الأمير نايف والإخوان المسلمون


undefined

*بقلم/ غراهام فولر


undefined

أطلق وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز مؤخرا تصريحات مثيرة بشأن أسباب التطرف في العالم الإسلامي ومنابعه. وأنحى الأمير نايف باللائمة بشكل رئيسي على جماعة الإخوان المسلمين محملا إياها المسؤولية في معظم ما يعاني منه العالم الإسلامي من عنف وتطرف، قائلا إن الإخوان هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات.

وقال الأمير نايف إن الإخوان تسببوا في مشكلات جمة للمملكة العربية السعودية. وذكر في حديثه لإحدى الصحف عددا من قادة جماعة الإخوان المسلمين منهم حسن الترابي وراشد الغنوشي وعبد الرحمن خليفة ونجم الدين أربكان, متهما إياهم بأنهم ناصبوا المملكة السعودية العداء أثناء حرب الخليج عام 1991.

دفاع مستميت
من الواضح أن الأمير نايف وكبار أعضاء دائرة الحكم في السعودية يشعرون بحساسية بالغة تجاه جميع الاتهامات التي توجه لبلادهم في الولايات المتحدة خاصة، رغم أن إدارة الرئيس بوش لم تشارك فيها. وغالبا ما تأتي الاتهامات من أعضاء ولجان الكونغرس أو من وسائل الإعلام والصحافة وكذلك من المنظمات المستقلة.


لا أحد من الإخوان تورط في العنف وإن وجد من تورط فعددهم محدود جدا لا يكاد يذكر

ويمكن تفسير تصريحات الأمير نايف بأنها تأتي في سياق الدفاع المستميت عن سياسات سعودية خاطئة مارستها طوال السنوات الماضية, وتحاول الآن تحميل آخرين مسؤولية العنف والتطرف تبرئة لنفسها من لعب أي دور في هذا الجانب.

لقد أشار الأمير نايف إلى أن المملكة بدأت تتخذ إجراءات لمحاولة تحجيم التطرف داخل البلاد, وأكد أن الخطباء وأئمة المساجد تابعون للحكومة ويخضعون لسيطرتها.

كما قال الأمير نايف إنه غير مقتنع بأن 15 من شباب السعودية قد شاركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول, وهذا التشكيك لن يسر واشنطن ويعتبر مؤشرا على أن المملكة السعودية لم تأخذ المشكلة حتى الآن مأخذ الجد. (أنا على علم بأن بعض قرائي يتفقون مع الأمير نايف في تشكيكه ذاك بأن الهجمات لم ينفذها عرب لكني أعتقد أن الأدلة واضحة لمن لديه رغبة جادة في التحقق منها).

الإخوان المسلمون في السعودية
ولم يجاف الأمير نايف الحقيقة عندما قال إن الإخوان كانوا من أوائل قوى الإسلام السياسي التي دخلت إلى المملكة, عندما فر العديد من عناصر الإخوان من الاعتقال في مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قادمين إلى المملكة العربية السعودية.

وصحيح أن أفكار سيد قطب دخلت إلى المملكة عبر الإخوان, كما أن المدرسين المصريين ساعدوا على نشر أفكار الإخوان السياسية في بلدان الخليج العربية ككل. ورغم أن بعض تلك الأفكار فيها شيء من التطرف, فإنه لا أحد من الإخوان تورط في العنف وإن وجد من تورط فعددهم محدود جدا لا يكاد يذكر. لذلك فإن الأمير نايف لم يحالفه الصواب بالاعتقاد أن الإخوان انتهى بهم الأمر "لعض اليد التي امتدت إليهم بالإحسان" وبأنهم لم يكونوا موالين أو حتى أصدقاء مخلصين للمملكة السعودية.

موقف الإسلاميين من السعودية
في الواقع فإن معظم الإسلاميين اليوم غير متعاطفين مع المملكة لجملة أسباب، أهمها افتقاد السعودية للديمقراطية وتفشي الفساد في أوساط العائلة المالكة والتعاون المغلق المستمر مع الولايات المتحدة منذ عقود من الزمن. وبما أن معظم الإسلاميين الذين يدعمون المملكة جرى شراء دعمهم بالأموال والهبات, فإن نايف لديه المبرر لكي يغضب من عداء بعض الإسلاميين للسعودية.

الإخوان والعنف
وفي كل الأحوال من المهم التنبيه إلى أن الإخوان هم التنظيم الإسلامي الرئيسي في العالم, وقد تمكنوا من تجنب اللجوء إلى العنف في مصر طوال أربعين عاما. ولم يلجؤوا إلى العنف ضد النظام في الأردن أو الكويت. ويمكن الاعتراف بأنهم مارسوا العنف في سوريا في فترة من الفترات, ولكن ذلك توقف تماما عندما دك حافظ الأسد مدينة حماة مدمرا الإخوان.

المنظمات ذات الصلة بالإخوان مثل الجماعة الإسلامية في باكستان أو بنغلاديش أو الحزب الإسلامي في ماليزيا (PAS), أيضا لم يمارسوا العنف ضد حكومات بلدانهم.

إخوان تونس اعتبروا دوما معتدلين، رغم أن نظام الرئيس زين العابدين بن علي زعم من دون أدلة كافية إحباطه لمؤامرة انقلابية في الثمانينيات خطط لها الإسلاميون.

ويعتبر راشد الغنوشي اليوم واحدا من أهم مفكري الاعتدال الإسلامي, ويؤيد الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان بكل قوة.


من الخطأ وسم الإخوان بأنهم أصحاب "الإسلام الأميركي" لأن ذلك غير صحيح

الدكتور حسن الترابي كحالة استثنائية لجأ للأسف تنظيمه (الإخواني) إلى العنف لإسقاط حكومة منتخبة في السودان عن طريق انقلاب عام 1989، الأمر الذي قضى على الديمقراطية في السودان ولم تتم استعادتها حتى الآن.

الإخوان في فلسطين أو ذراعهم العسكرية حركة حماس لجأت بالطبع إلى العنف, لكنه اقتصر على التوجه مباشرة ضد إسرائيل فقط كجزء من المقاومة ضد الاحتلال.

لذلك يمكن القول على الوجه الأعم إن الإخوان ليسوا متطرفين وليس العنف من مبادئهم, بالمقارنة مع جماعات ومنظمات أخرى كالجهاد الإسلامي أو الجماعات الإسلامية في مصر أو الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر أو شبكة القاعدة نفسها.

كما أن جماعة الإخوان المسلمين أكثر انفتاحا على العالم الحديث, مقارنة بالحركة الوهابية خصوصا فيما يتعلق بالديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان. والإخوان بطبيعة الحال يختلفون من بلد إلى آخر.

السعودية والحركة الوهابية
وبينما استقدم الإخوان المسلمون الإسلام الحركي السياسي إلى السعودية, فإن أموال الحكومة السعودية هي التي دعمت وتدعم الحركات الوهابية في العالم. ورغم أن الوهابية ليست بالضرورة حركة عنيفة, فإنها من وجهة نظري تعكس ضيق الأفق والحرفية في تفسير النصوص بأسلوب بعيد جدا عن التسامح مع المذاهب الإسلامية الأخرى يصل أحيانا إلى درجة تكفير الشيعة.

والوهابية ليست القوة التي يمكن أن تقود إلى وحدة العالم العربي أو الإسلامي. وبطبيعة الحال لن تؤدي إلى تقوية العالم الإسلامي, بل إنها تقود المسلمين نحو تعليم ضعيف وعزلة عن بقية العالم. وأنا لا أرى أي مستقبل للإسلام في الفكر الوهابي (كثير من قرائي لن يوافقوني في هذه النقطة).

ولقد كانت السعودية طوال الفترات الماضية نشطة في تصدير الوهابية إلى مناطق مختلفة من العالم, وكانت حريصة جدا على أن تكون المساجد التي تبنيها في العالم والمدارس والكتاتيب والأئمة الذين يتم توظيفهم يدرسون الإسلام على الطريقة الوهابية, حتى داخل الولايات المتحدة.

ورغم أن المملكة السعودية لا تشجع على العنف مباشرة, فإن المؤسسات المشار إليها آنفا تشجع بطريقة غير مباشرة على النظرة الأكثر تطرفا, وتدعو إلى تبني أفكار سياسية متطرفة ترفضها الحكومة السعودية في عقر دارها. وأفكار القاعدة جاءت في الوجه الأغلب من الوهابية أكثر من مجيئها من الإخوان.

مستقبل العلاقة بين السعودية والإسلاميين
وبإدلاء الأمير نايف بالتصريحات المشار إليها في بداية المقال فإنه قد فتح شرخا كبيرا مع الإخوان المسلمين على نطاق العالم. ورغم أن المواجهة بين الأفكار الوهابية (أو السلفية) وأفكار الإخوان قد ظهرت للوجود منذ وقت مضى, فإنها الآن في طور التهيج بشكل أوسع وعلني. وإذا أمكن تحويلها إلى مناظرات عامة, فإن بابا للحوار في العالم الإسلامي سيفتح حول كل الأفكار المطروحة. ومن وجهة نظري فإن المناظرات الثقافية المطلوب تنظيمها منذ وقت طويل سوف تساعد العالم الإسلامي في الولوج إلى العالم الحديث.


تتجه السعودية الآن نحو أزمات أكثر عمقا نتيجة لسياساتها الخارجية. فقد دعمت مرارا شكلا من الإسلام لا يحظى بالقبول بين معظم المسلمين في العالم

وعودة إلى تصريحات الأمير نايف, يمكن القول إنها خلقت أعداء جددا للمملكة في العالم الإسلامي ولم تجد ترحيبا في واشنطن. لأن المتابعين لهذه القضايا في واشنطن يعرفون أن الإخوان أكثر اعتدالا وأكثر حداثة من السلفيين والوهابيين. (ليس كل المسلمين يريدون ذلك). ومع ذلك فمن الخطأ وسم الإخوان بأنهم أصحاب "الإسلام الأميركي" لأن ذلك غير صحيح.

ويمكن القول الآن إن العربية السعودية تتجه الآن نحو أزمات أكثر عمقا نتيجة لسياساتها الخارجية. فقد دعمت مرارا شكلا من الإسلام لا يحظى بالقبول بين معظم المسلمين في العالم. كما أنها تواجه تحديات في الداخل لا تقل خطورة, لأن القيم التي طالما دعمتها لترسيخ ذلك النهج من الإسلام السياسي بدأت الآن ترتد إلى نحرها.

وأعضاء العائلة السعودية الحاكمة لا يتبعون الأفكار التي تدرس وتصدر للخارج، ولذلك فإن تعليق الأمير نايف يمثل محاولة يائسة للدفاع ضد هجوم مزدوج واقع على المملكة من أميركا ومن العالم الإسلامي في وقت واحد.
_______________
* كاتب أميركي

المصدر : غير معروف