برامج الأحزاب في الانتخابات

undefined

* بقلم/ نور الدين مفتاح

انطلقت الحملة الانتخابية للوصول إلى قبة مجلس النواب المغربي يوم الجمعة 13 سبتمبر/أيلول 2002 وحتى 26 من الشهر نفسه. سيعرض كل حزب أفكاره وأشخاصه ومنهجيته في تشريح الواقع المغربي وتقديم البدائل. وتكتسي انتخابات 27 سبتمبر/أيلول 2002 في المغرب أهمية خاصة، فهي أول انتخابات تحدث في عهد الملك محمد السادس، وهي أول انتخابات تشرف عليها حكومة التناوب المكونة من أحزاب الكتلة التي ظلت تشكل في السابق أحزاب المعارضة، وفي هذا الاستحقاق يتنافس 26 حزبا على الوصول إلى مجلس النواب بمقاعده الـ325. ويعتبر الخطاب الدعائي عنصرا هاما في أي حملة انتخابية، ويشكل البرنامج السياسي لب هذا الخطاب، فماذا عن برامج الأحزاب السياسية المغربية المشاركة في هذه الانتخابات؟ وما هي أولويات المشاركين فيها؟ وكيف تقدم النخب السياسية أنفسها للناخب المغربي؟

– تعدد الأحزاب دون البرامج
– المدخل الدستوري
– ثلاثة تيارات
– الحصيلة دون موضوع محوري
– رهان النزاهة

تعيش الطبقة السياسية المغربية حمى أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس في حين تبذل مجهودات جبارة لجعل المغاربة متحمسين للانخراط في هذا الاستحقاق خصوصا وأن أكثر من ثلثي الكتلة الناخبة أميون. ولعل هذا المعطى السوسيوسياسي يجعل الرهان على تنافس البرامج بدل الأشخاص مجرد أمنية لحد الآن، فالواقع لا يرتفع إلى ذلك المستوى وإن كان نمط الاقتراع قد تغير من الفردي الاسمي إلى الاقتراع باللائحة وهو ما يرجح كفة تنافس البرامج نظريا.

وأمية الناخبين ليست هي العقبة الوحيدة أمام الدخول إلى انتخابات البرامج، بل إن الثقافة السياسية داخل الأحزاب المغربية لا تزال عتيقة، ولا أدل على ذلك من الحرب التي نشبت داخل هذه الأحزاب بمناسبة اختيار وكلاء اللوائح حيث خلفت مئات الغاضبين ضمن من لم يقع عليهم الاختيار لتصدر لائحة هذا الحزب أو ذاك في إحدى الدوائر وقدمت استقالات وجمد ناشطون عضويتهم في معظم الأحزاب السياسية.

وهذه المفارقة في المشهد الحزبي المغربي بين الرغبة في الانتقال إلى تنافس البرامج عن طريق التوافق على قرار نمط اقتراع جديد وبين التطاحن الشخصي، لا يمكن أن تبرر إلا بطبيعة هذه المحطة في تاريخ المغرب والتي تعطينا الانطباع بأننا على مشارف شيء جديد بعدما تركنا وراءنا خمسين سنة من التجارب الانتخابية الفاسدة والمزورة، وأن كل بداية لها محرك من أماني وفرامل قوية ومن إكراهات الواقع.

تعدد الأحزاب دون البرامج


تتنافس على انتخابات 27 سبتمبر/أيلول الحالي 26 حزبا وهو عدد كبير يستحيل معه وجود برامج متميزة وذلك ما يجعل الساحة المغربية تعكس تعددية حزبية أكثر مما تعكس تعددية سياسية

يخوض غمار انتخابات 27 سبتمبر/أيلول الجاري 26 حزبا، وهذا معطى آخر يجعل الحديث عن دور البرامج كما هي متعارف عليها في الديمقراطيات العريقة ضربا من الخيال، فلا يمكن في بلد واحد أن يكون هناك 26 مشروعا أو 26 برنامجا يقترح حلولا ملموسة لمشاكل المغرب، ومن ثم تبقى هناك الخلاصة الموضوعية هي أننا نتوفر في المغرب على تعددية حزبية ولا نتوفر على تعددية سياسية.

وحتى الكتل التي سبق أن تشكلت في بداية التسعينيات على عهد الملك الراحل الحسن الثاني وجمعت الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال ومنظمة العمل والتقدم والاشتراكية فيما سمي بـ"الكتلة الديمقراطية" وضمت الاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية فيما يسمى بـ"الوفاق"، لم يعد لها أي وجود ولم نسجل أنها اجتمعت للتنسيق ولو مرة واحدة لخوض غمار الانتخابات الحالية. وإذا قارنا هذا الوضع بما كان عليه الأمر عام 1992 غداة الانتخابات التشريعية ما قبل الأخيرة إذ قدم الحزبان الكبيران الاستقلال والاتحاد الاشتراكي مرشحا موحدا في جميع الدوائر التشريعية، فإننا نخلص إلى أن الوجه الجديد التي تسوَّق به انتخابات اليوم هو أقل إشراقا من الناحية الحزبية من سابقيْه.

يضاف إلى هذا سلسلة من الانشقاقات التي عرفتها معظم الأحزاب وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي الذي كان يقود التناوب فقد أدى ثمنا باهظا لانخراطه في هذه التجربة التوافقية مع الملك الحسن الثاني، وانشق عنه جناحه النقابي بمناسبة مؤتمره السادس المنعقد في السنة الماضية وأسس حزبا يحمل اسم "المؤتمر الوطني الاتحادي"، كما انفصل عنه مجموعة من كوادره وانتظموا في جمعية أسموها "الوفاء للديمقراطية". والشيء نفسه حصل في التجمع الوطني للأحرار وفي أحزاب أخرى.

إن الوضع الحزبي في المغرب غير ملائم تماما للتوجه الطبيعي في أي انتخابات وهو البرامج، ولا يزال يشد البلاد إلى المنافسة الشخصية، وفي بعض التنظيمات السياسية إلى البحث عن المنافع الذاتية. وقد صرح الأمين العام للحزب الوطني الديمقراطي عبد الله القادري في بداية الشهر بمناسبة تقديم ما أسماه ببرنامج الحزب ولائحة مرشحيه للانتخابات بأن المعيار الذي اعتمد عليه لاختيار وكلائه هو "أنهم من عائلات كبيرة".

المدخل الدستوري

وإذا كانت بنية وثقافة الأحزاب المغربية تعتبر مشكلة في إطار البحث عن انتخابات طبيعية فإن طبيعة النظام السياسي المغربي تعتبر إشكالية، ولعل هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن نميز فيه حقا بين بعض التوجهات الحزبية عن طريق برامجها أو مواقفها السياسية بمناسبة انتخابات 27 سبتمبر/أيلول الجاري.

غير أن السؤال المطروح في الخانة هو ما جدوى الانتخابات إذا كانت المؤسسات التي ستنبثق عنها لا تتمتع إلا بهامش ضيق من ممارسة السلطة؟ ولكن، ومن ضمن الأحزاب الـ26 المشاركة في الانتخابات لا نجد إلا حزبا واحدا يترجم هذه الإشكالية في برنامجه وهو "اليسار الاشتراكي الموحد" الذي تشكل في بداية الصيف المنصرم من توحد ثلاثة تنظيمات يسارية هي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والحركة من أجل الديمقراطية والديمقراطيون المستقلون.

لقد صوت الاتحاد الاشتراكي -أكبر أحزاب اليسار في المغرب- لصالح الدستور المعدل عام 1996 لأول مرة في تاريخه، وهذا ما فتح ما سمي بباب "الثقة" بينه وبين القصر ليتم بعد ذلك التناوب التوافقي كما يسميه مناصروه، والتناوب الممنوح كما يسميه معارضوه، وبذلك انضم الاتحاد في الموقف من الدستور إلى ما يسمى في المغرب بـ"الأحزاب الإدارية" أي تلك التي نعتتها المعارضة السابقة على التناوب بأنها صنعت في مختبرات النظام. وبذلك تراجع المطلب الدستوري في برنامج الأحزاب الكبرى التي شاركت في التناوب وأصبح يحتل مرتبة ثانوية إن لم يكن قد اختفى.

إن لهذه النقطة علاقة جوهرية بجدية البرامج في الانتخابات، فالملك محمد السادس بمناسبة عيد الجلوس على العرش بسط في خطابه في 30 يوليو/تموز المنصرم الخطوط العريضة لبرنامج الدولة المغربية لما بعد الانتخابات وسطر تدابير وإجراءات ملموسة ورسم أولويات لا بأس أن نلخصها هنا لنوضح الصورة.

"مواكبة فضاء توسيع الحريات والإعلان عن قرب تنصيب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وديوان المظالم.. تدعيم سلطة الدولة حول الثوابت وإصلاح القضاء حيث ينبغي تعزيز الموارد المالية والبشرية المرصودة للقطاع.. تحديد أجل لا يتعدى نهاية السنة للجنة المكلفة لاقتراح مدونة أحوال شخصية جديدة تراعي مقاصد الشريعة والتزامات المغرب الدولية.. إنهاء احتكار الدولة للاتصال السمعي البصري.. تفعيل المراكز الجهوية للاستثمار وتنفيذ التوجيهات بشأن التدبير اللامتمركز للاستثمار وما ينبغي أن يواكبه من إصلاحات قضائية وإدارية وتشريعية.. تعزيز المهام التي تنهض بها اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين.. إعادة النظر في الآجال المتوقعة لاستئصال آفة الأمية.. إعادة الاعتبار لكل مكونات هويتنا الثقافية حيث تم تنصيب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.. إنجاز مركب ضخم سينمائي وتجاري وصناعي على ضفاف البوغاز شرق طنجة.. توجيه الحكومة لاعتماد مسطرة تشريعية استعجالية بالنسبة لإحداث وكالة تنمية أقاليمنا الجنوبية".

إن هذا المثال الذي يبين بالملموس إشكالية تداخل السلطات في المغرب يساعدنا على فهم المواقف المتباينة لثلاثة تيارات كبرى أفرزتها الاستعدادات لانتخابات 27 سبتمبر/أيلول الجاري.

ثلاثة تيارات

التيار الأول
يقول أصحاب رأي أولوية المدخل للإصلاح إذا كان الملك يسطر البرامج ويطبقها فما جدوى تسطير الأحزاب لبرامج خاصة بها؟ ولعل هذا هو ما جعل اليسار الاشتراكي الموحد يعطى الصدارة في ملخص برنامجه الذي يقدمه للناخبين لمسألة "توفير الشروط المؤسساتية للقضاء على التخلف الاقتصادي وتعمق الشرخ الاجتماعي عبر بناء الدولة الديمقراطية الحديثة".
واقترح الحزب كنقطة أولى في برنامج "الإصلاح الدستوري بهدف إرساء ركائز نظام ملكية برلمانية عبر التعاقد على دستور جديد يضمن فصل السلطات وتمكين البرلمان من السلطات التشريعية والمراقبة وتمكين الحكومة من سلطات تدبير الشأن العام وتعيين ومحاسبة الموظفين السامين".

ولا تعني الملكية البرلمانية إلا أن يكون الملك يسود ولا يحكم، وأن يكون رمزا لوحدة البلاد في حين تتركز السلطة في المؤسسات المنبثقة عن الانتخابات، أي أن يصبح هناك فصل بين المؤسسة الملكية والدولة.

وما يميز اليسار الاشتراكي الموحد كتيار عبر برنامجه هو أنه رغم موقفه من الدستور ينخرط في الانتخابات ويعتبر وجوده داخل المؤسسات جزءا من نضاله من أجل الوصول إلى هدفه.
والغريب أن كل من يشتركون مع هذا الحزب في أولوية الإصلاح الدستوري قرروا مقاطعة الانتخابات.


يقاطع انتخابات 27 سبتمبر/أيلول 2002 حزب الطليعة الديمقراطية والاجتماعية وكذلك النهج الديمقراطي وكلاهما تشكيلة يسارية، كما تقاطعها جماعة العدل والإحسان الإسلامية وتقاطعها كذلك الجمعيات الأمازيغية المغربية

التيار الثاني
حزب الطليعة الذي انتخب من رحم الاتحاد الاشتراكي في منتصف الثمانينيات قرر في بداية هذا الشهر أن يقاطع أول انتخابات في عهد محمد السادس، يقول الأمين العام للحزب محمد بنجلون في استجواب خص به أسبوعية الأيام "واعون كل الوعي بأنه لا يمكن إقامة أية ديمقراطية بدون انتخابات شريطة أن تضمن شروط إقامتها بشكل حر ونزيه وأن تكون لها نتيجة على الوضع السياسي للبلاد، وأن تكون المؤسسات المنتخبة سلطات حقيقية لتجسيد الإرادة والسيادة الشعبيتين، وأن تكون لها صلاحيات للتشريع ومراقبة الحاكمين على جميع المستويات".

ويطالب حزب الطليعة بمجلس تأسيسي لوضع الدستور وهو ما يذهب إليه "النهج الديمقراطي" كيسار جذري مع اختلاف أن "النهج" المقاطع بدوره للانتخابات لا يتوفر على ترخيص إداري لحد الآن، وليس له بالتالي وجود قانوني.

ولعل من أهم المقاطعين للانتخابات بالنظر لحجم أعضائه جماعة العدل والإحسان الأصولية التي يتزعمها الشيخ عبد السلام ياسين والتي تعتبر أكبر تنظيم إسلامي بالمغرب، وإن كانت غير حاصلة لحد الآن على الاعتراف القانوني بوجودها.
والجماعة تضمر في هذا الإطار أكثر مما تعلن، وهي تعتقد أن مشاكل المغرب أعمق من الانتخابات، ويقول الأمين العام لدائرتها السياسية عبد الواحد المتوكل في تصريح صحفي "على فرض أن الانتخابات كانت نزيهة وشفافة، فأي سلطة لمؤسسة البرلمان؟ وما هي السلطة المخولة للحكومة ولغيرها من المؤسسات؟ فالهامش الذي تتحرك فيه هذه المؤسسات ضيق جدا ولا يمكنها من تطبيق ما يمكن أن تسطره من برامج، ولذلك لا بد لأي طرف إذا ما تحمل المسؤولية أن يجد نفسه يناقض سلوكه ويناقض قوله ويناقض ما وعد به، وإذا تمكن وصعد إلى الحكم فسيجد المجال ضيقا جدا ولا يمكنه من العمل".

وتقترح جماعة العدل والإحسان ميثاقا تعني به حسب المتوكل "أن يجتمع كل الأطراف وتقترح حلا"، وحين يسأل عن تفاصيل هذا الحل يجيب بشكل غامض "نحن نقدم اقتراحنا عندما تجتمع الأطراف وتتحاور، فلا نريد أن نملي أفكارا جاهزة وإنما نريد أن نتحاور".

الطرف الأخير في هذا التيار الثاني المقاطع للانتخابات لأسباب دستورية هو الجمعيات الأمازيغية، ومطالبها مختصرة وواضحة وهي ضرورة التنصيص في الدستور على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية في المغرب والتأكيد على البعد الأمازيغي في الهوية المغربية. ولا بد من الإشارة هنا إلى معطى غريب يتمثل في كون أغلبية أعضاء المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المعينين من طرف الملك قبل شهرين هم من المقاطعين للانتخابات.


تعطي برامج أحزاب الأغلبية الحاكمة (الكتلة) الأولوية لتعزيز مكاسب الانتقال الديمقراطي ولا تعير الإصلاح الدستوري اهتماما خاصا عكس التشكيلات المقاطعة للانتخابات

التيار الثالث
يبقى التيار الثالث وهو الغالب عدديا، ويمكن أن نميز فيه بين مجموعتين، مجموعة مُشَكَّلة من "أحزاب القصر" سابقا أو "اليمين" وموقفها يتماشى مع طبيعتها، وللتمثيل نورد فقرة من افتتاحية الأمين العام للاتحاد الدستوري محمد الأبيض نشرت بجريدة الحزب في 30 يوليو/تموز المنصرم حيث يقول "الروابط المقدسة التي تجمع بين العرش والشعب روابط قوامها تلك البيعة المطلقة للمغاربة لملوك الدولة العلوية الأشراف، وهي بيعة دينية ودنيوية وروحية وزمنية جسدت أرقى معاني التلاحم التي تجمع بين الملك والشعب".

والمجموعة الثانية تضم الأحزاب التاريخية بما فيها حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية وما تفرع عنهم. وقد تحدثوا بشكل أو بآخر عن ضرورة تقوية اختصاصات الحكومة والبرلمان، ولكنهم مجمعون على أن الأولوية اليوم ليست للإصلاح الدستوري ولكن لتعزيز مكاسب الانتقال الديمقراطي.

إن أولوية الأولويات بالنسبة للاتحاد الاشتراكي اليوم كما جاء في كلمة أمينه العام عبد الرحمن اليوسفي أمام مرشحي الحزب للانتخابات في سبتمبر/أيلول الجاري هو "مساعدة الناخبين والناخبات على استيعاب ما أنجزته حكومة التناوب وما هو في طريق الإنجاز وتذكيرهم بالمغرب الجديد الذي أصبحوا يعيشون فيه وما اكتسبوه من حقوق وحريات وما سيكتبونه بعدما تدخل الإصلاحات الكبرى حيز التنفيذ كإصلاح التعليم والتكوين والتأمين الصحي والإجباري وتحرير الإعلام السمعي والبصري".

أما حزب الاستقلال فإنه لم يتحدث عن المسألة إلا تلميحا في ديباجة برنامجه الذي قدمه أمينه العام عباس الفاسي أمام الصحافة في التاسع من سبتمبر/أيلول حيث اعتبر أن الديمقراطية هي أساس التنمية، ومن ضمن النقاط الثماني لبرنامج الحزب نجد أن المرتبة الأخيرة أعطيت لـ"تدبير الشأن العام" ولم يهم إلا وسائل جعل العمل الحكومي ناجعا عن طريق جعل الحكومة مبنية على وزارات أقطاب وتعزيز الرقابة البرلمانية وتنظيم علاقة الوزراء بالمديرين.

يبقى حزب العدالة والتنمية الذي يتشكل من الإسلاميين الممثلين في البرلمان، فضمن محاور برنامجه الخمسة نجده يخص المسألة الدستورية بالمرتبة الثالثة حيث دعا تحت عنوان "الديمقراطية" إلى إصلاح دستوري متوافق عليه، والنص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وهذا بالطبع يتناقض مع برامج أحزاب التيارين الأول والثاني، وحتى مع باقي مجموعة التيار الثالث والذين يصنفون أنفسهم ضمن خانة "الحداثيين" في مقابل "الأصوليين".

الحصيلة دون موضوع محوري

إذا كان الاستخلاص الطبيعي مما سلف هو أن البرامج ليست محددة ولا حاسمة في انتخابات 27 سبتمبر/أيلول الجاري، فإن الرهان السياسي بين الذين يخوضون غمار هذا الاستحقاق هو على استمرار تجربة التناوب تحت معطف قائده الحكومي الاتحاد الاشتراكي، أو استمراره بتغيير هذا القائد بغريمه حزب الاستقلال الذي يقدم وصفة لا تختلف في الجوهر عن الروح السياسية للتجربة الحكومية المنتهية ولكنها تبشر بتدبير أكثر نجاعة، والشيء نفسه ينطبق على الحلفاء الذين كانوا يشكلون الائتلاف الحكومي وهم سبعة.

أما المعارضة البرلمانية فإنها تعتقد بأن الحكومة قد أدت مهمة أرادها لها الراحل الحسن الثاني وأسهمت هي فيها، وأن النتائج الاقتصادية والاجتماعية لم تكن مرضية وبالتالي تدعو إلى التصويت النقابي ضدها. وهنا تظهر بوادر برامج وهي وإن اختلفت في بعض تفاصيلها فإنها تبقى متشابهة إلى حد التطابق ما دام أن البرنامج هو مجرد إعلان نوايا وأن هناك في النهاية برنامج أسمى تسطره سلطة أكبر من الحكومة.

وتجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك أي موضوع محوري يشكل القضية الأساس في الانتخابات المغربية الحالية، وحتى الموضع الدستوري يظل حبيس المقاطعين، ولعل الأهم في هذه الحملة هو الصراع على الحصيلة.

والاتحاد الاشتراكي الذي لم يكتف بنية عرض حصيلة الحكومة التي كان يقودها منذ 1998، عاد ليضع تاريخ الحزب في الميزان، يقول كاتب افتتاحية جريدة الحزب في 6 سبتمبر/أيلول "يمكن أن نقول إنه من بين ما يميز حزبنا اليوم عن باقي الأحزاب هو قدرته على الإتيان بحصيلة عمله، إنها الحصيلة السياسية الاتحادية التي نقول من خلالها للمغاربة ما فعلناه منذ 1963".

وعلى الرغم من هذا فإن الاتحاد الاشتراكي –عبر كلمة أمينه العام- أعطى الأولوية لقضيتين ضمن برنامجه وهما قضية التشغيل وقضية المرأة. وعلى الاتحاد قبل أن يبسط البرنامج أن يقدم الحصيلة حتى في هاتين المسألتين الحساستين اللتين عجزت الحكومة عن حملهما حيث إن آلاف العاطلين عن العمل من حملة الشهادات ما زالوا إلى اليوم يتظاهرون أمام البرلمان، كما أن قضية المرأة طرحت بشكل خلَّفَ ضجة وأحيلت في النهاية إلى الملك الذي كون لجنة للنظر في القضية، ولم تنه اللجنة عملها بعد.

أما حزب الاستقلال فقد أعطى لقضية التشغيل المركز الثاني في حين لم يثر قضية المرأة. وعلى الرغم من أن أمينه العام هو وزير التشغيل الحالي فإنه يقدم في برنامجه ضرورة إخراج مدونة التشغيل إلى حيز الوجود! وعندما سئل عما منعه من فعل ذلك وهو اليوم في الحكومة قال: إن الأغلبية لم تكن متماسكة.

أما الاتحاد الدستوري ومعه كل "الوفاق" فإنهم اعتبروا دائما أن البرنامج الحكومي كان برنامجا للحكومات التي شاركوا فيها وأنهم هم الليبراليون الذين تم السطو على توجههم، يقول محمد البصير رئيس الفريق البرلماني للاتحاد الدستوري في مناقشة تصريح الوزير الأول أمام البرلمان في 6 أغسطس/آب الماضي "إنكم تواصلون اليوم تنفيذ برنامجنا ومشاريعنا".

وإذا كانت جميع الأحزاب متشابهة فإن "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي يبقى مطبوعا بهويته الدينية حيث يدعو في برنامجه إلى أن تكون الشريعة هي مصدر التشريع الإسلامي، إضافة إلى ما يصفه بالناظم الربوي حتى يكون الاختيار حرا أمام المواطنين.

رهان النزاهة

إن رهان الانتخابات المغربية اليوم ليس على برامج سحرية لحل المشاكل المستعصية، ولكن الرهان هو أن تكون هذه الانتخابات هي أول انتخابات نزيهة في المغرب، وإذا تحقق هذا بغض النظر عن الفائز فإنه سيكون أكبر إنجاز يدخل فيه المغرب مرحلة المؤسسات النزيهة في انتظار مؤسسات باختصاصات حقيقية. وما بين الحلمين هناك عنصر أساسي لا تستقيم أية ديمقراطية من دونه، وهو المواطن الناخب، وهذا المغربي البسيط في المغرب العميق الذي يشكل أغلبية الناخبين اليوم ما زال بعيدا عن كل ما تنشغل به الطبقة السياسية المنشغلة اليوم بنفسها أكثر.
_______________
* كاتب وصحفي مغربي

المصدر : غير معروف