الانتفاضة الشعبية بين أشكال الكفاح وطرق النضال

 
 

حلمي موسى

لا يختلف الباحثون في شؤون النضال حول حقيقة أن الانتفاضة الشعبية بوجه عام هي شكل من أشكال النضال. ويصعب فهم مكانة الانتفاضة بصفتها هذه من دون وضعها في الإطار العام لأشكال النضال المعروفة.

غير أن الكثيرين يخلطون بين أشكال الكفاح وطريق النضال. وقد حاول مفكرون في الماضي بلورة بعض المعايير للتمييز بين أشكال الكفاح وطرق النضال.

وقال بعضهم إن طريق النضال هو في العموم واحد من اثنين: عنفي أو سلمي وهما يرميان إلى تحقيق هدف إستراتيجي واضح. ويتحدد طريق النضال وفق معطيات المشكلة القائمة وهل هي وجودية تناحرية لا يمكن حلها إلا بالطريق العنفي أم أنها غير وجودية ويمكن البحث عن سبل ضغط مختلفة لحلها.

ولاحظ هؤلاء أن طريق النضال, هو على وجه العموم, الخط الإستراتيجي الذي في إطاره يمكن انتهاج أشكال كفاح مختلفة تقود إلى تحقيق الغاية الأساسية.

ويقع كثيرون أحيانا في خلط بين أشكال الكفاح وطرق النضال, حيث يمكن ضمن طريق النضال السلمي اللجوء إلى العنف في لحظة معينة, كما يحدث في طريق النضال العنفي أو الحربي استخدام وسائل سلمية أحيانا.

ولكن في كل الأحوال لا يمكن للعنف أن يغدو المظهر الأساس في حالة الطريق السلمي ولا يمكن للنضالات السلمية أن تشكل المظهر الأساسي للطريق العنفي.

وهكذا فإن الانتفاضة الشعبية يمكن أن تكون شكلا من أشكال الكفاح في طريق الصراع. وقد وقعت انتفاضات شعبية في تاريخ العديد من الدول العربية وغيرها.

الانتفاضات..ما هي؟

"
الانتفاضة بمعناها الحقيقي مرهونة بفترة زمنية معينة يتم فيها قطف ثمرة النضالات التي خيضت تحت رايتها، فاستمرار الانتفاضة زمنا طويلا أمر شبه مستحيل لأن ذلك يرهق الحياة ويعطل سيرها المعتاد

"

وهناك مواقف متباينة من هذه الانتفاضات تتقرر وفق الزاوية التي ينظر منها المرء أو الشريحة الاجتماعية إليها, وهل أن الانتفاضة تمت لأسباب وطنية أم اجتماعية اقتصادية.

وكثيرا ما أطلقت على الانتفاضات أوصاف أخلاقية سلبا أم إيجابا, كما أنها كثيرا ما تمت بتدبير مسبق أو بشكل عفوي.

فالانتفاضة الفلسطينية وصفت بـ"المباركة" في حين أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات وصف انتفاضة للجياع في القاهرة بأنها "انتفاضة الحرامية". وبينما اعتبر النظام العراقي السابق انتفاضة الجنوب الشيعي بعد حرب عاصفة الصحراء تمردا خيانيا رأى فيها القائمون عليها "انتفاضة شعبانية مباركة".

ومن ملاحظة أنواع الانتفاضات التي وقعت في العديد من الدول يمكن الإشارة إلى أن الانتفاضات إما شرائحية قطاعية أو شعبية عامة. فالتاريخ الروسي في عهد القيصرية يرى في "انتفاضة البحارة" و"انتفاضة الجنود" مراحل ممهدة للثورة البلشفية.

وهناك في أوروبا الشرقية دول عديدة شهدت انتفاضات مسلحة من جانب أحزاب. وفي إيران كانت انتفاضة شعبية هي التي أربكت نظام الشاه ومهدت لتطورها نحو حركة أفلحت في تغيير النظام وإحداث ثورة.

أما في الدول العربية فإن أغلبية الانتفاضات كانت شعبية وغير مسلحة. وقد وقعت مثل هذه الانتفاضات في عهدي الاحتلال الأجنبي والدولة الوطنية لأسباب مختلفة.

ولا خلاف حول أن الانتفاضة على وجه العموم, تحرك ثوري محكوم باختلال التوازن مع قوة متسلطة أجنبية أو محلية. وهي تتراوح في طبيعتها التنظيمية بين الفعل العفوي الذي ينشأ نتيجة افتقاد الأطر التنظيمية الفاعلة والقادرة والفعل المنظم الذي يرى في الفعل الجماعي وسيلة ضغط ناجعة.

كما أن الانتفاضة يمكن أن تشكل في وقت من الأوقات وعاء لأشكال كفاحية متنوعة إن تطورت وغدت المظهر الرئيس للنضال. 

وفي كل الأحوال فإن تنامي النضال وبلوغه الذروة بنهوض جماهيري عارم ونشوء مزاج ثوري هو مقدمة ضرورية لأي انتفاضة شعبية.

وبالتالي فإن قابليات بقاء الانتفاضة بشكلها الأولي محدودة وتعني مراوحة في ذات المكان. ولذلك فإن الانتفاضات إن طالت سرعان ما تتحول إما إلى عصيان مدني سلمي أو إلى نضال مسلح. ومن دون ذلك يصعب الحفاظ على المزاج الثوري أو امتلاك فرصة تحقيق أهدافها.

فالانتفاضة بمعناها الحقيقي مرهونة بفترة زمنية معينة يتم فيها قطف ثمرة النضالات التي خيضت تحت رايتها. فاستمرار الانتفاضة الشعبية زمنا طويلا أمر شبه مستحيل لأن في ذلك ما يرهق الحياة المجتمعية ويعطل سيرها المعتاد.
______________
متخصص في الشؤون الفلسطينية

المصدر : الجزيرة