الحرب على غزة.. تحركات إدارة بايدن بين السرّية والعلنية

لماذا لا يستخدم بايدن أوراق الضغط على نتنياهو لوقف الحرب على غزة؟

دبلوماسيون ومحللون تحدثوا عن مسارين متناقضين لبايدن (يسار) مع نتنياهو بشأن الحرب على غزة (الفرنسية)

لا يلوح في الأفق القريب أي مؤشر على نجاح الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لإيقاف الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من أسبوع.

وتركت تحركات إدارة الرئيس جو بايدن الساعية إلى إيقاف الحرب المعلقين الأميركيين في حيرة شديدة، فرأى بعضهم أن هناك مسارين متوازيين تتبناهما إدارة بايدن، أولهما مسار علني يدعو إلى وقف القتال بين الطرفين، والثاني سرّي مواز يتفهم المنطق الإسرائيلي ويترك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزيدا من الوقت للقضاء على ما يراه ضروريا في البنية التحتية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وأشار آيلان غولدنبرغ، المسؤول في فريق مفاوضات السلام بالشرق الأوسط في أثناء عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في تغريدة له، إلى أن "نهج إدارة بايدن حتى الآن يسير باتجاه الضغط سرًّا من أجل وقف إطلاق النار مع الاستمرار علنا في إعطاء الإسرائيليين مساحة للحركة".

https://twitter.com/ilangoldenberg/status/1394299483085840386?s=20

مسار علني وخطاب داعم لإسرائيل

وبعد اندلاع القتال، بادرت واشنطن بإرسال هادي عمرو، أحد نواب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، المختص بالصراع العربي الإسرائيلي، للعمل على إنهاء القتال، واللقاء مع ممثلي الطرفين الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس. وقلل كثير من المراقبين من أهمية وجود هادي عمرو في المنطقة نظرا إلى عدم شغله منصبا رفيعا، ولأن تعقيدات الأزمة تتطلب تدخلا على مستوى أعلى.

وتحدث الرئيس بايدن مع نتنياهو 3 مرات خلال 4 أيام، وأشار بيانان للبيت الأبيض صدرا عقب أول مكالمتين إلى أن بايدن "دان الهجمات الصاروخية التي شنّتها حركة حماس وجماعات إرهابية أخرى واستهدفت بها القدس وتل أبيب ومناطق إسرائيلية أخرى. وأعرب الرئيس عن دعمه الثابت لأمن إسرائيل وحقها المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها وحماية المدنيين في آن معا"، ولم يعرض البيان لأي إشارة إلى وقف القتال.

وتغير الوضع مع صدور بيان البيت الأبيض عن المكالمة الثالثة التي أُجريت أمس الاثنين إذ تضمن إشارة جديدة إلى دعم بايدن وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين. وكما هو متوقع أشار البيان إلى أن بايدن أكد ما سماه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وإدانته ما وصفها بالهجمات الصاروخية العشوائية لحركة حماس على البلدات الإسرائيلية، وفق ما جاء في البيان.

وإلى جانب البيت الأبيض، قام وزير الخارجية توني بلينكن بإجراء مكالمات هاتفية عدة خلال الأيام الأخيرة مع نظرائه في إسرائيل ومصر وقطر وتونس والسعودية والأردن والإمارات.

وكررت واشنطن بوضوح دعوة ثنائية، أولها إدانة الهجمات الصاروخية على المدن الإسرائيلية وإظهار الدعم لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وثانيها يدعو على استحياء إلى وقف أعمال العنف.

Smoke and flames are seen following an Israeli air strike on a building, amid a flare-up of Israeli-Palestinian fighting, in Gaza City
يرى محللون أن بايدن لم يبذل جهودا كافية لحث إسرائيل على وقف العدوان على غزة (رويترز)

مسار سرّي هادئ

وأشار بعض المراقبين إلى أن مهمة المبعوث الأميركي هادي عمرو العلنية هي العمل على وقف القتال، في حين أن هناك رسالة سرّية حملها المبعوث عمرو للإسرائيليين تقول إن واشنطن تدعم حقكم في الدفاع عن النفس ولا تتوقع نهاية وشيكة لحملتكم على حماس في غزة، وإن واشنطن تريد كذلك التفكير في الخطوات التالية بما فيها مشهد استئناف محتمل لمحادثات السلام مع الفلسطينيين.

وأشارت تغريدة لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان عن مسار سري، وكتب "لقد تحدثت هذا الصباح مع مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شابات عن الأزمة المستمرة، وتحدثت مع الحكومة المصرية. الولايات المتحدة منتظمة في دبلوماسية هادئة ومكثفة وجهودنا ستستمر".

كذلك أشار وزير الخارجية بلينكن إلى أن "الولايات المتحدة تعمل بصورة مكثفة وبجد من وراء الكواليس لإنهاء العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين".

ويتيح المسار السري تجنب إظهار الخلافات الأميركية الإسرائيلية، وهو ما يحرم رئيس الوزراء الإسرائيلي من إمكانية استغلالها لخدمة مصلحته السياسية الخاصة وتوسيع حظوظه الانتخابية المستقبلية.

ويمنح المسار السري لإدارة بايدن ورقة ضغط إضافية في دفعها إسرائيل لوقف إطلاق النار، إذ يصبح التهديد بالخروج من سرية المسار وإعلان رفض الجانب الإسرائيلي الوساطة الأميركية، وهو ما قد يخدم بايدن الواقع تحت ضغوط واسعة من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.

ويذهب آيلان غولدنبرغ إلى القول إن المسار السري يتيح لبايدن أن "يؤكد لنتنياهو أنه لا يمكن الحفاظ على هذا الموقف العام للولايات المتحدة دوليا، لذا إذا لم تذهبوا إلى وقف إطلاق النار، فسنضطر في نهاية المطاف إلى تغيير موقفنا في مجلس الأمن".

مساواة بين الطرفين في العلانية

وتحدث السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك عن تغير في لهجة البيت الأبيض تجاه الإشارة إلى الطرفين بصورة أكثر توازنا، لافتا في هذا السياق إلى حديث بايدن -في كلمة بمناسبة الاحتفال بعيد الفطر- عن ضرورة أن يعيش الفلسطينيون أيضا في سلام وأمان. وغرد إنديك "نعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون أيضا العيش في أمان وأمن وأن يتمتعوا بتدابير متساوية من الحرية والازدهار والديمقراطية".

وذكر إنديك أن إشارة الرئيس الأميركي إلى حق الفلسطينيين في العيش بأمان وسلام تستحق الملاحظة.

وتضمن علانية موقف إدارة بايدن منع واشنطن 3 محاولات من أعضاء مجلس الأمن لإصدار بيان إزاء الموقف المشتعل.

من جانبه عبّر ريتشارد هاس، المسؤول السابق بوزارة الخارجية والبيت الأبيض، والرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية، عن 3 أهداف ينبغي لبلاده العمل على إنجازها، أولا: أن تقدم الولايات المتحدة قرارا لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي. ثانيا: أن تعقد اجتماعا مع الأطراف العربية للضغط على حماس بشأن وقف إطلاق النار. ثالثا: أن يصدر الكونغرس قرارا من الحزبين يدعو إلى وقف إطلاق النار، فهذا ليس وقت الحديث عن سلام الشرق الأوسط، لكن يمكن اتخاذ خطوة مهمة بوقف القتال.

المصدر : الجزيرة