11 يوما من القصف.. ماذا فعلت الحرب في حياة أسرة بغزة؟

العدوان الإسرائيلي انتهى على غزة وبقيت أسرة حرز الله تستجمع شتاتها لتبدأ حياة جديدة

محمد متزوج من سبعة شهور وقد دمرت غارة جوية شقته السكنية -
محمد حرز الله لم يهنأ بشقته التي تزوج فيها منذ 7 أشهر قبل أن تدمرها غارة إسرائيلية (الجزيرة)

"الحرب نالت من حجارتنا ولم تنل من كرامتنا"، قالها المهندس الشاب محمد حرز الله وهو يمسك بين يديه هدية من زوجته، لم تنل منها صواريخ الاحتلال، وربما "قاومت" لتبقى شاهدة على الجريمة.

محمد (30 عاما) متزوج منذ 7 أشهر، ولم يهنأ بعد بشقته السكنية في بناية تمتلكها أسرته المجاورة لعمارة تجارية استهدفتها مقاتلات حربية إسرائيلية وحولتها إلى أنقاض.

انهار ركام العمارة المكونة من 6 طوابق على منزل من طابقين لمحمد وذويه، وألحق به دمارا كبيرا، ولم يعد صالحا للسكن.

وتقيم الأسرة المكونة من 6 أفراد في ساحة المنزل "الآيل للسقوط"، ويقول جمال حرز الله (والد محمد) للجزيرة نت "ليس لنا مأوى آخر.. متجذرون في هذه الأرض ولن نرحل".

جمال حرز الله وزوجته هويدا يتفقدان دمار منزلهما في غزة
جمال حرز الله وزوجته هويدا يتفقدان دمار منزلهما في غزة (الجزيرة)

في مهب الريح

في ذلك اليوم الذي تعرض فيه منزل حرز الله للتدمير فجرا، كان محمد استشعر الخطر صبيحة ليلة لم يذق خلالها النوم بفعل غارات جوية مكثفة وعنيفة، فاتفق مع زوجته -الحامل في شهرها السادس- أن تذهب إلى منزل ذويها للإقامة لديهم في حي الشيخ عجلين (غربي مدينة غزة).

كان الزوجان الشابان يعتقدان أن في انتقالها أمانا لها ولجنينها، لكن منزل أهل الزوجة تعرض لغارة جوية إسرائيلية سوته بالأرض، لتنزح مع أسرتها من جديد إلى منزل جدها لأمها.

يقول محمد للجزيرة نت "كانت حربا قاسية.. لم يكن هناك مكان آمن، وكلنا في مرمى النيران برا وبحرا وجوا".

لم تعد زوجة محمد بعد إلى ما كان لـ7 شهور "عش الزوجية" وتشاهد كيف تحولت شقتها إلى أنقاض اختلطت فيها الحجارة مع الملابس وعلب مستحضرات التجميل والعطور.

ولا تزال صدمة الحدث تسيطر على محمد، رغم تحليه بكثير من الصبر، ويقول "لا أتخيل كل هذا الإجرام؛ صواريخ محملة بآلاف الأطنان من المتفجرات تنهال على منازل آمنة وتعصف بها، وتخطف الأرواح، وتعبث بأحلام البسطاء".

وأضاف "كانت لحظات من الرعب؛ خرجنا من المنزل هائمين على وجوهنا، لا نحمل إلا الملابس التي نرتديها. بعضنا نسي أن ينتعل حذاء، وكان الظلام يلف المكان والطائرات في الأجواء تبث موتا ودمارا".

ابتعد محمد وأسرته وجيران العمارة المستهدفة مئات الأمتار، يرقبون من خلف جدار صاروخا سيهوي في أي لحظة؛ مرت ساعة ونصف الساعة من الخوف والقلق، لم يكن صاروخا واحدا بل 4 صواريخ دمرت العمارة وما حولها، ونشرت الخراب في كثير من المنازل والمنشآت المدنية.

وقال محمد "الغبار والركام المتناثران انتشرا في أرجاء المكان، مكثنا في الشارع حتى الصباح، وعدنا لنصاب جميعنا بالصدمة من هول المشهد".

كانت لمحمد مكتبة افتتحها أسفل منزله، وتقدم خدمات لطلاب الجامعات، وأصبحت "أثرا من الماضي"، ويقول والده جمال (وهو موظف في وزارة التربية والتعليم) "إنهم (الاحتلال) يكرهون لنا العلم والخير، عدو يفتك بكل شيء حتى أوراق الكتب".

جمال حرز الله (يمين) وخطيب ابنته مهند النواتي يقفان على أنقاض المنزل المدمر
جمال حرز الله (يمين) وخطيب ابنته مهند النواتي يقفان على أنقاض المنزل المدمر (الجزيرة)

زفاف مؤجل

هويدا (51 عاما)، والدة محمد، كانت لسنوات طويلة مديرة روضة لتعليم وحضانة الأطفال، تقول للجزيرة نت إن "الدمار ليس في الحجر، ولكن علينا الانتباه لما أصاب أطفالنا وصحتهم النفسية جراء ما عايشوه من مشاهد مروعة من الدمار وأصوات الانفجارات طوال أيام الحرب".

هويدا التي كانت حتى قبيل اندلاع الحرب تجهز لحفل زفاف ابنتها هبة، بدت حزينة لحزن ابنتها التي فقدت كل تجهيزات الفرح ومتعلقاته تحت الركام.

وتحاول هويدا أن تبدو متماسكة وتصبّر نفسها بأن مآسي كثيرين في غزة أشد مما وقع لأسرتها، ممن فقدوا أرواحهم، أو حياة ذويهم وأحبابهم.

ويقول الشاب العشريني مهند النواتي (خطيب هبة) للجزيرة نت "المال معوض، المهم أن هبة وأسرتها بخير".

وفرض دمار المنزل على مهند وهبة تأجيل حفل زفافهما إلى أجل غير معلوم.

دماء ودمار

وفي حين عاد نحو 50 ألف فلسطيني إلى منازلهم بعد أيام قضوها نازحين في مراكز إيواء داخل مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وأكثر من 70 ألفا غادروا منازل أقارب وأصدقاء لجؤوا إليها طلبا للأمن خلال الحرب؛ لن تجد آلاف الأسر مأوى بعد دمار منازلها.

أيام قليلة تالية وسيبدأ أصحاب هذه المنازل المدمرة التفكير في إعمار قد يطول، وهم الذين عايشوا تجربة الحرب الماضية عام 2014، التي تركت منازل مدمرة لم يتم إعمارها بعد.

ويشير حصر أولي لوزارة الأشغال العامة والإسكان إلى أن 1800 وحدة سكنية تعرضت للتدمير الكلي، وأكثر من 16 ألف وحدة لحق بها دمار جزئي.

كما دمرت الغارات الإسرائيلية كليا 74 مقرا حكوميا، و3 مساجد، وتضررت 60 مدرسة جزئيا.

ووفقًا لوكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان ناجي سرحان، فإن إعادة تأهيل قطاع الإسكان بحاجة إلى 350 مليون دولار.

وتتردد على ألسنة الغزيين كلمة "زلزال" لوصف ما خلفته إسرائيل من دمار واسع في مناحي الحياة كافة، خلال 11 يوما من الحرب على غزة، وأسفرت عن 232 شهيدا ومئات الجرحى.

المصدر : الجزيرة