مظاهرات وحراك سياسي ومجتمعي.. اليمنيون يتناسون مشاكلهم ويتضامنون مع فلسطين

قضية عادلة تتجاوز الانتماءات.. كيف وحدت أحداث فلسطين مواقف اليمنيين؟

مسيرة الحوثيين نصرة لفلسطين
عشرات الآلاف شاركوا في مظاهرات مؤيدة لفلسطين في صنعاء وتعز ومدن يمنية عدة (الجزيرة)

نجحت الحرب في تفرقة اليمنيين، وتعميق الخلافات بينهم، وخلق أوضاع إنسانية غاية في السوء، لكنها لم تنسهم القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين في حربهم المصيرية مع الاحتلال.

وأثار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والقدس وحي الشيخ جراح غضب اليمنيين، الذين أدانوا ما وصفوها بـ"الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني".

ورغم المجاعة ودوائر الاقتتال المشتعلة وتدهور الأوضاع المعيشية بقيت القضية الفلسطينية حاضرة في أولويات اليمنيين واهتماماتهم.

وتعددت أشكال التفاعل والتضامن مع الشعب الفلسطيني بين المظاهرات الشعبية، والبيانات السياسية، والاهتمام الواسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

واحتشد الآلاف من اليمنيين أمس الاثنين في العاصمة صنعاء و13 ساحة أخرى في مدن يمنية مختلفة تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين لمساندة المقاومة الفلسطينية ومؤازرة صمودها، حسب متظاهرين.

وشهدت منطقة باب اليمن بصنعاء الحشد الأكبر حيث تجمع الآلاف من المواطنين منددين بجرائم الاحتلال، ومعلنين وقوفهم إلى جانب المقاومة الفلسطينية.

وفي المظاهرة، قال القيادي في جماعة "أنصار الله" محمد علي الحوثي إن ما يحدث في فلسطين أسقط صفقة القرن، معتبرا أن أبناء فلسطين يقفون في الخندق الأول المدافع عن الأمة.

من جهته، قال ممثل حركة حماس في اليمن معاذ أبو شمالة إن "الجموع اليمنية المحتشدة رسالة للعدو باستحالة الانفراد بالأقصى، وبرقية للشعب الفلسطيني تشعره بأنه ليس وحده، وأن الأمة معه وستبذل كل ما تستطيع من أجل فلسطين".

ويقول علي الحروي -أحد المشاركين في المسيرة- إن مشاركته "تأتي تعبيرا عن الموقف الشعبي العربي المساند للفلسطينيين والمؤيد لمقاومته الغراء التي كشفت بفدائيتها عن زيف دعاة التطبيع، وأكدت إمكانية هزيمة إسرائيل لو توحد العرب والمسلمون".

ويرى أحمد الهمداني أن القضية الفلسطينية قضية مبدئية بالنسبة لليمنيين والعرب، وأن خروجه في المظاهرة لإيصال رسالة للشعب والمقاومة في فلسطين بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة.

وفي مدينة تعز، نُظمت وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني الجمعة الماضي رفضا لاقتحام الاحتلال القدس، وتنديدا بما أسموها "جرائم إسرائيل".

واعتبر المتظاهرون أن المقاومة الفلسطينية لا تدافع عن فلسطين فقط، بل عن شرف الأمة وكرامتها، منددين بمواقف "الأنظمة العربية المتخاذلة تجاه قضية العرب المركزية".

اليمنيون تناسوا خلافاتهم وعبروا -فيما يشبه الإجماع- على تأييد فلسطين (غيتي)

تضامن سياسي ونقابي

ولم يقتصر هذا التفاعل على الفعاليات الشعبية، بل شمل الأحزاب والقوى السياسية المتصارعة والنقابات التي أعلنت مواقف رافضة لعدوان الاحتلال، ومساندة الشعب الفلسطيني حتى استعادة كامل حقوقه.

وأصدرت جماعة أنصار الله، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، والتنظيم الناصري؛ بيانات منفردة مناصرة للأقصى والقضية الفلسطينية.

وفي السياق نفسه، أدانت نقابة الصحفيين اليمنيين العدوان الصهيوني على الصحفيين الفلسطينيين، والشعب الفلسطيني بأكمله.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تضامنا واسعا مع القضية الفلسطينية، من خلال المشاركات الواسعة المؤيدة لنضال الفلسطينيين، وتغيير الصور الشخصية إلى صور الأقصى الشريف وصور تضامنية معبرة.

وعبّر عدد من السياسيين والإعلاميين والنشطاء عن مواقفهم المختلفة تجاه القضية الفلسطينية من زوايا متعددة رغم وقوفهم في جبهات متناقضة في الصراع اليمني.

واعتبر عضو المجلس السياسي بجماعة أنصار الله الحوثية محمد البخيتي -في تغريدة عبر حسابه بتويتر- أن "إسرائيل عاجزة أمام صمود الفلسطينيين من الناحية العسكرية، مما دفعها لاستهداف البنية التحتية لرفع كلفة خيار الصمود". ودعا البخيتي الشعوب إلى "رفع كلفة العدوان بمقاطعة البضائع الأميركية".

من جانبه، قال عبد الملك المخلافي مستشار الرئيس اليمني إن "القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى والمركزية رغم رداءة الوضع العربي، والمعيار الأول لإنسانية الإنسان ووجود الضمير في العالم".

وأضاف المخلافي -في تغريدة عبر تويتر- أن "مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الصهيوني تبقى الظاهرة الأنبل في تاريخ العرب الحديث".

اليمنيون طالبوا بمقاطعة المنتجات الأميركية بسبب ما اعتبروه دعم واشنطن للاحتلال الإسرائيلي (رويترز)

قضية عادلة تتجاوز الانتماءات

وكتبت الصحفية منى صفوان -على صفحتها في فيسبوك- أن القضية الفلسطينية هي "القضية الوحيدة التي يمكنك أن تنحاز لها بالكامل دون لبس أو شك وأنت مطمئن لعدالتها وأحقيتها".

واعتبر الرسام اليمني شهاب المقرمي -في تغريدة- أنه "لا خوف على غزة وتضحياتها مهما كانت مؤلمة، متوقعا أنها ستعود أقوى مما كانت فيما هناك من يخسر أكثر رغم تطبيعهم وركوعهم".

وذكر الإعلامي صلاح الدين حمزة أن "فلسطين وطن لكل مسلم، وأصبحت جزءا من تاريخنا وإرثنا"، في حين نشر الصحفي منصور الجرادي صورة لحشد من المتظاهرين في صنعاء معلقا عليها "اليمنيون ينسون انتماءهم للأحزاب والمذاهب عندما تكون القضية فلسطين".

ويرى الناشط عادل دشيلة أنه رغم مواجهتهم جماعة الحوثي التي وصفها بـ"العنصرية"، فإن ذلك لا يعني التخلي عن القضية المركزية للمسلمين.

ويرى نجم الدين الكحلاني -أحد النشطاء الموالين لجماعة الحوثي- أن "اليمن أكثر من حشَد من أجل فلسطين رغم العدوان والحصار وأزمة المشتقات النفطية، ولا تزال الحسرة تملأ القلوب لعدم مشاركتهم في قتال إسرائيل وجها لوجه".

ويعتبر المحلل السياسي عبد الله حسام أن القضية الفلسطينية قضية مصيرية بالنسبة لليمنيين، مرتبطة بوعيهم وثقافتهم وهويتهم العربية المسلمة، ولذلك لا غرابة من اهتمام اليمنيين بها رغم مشاكلهم المعقدة وويلات الحرب المدمرة والوضع الإنساني والاقتصادي السيئ.

ويضيف حسام -في حديثه للجزيرة نت- أن اليمنيين سبق أن قاتلوا في صفوف المقاومة الفلسطينية عام 1948، وفي حرب لبنان 1982، لما تمثله قضية فلسطين من رمزية تتعلق بالكرامة والهوية العربية.

ويضيف أن اهتمام اليمنيين بالقضية الفلسطينية يرجع إلى أن "العدو محتل غازي، ويستهدف الأمة بأكملها، وله مشروع توسعي استعلائي يستهدف الجميع".

وينتقد حسام توظيف بعض القوى قضية فلسطين في إطار الصراع الداخلي الدائر في اليمن بهدف نيل ثقة الجماهير وتأييدهم وتحقيق مكاسب سياسية، داعيا القوى المتصارعة إلى إنهاء حالة الاقتتال الداخلي وإحلال السلام وتوحيد الجهود الصادقة لمؤازرة القدس.

المصدر : الجزيرة