجود العسكري السوري فيها مدعاة لتهديد مناطقها الشمالية.
وشرعت إسرائيل في تجهيز نقاط عسكرية في تلك الأماكن ومن أهمها ما أعدته في جبل الشيخ من حصن عسكري على ارتفاع 2224 مترا عن مستوى سطح البحر، كما أقامت كذلك قاعدة عسكرية جنوب الجولان.
وقد أضافت الجولان لإسرائيل عمقا دفاعيا تأكد به إبعاد الخطر المباشر عن مناطقها الحيوية الآهلة بالسكان وجعل القوات الإسرائيلية نفسها مصدر تهديد للعاصمة السورية دمشق عبر محور القنيطرة دمشق وكذلك عبر محاور حوران.
ولا تزال إسرائيل -حتى اليوم ورغم مرور أربعين عاما- تحتل الجولان، ولم تستطع سوريا في حرب عام 1973 تحريرها، ولا تزال تداعيات هذا الاحتلال تتوالى.
فممن تم تهجيره من أهالي الجولان ما يقارب 100 ألف نسمة لا يزالون يعانون المشكلات الناجمة عن النزوح عن ديارهم، وقد بلغ عددهم الآن حوالي 170 ألفا يسكن معظمهم العاصمة دمشق.
أما من بقي منهم في الجولان فيتراح عددهم بين 17 و20 ألف نسمة يعيشون في أربع قرى رئيسية ويعمل أغلبهم بالرعي والزراعة، فيخضعون للقانون الإسرائيلي الذي صدر من الكنيست عام 1981 تحت عنوان قانون مرتفعات الجولان.
وكما فعلت من قبل بالضفة الغربية والقدس الشرقية، فقد شجعت اليهود على الاستقرار في الجولان حتى بلغ عددهم الآن -وفقا للمصادر الرسمية الإسرائيلية- حوالي 18 ألف مستوطن يقيمون في 33 مستوطنة.
ولم يتوقف يوما منذ أربعة عقود النهب الإسرائيلي لموارد الجولان الطبيعية وخيراتها الزراعية.
فالمستوطنون يزرعون حوالي 80 كلم 2، ويستفيدون من معظم المراعي البالغة مساحتها 500 كلم 2.
كما نشطت شركات السياحة الإسرائيلية في استغلال ذلك لدرجة وصلت نسبة إشغال الغرف السياحية المستثمرة لحسابها حوالي 100 ألف غرفة، وبلغت أعداد السائحين للجولان سنة 2006 قرابة مليوني سائح.
وتستغل إسرائيل الجولان صناعيا حيث أقامت هناك منطقة صناعية يعمل فيها أكثر من ألف عامل إسرائيلي.
أما عن الثروات المائية فهي من أهم ما تستغله إسرائيل من موارد الجولان الطبيعية، حيث تستولي على مياه نهري اليرموك وبانياس وتستفيد منهما في الشرب والزراعة.
وفي العموم يمكن إجمال ما تستفيده إسرائيل من خيرات الجولان المحتل في الجدول التالي:
كل هذه النتائج العسكرية والإستراتيجية والاقتصادية التي أسفرت عنها هزيمة يونيو/ حزيران 1967 من غير المؤكد -على الأقل في المستقبل المنظور- أن تتوقف تفاعلاتها، لأن اختلال موازين القوى الناجم عن تلك الحرب لا يزال متحكما في الكثير من معادلات المشهد السياسي العربي حتى الآن.
1- Israel Ministry of Foreign Affairs, Peace Treaty between Israel And Egypt http://www.israel-mfa.gov.il/ وانظر أيضا ترجمة لنفس المعاهدة وملاحقها في موسوعة مقاتل على الإنترنت.
2- الجدول الخاص بمساحات الأرض المحتلة عام 1967: الموسوعة السياسية والعسكرية، فراس البيطار، الجزء الخامس، النتائج العامة للحرب العربية الصهيونية الثالثة 1967، ص 1758-1761، دار أسامة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط 1، 2003.
3- المعلومات الأساسية المتعلقة بالمساحات الجغرافية الحالية وأعداد السكان والموارد الطبيعية… انظر:
West Bank, Columbia Encyclopedia, Sixth Edition
http://www.infoplease.com/ce6/world/A0851886.html 4- الجولان السوري المحتل.. تاريخ وجذور، رسالة ماجستير، نبيل السهلي، عرض كتاب، موقع الجولان لتنمية القرى العربية. http://www.jawlan.org/ وكذلك فيما يتعلق بالإحصائيات المتعلقة بالجولان، انظر http://lcweb2.loc.gov/frd/cs/profiles/Syria.pdf 5- الجدول الخاص بالإحصائيات المتعلقة بحجم ما تستفيده إسرائيل من المنتجات الزراعية والحيوانية الناجمة عن استغلالها لأراضي الجولان، انظر: المكتبة اليهودية عبر الرابط التالي: Economic Data Summary – Golan Heights http://www.jewishvirtuallibrary.org 6- حجم الخسائر البشرية والعسكرية على الجانب العربي، تم اعتماد ما اشتهر من أقل رقم وأعلى رقم في الكتب التالية: مذكرات القادة الميدانيين الإسرائيليين والعرب المشاركين في حرب 1967 مثل أرييل شارون، محمد فوزي، سعد الدين الشاذلي، عبد المنعم واصل. وكتب محمد حسنين هيكل 1967 الانفجار و1973 السلاح والسياسة ووقائع تحقيق سياسي، وكتاب أمين هويدي الفرص الضائعة. وموسوعتا: مقاتل من الصحراء للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع والطيران للشؤون العسكرية بالمملكة العربية السعودية، والموسوعة العسكرية لفراس البيطار.