اليهود العرب في إسرائيل
تعالج هذه الدراسة هجرة اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل، وتجربة استيعابهم والمشكلات التي واجهها هؤلاء في تبني نمط الحياة والقيم والمبادئ التي فرضتها الصهيونية بمنظورها الغربي على حياة هؤلاء الشرقيين، كما تتناول جذور المشكلة الإثنية وسياسة التمييز العنصري التي طبقت في إسرائيل، بأوجهها المختلفة.
في القسم الثاني تحلل الدراسة أشكال مشاركة اليهود الشرقيين في الحياة السياسية الإسرائيلية، وتطور هذه المشاركة عبر التمثيل في الكنيست والحكومة.
أوضاع اليهود العرب في إسرائيل
اليهود الشرقيون والحياة السياسية في إسرائيل
أوضاع اليهود العرب في إسرائيل
" |
موجات الهجرة الأولى لليهود العرب
لم تكن هجرة اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل "هجرة إنقاذ" لليهود من الإبادة والفناء كما حددها ديفد بن غوريون. فاليهود العرب لم يكونوا معرضين لهذا الخطر الذي تعرض له يهود أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية على أيدي النظام النازي، ومع ذلك فقد بذل مؤسسو دولة إسرائيل جهوداً كبيرة في المبالغة في وصف الأخطار التي تتربص يهود العالم إجمالا والدول العربية محذرين إياهم من إمكان تعرضهم إلى كارثة إبادة جديدة لدفع هؤلاء إلى الهجرة التي اعتبرت في السنوات الأولى لتأسيس الدولة أهم عنصر من عناصر الأمن القومي والقوة العسكرية لهذه الدولة.
ولم تكن أول موجة كبيرة للمهاجرين إلى إسرائيل من اليهود العرب، فمن بين ربع مليون يهودي وصلوا إلى إسرائيل كان هناك 39 ألف يهودي يمني، في حين أتت المجموعات الكبرى من بولندا (47 ألفاً) يليها جنوب أفريقيا (39 ألفاً) ثم تركيا (26 ألفاً) وبلغاريا (20 ألفا).
بدأت هجرة اليهود من الدول العربية إلى إسرائيل خلال السنوات الأربع التالية لعام 1948. والغالبية الكبرى لهؤلاء أتت من اليمن والعراق وشمال أفريقيا. وحتى عام 1952 كان لايزال يعيش في دول الشرق الأوسط نحو ثلاثة أرباع مليون يهودي.
وقد تكون هجرة يهود اليمن إلى فلسطين هي الأقدم على الإطلاق. فقد بدأت في القرن التاسع عشر واستمرت على دفعات وموجات ليبلغ عدد اليهود اليمنيين في فلسطين حتى عام 1948 نحو 15 ألف يهودي.
ولكن رغم الأولوية والأهمية الفائقة التي أعطاها مؤسسو دولة إسرائيل لهجرة اليهود، إلا إنهم منذ البداية ميزوا بين هجرة اليهود من الدول الأوروبية أو اليهود الأشكناز (الغربيين) وبين اليهود العرب الشرقيين (السفارديم) الذين نظروا إليهم نظرة شك وعدم ثقة، لتدني مستواهم الاجتماعي والثقافي بالمقارنة مع يهود أوروبا.
ولقد تبنى هذا الموقف علنا ديفد بن غوريون الذي كتب في مذكراته، يقول "إن يهود أوروبا شكلوا شخصية الشعب اليهودي في العالم بأسره. والصهيونية هي في الأساس حركة اليهود الغربيين". وشبّه بن غوريون يهود البلاد العربية "بالزنوج الذين أحضروا إلى أميركا كعبيد".
ومنذ بداية هجرة اليهود العرب، كان بالإمكان التمييز بين ثلاث فئات من المهاجرين: هناك يهود العراق ومصر وسوريا ولبنان الذين كانوا في الإجمال من التجار ورجال الأعمال والحرفيين، وأصحاب مستوى ثقافي وتمدن قادر على مساعدتهم على الاندماج في الدولة الجديدة.
وهناك يهود اليمن الذين شكلوا فئة خاصة ذات مستوى حياتي مختلف تماماً له ثقافته وعاداته وتقاليده البعيدة كل البعد عن نوعية الحياة التي قدمها المجتمع الإسرائيلي العصري، ومع ذلك كانت لدى هؤلاء قدرة واضحة على العمل في الزراعة والأرض. أما يهود أفريقيا الشمالية فشكلوا أكثر اليهود العرب تخلفاً وتدنياً وتمسكاً بنمط وتقاليد لا تتماشى مع النموذج الإسرائيلي.
وبهذا بدأت تظهر أصوات داخل إسرائيل تطالب بوقف هجرة اليهود من الدول العربية، ففي تقرير أعدته وزارة الخارجية الإسرائيلية جاء فيه أن معظم المهاجرين الذين يصلون إلى إسرائيل حالياً هم من بلاد الشرق الأوسط الذين لا ينتمون إلى الطائفة الأشكنازية، وعدد هؤلاء سيزداد بحيث قد يصل في المستقبل إلى ثلث عدد اليهود في إسرائيل، الأمر الذي سيترك آثاره على جميع مجالات الحياة. وللمحافظة على المستوى الثقافي للدولة يجب وقف هجرة المهاجرين من بلاد الشرق المتخلفة.
صعوبات الاندماج وعملية الأسرلة
أخضع يهود الدول العربية في رحلة هجرتهم الجماعية بين 1948 و1956 إلى عملية "محو للذاكرة" من أجل تسهيل دمجهم في مجتمعهم الجديد. وكان هؤلاء عقب وصولهم إلى إسرائيل ينقلون إلى مخيمات مؤقتة حيث تبدأ عملية "تأهيلهم القسري".
وقد رأت الحركة الصهيونية أن التخلص من ثقافة اليهودي الشرقي "وأسرألته" أمر ضروري لعملية اندماجه في المجتمع الإسرائيلي. واستهدفت هذه العملية اجتثاث شرقية هذا اليهودي الذي منذ أن لمست أقدامه أرض فلسطين تعرّض للاضطهاد الإثني من قبل المؤسسات والسلطة الأشكنازية التي تستوعبه وتشرف على عملية دمجه في مجتمعها.
فالشرقيون كانوا يتهمون بالتخلف والبدائية واللاعقلانية، والكسل والإحباط. لذلك فهم هامشيون، ومساهمتهم الاجتماعية والثقافية تناقض السمة "الأوروبية" لدولة إسرائيل.
من هنا شكل احتقار الشرق والثقافة اليهودية الشرقية سمة من سمات العرقية الشرقية كمصدر لقيم ثقافية مشروعة. مما سيزرع بذور انقسام عميق داخل المجتمع الإسرائيلي بين ثقافتين: أشكنازية غربية تعتبر أنها متفوقة وريادية، وبين ثقافة مشرقية كان ينظر إليها بأنها أدنى وأقل مرتبة ولا يحق لها أن تتبوأ القيادة والحكم.
وأكبر دليل على ذلك ما قاله بن غوريون بصراحة "لا نريد أن يصبح الإسرائيليون عربا. من واجبنا أن نقاتل ضد روح الشرق التي تفسد الأفراد والمجتمعات، وأن نحافظ على القيم اليهودية الحقيقية كما تبلورت في الشتات".
" |
نشوء المشكلة الإثنية
يمكن اعتبار بداية المشكلة الإثنية التي نشأت في إسرائيل بين اليهود الغربيين أو الأشكناز، واليهود الشرقيين، وهي مشكلة بين من يمتلك السلطة ومن لا يمتلكها، أو المشكلة بين الأغنياء والفقراء، أو بين الأقوياء والضعفاء، نظرا لأن المجتمع الإسرائيلي الذي استوعب المهاجرين الشرقيين كان مجتمعاً أشكنازيا ذا ثقافة غربية.
ورغم أن اليهود الشرقيين شكلوا نحو 54% من عدد المهاجرين إلى إسرائيل في الخمسينيات، لكن السلطة ظلت في يد اليهود الأشكناز الذين طبقوا سياسة تمييز في حق جماعات اليهود الشرقيين جعلتهم في مرتبة أدنى.
وهكذا جرى توطين اليهود الشرقيين في الضواحي وفي المستوطنات التي أنشئت بعيدا عن المدن الكبيرة لا سيما في الجليل وعلى طول الحدود الشرقية. وتعمدت الدولة تشتيت المهاجرين الشرقيين في الضواحي وفي المستوطنات التي أنشئت بعيدا عن المدن الكبيرة لا سيما في الجليل وعلى طول الحدود، واستخدمتهم كيد عاملة رخيصة في قطاع الزراعة والصناعة حيث كان الشرقيون يقومون بالأعمال الدنيا وينالون أجورا أدنى.
ولم تقتصر مشكلة التمييز العرقي على الجيل الأول للمهاجرين من اليهود الشرقيين، وإنما تفاقمت وازدادت حدة مع أبناء الجيل الثاني لهؤلاء المهاجرين الذين ولدوا في إسرائيل ممن يحملون ثقافة الحياة في المعسكرات المؤقتة التي ولدوا فيها، والتي أبصروا فيها النور، ونقلوا نمط الحياة الذي عاشوه إلى مدن الإعمار والموشافيم الزراعية التي انتقلوا إليها حيث شكلوا قوة عمل رخيصة، واستمرت تبعيتهم الاقتصادية لطبقة الأشكناز من اليهود الغربيين أرباب العمل.
وفي دراسة نشرها د. شلومو سبيرسكي قبل أشهر من انتخابات الكنيست التي أجريت عام 1981 يقول "في إسرائيل توزيع العمل على أساس طبقي، فالبرجوازية الإسرائيلية أشكنازية في أساسها، بينما البروليتاريا اليهودية في إسرائيل شرقية.
البرجوازية أشكنازية لأنهم هم الذين أقاموا الحركة الصهيونية السياسية، وأقاموا البنية التحتية والاقتصادية والتنظيمية والسياسية، وهم الذين وجهوا ونظموا تيار الهجرة الجماهيرية، ودمجوا المهاجرين في المجهود التنموي.
والبروليتاريا اليهودية في إسرائيل شرقية، لأن الشرقيين الذين هاجروا إلى إسرائيل تركوا بنيتهم التحتية الاقتصادية في البلاد التي قدموا منها، ولم يحتاجوا لدى قدومهم لإقامة بنية تحتية خاصة بهم، لأنهم قدموا في إطار حركة قومية قام جزء من أبنائها ببناء بنية تحتية لمجموع الأمة.
ولأن الشرقيين زودوا هذه البنية بما هي في أمس الحاجة إليه -قوة عمل رخيصة- مما لم يجعل من خيار آخر أمام الجيل الثاني والثالث من الشرقيين سوى أن يكونوا عمالا وموظفين في المراتب الدنيا، في المقابل ظلت مراكز الإدارة والسيطرة مفتوحة أمام الجيل الثاني والثالث من الأشكناز".
كل ذلك أدى إلى انفجار لحركات تمرد واحتجاج كبيرة لليهود الشرقيين كان أهمها على الإطلاق التمرد الذي قام به "الفهود السود" في مطلع السبعينيات ولقد اتخذ المتمردون اسما لهم من الحركات الأميركية للمهاجرين. ففي أيار 1971 تظاهر عشرات الآلاف في الشوارع وألقوا قنابل المولوتوف على الشرطة والمراكز الحكومية، حينها قمعت الثورة بالقوة فاعتقل 170 ناشطا وجرح أكثر من 70 شرطيا.
واعتبرت الدولة ما جرى من صنع يهود مغاربة يميلون إلى العنف وغير قادرين على التكيف. أو بحسب وصف غولدا مائير رئيسة الحكومة آنذاك: "الأولاد غير الطيبين". أما الصحافة فوصفتهم بـ "حثالة البروليتاريا" وبالتنظيم العرقي الذي يحاول تقسيم الأمة.
ورغم التطورات الكثيرة التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي في العشرين سنة الأخيرة، فإن تركيبة المجتمع الإسرائيلي القائمة على إعطاء اليهود الأشكناز الموقع الأول والمرتبة الأولى، وتمييزهم عن الشرقيين لم تتغير.
فمازال مواليد اليهود من البلاد الغربية يحتلون قمة السلم الطبقي، يليهم المهاجرون من دول غربية، ثم أبناء البلد ومواليد البلد من أصل شرقي، وأخيرا المهاجرون الشرقيون.
ويتأثر هذا التقسيم الطبقي بالبلد الأصل، أكثر من تأثره بالأقدمية في إسرائيل. وهكذا فاليهود الغربيون سواء كانوا من مواليد إسرائيل أم من خارجها أعلى طبقيا من اليهود الشرقيين.
" |
النظام التعليمي والتمييز الطائفي
واجه أبناء المهاجرين من اليهود الشرقيين صعوبات كبيرة في الاندماج مع المنهج التعليمي الإسرائيلي الذي يعتمد الطرق والمعايير الأوروبية التي وضعها مؤسسو الدولة من الأشكناز، والذي كان هدفه خلق مجتمع جديد على الطراز الاشتراكي بخلاف المجتمع التقليدي الذي عرفه الشرقيون.
يضاف إلى ذلك أن أبناء الشرقيين ينتمون إلى عائلات كثيرة الأولاد ذات مستوى اقتصادي متدن، الأمر الذي جمع بين الفقر والتخلف، وجعل المدرسة وحدها مسؤولة عن تعليم هؤلاء الأبناء وتوجيه تقدمهم الدراسي.
ولقد حاول القيمون على التعليم إدخال عدد من التغييرات لتحسين فرص التعلم لأبناء المهاجرين الشرقيين مثل، تمديد التعليم الإلزامي المجاني حتى عمر 16 سنة، إعادة النظر في الكتب الدراسية، وإنشاء مدارس متوسطة مختلطة للجمع بين تلامذة شرقيين وغربيين، ورغم ذلك ظلت الهوة كبيرة بين المستوى التعليمي لأبناء الأشكناز وأبناء الشرقيين.
وهكذا يظهر أن معظم التلامذة الشرقيين يتوجهون بعد المرحلة المتوسطة نحو الفروع المهنية والتطبيقية التي تعدهم ليصيروا من أصحاب المهن والحرف، في حين تتوجه غالبية التلامذة الغربيين نحو الدراسة الثانوية النظرية التي تؤهلهم لدخول الجامعة، والارتقاء في سلم المهن الحرة والوظائف العالية.
وبحسب الإحصاءات يظهر أن 40% من اليهود الغربيين الذين ولدوا في إسرائيل من أب ولد في أوروبا أو أميركا (بحسب إحصاءات 1993) يشتغلون في المهن العلمية والأكاديمية ويحتلون الدرجات العليا في السلم الطبقي، ومستوى تعليمهم أعلى من غيرهم كذلك متوسط دخلهم أعلى من متوسط دخل الشرائح الأخرى.
أما المهاجرون الغربيون فنحو 30.7% منهم يعملون في المهن العلمية والأكاديمية ويأتون في الدرجة الثانية. أما يهود أبناء إسرائيل الذين ولدوا من آباء ولدوا في فلسطين أو إسرائيل فيحتلون منزلة الوسط بين الشرائح العليا الغربية، والشرائح الدنيا الشرقية.
أما مواليد البلد من الشرقيين أو من أصل شرقي، فالجزء الأكبر منهم 28.8% يعملون كعمال مهرة وغير مهرّة، ونسبة قليلة منهم تعمل في المهن الأكاديمية والفنية (18.7%)، كما أن مستوى تعليمهم متوسط ودخلهم أقل.
أما المهاجرون الشرقيون فيشكلون أدنى الشرائح اليهودية، وتشتمل على أكبر نسبة من العمال 29.6%، وأقل نسبة من العاملين في المهن العلمية والأكاديمية (14.9%)، كما أن مستوى تعليم أبناء هذه الشريحة أدنى من غيرها.
اليهود الشرقيون والحياة السياسية في إسرائيل
من الأمور التي تجذب الانتباه أن اليهود الشرقيين لم ينجحو في تأسيس أحزاب سياسية قوية تمثلهم وتنطق باسمهم وتدافع عن مصالحهم، وتشكل نقطة ثقل في توازنات الحياة الحزبية والسياسية البالغة التعقيد.
" |
التمثيل الحزبي لليهود الشرقيين
فحزب مثل حزب "تامي" (قائمة تقاليد إسرائيل) الذي تزعمه أهرون أو حتسيرا وهو من يهود المغرب في الأساس استطاع في انتخابات الكنيست الحادية عشرة الحصول على ثلاثة مقاعد معتمدا على تأييد اليهود المهاجرين من شمال أفريقيا، لكن هذا الحزب لاقى منافسة كبيرة من جانب قوائم مدعومة من اليهود الشرقيين وسرعان ما اختفى عن الخارطة السياسية.
في عام 1996، وأثناء الإعداد لانتخابات الكنيست الرابعة عشر قام ديفد ليفي (وهو من يهود المغرب) بعد انسحابه من حزب الليكود بتأسيس حزب علماني يمثل اليهود الشرقيين يحمل اسم "غيشر" (الجسر). ولكن هذا الحزب اضطر إلى الانضمام إلى حزب الليكود لخوض الانتخابات، وفاز بخمسة مقاعد فقط، وفي الانتخابات التي جرت عام 1999، تحالف ديفد ليفي مع حزب العمل وحصل على ثلاثة مقاعد.
وفي الحقيقة يمكن القول إن جمهور اليهود الشرقيين ليس جمهورا موحدا، وله انتماءات وميول سياسية واضحة. وهو في الإجمال ينقسم إلى فئتين: فئة اليهود الشرقيين المتمسكين بالتقاليد والعادات، وهؤلاء يتوزع ولاؤهم السياسي بين الحزبين الكبيرين في إسرائيل: حزب العمل، وحزب الليكود مع ميل أكبر نحو حزب الليكود واليمين إجمالاً،
وفئة اليهود الشرقيين المتدينين الذين وجدوا تمثيلهم في حزب "شاس" (اتحاد السفارديم حراس التوراة) الذي انشق عن حزب "غودات يسرائيل" الذي يمثل اليهود المتدينين الأشكناز ليؤسس أول حزب ديني للطوائف الشرقية. وسرعان ما استطاع هذا الحزب أن يحصد نجاحاً كبيراً وأن يرفع تمثيله في الكنيست عام 1984 من ستة مقاعد إلى 17 مقعدا في انتخابات للكنيست عام 1999.
ربما هذا هو السبب الذي جعل تمثيل اليهود الشرقيين في الكنيست الإسرائيلي لا يعكس قوتهم الفعلية على الأرض نظرا لتوزع ولائهم الحزبي بين أكثر من طرف.
ففي انتخابات الكنيست الأولى عام 1949 فازت قائمتان شرقيتان هما: قائمة الاتحاد القطري للشرقيين وأبناء الطوائف الشرقية (4 مقاعد)، وقائمة "اتحاد يهود اليمن في إسرائيل" (مقعد واحد).
وفي انتخابات الكنيست الثانية عام 1951، حصلت قائمة الشرقيين والطوائف الشرقية على مقعدين في الكنيست، فيما حافظت قائمة اتحاد يهود اليمن في إسرائيل على مقعد واحد، وفازت قائمة السفارديم بمقعدين.
وفي انتخابات 1955 لم تستطع قائمة شرقية تجاوز نسبة الحسم، وفي انتخابات الكنيست الرابعة 1959 اخفقت القوائم التالية في تجاوز الحسم وهي: "مهاجرو شمال أفريقيا" و"حزب اليمنيين" و"تأسيس الشرقيين وأبناء الطوائف الشرقية" و"الحزب الوطني الشرقي" وقائمة "الطوائف الشرقية" ولم تشارك أي قائمة شرقية.
أما في انتخابات الكنيست السادسة عام 1956، فشاركت قائمتا "السلام وحركة الشرقيين"، و"أبناء الطوائف الشرقية"، لكنهما لم تتجاوزا نسبة الحسم. وفي انتخابات عام 1973 اخفقت قائمتا "الفهود السود" و"اليمنيين" كما اخفقت قائمتا اتحاد مهاجري اليمن والطوائف الإسرائيلية و"الفهود السود" في انتخابات الكنيست التاسعة عام 1977.
بدءا من انتخابات الكنيست العاشرة بدأ التمثيل الشرقي يأخذ سمة أكثر وضوحا وبروزا سواء عبر حزب "تامي" الذي حصل على ثلاثة مقاعد في انتخابات 1981، وتراجع تمثيله إلى مقعد واحد في انتخابات عام 1984، ليختفي بعدها عن الخارطة، وليحل محله حزب "شاس" الذي رفع تمثيله من ستة مقاعد في انتخابات عامي 1988، و1992 إلى 17 مقعدا في انتخابات الكنيست عام 1999.
العلاقة بالحزبين الكبيرين
منذ انتخابات الكنيست الأولى وحتى عام 1977 العام الذي فاز فيه الليكود بالسلطة للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل، كان تصويت اليهود الشرقيين يذهب إلى حزب العمل أو "المعراخ" كما كان يسمى آنذاك.
لكن يمكن اعتبار تصويت الشرقيين لمناحيم بيغن عام 1977 وحمله إلى السلطة بمثابة علامات احتجاج لطائفة اليهود الشرقيين وثورتهمم على حزب المعراخ الذي كان يمثل المؤسسة الحاكمة الأشكنازية بكل رموزها.
والذي بات أيضا المسؤول في نظرهم عن حالة الغبن والتبعية اللتين يعانيانها، وعن سياسة التمييز العرقي والإثني التي فرضت نفسها على المجمع الإسرائيلي والتي ميزّت بين الإسرائيليين انطلاقاً من انتمائهم العرقي منذ أيام الهجرة الأولى.
وعلى الرغم من أن حزب الليكود هو في الأساس حزب أشكنازي في زعامته وفي مبادئه فإن قيادته استطاعت أن تجمع بين الفكر الصهيوني العلماني ومراعاة التقاليد اليهودية واحترام الشعائر الدينية لكل الطوائف لا سيما اليهود الشرقيين منهم. من هنا كان التصويت الشرقي لبيغن بوصفه الأمين على التراث والتقاليد من جهة، وكان هذا التصويت بنفس الوقت بمثابة انتقام من حزب المعراخ لتجاهله قضايا اليهود الشرقيين.
وهكذا واعتبارا من سنة 1981 بدأ نصف أبناء الطوائف الشرقية يصوتون لليكود، أما أسباب ذلك فتعود إلى عدة عوامل منها: البحث عن تعبير لهم وهوية سياسية لأنفسهم، التعبير عن معارضتهم لحزب العمل بوصفه يمثل المؤسسة الحاكمة وطبقة أرباب العمل، والشعور بأن الليكود والأحزاب الدينية هي الأكثر تمثيلا للثقافة اليهودية التقليدية.
وشهدت انتخابات الكنيست في الأعوام التالية اشتداد حدة الاستقطاب الطائفي، وانقسام المجتمع الإسرائيلي إلى أكثر من فريق له نظرته الخاصة من مجمل القضايا السياسية والاجتماعية.
وبدا أن هذا الانقسام يزداد حدة مع مرور الوقت على الرغم من محاولة الصهيونية السعي لإقامة مجتمع يهودي متجانس، ولكن الذي بدا أن إسرائيل تسير نحو المزيد من التمايز والتجزئة بدلاً من الانصهار والوحدة.
"
|
ظاهرة الأحزاب الدينية
منذ ظهر حزب "شاس" للمرة الأولى على الخارطة السياسية لإسرائيل عام 1984، حتى شكل هذا الحزب مركزا لاستقطاب عدد كبير من اليهود الشرقيين الذين يقومون بشعائرهم الدينية، وليسوا تماما من الجمهور المتدين المتزمت الذي يعتبره هذا الحزب قاعدته الأساسية.
"وشاس" هو حزب انشق عن حزب متدين أشكنازي واستطاع هذا الحزب بواسطة شبكة واسعة من المرافق والخدمات العامة مثل المدارس الدينية المجانية (اليشفا)، والمستوصفات، والجمعيات الخيرية توسيع قاعدته الشعبية وجذب عدد كبير من أبناء الطوائف الشرقية، الذين أداروا ظهرهم للحزبيين الكبيرين وحتى لأحزاب شرقية خالصة مثل حزب غيشر.
وأخذوا منذ تلك الفترة يصوتون بانتظام لحزب "شاس" الأمر الذي انعكس سلباً على الحزبين الكبيرين لجذب جمهور اليهود الشرقيين, وتمثل ذلك في انتقال حزب "غيشر" الذي يتزعمه ديفد ليفي من التحالف مع حزب الليكود في انتخابات 1996 إلى التحالف مع حزب العمل وتأمين فوز هذا الحزب في انتخابات عام 1999.
واللافت، الارتفاع التصاعدي في التمثيل السياسي لليهود الشرقيين في الكنيست عبر السنوات. ففي حين اقتصر هذا التمثيل على 22 عضوا في الكنيست التاسع ارتفع في الكنيست العاشر إلى 27 عضوا، ليبلغ في الكنيست الحادي عشر 31 عضواً مقابل 82 من الطوائف الغربية و7 أعضاء عرب وفي الكنيست الثالث عشر بلغ عدد مقاعد اليهود الشرقيين 40 مقعداً مقابل 71 مقعداً للأشكناز.
وفي سياق التمثيل الطائفي برزت هيمنة أعضاء الكنيست المتحدرين من شمال أفريقيا وخصوصا من المغرب، بعد أن كانت الصدارة للمتحدرين من اليمن والعراق.
هذا مع العلم أن يهود شمال أفريقيا يشكلون 25% من يهود إسرائيل، وهم سيشكلون فيما بعد طبقة من الجنسية الإسرائيلية الشرقية التي ستلعب دورا هاما في الحياة العامة.
المواقف السياسية من النزاع الإسرائيلي-العربي
تظهر أكثر من دراسة أن اليهود الشرقيين يتبنون سياسة متشددة إزاء الفلسطينيين إجمالا، وربما هذا هو السبب الذي دفع بهم إلى تأييد حزب الليكود، الذي حصد عام 1981 نحو 70% من أصواتهم. ولم يؤد اجتياح لبنان عام 1982، ولا المجازر التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينين إلى إضعاف هذا التأييد.
في دراسة أعدتها د. أوفيرا سليكتار تقول إن اليهود الشرقيين من الطبقات الفقيرة هم الذين يتبنون مواقف صقرية وعدائية ضد العرب، ويظهرون رفضاً لمساعي السلام.
وأسباب ذلك كثيرة منها ماله خلفية نفسية حيث يرى "أوري أفنيري" أن المهاجرين اليهود من الدول العربية إلى فلسطين كانوا يلقون معاملة حسنة قبل هجرتهم، ولا سبب لديهم ليكرهوا العرب، لكن عنصرية الشرقيين إزاء العرب هي إلى حد بعيد نتيجة مباشرة لعنصرية الأشكناز إزاء الشرقيين أنفسهم.
فعندما حضر هؤلاء قيل لهم إن الحضارة الأوروبية هي الأرقى، وإنهم جاؤوا من دول متخلفة وبدائية تفتقر إلى أي حضارة، وككل جمهور مضطهد ومحتقر تبنى هذا الجمهور -من دون أن يدري- قيم المضطِهد والمحتقِر، وأخذ يحتقر نفسه ويخجل من طريقة لفظه وتراثه وحضارته وموسيقاه، ونظرا لأن هذا كله يشكل جزءا من حضارة العالم العربي، فقد كان من السهل نقل الكراهية والاحتقار إلى العرب. لذا فكراهية العرب هي كراهية مموهة للذات.
وهناك من يعيد عدائية الشرقيين للعرب إلى ميل للعنف لدى أبناء هذه الطائفة نتيجة شعورهم بالاضطهاد والغبن والإحباط.
وتمتاز مواقف الأحزاب الشرقية عامةً، برفض إخلاء المستوطنات ومعارضة الاتفاقات المعقودة مع الفلسطينيين، وتأييد فكرة طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، وإعادة احتلالهما من جانب الجيش الإسرائيلي.
في الانتفاضة الأخيرة كان من الصعب تبيان مواقف اليهود الشرقيين مما يجري وذلك في ظل شبه الإجماع داخل إسرائيل عن ضرورة التصدي للانتفاضة بالقوة، لا سيما في ظل العمليات الفلسطينية التي استهدفت مدنيين إسرائيليين.
ولكن في تحركات أنصار السلام من اليسار الإسرائيلي الأشكنازي الصبغة بشكل عام، برزت أصوات ليهود شرقيين عبروا عن رفضهم لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية، وتأييدهم للمفاوضات السياسية. كتب اليهودي الشرقي إيلون أبو طبول يقول "إنني أؤيد السلام ووقف الاحتلال والعلاقة العادلة بالفلسطينيين، وأنا شرقي أخي حريدي (يهودي متدين متزمت)، وأنا يهودي أحترم وأحب ديانتي، وأنا لست يساريا، يمينيا، ولست من أتباع "شاس" ولست أنتمي إلى أي حركة فوضوية".
واحتج الكاتب على أن الناطق باسم تظاهرات أنصار السلام لا تشتمل على شرقي واحد، وجميعهم من الأشكناز، واعتبر ذلك بمثابة مظهر آخر من مظاهر تجاهل الشرقيين.
خلاصة
يرى عدد من المثقفين من اليهود الشرقيين أن طائفتهم هي ضحية للصهيونية مثلما كان الفلسطينيون والعرب ضحاياها. تقول إيلا حبيبة شوحيت أستاذة الدراسات الثقافية والنسائية في جامعة نيويورك التي اختارت النزوح عن إسرائيل احتجاجا على سياسة التميز ضد اليهود العرب "ينبغي أن ننظر إلى النتائج السلبية للصهيونية، لا على الشعب الفلسطيني فحسب بل على اليهود الشرقيين الذين يشكلون الآن أكثرية السكان اليهود في إسرائيل. فالصهيونية لا تقوم بالحديث فقط نيابة عن فلسطين والفلسطينيين معيقة بذلك تمثيل الفلسطينيين لأنفسهم، بل تفترض أنها تتحدث نيابة عن اليهود الشرقيين.
وللإنكار الصهيوني للشرق العربي المسلم والفلسطيني نتيجته الطبيعية وهي إنكار اليهود الشرقيين الذين كانوا كالفلسطينيين، إذ جردوهم من حقهم في تمثيل أنفسهم وإنما بآليات أكثر خبثاً وأقل وحشية واضحة. كان صوت إسرائيل الطاغي هو صوت اليهود الأوروبيين، أما صوت الشرقيين فقد كان مخنوقا ومطموسا إلى حد بعيد وهكذا يشكل اليهود الشرقيون أمة مستعمرة داخل أمة".
لكن هذا الموقف للنخبة المثقفة لا يشكل مؤشرا على وعي عام لدى أبناء هذه الطائفة من شأنه أن يخلق نوعا من التضامن بين مختلف الفئات التي تضررت من الصهيونية، وبصورة خاصة بين يهود الدول العربية وبين الفلسطينيين.
ومع ذلك فإن حدة المشكلة الإثنية في إسرائيل، والتنافس الحاد بين اليهود الأشكناز واليهود االسفارديم على السلطة والقيادة، وازدياد حدة الاستقطاب الطائفي والانقسام بين العلمانيين الذين غالبيتهم أشكنازية، ومتدينين غالبيتهم شرقية، إنما يؤكد فشل نظرية "بوتقة الصهر" التي نادت بها الصهيونية، وأفول حلمها ببناء المجتمع اليهودي الأمثل.
إسرائيل اليوم صورة لدولة عالمثالثية بكل ما فيها من انقسامات وتناقضات وتجاذبات، ورغم كونها تملك أكبر قدرة عسكرية في المنطقة، فإنها غير قادرة في مطلع القرن الواحد والعشرين على تجنيد مختلف الفئات التي يتألف منها مجتمعها للدفاع عن قيم الصهيونية التي هي اليوم تمر في مرحلة أفولها السياسي والأيديولوجي.
_______________
* باحثة في الشؤون الإسرائيلية في صحيفة النهار اللبنانية
المصادر:
1- توم سيغيف: "الإسرائيليون الأوائل- 1949″، ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية- قبرص 1986، ص 125.
2- يعقوب خوري: "اليهود في البلدان العربية"، دار النهار للنشر، بيروت- لبنان 1970.
3- Michael Elbaz, "Oriental Jews in Israel Society"- Merip Reports, no. 92, Nov-Dec. 1980
4- إيلي تايور: "تمرد الطوائف الشرقية" الحلقة الأولى، "يديعوت أحرونوت"، 17/7/1981.
5- "دليل إسرائيل العام": مؤسسة الدرسات الفلسطينية الطبعة الثالثة، كانون الثاني 1997، (ص 86-87).
6- مأمون كيوان: "اليهود الشرقيون في فلسطين المحتلة وتوجهاتهم السياسية"، الأرض، العدد العاشر، تشرين الأول- أكتوبر 2000، ص 43.
7- يوحنا بيريس، من حديث أجراه لصحيفة دافار 27/7/1984.
8- سمير جبور: "انتخابات الكنيست الحادي عشر- 1984، الأبعاد السياسية والاجتماعية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية الطبعة الأولى، نيقوسيا، قبرص 1985.
9- Ofira Seliktar: "Ethnic stratification and Foreign Policy in Israel: the Attitudes of Oriental Jews towards the Arabs and the Arab Israeli conflict," The Middle East Journal, volume 38, No. 1, winter 1984
10- أوري أفنيري، "هعولام هزية"، 23/9/1984.
11- إيلون أبو طبول: "يتجاهلوننا"، هآرتس 26 أيار 2002.
12- مقابلة أجراها آري شافيط مع شلومو بن عامي في "هآرتس" 1997؛ ونشرت ترجمتها مجلة "الدراسات الفلسطينية" عدد 36، خريف 1998 ضمن ملف بعنوان: "اليهود الشرقيون في إسرائيل".