الانتقال من القول إلى الفعل

بقلم/ الدكتور علي فخرو

ماضي المنتدى
الأسئلة الأساسية
العمل المستقبلي

undefined

بعد مرور 25 سنة على هذا التجمع الفكري/ الثقافي نحتاج إلى وقفة تأمل بشأن ما حقق وما ينبغي أن يحقق، أما تقييم ما تحقق في الماضي فسأتركه لمن هم أقدر مني ومن كانوا أكثر التصاقا بمسيرة هذا المنتدى. وسأركز على المستقبل لأنه أصبح من هواجس الجميع.

نظرة إلى ماضي المنتدى

حتى الآن ارتضى المنتدى لنفسه أن يكون نشاطه فكريا ثقافيا محدودا غرضه تنمية فهم أفضل لقضايا التنمية الشاملة بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والساسية والجيوسياسية، بين أعضائه والمشاركين في لقاءاته ومن هم على صلة ثقافية وفكرية بهم وفي محيط نشاطهم.

في كل عام يكتب عدد من الأعضاء أوراقا تحليلية في سياق مشروع دراسي سنوي بشأن واحد أو أكثر من هموم مجتمعات الخليج العربية لتناقش من قبل الأعضاء في اجتماعهم السنوي ولتنشر مع ملاحظات الأعضاء في كتاب كإضافة فكرية للمكتبة العربية.

من هذا المنطلق فإن منتدانا لا يختلف عن المنتديات الفكرية المماثلة الأخرى، ومن هذا المنطلق أيضا كان عطاؤه ثريا بالغ الجودة في كثير من الأحيان، لكن تأثيره ظل محصورا في دائرة ضيقة من القراء والمتابعين. وبالطبع فإن كل كتاب قد عبر دائما عمن كتبوا موضوعاته وعلقوا عليها وليس عن موقف فكري للمنتدى كشخصية اعتبارية كلية.

وهذا أمر منتظر من جسم يضم أفرادا يختلفون اختلافات جذرية في أفكارهم ومواقفهم بالنسبة لمجمل قضايا الأمة العربية، وإذا كان يمكن أن تجمع بينهم قواسم مشتركة وأهداف فإن منطلقات كل جماعة منهم ليست بالضرورة متطابقة.

وإذن فقد اقتصر نشاط المنتدى على مرحلة الفكر ثم القول والخطاب الخجول. وإذا كان إصدار كتاب سنوي نوعا من الفعل فإنه في الحقيقة يبقى نوعا من فعل القول، أي مقاومة المنكر بالقلب واللسان في أضيق حدودهما. وربما كان ذلك هو الحد الذي يمكن التقاء جماعة أهلية تعمل في العلن بالمنطقة.

الأسئلة الأساسية


المتندى مطالب بوعي الفرق العلمي بين تجمع يمارس الوعظ والإرشاد ومؤسسة مجتمع مدني تسهم في عمليات التغيير والتحولات الكبرى في المجتمعات

قبل الانتقال إلى تفاصيل موضوع الانتقال من القول إلى الفعل دعونا أولا نطرح عددا من الأسئلة التي أعتقد أن الإجابات عليها ستكون مدخلا لنوع ذلك الفعل:

السؤال الأول:

يتعلق بفهمنا نحن أعضاء المنتدى لما تعنيه كلمة مثقف، طالما أننا اعتبرنا هذا المنتدى تجمعا لعدد من المثقفين بالدرجة الأولى، ذلك أن الكثير من الأدبيات تؤكد أنه لكي يعتبر المثقف نفسه مثقفا سيحتاج، إضافة إلى كونه متخصصا أو عالما في أحد حقول المعرفة أو أحد فروعها، أن يتعامل مع حقل تخصصه من خلال اعتبارات حاجات وتطلعات مجتمعه وما يؤدي إلى التقدم والارتقاء الإنساني. وبالإحالة إلى مهمات المثقف جرى تصنيفه إلى تصنيفات، من أبرزها المثقف الملتزم كما حدده الفيلسوف الفرنسي سارتر، والمثقف العضوي كما حدده المفكر الإيطالي غرامشي، والمثقف التاريخي الذي حدده عدد من المفكرين العرب. وفي الواقع سيحتاج المثقف أن يكون فيه بعض من صفات كل من هؤلاء. وهناك من يرى أن صفة المثقف عندما ينسق سلوك الفرد مع معرفته ويعبر فعله عن قوله.

السؤال الثاني:

سينتج بالضرورة عن الإجابة على السؤال الأول، إنه يتعلق بالتعريف الذي سينطبق على أعضاء هذا المنتدى مستقبلا إن لم يكن حاليا، فإذا أصبح حمل هموم المجتمع والالتزام بالعمل لحلها أمرا متفقا عليه فإن انعكاس ذلك على أهداف هذا المنتدى ونشاطاته ونوعية أعضائه يصبح هو الآخر أمرا جديرا بالنقاش.
ولما كانت هموم مجتمعاتنا لا تعد ولا تحصى فمن الضروري الدخول في تفاصيل الأولويات وتقديم الأهم على المهم والتوجه إلى الأصول قبل الفروع والتركيز على المفصليات، وذلك من أجل التوافق على قواسم مشتركة تكون أهدافا للعمل المرحلي مع السعي إلى زيادة مساحة المشترك دون إلغاء حق الاختلاف في الآراء والاجتهادات والمنطلقات والمصالح الفردية ولكل جماعة إثنية أو فئة طبقية.

السؤال الثالث:

يتعلق بما إذا كان من الحكمة أو الضرورة طرح هذه الأسئلة في هذه المرحلة من مسيرة هذا المنتدى، لكنني سأبادر في الحال إلى التأكيد بأن طرحها لا يقصد منه عودة المنتدى إلى المربع الأول، فالمطلوب هو المراجعة والتمحيص والتطوير والتجديد من أجل الانتقال إلى مستويات أعلى وساحات أرحب.

السؤال الرابع والأخير:

يتعلق بوعي الفرق الجوهري العلمي بين تجمع فكري يقتصر عمله على ممارسة الوعظ والإرشاد والبيداغوجية الثقافية ومؤسسة مجتمع مدني فكرية تسهم في الدفع مع الآخرين نحو عمليات التغيير والتحولات الكبرى في المجتمعات التي تعمل فيها. وهذا السؤال له أهميته الخاصة في الفترات الانتقالية للمجتمعات، خاصة عندما تطرح المسائل التعاقدية المجتمعية كالمسائل الدستورية وأنظمة الحكم السياسية وثوابت المجتمع القيمية.

العمل المستقبلي


على المنتدى تشجيع وإقناع كل مؤسسات المجتمع المدني في دول المجلس لإنشاء اتحادات في ما بينها لتهيئة العمل الشعبي المشترك وخلق قواعد دعوة وضغوط مجتمعية لها صوت ووزن تأخذه الأنظمة بعين الاعتبار

في مثل هذه الظروف هناك حاجة ملحة لعلم وفكر وخيال وعمل المثقفين من أجل تحييد جهل وسطحية وأنانية وانتهازية الكثرة من السياسيين. وهو أمر ينطبق أشد الانطباق على المرحلة الانتقالية التي تمر بها كل دول مجلس التعاون.

وبالطبع فإنني لن أجرؤ على المجازفة باقتراح الإجابات، إذ المطلوب عرض الأسئلة لكي يناقشها الأعضاء وتتوصل الأغلبية إلى ما ترضاه من إجابات. ومع ذلك فإلى حين توفر إجابات واضحة ومحددة أعتقد أن المنتدى بحاجة على الأقل للنظر في إضافة مجموعة من النشاطات الجديدة إلى نشاطه الوحيد السابق كخطوة تمهيدية لما سيتمخض عنه المستقبل.

والواقع أن البعض تقدم باقتراحات لتوسيع دائرة نشاط المنتدى، وقد لخص الأخ جاسم خالد السعدون في مقدمة كتاب "انعكاسات الحادي عشر من سبتمبر على منطقة الخليج العربي" بعضا من ذلك في الفقرة التالية "فنشر الأدبيات التي كانت وسيلته (المنتدى) الوحيدة للإعلان عن قلقة في السابق قد يصاحبها دعوة ودعم لإنشاء مؤسسات إقليمية للمجتمع المدني، وقد يصاحبها الانفتاح والتواصل مع الخارج، وقد يصاحبها استخدام أفضل لوسائل ثورة الاتصالات، وقد يصاحبها زيادة معدل اللقاءات ودرجة انفتاحها"، وعليه فإننا نبني على خلفية رغبة لدى الأعضاء تدعو للمراجعة والتطوير. وأقترح النظر في الآتي:

  1. حتى الآن ظلت أفكار المنتدى متداولة في ساحة صغيرة وبين أعداد محدودة من قراء كتابه السنوي، وأعتقد أنه آن الأوان للاتفاق مع مجموعة من المشرفين على بعض البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو صفحات الصحف لتكون منابر لأعضاء المنتدى لطرح أفكاره وتحليلاته وحلوله أمام أكبر عدد من مواطني دول مجلس التعاون، وكتحصيل حاصل أمام مواطني الدول العربية الأخرى. وسيظهر الأعضاء بصفتهم أعضاء في المنتدى وإن عبروا عن آرائهم الشخصية، وليس بصفاتهم الأخرى وسيكون برنامجا طوال العام وليس موسميا. ويمكن للجنة التنفيذية في المنتدى أن تخطط هذه اللقاءات وأن تنسقها مع أجهزة الإعلام وأن تقترح المختصين والمهتمين في كل قضية من قضايا المنطقة من أعضاء المنتدى ومن غيرهم أيضا على معدي تلك البرامج الإعلامية.
  2. قد يرغب الإخوان في أن يعقد المنتدى اجتماعاته السنوية قبل اجتماعات مجلس القمة الخليجي من أجل أن يصدر خطابا سنويا يركز على القضايا المحورية التي واجهتها دول المجلس خلال السنة التي تسبق اجتماعات القمة وعلى آمال وطموحات ومطالب الناس من المؤتمر الذي سينعقد، بحيث يصل إلى مسامع المسؤولين من جهة ويشكل توعية لمؤسسات المجتمع المدني للعمل في نفس الاتجاه.
  3. أعتقد أن المنتدى يجب أن يسعى بشتى الطرق والوسائل المتاحة لتشجيع وإقناع كل مؤسسات المجتمع المدني في دول المجلس لإنشاء اتحادات في ما بينها من أجل التهيئة للعمل الشعبي المشترك في المستقبل والإعداد لخلق قواعد دعوة وضغوط مجتمعية لها صوت ووزن تأخذه الأنظمة بعين الاعتبار في كل ما تتخذه من قرارات.
    وحيث لا توجد مؤسسات أهلية تهتم بنشاط مجتمعي يعتبره المنتدى هاما يسعى الأخير لتكوين مثل تلك المؤسسات على المستوى الوطني وعلى المستوى الإقليمي في مجلس التعاون.
  4. أقترح ان تدرس اللجنة التنفيذية مدى إمكانية انتقال وجود المنتدى إلى المستوى العربي القومي والدولي، فالساحات العربية والدولية تموج بمؤسسات مماثلة له ترغب في التفاعل معه وفي الاستماع إلى ما يقوله، خاصة أن الصوت الغالب كممثل لمجتمعات مجلس التعاون وشعوبه على المستوى الفكري هو صوت المؤسسات الرسمية الخاضعة لتوجيهات سلطات الدول الرسمية. وأعتقد أن لدى المنتدى الكثير مما يستطيع عرضه في قضايا الفكر والسياسة والثقافة عبر المنابر العربية والدولية بأشكالها المختلفة بما فيها المرئية والمسموعة وتجمعات قوى المجتمع المدني العالمي في المناسبات الكبرى.
  5. إن الانتقال من القول إلى الفعل سيعني الانتقال التدريجي من الثقافة إلى السياسة، وسيعني أيضا عملا مستمرا وليس موسميا، في اعتقادي أن ذلك قد يتطلب التفكير في لجان محلية على المستوى الوطني منبثقة عن المنتدى. يضم فعاليات وطنية إلى جانب الأعضاء. وستهتم تلك اللجان بالقضايا الوطنية إضافة لاهتماماتها المشتركة على مستوى مجلس التعاون وعلى المستويين العربي والعالمي.
  6. إذا تحقق كل أو بعض ما سبق فقد يرغب المنتدى في أن يكون داعية أو نواة لتجمع يضم أكبر عدد ممكن من مؤسسات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون. وكخطوة أولى أرى الدعوة لتكوين هيئة تنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني في دول مجلس التعاون التي كونت اتحادات إقليمية بحيث تؤدي إلى تنسيق دائم بين نشاطات كل الاتحادات من جهة، وإلى دعم مطالب بعضها البعض، وإلى حماية استقلالية وحرية وحيوية المجتمع المدني في مجتمعات مجلس التعاون. لكن ذلك التجمع لا يمكن أن يفيد بصورة كبيرة ومؤثرة دون وجود هدف أو أهداف محددة ينتقل لتبنيها ولكي يعمل الجميع من أجل تحقيقها. وفي ظني فإن الهدف الأول ينبغي أن يكون العمل بصور سلمية ديمقراطية لانتقال جميع مجتمعات مجلس التعاون إلى إقامة أنظمة ديمقراطية بكل متطلباتها الأساسية وبحيث تؤدي إلى صعود تدريجي لقوى سياسية جديدة تشارك في الحكم والتشريع والرقابة. وقد يبدو أن مثل هذا النشاط هو قفزة كبرى في بحر السياسة الهائج. ومع ذلك فلا بد من بحثه واتخاذ قرار بشأنه إن عاجلا أو آجلا. ولما كانت وحدة دول مجلس التعاون ستكون تطورا في حياة أهلها وحياة الوطن العربي الكبير فقد تكون إضافة ذلك مما يفضل البعض إضافته كهدف ثان يستحق تجييش مؤسسات المجتمع للدفع نحوه.

إنني أعتقد أن من حق مجتمعاتنا وشعوبنا أن تجني من ثمار علمنا وطاقاتنا أكثر من الذي يعطى حاليا، وهو أمر لن يتحقق إلا بتغيير نمط نشاط المنتدى. وبالطبع فإن كل ما ذكرته لا يتعارض مع موضوع التنمية التي كان هاجس المنتدى منذ قيامه بل يصب في مصلحته، فالتنمية الشاملة ليست سوى عملية حضارية ذات وجه إنساني تتطلب بالضرورة النمو والتطور والتحسن في كل مناحي الحياة، وأولها الحياة السياسية وتوسيع الخيارات وضمان حق مشاركة الملزمين باتخاذ القرارات العامة والمتأثرين بالخيارات العامة في عملية اتخاذها.

واسمحوا لي أن أقول في النتيجة إن هذا الطرح لا يقصد منه في هذه المرحلة إلا أن يكون عصفا فكريا أي تفكيرا جماعيا بصوت مسموع، يشارك فيه الجميع. وأيا تكون الأفكار التي تقود إليها هذه الورقة فإن الأهم هو أن تتحول إلى خطوات فعل ملموسة بدلا من أن تكون حبيسة القلب واللسان وهما أضعف وسائل تغيير الحياة.
_______________
باحث بحريني ووزير سابق

المصدر : الجزيرة