المقاومة العراقية بعد خمس سنوات من الغزو

تصميم عن المقاومة العراقية

محمد عبد العاطي

 
خمسة أعوام فترة كافية للنظر إلى مسار المقاومة العراقية منذ انطلاقتها في الأيام الأولى للغزو الأميركي ومعرفة ما طرأ على هذا المسار من تغيرات، ووضع اليد على نقاط القوة والضعف التي صاحبت أداءها، فضلا عن فهم الأسباب التي حدت بالبعض إلى تأييدها ودفعت البعض الآخر إلى معارضتها والهجوم عليها.
 
بداية مبكرة
الملاحظة الأولى على المقاومة العراقية بعد مرور خمسة أعوام على بدايتها أن هذه البداية كانت مبكرة، وأن هذا التبكير نفسه قد فاجأ الأميركيين. فبعد أن كان الجيش الأميركي يتوقع استقبالات احتفالية من قبل الشعب العراقي فوجئ بعد ثلاثة أيام فقط بأن أحد جنودهم قتل على يد مقاوم عراقي في حي الأعظمية ببغداد يوم الثاني عشر من أبريل/ نيسان 2003، وفي الثامن عشر من الشهر نفسه نفذت المقاومة هجوما واسعا في منطقة نفق الشرطة بجانب الكرخ في بغداد وأحرقت في هذا الهجوم سيارة همر أميركية وقتلت من كانوا فيها.
 
وقد غلب على المقاومة العراقية في بدايتها المبكرة العمل دون إحكام بناء الأطر التنظيمية والإدارية لخلاياها المقاومة، إذ كانت في الغالب اندفاعا شعبيا عفويا رافضا للاحتلال مدفوعا بمحفزات وطنية.
 
تطوير الأداء
ومع دخول العراق في العام الثاني من الغزو، وبعد معركة الفلوجة الأولى التي وقعت أحداثها في أبريل/ نيسان 2004، دخلت المقاومة العراقية مرحلة جديدة كما ظهر ذلك في أدائها.
 
فبنت هياكل تنظيمية إدارية وعسكرية، وطورت من الأسلحة التي بحوزتها وحصلت على أغلبها من مخازن الجيش العراقي في الأيام الأولى للغزو، وانتشرت مناطق جغرافية كثيرة من العراق، وتوحدت العديد من فصائلها ضمن جبهات عريضة.
 

"
حصيلة القتلى الأميركان 4000 قتيل ونسبة الجرحى والمصابين من مجموع 1.5 مليون جندي خدموا بالعراق طوال السنوات الخمس الماضية 39% أي حوالي 585 ألفا فضلا عن 3 تريليونات دولار خسائر للاقتصاد الأميركي
"

وبهذا التطور استطاعت المقاومة إنجاز عمليات نوعية مثل إسقاط مروحيات وطائرات بدون طيار وتدمير كاسحات ألغام وطورت كذلك من قدرات العبوات الناسفة وإمكانياتها التفجيرية وإمكانية اختراقها للدروع فضلا عن دقة تصويبها، ما انعكس على تزايد أعداد القتلى الأميركان.

 
ولوحظ كذلك على المقاومة العراقية في تلك المرحلة تطوير الأداء الاستخباراتي لها، ونجاحها في الوصول إلى من تريد من الشخصيات كما حدث على سبيل المثال حينما قتلت المقاومة اثنين من القادة العسكريين الأميركيين في العراق وهما قائد منطقة شمال بغداد وقائد منطقة جنوب بغداد عام 2007، رغم أن تحركهما كان في موكب كبير من العربات المصفحة وكان من الصعب -لولا التطور الاستخباراتي للمقاومة- معرفة العربة التي يستقلها هذا القائد أو ذاك. 
 
وفي تطوير الأداء أيضا بدأت المقاومة الالتفات إلى أهمية سلاح الإعلام فظهر ناطقون رسميون باسمها، من بين هؤلاء الدكتور إيراهيم الشمري الناطق باسم الجيش الإسلامي والدكتور عبد الله سلمان العمري الناطق باسم كتائب ثورة العشرين والدكتور خضير المرشدي الناطق باسم حزب البعث وغيرهم.
 
كما ظهرت لفصائل المقاومة مواقع على شبكة الإنترنت، وبانت قدرات ملموسة في توثيق عملياتها بالصوت والصورة وإيصالها إلى وسائل الإعلام المختلفة.
 
سد الثغرات
في العامين الأول والثاني من انطلاق المقاومة ظهرت عدة ثغرات في أدائها، كان أبرزها قلة حرص الكثير من المقاومين على أمور الحيطة والسرية والكتمان، وتفضيليهم عوضا عن ذلك التباهي والفخر وسط مجتمعاتهم العشائرية بما يقومون به.
 
فعرف الأميركان عن طريق عملائهم وأجهزتهم الاستخباراتية بعض عناصر تلك المقاومة واستطاعوا الوصول إليها وتصفيتها.
 
وإزاء هذا الاختراق في نسيج المقاومة بدأ المقاومون في تغيير مسارهم والتركيز أكثر على أمور السرية والكتمان، الأمر الذي حمى إلى حد كبير ظهرهم وطور من أدائهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
 
بين رأيين

"
تدخل المقاومة العراقية عامها الخامس ورغم تكبيدها الجيش الأميركي خسائر في الأرواح والمعدات لا يزال الجدل بشأن جدواها ومساراتها مستمرا
"

انقسمت النظرة للمقاومة العراقية في عامها الخامس بين مؤيد لها وداع إلى تقويتها واستمرارها مستدلا بما حققته من إنجازات تتمثل في عرقلة المشروع الأميركي في العراق خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة، وبين معارض لها متهما إياها بإحداث شرخ طائفي في المجتمع العراقي واستنزاف ثروات البلاد في خطط أمنية وإشاعة أجواء من عدم الاستقرار حالت دون تحسين معيشة العراقيين.
 
استدلالات المؤيدين
يستدل المؤيدون لنهج المقاومة والمقتنعون بجدواها -ضمن ما يستدلون به- بحجم ما ألحقته بالجيش الأميركي والقوات الأجنبية المساندة له من خسائر.
 
فقد بلغت أعداد من قتل من الأميركيين 4000 قتيل ومن القوات الأجنبية الاخرى أزيد من 380، فضلا عن أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين بأمراض نفسية مختلفة وصلت نسبتهم كما ذكر عالم الاقتصاد الأميركي الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيجليز 39% من مجموع الجيش الذي عمل في العراق على مدى سنوات خمس.
 
ولم يتوقف المؤيدون لنهج المقاومة على ما حققته من مكاسب سياسية متمثلة في عرقلة المشروع الأميركي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط وتأخير ضرب سوريا وإيران كما توقع الكثيرون عقب غزو العراق عام 2003، أو عند ما ألحقته من خسائر بشرية في صفوف الأميركيين وإنما ألمح المؤيدون للمقاومة كذلك إلى ما يمكن تسميته بحرب الاستنزاف الاقتصادي ضد الولايات المتحدة، إذ كبدت الحرب على العراق الاقتصاد الأميركي مباشرة أو بشكل غير مباشر ما يقدره بعض الباحثين بثلاثة تريليونات دولار.
 
وخلص المدافعون والمؤيدون للمقاومة إلى أن العراق لن يعرف استقرارا إلا إذا خرج المحتل وأن خروجه لن يتم إلا بالقوة التي نجحت المقاومة في إذاقته مراراتها على مدى السنوات الخمس الماضية.
 
براهين المعارضين
أما المعارضون للخط المقاوم فعلى النقيض من ذلك يرون أنها أضرت بالعراق أكثر مما نفعته. ويضع هؤلاء معيارا لمعنى الضرر والنفع من وجهة نظرهم فيشيرون إلى أن المعيار ينبغي أن يكون مقدار الإجماع الذي تحظى به هذه المقاومة داخل المكون الاجتماعي (السني في أغلبه) الذي تصدت للدفاع عن "مصالحه". وأن تكون المحصلة موازية لثمن التضحيات التي قدمها هذا المكون الاجتماعي على المستوى السياسي والاقتصادي.
 
فعلى الجانب الاقتصادي يشير المعارضون إلى أن المقاومة تسببت في:
  • إلحاق الضرر بالمشاريع الاقتصادية بسبب تآكل الجزء الأكبر من ميزانيتها لحماية أمن العاملين في الشركات المنفذة لها.
  • اضطرار الحكومة العراقية للقبول بتقنيات وخبرات دولية متواضعة جازف أصحابها بالعمل في ظروف غير مستقرة.
  • أدت المقاومة إلى تنامي الاقتصاد المافيوي الموازي لتنفيذ المشاريع.
  • أكثرت من الفساد الذي وجد بيئة مثلى في ظروف عدم الاستقرار الناجم عن نشاط المقاومة، وجعل العراق يحتل المرتبة الثالثة وللعام الثالث على التوالي في صدارة الدول الأعلى فسادا في العالم وفقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية.
  • تسببت المقاومة في هروب رؤوس أموال العراقيين لدول الجوار.
هذه مبررات الرافضين للمقاومة من منظور اقتصادي، أما مبرراتهم السياسية والاجتماعية، فإن أدلتهم انطلقت من أن المقاومة تسببت في:
  • تمزيق النسيج المجتمعي وإيجاد فرز طائفي لا عهد للعراق به.
  • دفعت البلاد إلى الحرب الأهلية.
  • تسببت في تشويه صورة كل من شارك في العملية السياسية مما همش السنة وأخل بتمثيلهم أثناء مناقشة الدستور ودفعت بقليلي الكفاءة لتصدر المشهد السياسي.
  • فتحت المجال أمام التدخلات الإقليمية والدولية بسبب ما ألحقته من إضعاف في مناعة الأمن الوطني الداخلي.
المقاومة في المنظور الأميركي
ولا يمكن اختتام الحديث عن المقاومة في عامها الخامس دون الإشارة إلى التعامل الأميركي مع هذه المقاومة، وكيف أن هذا التعامل نفسه تطور مستغلا عوامل داخلية في صفوف المقاومين أنفسهم، وعوامل أخرى خارجية تمثلت في زيادة أعداد القوات الأميركية العاملة في العراق، وتشديد الخناق وزيادة الضغط على دول الجوار التي يظن دعمها للمقاومة.
 
في هذا السياق يؤكد الخبير الإستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان الذي زار العراق عدة مرات أن من أهم ما أفادته القوات الأميركية المتصدية للمقاومة وبناء على دراساته وتوصياته هو وبعض خبراء الأمن والدفاع والإستراتيجية الآخرين هو:
  • العمل على ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة وتشويه صورتها في أعين الشعب العراقي حتى تفقد الدعم اللوجستي لها، وفي سبيل ذلك اتبعت الإدارة الأميركية عدة سياسات إعلامية وميدانية.
  • عزل أماكن دعم وتغذية المقاومة القريبة من بغداد عن أذرعهم المقاومة داخل بغداد نفسها.
  • تقسيم بغداد إلى مناطق عسكرية وعزل بعضها عن بعض للتعامل مع كل منطقة وما بها من مقاومة على حدة.
  • الاهتمام بالعنصر البشري في عمليات الاستخبارات وعدم الاكتفاء بالتكنولوجيا للحصول على معلومات.
  • تشجيع قطاعات واسعة في النسيج القبلي (مجالس الصحوات) لضرب القاعدة.
وفي العموم فجدلية المقاومة لا تزال تتفاعل رغم مرور خمسة أعوام على انطلاقتها بين مؤيد ومساند وناصح لها، ومعارض متحامل ناقم عليها، وهي جدلية عرفتها كل الشعوب التي نكبت بالاحتلال وما يصاحبه من تشكل جماعات مصالح من أهل البلد المحتل نفسه تفيد من وجوده غنى ونفوذا.
_______________
 
هوامش:
  1. لمعرفة رأي المعارضين لنهج المقاومة والمقللين من أثرها انظر على سبيل المثال مقالة "العراق.. أية مقاومة انتصرت؟" لجابر حبيب جابر في صحيفة الشرق الأوسط المنشورة في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2007.
  2. ولتتبع مزيد من التفاصيل عن تطورات المقاومة وما طرأ عليها من تغيرات نوعية في أدائها انظر مقالات وليد الزبيدي في الجزيرة نت وفي صحيفة الشرق الأوسط عن الموضوع نفسه، وكذلك حوارات الناطق الإعلامي باسم هيئة علماء المسلمين الدكتور مثنى حارث الضاري مع الجزيرة نت.
  3. وللاطلاع على النظر إلى المقاومة العراقية وأساليب عملها والوسائل الأمنية والعسكرية والاستخباراتية الأميركية لمواجهتها انظر مقالات المفكر الإستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان في موقع مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية عبر الرابط التالي:

http://www.csis.org/component/option,com_csis_experts/task,view/id,3

المصدر : الجزيرة