"أخلو منازلكم لنقصفها".. سيناريوهات الرعب الإسرائيلي في غزة

Israel-Gaza cross-border violence continues
طفل يجر شقيقه على عربة قرب مبنى مهدم في غزة (رويترز)

"ألو معكم جيش الدفاع الإسرائيلي.. خبّر أهلك يخلو البيت، لأنه كمان نصف ساعة راح يتم قصفه". هذا جزء من مكالمة هاتفية جرت يوم 17 مايو/أيار 2021 بين الفتاة الفلسطينية رغدة أبو ريدة (20 عامًا) من بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وأحد ضباط المخابرات الإسرائيلية. وعاود جيش الاحتلال الاتصال، وفق محمد أبو ريدة شقيق الفتاة رغدة، وطالبها أن تنصح أشقاءها بالابتعاد عن طريق المقاومة، وإلا سيتم قصف بيتها.

بعد الاتصالين الأول والثاني، قامت عائلة أبو ريدة بإخلاء منزلها على الفور، وإبلاغ عدد من البيوت المحيطة بهم بضرورة الإخلاء. لكن جيش الاحتلال لم يقصف البيت، ليتبين أن الاتصالات حلقة ضمن إستراتيجية إسرائيلية لزرع الرعب بين الفلسطينيين وفصل من فصول الحرب التي تشن على قطاع غزة منذ 10 مايو/أيار 2021.

خلال العمل على هذا التحقيق أجرى معده اتصالات هاتفية مع فلسطينيين يقيمون في محافظات رفح وخان يونس (جنوب) وفي بلدة خزاعة القريبة منها وكذلك في مدينة غزة ذاتها، ليتبين من خلال شهاداتهم أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي وعبر أجهزة مخابراتها، تعمد إلى جانب القصف الجوي والمدفعي والقتل، إلى استخدام الاتصالات العشوائية ببيوت الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007 كأداة للحرب النفسية، وترويع العائلات.

وتعمل سلطات الاحتلال -وفق ما كشفه التحقيق- من خلال وحدة استخباراتية متخصصة، في الاتصال بشكل عشوائي عبر استخدام أرقام خلوية فلسطينية وأخرى من خلال أرقام خاصة مع سكان قطاع غزة، تطالبهم بإخلاء بيوتهم، بدعوى قصفها، ولكن القصف لا يتم.

ويتولى هذه العمليات -كما يؤكد مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية عماد أبو عواد- جهاز "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية أمان، مستفيدين من بيانات المواطنين الفلسطينيين التي أتاحتها الاتفاقات التي وقعتها مع سلطات الاحتلال شبكات الاتصالات الفلسطينية. وتتضمن القوائم المذكورة أسماء المشتركين الفلسطينيين المقترنة بأرقامهم الوطنية، حسب أبو عواد. و يزيد الباحث في الشأن الإسرائيلي حلمي موسى قائلا " إن إسرائيل تمتلك تفوقا تقنيا هائلا علينا ، ولديها سيطرة شبه تامة على كل خطوط الاتصالات وأجهزتها ومراكزها. ولديها نسخة من أرشيف كل شبكات الاتصال الفلسطينية ، وهي تستطيع أن تعرف باسم من كل جهاز هاتف ثابت أو محمول لدى أي شخص، حتى في مكان معين. كما أنها من بصمة الصوت، تستطيع ملاحقة من تريد ملاحقتهم".

وظهرت معالم هذه القدرات المركبة يوم 17 مايو/أيار 2021 خلال حادثة مثل حادثة خزاعة،والتي أدت إلى إخلاء برج وطن حديث البناء والمكون من 12 طابقاً، وبه 155 مكتب، و13 محلا تجاريا، وهو ملاصق تماماً لبرج الجلاء الذي يضم مكتب قناة الجزيرة ووكالة الأنباء الأميركية "أسوشيتد برس"، الذي سوته طائرات الاحتلال مع برجين آخرين بالأرض.

ويؤكد حارس البرج يوسف حمودة "أن حارس برج جاد -أحد البرجين المجاورين لبرج وطن- أخبره بأن جيش الاحتلال اتصل به وأخبره بضرورة إخلاء البرج". وبالرجوع إلى عبد الرزاق جاد الذي أخبر حارس برج وطن بضرورة الإخلاء، قال "وصلني 3 اتصالات من جيش الاحتلال طولبت خلالها بأن أخبر حارس برج وطن بضرورة إخلائه، وهو ما قمت به، إضافة إلى إخلاء بيتنا".

وتم إخلاء البرج الذي يضم مكاتب محامين وعيادات أطباء لعدة ساعات حسب رئيس مجلس إدارته أيمن أبو عيشة.

تهديد الفلسطينيين بالرسائل لإخلاء منازلهم- (مواقع التواصل الإجتماعي)

وقال أبو عيشة أيضا إن اتصالا من رقم مجهول ورد إلى حارس برج جاد كان نصه "اذهب لحارس برج وطن وأخبره بإخلاء البرج". كما ورد اتصال مماثل إلى أحد سكان المباني السكنية القريبة من البرج.

وفي أقصى جنوب قطاع غزة، تلقى "مول العرب" يوم 16 مايو/أيار 2021 اتصالًا هاتفيًا، ورسائل عبر صفحته الرسمية، من جيش الاحتلال تطالب أصحابه بإخلاء المول تمهيدًا لقصفه. على الفور قامت إدارة المول بإخلائه، وهو أكبر مكان للتسوق غرب مدينة رفح وتبلغ مساحته قرابة 3 آلاف متر مربع، ويرتاده مئات المواطنين يومياً، وأخليت كذلك عشرات البيوت المحيط به.

ولكن بعد ساعات تبين أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تتلاعب بأعصاب المواطنين، ليعود العمل في المول من جديد بعد يوم كامل من الإخلاء. وجاءت الاتصالات لإدارة المول -حسب مدير شؤون الموظفين فيه بكر الواوي- من قبل ضباط في مخابرات الاحتلال، وخاطبهم الضابط في أكثر من اتصال بضرورة الإخلاء خلال نصف ساعة، وهو ما تم على الفور.

مول العرب يطمئن زبائنه على وسائل التواصل (الجزيرة)

كذلك، هاتف ضابط في المخابرات الإسرائيلية، المواطن أبو يونس الآغا من وسط مدينة خان يونس، وطالبه بإخلاء بيته الذي تقيم فيه 3 عائلات ويبلغ عدد أفرادها 20 شخصاً، تمهيدًا لقصف بنك الإنتاج القريب من منزله، ولكن صاحب البيت لم يتجاوب مع ضابط المخابرات، كون البنك بعيد عن بيته.

الناطق باسم وزارة الداخلية في قطاع غزة، إياد البزم، أكد ما رصده تحقيق "الجزيرة نت" بشأن الاتصالات التي تطالب المدنيين الفلسطينيين بإخلاء بيوتهم تمهيدًا لقصفها. وقال "هناك اتصالات يقف الاحتلال خلفها من خلال أرقام يجندها، ويتم نشرها على أوسع نطاق من أجل المساس باستقرار الجبهة الداخلية في غزة وإحداث حالة من الخوف وبث الذعر بنفوس المواطنين، ولا يتم قصف تلك البيوت".

وزاد " هنالك تسجيلات صوتية يجهزها الاحتلال وتصل إلى المواطنين عشوائيا بهدف إحداث الرعب، وهنالك رسائل نصية قصيرة تصل إلى المواطنين بأسماء جمعيات ومؤسسات حكومية رسمية تم اختراق حساباتها".

وأكد ذلك بدوره رائد الدهشان المتحدث باسم الدفاع المدني، فقال "نشرنا تحذيرا للمواطنين بوجود اتصالاتٍ من شبان وفتيات ينتحلون صفة الدفاع المدني ويطلبون من المواطنين إخلاء منازلهم بذريعة أنها تشكل خطراً عليهم، وقد تتعرض للاستهداف".

وخلص الخبير الأمني محمد أبو هربيد إلى القول إن هدف الاتصالات الخادعة "إرباك الجبهة الداخلية، وإحداث الضغط النفسي، وبث حالة التشكيك بين المواطنين".

وسبق للجيش الإسرائيلي -حسب أبو عواد- أن استخدم هذا التكتيك بشكل محدود خلال حربه التي دامت 51 يوما على غزة عام 2014 "مع بعض أصحاب المباني السكنية، ولكنه استخدمها بشكل كبير في الحرب الأخيرة، خاصة في ظل استمرار المقاومة".

المصدر : الجزيرة