القيادات ومعدلات التغيير


على عكس ما يجري في أي نظام حزبي تعددي، ففي مصر يظل الحزب الحاكم بعيداً عن عملية التشكيل الوزاري أو التأثير على هذه العملية

لم يواجه الحزب الوطني مشكلة بالنسبة لتولي منصب رئيس الحزب، فبعد اغتيال رئيسه الأول محمد أنور السادات، تولى حسني مبارك رئاسة الحزب، حيث استمر الطابع الخاص للحزب والمتمثل في ارتباط رئاسته برئاسة الدولة.

بالنسبة للمكتب السياسي للحزب، فإن المادة 4 من النظام الأساسي تحدد تشكيله من رئيس الحزب وعضوية كل من نواب رئيس الحزب، رئيس مجلس الوزراء متى كان عضواً بالحزب، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى متى كانا من أعضاء الحزب، والأمين العام للحزب، وثمانية أعضاء آخرين يختارهم المؤتمر العام بناء على ترشيح رئيس الحزب. ولكن النظام الأساسي لم يحدد كيفية اختيار نواب رئيس الحزب (26).
وقد عقد الحزب الوطني ثماني دورات لمؤتمره العام حتى سبتمبر 200، ولم تحدث انتخابات للمكتب السياسي في أي منها.

وعلى عكس ما يجري في أي نظام حزبي تعددي، ففي مصر يظل الحزب الحاكم بعيداً عن عملية التشكيل الوزاري أو التأثير على هذه العملية.

ويعبر التقرير الإستراتيجي العربي عن هذه الحالة بقوله "لا يعرف رئيس الوزراء في معظم الأحوال شيئاً عن الحزب الحاكم الذي يفترض أنه يرأس الحكومة التي تنتسب إليه.

فعندما يقال حزب حاكم فهذا يعني أنه هو الحزب الذي يقوم بتشكيل الحكومة، أو على الأقل يساهم في تشكيلها. ولكن الوضع القائم في مصر بشأن العلاقة بين الحكومة والحزب الحاكم مختلف" (27). فبعد أن تتشكل الحكومة من وزراء معظمهم من خارج الحزب الحاكم، فإنه في محاولة للتغطية على هذا الانفصام يجري ضم بعضهم إلى المكتب السياسي للحزب، حتى لو كانوا ليسوا من أعضاء الحزب أصلاً.

وبالطبع فإنه عند حدوث أي تعديل وزاري (وهي حالات محدودة جداً في مصر على الأقل في السنوات الأخيرة) فإنه يلي ذلك بالتبعية حدوث تعديل في المكتب السياسي للحزب الوطني وهو ما حدث على سبيل المثال في عامي 1979، 1984 (28).

ولأن نخبة الحزب كانت تتحدث على الدوام عن ضرورة أن يتوافر للحزب "القيادات القادرة على مواصلة مسيرته تعبيراً عن الأغلبية"، فإنه جرى تحديد بعض المعايير بهذا الشأن وتمثلت في: التمتع برصيد في العمل العام، والتمرس في العمل الحزبي، والالتحام بالجماهير، والطهارة والنزاهة (29).

أما بالنسبة لمعدل تغيير النخبة العليا للحزب الوطني، فإنه يمكن القول إنه من قبيل المعدلات العالية، فقد توالى على الحزب حتى الآن ستة أمنـاء عامين (فكري مكرم عبيد 1978 – 1980)، (حسني مبارك 1980 – 1982)، (صبحي عبد الحكيم 1984 – 1985)، (فـؤاد محيي الدين 1982 – 1984)، (يوسف والي 1985 – 2002)، (صفوت الشريـف 2002) (30)، أما منصب الأمين العام المساعد فقد تميز بدرجة أعلى من الدوران.

وخلال التطورات التي شهدها الحزب الوطني قبل وخلال انعقاد مؤتمره العام الثامن في سبتمبر 2002، فإنه لم تجر انتخابات بالترشيح والتصويت للأمانة العامة أو المكتب السياسي، ولكن كل ما جرى هو عملية "تسمية واختيار معلن" وسط دعاية كبيرة، "وشائعات" حول وجود صراعات بين جيل شباب الحزب وجيل الحرس القديم.

وبينما لم يشهد المكتب السياسي تغييراًُ عما سبق من أساليب سبق التحدث عنها، فإن الأمانة العامة أصبحت تتكون من 25 عضواً وشهدت تغييراً محدوداً في 5 أشخاص، وهو ما يمثل نسبة تغيير وصلت إلى 20% (31).


نسبة التغيير في القيادة العليا للحزب الوطني محدودة، ونسبة التغيير في التشكيلات القاعدية محدودة أيضاً، "طالما أنه لم يفسح المجال الحقيقي للشباب والاكتفاء بمجرد نسبة 10% لمن هم دون الأربعين عاماً"

ويذكر جمال زهران أن نسبة التغيير في القيادة العليا للحزب الوطني محدودة، ونسبة التغيير في التشكيلات القاعدية محدودة أيضاً، "طالما أنه لم يفسح المجال الحقيقي للشباب والاكتفاء بمجرد نسبة 10% لمن هم دون الأربعين عاماً"(32).

وبالطبع فإنه مع ظاهرة الجمود الواضحة في مناصب القيادة العليا بالحزب الوطني، أسوة بالأحزاب المصرية الأخرى، وذلك جرياً على قاعدة الاحتكار السياسي الذي تمارسه "القيادات" فإن هناك ظاهرة أخرى ترتبط بها وتتمثل في عدم إمكانية محاسبة القيادات، أو إحلال قيادات أخرى محلها بناء على رغبة الأعضاء الحزبيين.

فمحاسبة القيادات ظاهرة لا تعرفها الأحزاب المصرية أو الحياة السياسة بوجه عام.

ومن ملاحظة "الحياة الحزبية" تتضح محدودية توجيه النقد للقيادات، فإذا ما وجدت "خلافات" مع رئيس الحزب، فإن هذا يعني الخروج من الحزب أساساً. ولأن هناك عناصر عديدة ممن يدخلون في عضوية الحزب الوطني، هم من محترفي "السياسة" ومن يمارسونها من باب "الارتزاق" فإن هؤلاء لا تتوافر لديهم رغبات قوية لمحاسبة القيادات أو توجيه النقد لسياساتهم.


مع ظاهرة الجمود الواضحة في مناصب القيادة العليا بالحزب الوطني، أسوة بالأحزاب المصرية الأخرى، وذلك جرياً على قاعدة الاحتكار السياسي الذي تمارسه "القيادات" فإن هناك ظاهرة أخرى ترتبط بها وتتمثل في عدم إمكانية محاسبة القيادات، أو إحلال قيادات أخرى محلها بناء على رغبة الأعضاء الحزبيين

ولأن قيمة "النقد" وإمكانية ممارسته ليست متداولة داخل الحزب، فإنها أيضاً ليست من "شيم" أعضائه داخل البرلمان.

وفي ظل وجود أغلبية للحزب الوطني الديمقراطي في مجلس الشعب، إلى الحد الذي يصدق معه وصف المجلس بأنه "هيئة برلمانية للحزب"، هل يمكن تصور ممارسة أعضاء المجلس لرقابة برلمانية حقيقية في مواجهة الحكومة؟

تذكر إحدى الدراسات أنه خلال الفصل التشريعي السابع للمجلس (1995 – 2000) على سبيل المثال، كان لأعضاء الحزب الوطني في المجلس الفضل في طرح العديد من الأسئلة وطلبات الإحاطة بصورة تفوق ما طرحه المستقلون وأحزاب المعارضة. كذلك كانت الغلبة لتقديم طلبات الرقابة تعود للحزب الوطني.

ولكن مع ذلك فإنه بالنسبة "لنوعية الرقابة" وما اتسم منها بتوجيه نقد حقيقي للحكومة، وممارسة الرقابة القوية ممثلة في طلبات الاستجواب، تبقى من نصيب المعارضة (مستقلون – تجمع – أحرار – وفد).

هنا نجد أن السبب الحقيقي في ذلك يعود إلى ما أطلق عليه "في هذه الحالة" تحديداً "التماسك الحزبي الشديد" داخل الحزب الوطني "في ظل قيادته الصارمة المتمثلة في أمين التنظيم بالحزب حيث يتم تهديد الأعضاء بعدم الانتخاب مرة أخرى إذا ما قاموا بتهديد أركان الحزب".

وإذا كانت مسألة التماسك الحزبي البرلماني، موجودة في كل أحزاب العالم، إلا أن ممارستها في مصر، في إطار الحزب الوطني، قد تكون لصالح العضو أو الحزب على حساب المصلحة العامة (33).

للتعليق والتعقيب اضغط هنا

المصدر : غير معروف