بين المقاومة والشتات.. هذا وضع شباب الثورة اليمنية في ذكراها العاشرة

من هتاف مع الآلاف ضد نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، يسير محمد المقبلي وحيدًا في حديقة "جولهانا" وسط مدينة إسطنبول، ويتحدث عن مصير جيل من الشباب الذين اصطدمت أحلامهم بثورة مضادة وانقلاب على الدولة.

لكن المقبلي -الذي يعد من أكثر وجوه ثورة "11 فبراير" حضورًا- لا يفتر حماسًا بالحديث عن الثورة، إذ يستلهم أمله من أغنية شعبية تجسّد حالة التحولات في اليمن، تقول "يا قافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس" (عاد بمعنى ما يزال).

وفي عشرية الثورة، يبذل المقبلي جهدًا كبيرًا في سبيل إحياء ما وصفه بنضال اليمنيين للحرية ودولة القانون، ومن مركزه كأمين عام لمجلس شباب الثورة، كان يجري اتصالات مع أصدقائه لتنظيم مؤتمرات تُعقد عبر تقنية "زوم" بهدف إجراء مراجعات نقدية للثورة.

وقبل 6 سنوات، كان المقبلي يستقل سيارة ذات دفع رباعي تسير به على طريق صخرية متعرجة نحو قريته في مديرية القفر بمحافظة إب، فالشاب الذي كان عضوا في مؤتمر الحوار الوطني شاهد بلاده تسير نحو الحرب لحظة مقتل العميد حميد القشيبي على يد الحوثيين، كما يقول.

ويقول للجزيرة نت "يومها غادرت صنعاء بغصة ألم، كنت أفقد وطني بعد أن فقدت حبيبتي قبلها بأيام".

في عشرية ثورة 11 فبراير يرى أمين عام مجلس شباب الثورة محمد المقبلي أن اليمنيين سيعودون يوما ما إلى بلدهم رغم حالة الشتات – إسطنبول (الجزيرة نت)
محمد المقبلي يرى أن اليمنيين سيعودون يوما ما إلى بلدهم رغم حالة الشتات (الجزيرة نت)

مقاومة الانقلاب

فتحت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 شهيتهم للسيطرة على البلاد، لكنهم اصطدموا بالمقاومة الشعبية في عدة مدن، مثل: تعز وعدن والضالع.

وكانت تلك المقاومة تشكلت من عسكريين معارضين للحوثيين وشباب ثورة فبراير، إذ لم يقبلوا منذ الوهلة الأولى "الثورة المضادة"، حيث تحالف صالح مع الحوثيين لينقلبا على عملية الانتقال السياسي في البلاد.

ورغم أنه لم يكن مقاتلًا بارعًا فإن المقبلي أخذ على عاتقه التحشيد لمقاومة الحوثيين وقوات صالح، ويقول "لمدة طويلة انضممت للمقاومة وبدأت أوعّي الناس بكارثة الانقلاب".

وبرزت أسماء كثيرة كان لها دور في ثورة "11 فبراير" ومقاومة الانقلاب، من بينها وزير الشباب والرياضة نايف البكري، الذي قاد المقاومة ضد الحوثيين في عدن، بالإضافة إلى نائف الجماعي قائد المقاومة في الضالع، وحمود المخلافي قائد المقاومة في تعز.

لكن أغلب شباب الثورة كانوا يرون أحلامهم تنذوي وسط لهيب الحرب، لينزحوا إلى مناطق سيطرة الحكومة والقوى المناهضة للحوثيين، ومن هناك حاولوا بدء حياة جديدة.

القسم الأكبر من شباب ثورة 11 فبراير صاروا نازحين في الشتات (الجزيرة نت)
القسم الأكبر من شباب ثورة "11 فبراير" تفرقت بهم السبل في عدد من الدول (الجزيرة نت)

شتات قهري

كانت الظروف الجديدة وضعت قيودًا على شباب الثورة ليغادر بعضهم البلاد للعمل في دول الخليج أو للبحث عن فرصة للعيش في بلد آخر، وتقزمت أحلامهم إلى حصول على تذكرة سفر.

كان محمد المقبلي محظوظًا بعد أن التحق بالعمل في قناة محلية تبث من إسطنبول، بعد سفره إلى تركيا "في رحلة كانت أشبه بالمغامرة، حيث كنت واحدًا من المطلوبين لدى الحوثيين".

لكن عبد الرزاق العزعزي، وهو أحد شباب الثورة، يقول إن جزءًا من الثوار انضموا للحكومة واهتموا بالخلاص الشخصي، في حين انخرط آخرون في صفوف الانقلاب، لكن الجزء الأكبر كان يبحث عن وطن.

ووفق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنه بعد 4 أعوام من ثورة فبراير كان 887 ألف يمني يعملون في دول الخليج، معظمهم من الشباب، كما اضُطر الآلاف لعبور طرق التهريب للعمل بصورة غير قانونية في السعودية.

واستقر نحو 500 إلى 700 ألف يمني في مصر، وفق تقرير لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، ومعظم هؤلاء كانوا شبانًا لاجئين.

تحول الشتات إلى نقطة قوة لشباب ثورة فبراير؛ إذ كانت لهم القدرة على الوصول لصانعي السياسات والحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية، لكن قدرة الوصول هذه نادرًا ما تحولت إلى نفوذ، وفق دراسة صادرة عن مركز بروكنغز في الدوحة.

مع اندلاع الحرب غادر عبدالرزاق العزعزي اليمن وتنقّل في العديد من البلدان قبل أن يستقر في الكويت للعمل في إحدى المنظمات (الجزيرة نت)
عبد الرزاق العزعزي غادر اليمن مع اندلاع الحرب وتنقّل في العديد من البلدان قبل أن يستقر في الكويت (الجزيرة نت)

إقصاء سياسي

كانت المبادرة التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي مسارًا فاصلًا في ثورة فبراير، إذ مثّلت تسوية سياسية تقاسم على إثرها النظام والمعارضة الحكم، في حين أُقصي الشباب تمامًا من المعادلة السياسية، ولم يكن لهم فيها أي صوت.

وبأسى يروي المقبلي موقف شباب الثورة من المبادرة، ويقول إن أحزاب اللقاء المشترك قدمت نفسها كحامل للثورة، ومنعت التشكل السياسي للشباب، ولم تمنح الشباب حقوقهم.

وأضاف أن "اللقاء المشترك منع رئيس الحكومة حينها محمد سالم باسندوة من الحديث معنا".

امتدت حالة الإقصاء والتهميش إلى الجيل الذي نشأ خلال السنوات العشر الماضية، وخلال مؤتمر الشباب اليمني لبناء السلام الذي نُظم افتراضيًّا مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، طالب الشباب المشاركون فيه بإشراكهم في صناعة القرار للوصول إلى سلام شامل ومستدام.

لكن الدعوات هذه جاءت عقب تورط الجيل الجديد في أعمال عنف بعد أن استُقطبوا من أطراف النزاع، على عكس شباب ثورة فبراير الذين كانوا أكثر وعيًّا سياسيًّا.

احتفالات في مدينة مأرب شرقي اليمن بالذكرى العاشرة لثورة 11فبراير (الجزيرة نت) (2)
احتفالات في مدينة مأرب (شرقي اليمن) بالذكرى العاشرة لثورة 11فبراير (الجزيرة نت)

رفض التشكيك

انقاد الجيل الجديد من الشباب خلال السنوات العشر الماضية خلف الشعارات التي تطلقها الثورة المضادة، من بينها تحميل الثورة سبب الحرب، ويعود ذلك إلى الإعلام القوي للثورة المضادة، حسب ما يراه أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء الدكتور حمود العودي.

ويقول العودي للجزيرة نت إن شباب فبراير دخلوا تجربة سياسية في اليمن للمرة الأولى، حيث واجهوا صيغة جديدة من المواجهات السياسية لم تكن لها صيغة مماثلة في السابق.

ويضيف أن شباب الثورة "كانوا صادقين وأبرياء وأوفياء إلى حد كبير؛ لذا سهل التلاعب بهم وبتضحياتهم وقناعتهم الوطنية".
وحسب العودي، فإن الشباب كسبوا بإرسائهم قاعدة للنضال الوطني لم يكن لها سابق في اليمن، وأسقطوا الرؤوس السياسية العتية، وأصّلوا قاعدة للفكر السياسي والاجتماعي تتمثل في أنه لا يمكن لأي فرد أن يتحكم بمصير الأمة.

ويتابع "خسروا لأن ببراءتهم جعلوا الثورة المضادة تصورهم على أنهم نزوة واندفاع فقط".

ويتجاوز العودي شباب الثورة إلى الجيل الذي تخلّق خلال السنوات العشر الماضية، وأكد ضرورة أن يواجه الجيل الجديد حالة التشويش والتشكيك بأحقية الثورة، وأن ينتقل من ثورة الانفعال والإرادة إلى ثورة الممكن والتطبيق السياسي.

وأكد المقبلي ما قاله العودي، إذ يقول بثقة إن فبراير أثمرت تسوية سياسية وانتقالا سلميا للسلطة، وإعداد دستور جديد، في حين أشعلت الثورة والانقلاب الحرب في اليمن، "ورغم ذلك سننتصر في النهاية وسنعود من جديد لحكم اليمن".

المصدر : الجزيرة