تداول السلطة في الوطن العربي بين التشريعات والتطبيقات


undefined*الدكتور صفي الدين خربوش

أولاً: تعريف تداول السلطة
ثانياً: التطور التاريخي لتداول السلطة
ثالثاً: النصوص الدستورية وانتقال السلطة
رابعاً: آليات انتقال السلطة
خامساً: الانتخابات في النظم السياسية العربية
سادساً: واقع ومستقبل انتقال السلطة

يثير موضوع تداول السلطة في الوطن العربي عدداً من النقاط التي ينبغي تناولها من قبيل تعريف تداول السلطة، والتطور التاريخي لتداول السلطة في المنطقة العربية/الإسلامية، والنصوص الدستورية الحاكمة لانتقال السلطة في الوطن العربي، وآليات انتقال السلطة في المنطقة، والانتخابات كآلية من آليات التداول السلمي للسلطة، والواقع الفعلي لانتقال السلطة في النظم السياسية العربية، ومستقبل هذا التداول من خلال تناول احتمالات ومعوقات تحقيق التداول السلمي للسلطة في المنطقة العربية.

أولاً: تعريف تداول السلطة

يقصد بتداول السلطة وجود آليات لانتقال المنصب السياسي إلى آخر سواء كان شاغل المنصب رئيساً للجمهورية أو للوزراء في النظم الرئاسية والبرلمانية على الترتيب. وقد شاع هذا التعبير في الفقه الليبرالي الغربي على أساس النظر إلى التداول السلمي للسلطة باعتباره أحد معايير وجود نظام ديمقراطي على النمط الغربي.


تمثل عملية التداول السلمي للسلطة جوهر الديمقراطية الغربية

ويرتبط بذلك الحديث عن وجود آليتين رئيسيتين لانتقال السلطة من شخص أو من مجموعة أو من حزب إلى آخر أو لأخرى وهما الانتخابات أي الانتقال السلمي وفقاً لإرادة الناخبين، والعنف أي إجبار شاغل أو شاغلي المنصب السياسي على ترك موقعه رغماً عنه باستخدام صورة من صور الإجبار أو الإكراه.

ولا ريب أن وجود انتخابات دورية حرة ونزيهة يعتبر أمراً جوهرياً لتحقيق التداول السلمي للسلطة بالمعنى الغربي. ومرة أخرى يعتبر إجراء هذا النوع من الانتخابات الدورية إحدى سمات النظم الديمقراطية الغربية لأنها –أي الانتخابات– الوسيلة الوحيدة لتحقيق التداول الدوري للسلطة بعد مرور عدد من السنوات، الأمر الذي يسمح للناخبين بمحاسبة الرئيس أو رئيس الوزراء أو الحزب أو الائتلاف الحزبي الذي وصل إلى السلطة في الانتخابات السابقة.

ويرتبط بالتداول السلمي للسلطة أيضاً وجود تعدد حزبي حقيقي يسمح بتنافس فعلي بين عدد من الأحزاب ذات التوجهات المتباينة كي تنتقل السلطة من حزب إلى آخر أو من زعيم أحد الأحزاب إلى زعيم حزب آخر، الأمر الذي يعني أن التداول السلمي للسلطة قد لا يستقيم في ظل وجود حزب وحيد وإن كان من الممكن حدوث نوع من التداول بين زعماء الحزب أو زعماء الاتجاهات المختلفة داخله.

ومن ثم يتضح أن التداول السلمي للسلطة يكاد يلخص سمات النظام الديمقراطي على النمط الغربي، حيث يستلزم حدوثه وجود تعدد حزبي وتنافس سياسي حقيقي وانتخابات دورية حرة ونزيهة ورأي عام قوي وقادر على التأثير ووسائل إعلام تقوم بدور رقابي فاعل في محاسبة القائمين على السلطة.

ثانياً: التطور التاريخي لتداول السلطة في المنطقة العربية/الإسلامية

ليس من الغريب القول بأن تاريخ المنطقة العربية/الإسلامية لم يكن متناغما مع الانتقال السلمي للسلطة. فقد عرفت المنطقة العربية/الإسلامية منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفاء وسلاطين وأمراء لم يعرفوا معنى انتقال السلطة. ولقد ثار جدال فقهي واسع بشأن إمكانية عزل الخليفة أو إجباره على التنازل وهو الأمر الذي بلغ ذروته في حادثة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وما أعقب مقتله من فتنة كبرى كان من بين مظاهرها الخلاف بين من طالبوا عثمان بالتنازل ومن بعدها أقدموا على قتله لرفضه التنازل أو الخروج على البيعة من ناحية، ومن رأوا أنه لم يكن لأحد أن يجبر الخليفة على التنازل أو يعزله واعتبروا الخارجين على عثمان مخالفين لتعاليم الإسلام لخروجهم على الخليفة المسلم.

لقد بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة في سقيفة بني ساعدة بعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أوصى أبو بكر لعمر بن الخطاب، وجعل عمر الخلافة في الستة الذين كان من بينهم عثمان، ثم قتل عثمان وبويع علي، ثم قتل فبويع معاوية وحوّل الخلافة إلى ملك يتوارثه أبناؤه من بعده. وانتقلت الخلافة من الأمويين إلى العباسيين بالسيف وهى السمة التي تكررت بعد ذلك في الممالك التي بدأت تتولد داخل رحم الدولة العباسية في جميع أرجاء العالم الإسلامي. أكثر من هذا، حدثت صراعات بين الأمين والمأمون ولدى هارون الرشيد العباسي والذي انتهى بمقتل الأمين وتولي المأمون الخلافة.

وكانت دولة المماليك في مصر والشام والحجاز مثالاً لانتقال السلطة من خلال الاحتكام إلى السيف، حيث فرض الأكثر قوة نفسه سلطاناً إلى أن يتمكن آخر من القضاء عليه وتنصيب نفسه سلطاناً. ولم تكن دولة المماليك استثناء في ذلك بل شاع هذا الأمر في حين تضاءل الصراع على منصب الخليفة وكاد يختفي عندما تحول المنصب إلى منصب ذي أهمية رمزية دون سلطات فعلية.

ولم يتغير الوضع مع سيطرة العثمانيين على معظم أرجاء الوطن العربي، ولا مع محاولات البعض الخروج على سلطة العثمانيين وتحديهم مثل علي بك الكبير في مصر أو ضاهر العمر في فلسطين، ولا حتى مع تأسيس محمد علي الكبير لدولة حديثة في مصر والسودان والحجاز والشام، إذ ظل مفهوم تداول السلطة غائباً حيث يتمتع الحاكم بسلطات مطلقة وينتقل الحكم أو السلطة من شخص إلى آخر بالوفاة أو بالقتل.

وعندما تأسست دول أو كيانات الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية وتفككها، سعت دولتا الانتداب –بريطانيا وفرنسا– إلى وضع تنظيم جديد في هذه الكيانات إما بتحويلها إلى نظم ملكية (مصر والعراق وشرق الأردن) أو جمهورية (لبنان وسوريا) وجعلها تتسم ببعض سمات النظم الليبرالية الغربية من قبيل التعدد الحزبي والانتخابات الدورية ووجود المجالس النيابية.

ومرة أخرى لم يتحقق التداول السلمي للسلطة لأسباب عديدة كان من أهمها أن الانتخابات الحرة والنزيهة أتت عادة بأغلبية من حزب أو أحزاب تدعو لتحقيق الاستقلال الكامل عن بريطانيا أو فرنسا، الأمر الذي جعل دولة الاحتلال تتدخل بالتحالف مع قوى محلية أخرى من الملك وأحزاب الأقلية لتزييف إرادة الناخبين أو تعطيل الحياة الديمقراطية، الأمر الذي أعاق تحقق التداول السلمي للسلطة.

وجاءت الانقلابات العسكرية لتفتح صفحة جديدة في سجل التداول السلمي للسلطة في الوطن العربي، ولتشهد سوريا ثلاثة انقلابات في عام واحد هو عام 1949، ولتشهد مصر حركة للجيش عام 1952 والعراق 1958 واليمن 1962 والجزائر 1965 والسودان 1958 وليبيا 1969. وتم في كل من مصر واليمن والعراق وليبيا القضاء على النظام الملكي وتأسيس نظم جمهورية ثورية بينما كانت انقلابات السودان والجزائر وسوريا داخل نظم جمهورية.

وقد نجحت بعض هذه الانقلابات في تأسيس نظم قوية استمرت لفترة طويلة بينما أخفق بعضها في الاستمرار وأتاح السبيل لانقلابات أخرى توالت منذ حدوث الانقلاب الأول.

بيد أن الأمر المهم في الانقلابات العسكرية أنها أسست لطريقة حديثة في انتقال السلطة ألا وهي أن المعيار الرئيسي للوصول إلى السلطة هو امتلاك القوة، وحيث إن القوات المسلحة أو الجيش هي القوة الأكبر داخل النظام فإن من يسيطر عليها يستطيع السيطرة على السلطة وهو أمر يجافي تماماً فكرة التداول السلمي للسلطة بناء على تنافس سياسي بين أكثر من شخص وأكثر من اتجاه. ومن ثم لم يكن غريباً أن تتبنى النظم التي تأسست بعد الانقلابات العسكرية فكرة التنظيم السياسي الوحيد وأن تهاجم بعنف فكرة التعدد الحزبي وأن تصم النظم التي تأسست فيما بين الحربين بأنها نظم بالية عقيمة وعميلة للاستعمار.


غابت عن التطبيقات العربية منذ فترة مبكرة فكرة تداول السلطة سلميا وبرزت الأساليب الوراثية أو فرض القوة لتغيير ونقل السلطة

وفى الوقت نفسه الذي كانت الانقلابات فيه تتتابع في بعض النظم الجمهورية –سوريا واليمن والسودان على سبيل المثال– كانت النظم الملكية ترسخ أقدامها بعيداً عن فكرة التداول السلمي في ظل عدم وجود أحزاب سياسية أو تنافس حقيقي واحتكار الأسر الحاكمة للمناصب الرئيسية في النظام، أو في ظل سماح بتعدد حزبي مع سيطرة الأحزاب الموالية للقصر على المجلس النيابي مثلما كان الحال في المملكة المغربية.

وعندما بدأت كثير من دول العالم التي تشابهت ظروفها مع الدول العربية خلال الخمسينيات والستينيات في التحول نحو الديمقراطية والسماح بالتعدد الحزبي وإجراء انتخابات حرة أتت بقيادات جديدة أو معارضة، ظلت النظم السياسية العربية عصية على هذا التحول سواء في النظم الجمهورية أو الملكية، حيث لم تشهد أي منها –حتى الآن– تداولا حقيقياً للسلطة باستثناء المغرب التي شهدت حصول أحزاب المعارضة على أغلبية مكنتها من تشكيل الحكومة في ظل ضوابط معينة يحددها الملك الذي يعتبر المرجع الأخير في النظام السياسي المغربي.

ثالثاً: النصوص الدستورية وانتقال السلطة في الوطن العربي

رغم أن النصوص الدستورية قد لا تكون المحك الحقيقي للممارسة السياسية في كثير من الدول ومنها الدول العربية، إلا أنها قد تكون مؤشراً على وجهة النظر الرسمية فيما يتعلق بانتقال السلطة.

ويلاحظ أن كثيراً من النظم السياسية العربية لا تعرف حتى الآن دستوراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل إن بعضها يعتبر الدستور بدعة غربية لا ينبغي التمسك بها.

ويمكن التمييز في هذا السياق بين عدة مجموعات من النظم السياسية العربية هي النظم الملكية التقليدية والنظم الملكية شبه الدستورية والنظم الجمهورية السلطوية والنظم الجمهورية شبه الدستورية. ومعيار التمييز هنا يكمن في مدى توافر دستور حديث واحترام هذا الدستور.

فيما يتعلق بالنظم الملكية التقليدية عادة ما تتسم هذه النظم بغياب الدستور أو بغياب التقاليد الدستورية التي تقنن طريقة انتقال السلطة بغض النظر عن هذه الطريقة. فقد ظل النظام السعودي فترة طويلة منذ تأسيس المملكة وحتى التسعينيات لا يعرف شيئاَ عن الدستور حتى صدرت الأنظمة الثلاثة التي لا يمكن اعتبارها دستوراً بالمعنى الحديث للكلمة. ولم تعرف النظم الملكية فى الخليج –فيما عدا الكويت– الانتخابات إلا منذ فترة قريبة. ولم تسمح كل هذه النظم –بما فيها الكويت– بالتعدد الحزبي حتى الآن. ومن ثم يعتبر الحديث عن تداول السلطة في مثل هذه النظم أمراً غير منطقي.

وتتسم هذه النظم بوجود ملك أو سلطان أو أمير يملك ويحكم، ويشغل أفراد الأسرة الحاكمة معظم المناصب المحورية (رئيس الوزراء، وزير الدفاع، وزير الداخلية.. إلخ) وحيث لا توجد انتخابات نيابية ولا تعدد حزبي لا يتم التنافس أصلاً وتعتبر رغبة رئيس الدولة هي المعيار الوحيد حيث يعين رئيس الوزراء أو الوزراء. وتنتقل السلطة على مستوى رئيس الدولة –الملك أو السطان أو الأمير– منه إلى ولي عهده الذي عادة ما يكون ابنه أو أحد إخوته. وحيث يعين الملك –أو السلطان أو الأمير– رئيس الوزراء والوزراء ويقيلهم تظل رغبة رئيس الدولة هي السبب الوحيد في تغيير أي من شاغلي المناصب العليا.

وفيما يتعلق بالنظم الملكية شبه الدستورية تضم هذه المجموعة الأردن والمغرب والكويت، وتعرف كل منها دستوراً حديثاً إلى حد بعيد. وتسمح كل من الأردن والمغرب بالتعدد الحزبي بينما لم تسمح الكويت به بعد. وتجرى انتخابات دورية يترتب عليها تشكيل للمجلس النيابي (الأمة في الكويت والنواب في الأردن والمغرب). ويفترض من الناحية النظرية أن تسفر الانتخابات عن أغلبية حزبية تسمح بتداول السلطة بين الأحزاب إلا أن هذا الأمر لم يحدث إلا نادراً، ووفقاً لقيود معينة، حيث يشغل ولي عهد الكويت عادة منصب رئيس الوزراء ويشغل كبار أعضاء الأسرة الحاكمة المناصب المحورية في الحكومة (الخارجية، الدفاع، الداخلية.. إلخ) الأمر الذي يعوق مجلس الأمة عن القيام بمهامه، بل إن الخلاف بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء قد أدى أكثر من مرة إلى حل مجلس الأمة وتوقف الحياة الدستورية.

وفي الأردن يوجد دستور يأخذ بالنظام البرلماني فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إلا أن السلطات التي يتمتع بها الملك تجعله من الناحية الفعلية الشخصية المحورية في النظام. ورغم السماح بالتعدد الحزبي لم يتمكن أي حزب من الحصول على أغلبية نيابية تمكنه من تشكيل الحكومة، الأمر الذي يتيح للملك تكليف رئيس للحكومة عادة ما يحصل على ثقة مجلس النواب دون أن يكون اختياره بالضرورة مرتبطاً بحصوله على أغلبية برلمانية.

وفى المغرب يوجد دستور أيضاً يأخذ بسمات النظم البرلمانية، إلا أن التطبيق الفعلي منذ استقلال المغرب قد جعل الملك هو المتحكم في جميع السلطات. وقد استخدم الملك التعدد الحزبي لتحقيق سيطرة شبه دائمة على المجلس من خلال تمكن الأحزاب الموالية للقصر من الحصول دائماً على أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة والحصول على ثقة المجلس. إلا أن تطوراً قد حدث في نهاية حكم الملك الراحل الحسن الثاني حين حصلت الأحزاب المعارضة على أغلبية مكنتها من تشكيل الحكومة للمرة الأولى مع بعض القيود التي كان من بينها اختيار الملك لوزير الداخلية في الحكومة. وقد تغير هذا الوضع مع تولي الملك محمد السادس حيث أقيل وزير الداخلية برغبة من الملك.

ورغم هذا تعتبر التجربة المغربية تجربة فريدة في التداول السلمي للسلطة في النظم السياسية العربية حيث انتقل زعيم المعارضة عبد الرحمن اليوسفي –والذي اعتقل عدة مرات- إلى منصب رئيس الوزراء. واستمرت تجربة التعايش هذه والتي يطلق عليها حكومة التناوب دون تعثر رغم وفاة الملك الحسن الثاني في ظل حكومة اليوسفي.

أما في النظم الجمهورية التسلطية (الجماهيرية الليبية، سوريا، العراق، موريتانيا) فلا وجود لإمكانية التداول السلمي، حيث يسيطر حزب واحد أو قائد على السلطة بزعامة قائد عسكري أو مدني تؤيده القوات المسلحة. وقد انتقلت السلطة في العراق من الرئيس البكر إلى الرئيس صدام حسين في انقلاب سلمي، كما انتقلت من الرئيس حافظ الأسد إلى نجله الرئيس بشار الأسد في صورة درامية استلزمت تعديل الدستور كي يسمح بتولي من لم يبلغ عمره الأربعين حسب نص الدستور. ولم يعلن عن تولي نائب الرئيس السوري سلطات رئيس الجمهورية حتى يتم الاستفتاء على الرئيس الجديد. وتمت ترقية الدكتور بشار الأسد إلى رتبة فريق، وتشهد هذه النظم عادة استفتاءات تكون نتيجتها 100% تقريباً. أكثر من هذا لا تتم أي انتخابات للرئاسة أو استفتاء عليها في الجماهيرية الليبية من خلال استخدام حجة واهية وهي أن العقيد القذافي الذي يحكم منذ عام 1969 لا يشغل منصباً رسمياً رغم أنه يحضر مؤتمرات القمة العربية والأفريقية بوصفه رئيساً للدولة ويعقد اللقاءات مع رؤساء وملوك الدول الأخرى. وقد انضمت السودان في ظل النظام الحالي إلى هذه المجموعة حيث يسيطر قائد عسكري على السلطة ويرأس حزباً يتمتع بالأغلبية.

وفى المجموعة الأخيرة التي تضم لبنان ومصر واليمن وربما الجزائر، والتي تعتبر نظماً جمهورية شبه دستورية، يبدو أن ثمة تحركاً نحو تداول للسلطة لم تتضح معالمه بعد. ويوجد بهذه النظم دساتير تتضمن السماح بالتعدد الحزبي –مع بعض القيود– وإجراء انتخابات دورية تتسم بقدر ما من النزاهة. إلا أن الرئيس –زعيم حزب الأغلبية في معظم هذه النظم– لايزال يسيطر على العملية السياسية. ولم يحدث حتى الآن انتقال للسلطة من حزب الرئيس إلى حزب آخر أو تخلى الرئيس عن السلطة رغم أن بعض هذه النظم يجري انتخابات على منصب الرئيس.

وتعتبر لبنان حالة فريدة في الوطن العربي، حيث يمنع الدستور التجديد لرئيس الجمهورية بحيث يتحتم تغيير الرئيس كل ست سنوات عبر انتخاب يتم بين أعضاء مجلس النواب. وقد شهد النظام اللبناني –بتأثير النفوذ السوري– تجديداً للرئيس إلياس الهراوى مدته ثلاث سنوات للمرة الأولى في تاريخ لبنان عن طريق تعديل دستوري سمح بهذا الاستثناء. غير أن تشرذم الأحزاب السياسية اللبنانية لا يُمكن أياً من الأحزاب من السيطرة على مجلس النواب أو تشكيل ائتلاف حزبي ذي أغلبية، الأمر الذي يسمح لرئيس الجمهورية بقدر من الحرية في تشكيل الحكومة التي عادة ما تحظى بعد تشكيلها بثقة مجلس النواب.

وفى مصر ينص الدستور على اختيار رئيس الجمهورية عبر استفتاء عام بعد موافقة أعضاء مجلس الشعب لمدة ست سنوات قابلة للتجديد. وقد شهدت مصر منذ دستور 1956 انتقالين للسلطة عند وفاة الرئيس جمال عبد الناصر واغتيال الرئيس محمد أنور السادات. وفى الحالتين تمت عملية الانتقال وفقاً للدستور القائم آنذاك (دستور 1964 عند وفاة عبد الناصر عام 1970، ودستور 1971 عند وفاة السادات عام 1981). وفى العام 1981 تولى رئيس مجلس الشعب د. صوفي أبو طالب رئاسة الجمهورية مؤقتاً حتى تم ترشيح نائب الرئيس آنذاك محمد حسني مبارك لرئاسة الجمهورية وتوليه سلطاته الدستورية بعد استفتاء عام وفقاً لنص الدستور.

وفى تونس تمت الإطاحة بالرئيس الحبيب بورقيبة عام 1987 في انقلاب سلمي أطلق عليه انقلاب طبي حيث بررت إقالة الرئيس بورقيبة بأسباب صحية. وخلفه وزير الدفاع آنذاك زين العابدين بن علي حيث أصبح رئيساً للدولة وزعيماً للحزب الحاكم منذ هذا التاريخ. ورغم السماح بالتعدد الحزبي وبإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، لا يبدو أن ثمة تحولا نحو انتقال سلمي للسلطة لدرجة أن بعض المحللين لا يرون فارقاً كبيراً بين النظام التونسي منذ العام 1987 وبين نظيره السوري أو العراقي أو الليبي.

والخلاصة أن الواقع الفعلي لا يحمل تمايزات كبيرة بين مجموعات النظم التي سبقت الإشارة إليها، إلا أن آليات انتقال السلطة تختلف من نظام إلى آخر. وباستثناء المغرب الذي تم فيه الانتقال لاعتبارات تتعلق برغبة الملك الراحل في تهيئة أوضاع أكثر استقراراً للنظام مع اقتراب رحيله، يبقى انتقال السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة لشغل منصب الرئيس أو رئيس الوزراء في النظم الملكية أمراً بعيد المنال حتى الآن. وإن كانت النظم التي تشهد تعدداً حزبياً وانتخابات دورية أقرب لتحقيق هذا الهدف من تلك التي تمنع التعدد أو الانتخابات أو تخلو من المجلس التشريعي أو من الدساتير الحديثة.

ربعاً: آليات انتقال السلطة في النظم السياسية العربية

تنتقل السلطة في النظم السياسية عن طريق نوعين من الآليات أولاهما آليات سلمية والأخرى عنيفة. ويقصد بالآليات السلمية أن يتم هذا الانتقال دون إكراه أو إجبار، أي دون استخدام أساليب القوة المادية أو المعنوية لإجبار شخص الحاكم أو النخبة الحاكمة على ترك الساحة لنخبة أخرى أو لشخص آخر. بينما يقصد بالآليات العنيفة استخدام القوة لإجبار الحاكم أو النخبة الحاكمة على ترك موقعها دون سند للنخبة الجديدة سوى القوة. ويعني هذا ارتباط ذلك بما يعرف في الفقه السياسي بالشرعية الدستورية أو القانونية أو بالمشروعية، أي باستناد طريقة الوصول إلى السلطة إلى الأسلوب الذي يحدده الدستور والقانون، فإذا نص الدستور على الانتخابات أو الاستفتاء أو اختيار المجلس النيابي وحدد شرطاً لشغل المنصب ينبغي الالتزام بالطريقة التي نص عليها الدستور وإلا اعتبر من شغل المنصب مغتصباً له وعليه أن يسعى للحصول على قدر من التأييد الشعبي الذي يسمح له بالاستمرار في السلطة من خلال ما يعرف بتوليد شرعية سياسية قد تسمح بتجاوز المواطنين عن غياب الشرعية القانونية، أي طريقة الوصول إلى السلطة.


تختلف التشريعات العربية في طرق انتقال وتداول السلطة إلا أن الواقع يؤكد في غالب الأحيان الاتفاق على بقاء السلطة في يد فئة أو شخص واحد

وفى حالة النظم السياسية العربية يلاحظ أن النظم الملكية بصفة عامة لا تعرف ظاهرة اختفاء المشروعية حيث عادة ما يصل الملك أو السلطان أو الأمير إلى المنصب بالأسلوب الذي ينص عليه نظام وراثة العرش، وإن كانت النظم الملكية الحديثة أكثر تقدماً في هذا المجال مقارنة بالنظم الملكية التقليدية. وتكون الحالة الممكنة لوجود نقص في المشروعية هي حالة الانقسام داخل الأسرة الحاكمة أو جود تنافس بين أكثر من شخص على المنصب. لكن وجود نظام ما لوراثة العرش ولولاية العهد يسمح بألا يتجاوز الخلاف حدود الأسرة الحاكمة إلى خارجها. وعادة ما تحرص النظم الملكية على عدم إظهار الانقسام أمام الرأي العام حيث تبدو متماسكة حتى لو وجدت خلافات بين أفراد الأسرة.

وقد عرفت بعض النظم الملكية خلافات داخل الأسرة الحاكمة تم حسمها دون الإخلال بشرعية النظام مثلما حدث في النظام السعودي عندما أطيح بالملك سعود لمصلحة أخيه الملك فيصل، أو عند إطاحة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان بوالده السلطان سعيد بن تيمور، أو عند إطاحة الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر بوالده الشيخ خليفة آل ثاني. وقد ساعد على حسم هذا الأمر اتفاق أعضاء الأسرة الحاكمة على تولي الملك أو السلطان أو الأمير الجديد، وبدا الأمر وكأن الأسرة الحاكمة تقوم بتصحيح لأوضاعها وتختار حاكماً جديداً لرئاستها. وتلعب الأسرة الحاكمة دوراً مهماً في هذه النظم بحيث يعتبر أعضاؤها بمثابة حزب حاكم يقرر كثيراً من السياسات، وعادة ما يكون لأعضاء الأسرة الحاكمة رأي في ولي العهد الذي يصبح فيما بعد ملكاً أو أميراً.

وتنفرد سلطنة عمان بعدم وجود ولي للعهد انطلاقاً من المذهب الرسمي للسلطنة وهو المذهب الإباضي الذي يرفض تولية العهد باعتباره أمراً لا يتسق مع ضرورة أن يكون الأمر شورى بين المسلمين جميعاً. ولا يعرف إلى من يؤول منصب السلطان في حالة خلو المنصب لاسيما وأن السلطان قابوس بن سعيد ليس له أشقاء أو أبناء وهو يشغل منصب رئيس الوزراء. ويعتبر ثويني بن شهاب –ابن عم السلطان والممثل الشخصي له- من الناحية البروتوكولية في المرتبة الثانية بعد السلطان، لكن هذا لا يعني بالضرورة انتقال المنصب إليه في حالة خلوه لاسيما في ظل عدم وجود أي قانون أو نظام لتنظيم طريقة تنصيب السلطان الجديد.

وفى النظم الجمهورية تتباين أساليب انتقال السلطة بين العنيفة والسلمية، فقد شهدت كثير من النظم الجمهورية انقلابات متعددة أتت بقيادة عسكرية إلى السلطة استناداً إلى قوة الجيش مثلما هو الحال في سوريا منذ العام 1949 وحتى عام 1970 حيث شهدت سوريا ثلاثة انقلابات عسكرية عام 1949 وانقلاباً عام 1961 وآخر عام 1963 و1966 و1970 ناهيك عن كثير من المحاولات الانقلابية الفاشلة.

وشهد العراق أول انقلاب في المنطقة العربية عام 1936 وانقلاباً آخر عام 1958 وثالثاً عام 1963 ورابعاً عام 1968. وشهد اليمن انقلابات متتالية بدءا من عام 1962 وحتى عام 1978، وكذلك الحال في موريتانيا والسودان.

وقد فشلت معظم هذه الانقلابات –لاسيما المبكرة منها– في تأسيس شرعية جديدة لها تسمح بالاستمرار، بينما نجحت قلة منها مثل مصر في تحقيق هذا الهدف وتأسيس نظام جديد يتمتع بقدر من الشرعية سمح له بالاستمرار لحوالي نصف القرن دون تحد حقيقي لشرعيته الأمر الذي أتاح له فرصة النجاح في تطبيق انتقال سلمي هادئ للسلطة عند اختفاء شخص قاد النظام مرتين دون حدوث صراعات على السلطة، وهو أمر لم يتحقق في معظم النظم الجمهورية الأخرى التي شهدت انقلابات ومحاولات انقلابية متتالية منذ الانقلاب الأول.

وقد شهدت السودان دورات من الانقلابات العسكرية والحكم المدني منذ عام 1958 حيث شهدت نظاماً عسكرياً قضى على النظام المدني القائم منذ الاستقلال واستمر هذا النظام العسكري خلال الفترة من 1958 وحتى 1964 وأعقبه نظام مدني حتى انقلاب عام 1969 الذي أستمر حتى عام 1985 ليتم تأسيس نظام مدني عام 1986 استمر حتى عام 1989 ليخلفه مرة أخرى نظام عسكري مازال قائماً حتى الآن.

ولم تستطع الجزائر التوصل إلى آلية سلمية للانتقال حيث أطاح قائد الجيش وزير الدفاع العقيد هواري بومدين بالرئيس أحمد بن بله وظل بومدين في السلطة حتى وفاته عام 1978 ليخلفه أحد القادة العسكريين وهو الشاذلي بن جديد حتى أحداث 1991 والتي أجبر بن جديد بعدها على الاستقالة ليخلفه مجلس أعلى للدولة مؤقت ترأسه محمد بوضياف الذي اغتيل بعد فترة قصيرة ليخلفه علي كافي، ثم انتخب قائد الجيش اليامين زروال رئيساً للجمهورية ثم استقال قبل إكمال مدته ليخلفه عبد العزيز بوتفليقه بعد انتخابات رئاسية شكك منافسو بوتفليقة في نزاهتها.

من الملاحظ بصفة عامة أن الآليات السلمية شبه غائبة في النظم الساسية العربية حيث عادة ما يترك الحاكم موقعه إما بالوفاة أو بالاغتيال أو بالإجبار على ترك موقعه كما حدث في حالة الحبيب بورقيبة والشاذلي بن جديد، أو بالقضاء على النظام برمته كما حدث في النظم الملكية إبان الخمسينيات والستينيات في مصر والعراق وليبيا واليمن، أو بقضاء أحد قادة النظام على رأس النظام كما حدث في الجزائر عام 1965 وفي سوريا عام 1966 و1970 وفي العراق عام 1979.

وقد حافظ لبنان فقط على آلية سلمية لانتقال السلطة من رئيس إلى آخر عن طريق اقتراع أعضاء مجلس النواب حيث يختار رئيس الجمهورية مدة ست سنوات غير قابلة للتجديد. وقد اخترقت هذه القاعدة مرة واحدة للتجديد للرئيس الهراوي ثلاث سنوات. لكن لبنان حافظ على تقليد ترك الرئيس منصبه طواعية بحيث تعتبر لبنان الدولة العربية الوحيدة التي تحتفظ برؤساء جمهورية سابقين على قيد الحياة يعيشون داخل الأراضي اللبنانية وليس في المعتقلات أو في المنفى الإجباري أو الاختياري.

ولا يقلل من الرأي السابق أن معظم قادة الانقلابات قد حاولوا تغيير السمات العسكرية من خلال تأسيس حزب سياسي يرأسه قائد الانقلاب أو خليفته وإجراء انتخابات برلمانية ومحلية وربما السماح بالتعدد الحزبي، إذ يظل الرئيس في السلطة رئيساً للجمهورية –بعد أن كان رئيساً لمجلس قيادة الثورة– وزعيماً لحزب الأغلبية الدائم ومسيطراً على السلطة التشريعية إلى جانب السلطة التنفيذية وقادراً على تحقيق الفوز الساحق في الانتخابات الرئاسية أو في الاستفتاء على تجديد مدة رئاسته.

خامساً: الانتخابات في النظم السياسية العربية

لم تعرف بعض النظم السياسية العربية العملية الانتخابية حتى الآن وعرف بعضها صورة متواضعة منها منذ فترة وجيزة، الأمر الذي يجعل الانتخابات لا تحظى بالأهمية في ثقافتنا العربية، أو على الأقل لم تترسخ بعد كأفضل آلية لانتقال السلطة.

وفى النظم الملكية التقليدية تتوارى أهمية الانتخابات إلى حد بعيد، حيث ظلت هذه النظم حتى وقت قريب بعيدة عن تطبيق أي شكل من أشكال العملية الانتخابية، إلى أن خطت كل من سلطنة عمان ودولة قطر ودولة البحرين خطوات على طريق تطبيق العملية الانتخابية في المجالس المحلية أو البلدية أو في المجالس شبه النيابية. ومازالت السعودية والإمارات لا تعرفان المجالس المنتخبة والتي يحق لها سن التشريعات والرقابة على أعمال الحكومة.

وفى النظم الملكية الحديثة في الأردن والكويت والمغرب تعرف الانتخابات التشريعية كآلية لتكوين المجلس النيابي، وتعرف كل من الأردن والمغرب تعدداً حزبياً رسمياً، بينما تعرف الكويت اتجاهات حزبية دون السماح لها بالعمل كأحزاب حتى الآن.

وقد نجحت المعارضة في المغرب في الحصول على أغلبية في انتخابات عام 1997 كان من آثارها انتقال زعيم المعارضة إلى منصب رئيس الحكومة للمرة الأولى في النظم السياسية العربية.

وفى الأردن تحصل الاتجاهات المعروفة بمعارضتها على عدد لا بأس به من المقاعد في مجلس النواب إلا أن تشرذم الأحزاب السياسية وضعفها لا يتيح لكتلة حزبية فرض أغلبيتها بحيث تتحول إلى وضع شبيه بالوضع المغربي. ومن ثم لم يترتب على الانتخابات –حتى الآن- انتقال للسلطة من حزب أو توجه سياسي إلى آخر.

وفى الكويت عادة ما تفرز الانتخابات مجلس أمة قوياً يمارس دوراً رقابياً فعالا، إلا أن تولي ولي العهد منصب رئيس الوزراء وتولي أعضاء الأسرة الحاكمة المناصب البارزة في الحكومة قد عوق حدوث انتقال حقيقي للسلطة حتى الآن. ولهذا ثمة مطالبات بتخلي ولي العهد عن منصب رئيس الوزراء حتى يتسنى للنواب ممارسة دورهم الرقابي الفعال بما في ذلك سحب الثقة من الحكومة.

وفى النظم الرئاسية تعتبر الانتخابات آلية لترسيخ سيطرة الحزب القائد أو المسيطر لاسيما في النظم شبه السلطوية (العراق، سوريا، ليبيا، السودان) وإن كانت آلية الانتخابات تسمح بوجود معارضة لا بأس بها في النظم الجمهورية الأخرى (مصر، تونس، اليمن، الجزائر) إلا أن قدرة المعارضة على الحصول على الأغلبية لم تحدث حتى الآن الأمر الذي عوق الانتخابات عن أن تكون آلية لانتقال السلطة من اتجاه سياسي إلى آخر. وحيث يسيطر رئيس الدولة على حزب الأغلبية يصعب -إن لم يستحل– حدوث تحول أو انتقال سلمي للسلطة من حزب الرئيس إلى حزب آخر.

وفى الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاءات يحصل الرئيس عادة على أغلبية حاسمة حتى إن البعض يرى أن السماح بإجراء انتخابات تعددية –كما حدث في اليمن والجزائر– الغرض منه تجميل الصورة فقط حيث تظل الانتخابات بمثابة استفتاء على شخص الرئيس.

سادساً: الواقع الفعلي ومستقبل انتقال السلطة في النظم العربية

يلاحظ أن جميع النظم العربية حتى الآن لا تعرف الانتقال الحقيقي للسلطة والذي يعني الانتقال السلمي للسلطة من رئيس إلى آخر أو من حزب أغلبية إلى حزب آخر بناء على رغبة المواطنين أصحاب الحق في اختيار من يحكمهم، باستثناء كل من لبنان والمغرب.

وحتى في لبنان ثمة بعض القيود منها أن مجلس النواب هو الذي يقوم باختيار الرئيس وليس المواطن في انتخابات عامة. ومن ثم تلعب المساومات بين الرئيس المرشح والاتجاهات النيابية دوراً مهماً في هذا السياق بالإضافة إلى حصر المنصب في الطائفة المارونية وهو أمر يدعم الطائفية. وبالرغم من تقليص سلطات رئيس الجمهورية بعض الشيء في اتفاق الطائف لصالح رئيس الوزراء، لايزال النظام اللبناني أقرب إلى النظم الرئاسية، ولايزال الرئيس يتمتع بسلطات قوته ومازال قادراً على السيطرة على مجلس النواب وتنصيب من يريد رئيساً للحكومة.

وفى المغرب فرض الملك على حكومة التناوب وزير الداخلية لفترة غير قصيرة، وتمت إقالته بعد ذلك برغبة ملكية. وقد لا تستطيع حكومة اليوسفي الاستمرار لاسيما إذا تفكك الائتلاف الحزبي الحاكم، ومازال الملك صاحب الكلمة الأخيرة في النظام السياسي المغربي.

ويبدو أن معظم الملوك والرؤساء العرب ليسوا مستعدين للتنازل عن السلطة في حالة الملوك أو المنصب في حالة الرؤساء، فالملكية الدستورية تعني أن الملك يملك ولا يحكم أو يمارس السلطة من خلال وزرائه، وهو أمر ليس مطبقاً في النظم العربية بما في ذلك الأردن والمغرب. وفى النظم الجمهورية لا يبدو أن هناك رئيساً على استعداد لترك منصبه نزولاً على رغبة المواطنين، بل إن بعض الرؤساء العرب يرفض إجراء استفتاء أو انتخاب لتجديد رئاسته. إن بعضاً من قادة الانقلاب الأول مازالوا في مواقعهم. وفى حالات أخرى انتقلت السلطة من قائد انقلاب إلى قائد انقلاب لاحق، ويظل الموت هو العامل الوحيد الذي يسمح بانتقال السلطة.

ومن الأمور الخطيرة أن بعض النظم العربية لم تحدد بعد آلية لانتقال السلطة في حالة اختفاء القائد مثلما هو الحال في ليبيا وفي سلطنة عمان. وفى بعض الدول التي حدد الدستور آلية لانتقال السلطة في حال خلو المنصب، لم يتم احترام الدستور بل تم تعديله بسرعة مدهشة ليناسب شخصاً بعينه، الأمر الذي يعني إمكانية عدم احترام الدستور لتعرف النظم العربية توريث المنصب في نظام جمهوري، الأمر الذي جعل البعض يطلق عليها الجمهوريات الملكية.

إن مستقبل انتقال السلطة في النظم السياسية العربية رهن بعدد من العوامل من أهمها ضرورة وجود نص دستوري واضح على آلية لانتقال السلطة يتم احترامها من قبل الجميع، وضرورة وجود تعدد حزبي وسياسي حقيقي يسمح بتنافس سياسي يكون المواطنون هم الحكم والمرجع الأخير فيه، وضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية حقيقية تسمح بالتعبير عن إرادة الناخبين، وضرورة التخلي عن شعارات من قبيل ضرورات المرحلة التاريخية واعتبارات الصراع العربي الإسرائيلي والحفاظ على وحدة الأمة، والتأكيد على أن الشعوب العربية قادرة على اختيار قادتها الأكثر صلاحية وليس لأحد أن يختار لها متذرعاً بعدم الأهلية أو بعدم القدرة على الاختيار.

إن استقرار النظم السياسية العربية رهن بقدرتها على صياغة آلية دستورية تضمن الانتقال السلمي للسلطة في حالة خلو المنصب المحوري في النظام وتسمح بالانتقال السلمي للسلطة بين الاتجاهات المختلفة في النظم الملكية والجمهورية على السواء.
______________
* أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة

المصدر : غير معروف