مؤسسات الجيش والأمن العراقية الجديدة


undefined

هاني عاشور


بعد إعلان الولايات المتحدة انتهاء العمليات العسكرية في العراق في مطلع مايو/ أيار 2003 توجهت الإدارة الأميركية إلى حل وزارة الدفاع العراقية وأجهزة الأمن والمخابرات وأجهزة الشرطة باعتبارها كانت تمثل مفهوم السلطة القمعية الأشمل في زمن النظام السابق.

وقد وجدت الولايات المتحدة عبر سلطتها المدنية والعسكرية في العراق أنها أمام حاجة ملحة لإيجاد بدائل لتلك السلطات بعد شيوع الفوضى وعمليات السلب والنهب وارتفاع معدلات العمليات الهجومية بعد حل الجيش العراقي الذي دفع بملايين العراقيين إلى الانضمام لمعسكرات البطالة.

وبسبب كل ذلك بدأت سلطة الاحتلال الأميركي في العراق أولى مهماتها في بناء جهاز الشرطة العراقية الذي رأت أنه سيكون الخطوة الأولى نحو إعادة الأمن والاستقرار للعراق.


البرامج المكثفة لإعداد الشرطة العراقية لم تسر أمورها كما كان مخططا لها، وقد تعرضت لهجمات عنيفة بعدما اتهمتها المقاومة بالتعاون مع الاحتلال الذي استغل عددا من أفراد الشرطة في عمليات المداهمة. وبسبب العمليات الهجومية المنظمة بالسيارات المفخخة وعمليات الاغتيال المنظمة قتل أكثر من 700 شرطي عراقي حتى الآن

جهاز الشرطة
أولى الخطوات في إعادة بناء جهاز الشرطة كان عبر الاعتماد على عناصر من الشرطة العراقية السابقة ممن فصلوا من وظائفهم زمن النظام السابق، حيث اتخذوا مقر كلية الشرطة العراقية في بغداد مقرا لهم بعد فتح باب التطوع وتم تأسيس النواة الأولى لهذا الجهاز وبدأ تدريباته تحت إشراف أميركي، وخلال مدة لا تتجاوز شهرا كاملا تم التحاق أكثر من عشرة آلاف شخص وتسلموا عددا من مراكز الشرطة في عدد من المدن الرئيسة في العراق والتي كانت تقوم بحمايتها الشرطة العسكرية التابعة للقوات الأميركية.

وفي يوليو/ تموز الماضي وبعد تشكيل مجلس الحكم الانتقالي العراقي، انضمت أعداد أخرى إلى الشرطة التي بدأت مهماتها في حماية المؤسسات الحكومية وإيقاف عمليات السلب والنهب ومتابعة اللصوص والقبض عليهم، فانخفض مستوى الجرائم بنسبة بسيطة ولكنها كانت مؤثرة على الوضع الأمني نسبيا. وعلى سبيل المثال -ووفقا لتقارير الشرطة العراقية- فخلال شهر واحد بعد تسلم الشرطة لمهماتها في بغداد نجحت الشرطة في القبض على 26 عصابة اختطاف في العاصمة العراقية فقط، فيما تمكنت من إلقاء القبض على ما يزيد على 325 شخصا في أحياء الكرخ ببغداد فقط، وحسب الرائد توم هيدريك من الشرطة العسكرية للواء الثاني المدرع الأميركي الذي أشرف على عمليات الشرطة في تلك المرحلة فإن جرائم هؤلاء توزعت بين حيازة السلاح وعمليات السطو المسلح وجرائم السرقة وحالات الاعتداء والتهديد والخطف وعمليات هجومية ضد قوات التحالف.

وكانت عمليات الشرطة تلك، ووفقا للعقيد وليد عبد الرزاق معاون آمر شرطة الكرخ في بغداد، "قد جاءت بعد أن أكملت قوة الشرطة الجديدة تدريباتها السريعة التي تضمنت محاضرات على استخدام المعدات الفنية المتطورة".

ويبدو أن نجاح الشرطة واعتماد القوات الأميركية عليها في إدارة الأمن شجعها على تخصيص رواتب مناسبة للمنخرطين فيها ما دفع الكثيرين للانخراط خاصة بعد أن تم تشكيل وزارة الداخلية وتعين وزير لها والتي أصبحت المسؤول المباشر عن عمل الشرطة بالتعاون مع القوات الأميركية.


undefinedبعد تشكيل وزارة الداخلية وزيادة عدد المنخرطين في الجهاز الأمني وصل عدد منتسبي الشرطة في العراق إلى 110 آلاف شرطي حتى الآن، من بينهم شرطة المرور وشرطة مكافحة الجريمة وحماية المؤسسات الحيوية، مع حملات أميركية مازالت مستمرة لكسب أكبر عدد ممكن للانخراط في سلك الشرطة وخاصة من خريجي المدارس المتوسطة أي الذين أكملوا مرحلة الثالثة الإعدادي، حيث تم اعتماد هذه الشهادة لتتمكن القوات الأميركية في العراق من إرسال عدد منهم للتدريب في دول عربية مع إمكانية إفادتهم من الدروس التي سيتم تدريبهم عليها بعد أن عقد العراق ثلاثة اتفاقيات للتدريب مع كل من الأردن الذي من المتفق أن يقوم بتدريب أكثر من ثمانية آلاف منهم في دورات مختلفة تستمر مدة الدورة ستة أسابيع، ومصر التي استقبلت في مارس/ آذار الجاري دفعة أولى لتدريبهم على أن يصل العدد إلى ثلاثة آلاف، ودولة الإمارات العربية التي استقبلت دفعة من الشرطة العراقية لتدريبهم من قبل مختصين من ألمانيا على مكافحة الجريمة المنظمة كالتزوير والتهريب والجرائم المنظمة مثل مكافحة المخدرات.

غير أن هذه البرامج المكثفة وهذه الأعداد الكبيرة من الشرطة العراقية، لم تسر أمورها كما كان مخططا لها، فقد تعرضت إلى هجمات عنيفة بعد أن اتهمتها المقاومة العراقية بالتعاون مع القوات الأميركية، حيث استغلت قوات الاحتلال عددا من الشرطة في عمليات المداهمة. وبسبب العمليات الهجومية المنظمة بالسيارات المفخخة وعمليات الاغتيال المنظمة قتل أكثر من 700 شرطي عراقي حتى الآن، وفقا لصندوق شهداء الشرطة الذي تم تأسيسه لتعويض عائلات أفراد الشرطة الذين قتلوا في تلك العمليات، حيث تمت مهاجمة أكثر من 30 مركزا للشرطة بالصواريخ والسيارات المفخخة في عدد من مدن العراق مثل الرمادي وكركوك وكربلاء وبابل وبعقوبة والموصل والفلوجة، الأمر الذي جعل كثيرا منهم يقدم استقالته، في وقت لم يتوقف فيه التقديم للعمل في جهاز الشرطة من جهة أخرى بعد تخصيص حوافز مالية كبيرة كبدل خطورة للعاملين في أجهزة الشرطة ما جعل عملهم يسير بانتظام ونشاط أكبر رغم كل هذه المعوقات.

ولكن سلطة الاحتلال الأميركي في العراق واجهت معضلة أصعب هناك بعد خفض مستوى الجريمة الاجتماعية، ألا وهي عمليات التفجير والتسلل من الخارج والتي بدأت تستهدفها وتهدد بقاءها في العراق وتعرقل أي مهمة سياسية تقدم عليها، فسارعت في تأسيس جهاز للمخابرات ليقوم بضبط الوضع الأمني ومتابعة المتسللين الذين تتهم القوات الأميركية تنظيم القاعدة بالوقوف وراءهم والتخطيط لهم لزعزعة الوضع الأمني والسياسي في العراق ومحاربة القوات الاحتلال.


undefinedجهاز المخابرات

لقد بدأت المرحلة الأولى في إعداد هذا الجهاز من خلال عناصر معارضة كانت تعمل في الخارج. وبرز من بين الأسماء التي تعاملت معها سلطة الاحتلال الأميركي في العراق لتأسيس جهاز مخابرات جديد، محمد الشهواني وهو معارض عراقي كان يقيم في أميركا، وحسن هادي وهو من عناصر الأمن الخاص العراقي والذين هربوا قبل سنوات من العراق في عهد صدام، وعناصر أخرى من تنظيمات معارضة سابقا. وتبنت فكرة تأسيس جهاز المخابرات الجديد حركة الوفاق الوطني العراقي بقيادة إياد علاوي عضو مجلس الحكم والذي يتولى رئاسة اللجنة الأمنية في المجلس وبإشراف من وزير الداخلية نوري البدران من حركة الوفاق أيضا، وقد تم الاتصال بعناصر من أجهزة الأمن والمخابرات العراقية السابقة للعمل في الجهاز الجديد، وقد وافق بعضهم فعلا على العمل، حيث قام المسؤولون الأميركان باللقاء مع بعضهم ونجحوا في الإفادة من خبراتهم، فيما تم إرسال عدد منهم إلى الولايات المتحدة الأميركية لتلقي التدريبات في مجال عملهم الجديد.

وبعد تشكيل اللبنة الأولى من عناصر جهاز المخابرات الجديد وفي الوقت الذي كانت فيه عملية تنظيم إدارة هذا الجهاز تتم بسرعة قبل نقل السلطة للعراقيين نهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل تم إعداد مسودة ميثاق جهاز المخابرات التي من المقرر أن يتم إعلانها بعد أيام والتصديق عليها من قبل أعضاء مجلس الحكم.

وتتضمن الوثيقة الأسس التي سيعمل الجهاز بموجبها خاصة فيما يتعلق بالمعلومات الاستخبارية عن حالات العصيان والتمرد والتجسس والاتجار بالمخدرات وأسلحة الدمار الشامل والجرائم الأمنية المنظمة.

وسيكون من صلاحية رئيس الحكومة العراقية المقبل تعيين رئيس هذا الجهاز ونائبه ومعاونيه على أن لا يستمر في هذا المنصب أكثر من خمس سنوات، كما نصت الوثيقة على أنه لا يجوز للمنتسب في جهاز المخابرات الترشيح للجمعية الوطنية أو الدخول في أي حزب أو حركة سياسية، وسيرتبط جهاز المخابرات بهيئة الأمن القومي التي يتم مناقشة تأسيسها حاليا في العراق.


بدأ الاحتلال يعمل على إعادة وزارة الدفاع لتتمكن من الإشراف على الجيش العراقي الجديد. وسيكون وزير الدفاع الجديد الذي سيعمل بإشراف أميركي وبتوجيه المستشار الأميركي لوزارة الدفاع، مدنيا وتعاونه هيئة أركان مؤلفة من ثمانية أشخاص بينهم ضباط عراقيون قصد بعضهم أميركا منذ شهر في دورة تأهيلية لهذا الغرض

الجيش العراقي
وفي الوقت الذي تسارع فيه الإدارة المدنية الأميركية في العراق في بناء جهاز مخابراتي، تسارع من جهة أخرى أيضا في إعادة بناء الجيش العراقي الذي سيكون البديل للقوات الأميركية والجيش السابق في حماية العراق مع اقتراب نقل السلطة ومغادرة القوات الأميركية للمدن العراقية والاحتفاظ بوجودها في القواعد التي تحيط بالمدن الرئيسية.

وقد بدأت القوات الأميركية فعلا بالعمل على إعادة وزارة الدفاع لتتمكن من الإشراف على الجيش العراقي الجديد. وسيكون وزير الدفاع الجديد الذي سيعمل بإشراف أميركي وبتوجيه المستشار الأميركي لوزارة الدفاع، مدنيا وتعاونه هيئة أركان مؤلفة من ثمانية أشخاص بينهم ضباط عراقيون سابقون فيما تشير المعلومات المتداولة في العراق إلى أن بعضهم قد قصد أميركا منذ أقل من شهر من الآن في دورة تأهيلية لهذا الغرض.

ويتألف الجيش الجديد من القوات البرية والبحرية والجوية، إضافة إلى إدارة عامة يبلغ العنصر النسوي فيها 50% فضلا عن هيئة أركان ستتولى السيطرة على هذه القوات التي بلغ عددها حتى الآن أكثر من 20 ألف شخص ليصل إلى 35 ألفا مع نهاية يونيو/ حزيران المقبل، منهم من تلقى تدريبات في عدد من المدن الشمالية الكردية بينما سيكون الجيش من ثلاث فرق تضم كل فرقة 27 فوجا آليا وخفيفا، وقد تخرج منها 11 فوجا حتى الآن كان آخرها في الأسبوع الأخير من مارس/ آذار 2004.

وضمن خطة معدة جرى إنشاء مقر اللواء الأول منتصف فبراير/ شباط الماضي في منطقة السكك قرب الموصل حيث سيتم تشكيل اللواء من الفوج الأول والثالث والرابع.

ومع بداية يونيو/ تموز المقبل سيرتفع إجمالي الضباط المتدربين إلى 1692 ضابطا وكذلك سيرتفع عدد ضباط الصف المتدربين إلى 3500 ليشكلوا 15 فوجا حيث يستقبل الجيش الجديد الضباط والمراتب من كلا الجنسين ممن خدموا سابقا في الجيش العراقي المنحل والذين لم يخدموا فيه بعد تقديم أوراقهم ومؤهلاتهم لإدخالهم دورات التدريب كي ينخرطوا من جديد في تشكيلة جيشهم الذي يختلف عن السابق في الرواتب وصيغ التعامل وتنفيذ الواجبات مع الإبقاء على الطرائق المتبعة في التدريب المنظم وواجبات الحضيرة ومهمات القيادة.

ويشير العميد رعد العاني من حركة الضباط الأحرار العراقية إلى "أن مديريات الصنوف التي كانت مستقلة سابقا ستكون هيئات مصغرة تتبع رئاسة الأركان، أما صنف الاستخبارات فسيبنى وفق قواعد جديدة حيث سيكون مرتبطا بهيئة الأمن القومي التي ستشمل إضافة إليه جهاز الأمن والمخابرات وترتبط بدورها برئيس الحكومة".

وستكون مهمة الجيش حماية الحدود والبقاء خارج المدن ومكافحة الإرهاب وعدم التدخل في الشؤون السياسية للبلاد حيث يمنع أفراده من الانضمام إلى الأحزاب والحركات السياسية.
________
كاتب عراقي

المصدر : غير معروف