الاختلافات والمعوقات الدينية للتقريب بين المذاهب

 
 

شفيق شقير

المذاهب الأساسية الإسلامية تلتقي حول عناوين الإسلام الكبرى، ولكنها تختلف فيما بينها حول مسائل أخرى أساسية لبنائها المذهبي وقد تتعاظم في بعض الظروف لتشكل عوائق حائلة أمام التواصل السليم فيما بين أهلها. فكل مذهب له مصدره الخاص في تلقي الروايات الدينية، كما أن لكل منها قراءته الخاصة للتاريخ السياسي الإسلامي، وكل منها يرى في مخالفه "فرقة" تحيد عن الإسلام أسسا وبناء.

ولرصد هذه الاختلافات بأدلة ملموسة يمكن المقارنة بينها عبر بعض العناصر الأساسية التي تميز مذاهب الإسلام عموما وهي: العقيدة والسياسة، والرواية والفقه.

العقيدة والسياسة
الرواية والفقه
خاتمة

الخلاف الأساسي بين المذاهب فيما يخص السياسة والاعتقاد يدور حول الرؤية التاريخية لبعض الأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي.

وباستثناء الاثني عشرية تجمع المذاهب الإسلامية الثلاثة (السنة والإباضية والزيدية) على القول بأن لا إمام بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقاربه في المنزلة والتشريع ولو في بعض الصفات، وأن لا نص على تعيين خليفة له من بعده، وأن للمسلمين حرية اختيار حاكمهم بالشورى، واختلفوا حول بعض التفاصيل المتعلقة بالتجربة التاريخية للحكم فيما خص مرحلة الخلافة الراشدة، وهو ما انعكس على تصورهم للشروط الواجب توفرها في دولة الإسلام.

فالإباضية والزيدية لا يتمسكون بخصوصية هذه التجربة بشكل عام ولا يقولون بتفضيل الصحابة وخاصة من الناحية الدينية كما هو الأمر عند أهل السنة الذين يقولون على الإجمال بتفضيل الصحابة على من سواهم، وعلى وجه خاص الذين حكموا منهم وبحسب ترتيبهم الزمني في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر ثم من يليه على الترتيب، عمر وعثمان وعلي، ويرون في طريقة استلامهم الحكم إحدى الصور المشروعة لاختيار الحاكم، ويستنبطون منها الشروط الواجب توفرها لإضفاء الشرعية على الحكم والحاكم.

وتفصيلا يقول الزيدية إن عليا وولده من فاطمة أحق بالخلافة ممن أخذها بعد وفاة النبي الكريم، ولكنهم لا يرون -أغلبهم- في تولي الآخرين لها (أبو بكر وعمر وعثمان) مثلبة تطعن في دينهم ودين من أقرهم على ذلك من الصحابة وغيرهم، ويلتزم الزيدية في الأحداث التي وقعت بين المسلمين جانب علي بن أبي طالب وأنه كان على الحق.

ولا يزال الزيدية يقولون في نصوصهم الدينية بوجوب تولي الحكم من هو الأصلح من نسب فاطمة بنت النبي الكريم.

ويقول الإباضية بعدالة معظم الصحابة أو كلهم بحسب توضيحات بعض معاصريهم، ولكنهم يتخذون موقفا ناقدا من قلة منهم لأسباب تاريخية، منها ما يتعلق بالانقسام الذي حصل بين المسلمين خاصة في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، الذي يحملونه مسؤولية بعض الأخطاء في هذا الشأن.

والمذهب الإباضي يرى أن هناك مراحل لإنفاذ أحكام الدين سياسيا، أعلاها هي مرحلة الظهور وهي المرحلة التي تقوم فيها الدولة الإسلامية العادلة، ويرون في بعض مراحل خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب -وليس كلها- أحد أمثلتها، ويرون أن الرئاسة تجري باختيار مؤهل للمنصب من عموم المسلمين.

وهذه الاختلافات الاعتقادية والسياسية تشتت جهود المسلمين لإيجاد كيان جامع لهم، وتساهم في إذكاء الخلافات الطائفية بينهم عند أدنى اختلاف سياسي، وقد تتحول إلى عناوين وشعارات تخاض تحتها مواجهات دامية، وهو ما يحصل بالفعل.

الرواية والفقه

أما من حيث الفقه والرواية فإن الاثني عشرية تقول بعصمة اثني عشر إماما وبأنهم ولاة الأمر والدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وبأنهم المصدر الوحيد للدين رواية وفقها، ولهم في هذا الشأن بناء مستقل بذاته، شهد تطورا كبيرا بعد قيام دولة إيران المعاصرة على أساس المذهب ولأجله، كما تصف نفسها، وهذا جعل المذهب قائما على أسس مختلفة عما سواه.

إذ إن المذاهب الثلاثة الأخرى -السنة والإباضية والزيدية- تلتقي على مبدأ الرواية عن غير معصومين، الأمر الذي جعلهم على طرف مقابل للاثني عشرية بالإجمال، وتفاوتوا في قبولهم ورفضهم للرواة ولا سيما في اعتمادهم على الرواية عن بعض الصحابة دون بعضهم الآخر أو عنهم جميعا، فاختلفت بهذا طرقهم في جمع الرواية والحكم عليها.

والزيدية يولون الروايات التي نقلت عن النبي بواسطة زيد بن علي زين العابدين عن آبائه وأجداده إلى النبي عليه الصلاة والسلام أهمية خاصة وهي عمدة المذهب.

أما الإباضية فقد اعتبروا مسند الربيع بن حبيب الفراهيدي أصح الكتب بعد القرآن، والربيع روى أحاديثه عن طريق جابر بن زيد مؤسس المذهب عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأهل السنة اعتبروا جامع الإمام البخاري أصح الكتب عندهم وفيه من الرواة -ومنهم صحابة وتابعون- ما لا يرضاه أصحاب بقية المذاهب الأخرى.

وعلى الصعيد الفقهي فإن المرجعية الدينية والفقهية للشيعة الاثني عشرية مقصورة على طبقية فقهية محددة من العلماء الكبار، وتتقرر بشهادة بعضهم لبعض بالعلم والورع، وعلى كل من أفراد الناس أن يقلد من يعتقد بأنه الأعلم من هؤلاء العلماء.

ومع ظهور نظام ولاية الفقيه في إيران فإن كثيرا من الشيعة أخذوا بمبدأ الإلتزام بالولي الفقيه ومرشد الثورة وخاصة في الشؤون السياسية، والذي يعطي الولي الفقيه اليد العليا والمطلقة في السلطة بكل صورها.

في حين أن المرجعية الدينية عند بقية المذاهب متروكة لقرار الأفراد وخياراتهم الشخصية، كما أن المرجعيات الدينية ليس بالضرورة أن تكون مركز القرار السياسي وإن كانت جزءا منه.

وهذه الاختلافات في مصادر الرواية والبناء الفقهي فصلت المجتمع المسلم إلى مجتمعات متدينة وفقا لاختلافاتها المذاهبية، وكل منها له مجالسه وبيئته الخاصة بما فيها من مساجد وتقاليد، بل وصل الاختلاف إلى القيم والمفاهيم الإسلامية نفسها.

خاتمة

هذه الاختلافات إضافة إلى غيرها، بنيت وقرئت وفق أسس تاريخية لا يمكن الإمساك بها مرة أخرى وإعادة التحقق منها، وبنيت عليها "حقائق دينية" تراكمت لقرون، وتتعلق بالاجتماع والسياسة والاقتصاد والعادات والتقاليد وبكل مناحي الحياة، مما يجعل من تعاليم المذهب نفسه عائقا أمام التقريب، وتحتاج المذاهب لقفزات جريئة في تطورها الديني الذاتي لتجاوزها، وتحتاج إلى إعادة تعارف صريح بعيد عن المجاملة.

مع الإشارة إلى أن جل التطور الديني حتى الآن، رغم إنجازاته، لا يزال يعتمد على الأبنية التاريخية المذهبية، والقليل منه فقط حاول إيجاد أسس جامعة إلا أنه لا يزال جزءا من العلاقات العامة والمجاملة بين المذاهب ولم يستقر في بنيتها الأساسية.
________________
الجزيرة نت

المصادر:
1- للوقوف على بعض تعاليم السنة ومصادرهم، انظر على سبيل المثال موقع الشبكة الإسلامية إضافة مواقع أخرى كثيرة:
http://www.islamweb.net/ver2/MainPage/index.php
2- للوقوف على بعض تعاليم الزيدية، انظر موقع شبكة حليف القرآن الإمام زيد بن علي:
http://www.imamzaid.com
3- لمعرفة المذهب الإباضي أنظر موقع إباضية نت:
http://www.ibadhiyah.net
4- للاطلاع على المذهب الاثني عشري، انظر موقع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وهناك مواقع أخرى كثيرة للاثني عشرية:
http://www.shiitecouncil.gov.lb

المصدر : الجزيرة