الحروب العربية الإسرائيلية

* بقلم / د. محمد عبد السلام

إستراتيجية واحدة مقابل "إستراتيجيات متعددة"
الحروب النظامية "الخمس" الكبرى
الحروب الصغيرة

إن معظم التحولات التاريخية الكبرى قد حدثت، بدرجة ما، بواسطة استخدام القوة العسكرية فعليا، أو التهديد باستخدامها، وقد حدث ذلك بوضوح في دائرة الصراع العربي-الإسرائيلي، فرغم أن هذا الصراع لم يكن صراعا عسكريا فقط، وإنما كان صراعا شاملا ممتدا، متعدد الأبعاد، تتفاعل في إطاره عقد تاريخية وحساسيات دينية، ونزاعات سياسية واختلافات ثقافية وتوترات مجتمعية ومقاطعة اقتصادية وتحالفات دولية، بأشكال إكراهية مكشوفة، فإن "العنف المسلح" قد مارس دورا مركزيا في تشكيل ملامحه وتطوراته عبر مسيرته الطويلة الممتدة –خلال أكثر من نصف قرن– منذ أواخر الأربعينيات إلى بداية القرن الحالي، دون أن يبدو أن هذا الدور يمكن أن يتقلص على المدى المنظور، خاصة أنه لا يبدو أن ثمة نهاية قريبة له.

لقد شهد الصراع العربي–الإسرائيلي خمس حروب كبرى في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، راح ضحيتها –وفقا لما هو سائد– ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وبلغ مجموع ما أنفق من أطرافه عبرها حوالي 300 مليار دولار، يتضمن ذلك الخسائر المادية الناتجة عن العمليات الحربية (1)، التي أدت نتائجها إلى تغيرات أساسية، تفاوتت من حرب لأخرى في:

  • خطوط الحدود على أطراف الدول
  • وأوضاعها السياسية الداخلية
  • وسياساتها الدفاعية
  • ثم في النهاية خياراتها الإستراتيجية المتصلة بإدارة الصراع. لكن هناك نقطتين أساسيتين:

 


شهد الصراع العربي–الإسرائيلي خمس حروب كبرى في أعوام 1948، و1956، و1967، و1973، و1982، راح ضحيتها –وفقا لما هو سائد– ما يزيد عن 200 ألف قتيل، وبلغ مجموع ما أنفق من أطرافه عبرها حوالي 300 مليار دولار، يتضمن ذلك الخسائر المادية الناتجة عن العمليات الحربية”

الأولى: أن هذه الحروب لا تشكل سوى ما اصطلح على تسميته "الصراعات المسلحة الرئيسية" Major Armed Conflicts، النظامية، بين أطراف الصراع، فالواقع هو أن استخدام القوة المسلحة، بعناصرها المختلفة، لم يتوقف عبر كل فترات الصراع، وبرزت في إطار ذلك أنماط شديدة التعقيد من الصراعات المسلحة. وتبعا لإحدى قواعد البيانات المعروفة للصراعات الدولية، شهدت دائرة الصراع العربي–الإسرائيلي خلال فترة 1945-2000، حوالي 17 حالة صراع عنيف بين إسرائيل والأطراف العربية الخمسة الملاصقة لها (مصر، سوريا، لبنان، الأردن، الفلسطينيين)، بينها –إضافة إلى الحروب المشار إليها– عشر أزمات مسلحة عنيفة كحرب الاستنزاف على الجبهة المصرية (1969-1970)، والانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، إضافة إلى أزمة مسلحة اعتبرتها "قاعدة البيانات" غير عنيفة، وهى دخول إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ثم صراع كامن يرتبط بمشكلة نهر الأردن التي أثارت حالة من التوتر الشديد في المنطقة خلال سنوات متباعدة (2)، يضاف إلى كل ذلك عشرات من العمليات العسكرية المحددة ذات التأثير الإستراتيجي، كقصف إسرائيل للمفاعل العراقى أوزيراك عام 1981، وقصف العراق الصاروخي لإسرائيل عام 1991، ومئات العمليات التي قام بها الفدائيون الفلسطينيون وتنظيمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل. فقد شكل عدد كبير من تلك التفاعلات المسلحة ما يشبه "حروبا صغيرة".

الثانية: أن الحروب الخمس الرئيسية بين العرب وإسرائيل تمثل استخداما فعليا واسع النطاق خلال فترة محددة، قصيرة في العادة، للقوة المسلحة، وكذلك كانت غالبية العمليات العسكرية العنيفة التي تمت الإشارة إليها في النقطة السابقة، في حين كان ثمة شكل هام آخر لاستخدام القوة العسكرية، تمت ممارسته بشكل أسبوعي، وأحيانا يومي، خلال سنوات الصراع، هو "التهديدات العسكرية"، التي كانت تعبر دائما عن وجود "حالة حرب" في المنطقة بصرف النظر عن احتمالات نشوبها فعليا، وقد اكتسبت تلك التهديدات أهميتها مما تثيره من "أجواء حرب" تطرح في إطارها أحيانا احتمالات انفجار عمليات عسكرية، أو الانزلاق إلى حرب في فترة تالية، كما كانت بعض أنماطها تثير حساسية عالية لدى الدول أو الشعوب، كتهديد أفيغدور ليبرمان بقصف السد العالي في مصر (2001)، أو تهديد أرييل شارون بتصفية ياسر عرفات (2001)، والأهم أنها كانت ترتبط في بعض الأحوال بالكشف عن خطط عسكرية (مثل حقل الأشواك) يثبت فيما بعد أنها معتمدة فعليا، أو القيام بتحريك وحدات من القوات، أو إعلان حالات تأهب عسكرى، في اتجاه معين، وكثيرا ما كانت توظف كورقة ضغط في إطار مفاوضات التسوية السلمية بعد عام 1991، مثيرة فكرة أن التسوية السياسية للصراع لن تسفر إلا عن "سلم مسلح".

ولقد أدى وجود هذه الأشكال المختلفة من التفاعلات العسكرية، خاصة في مرحلة ما بعد الحروب النظامية التي بدأت ملامحها تتشكل في منتصف السبعينيات وصولا إلى بداية عملية التسوية السلمية الشاملة خلال التسعينيات، إلى تحول "الحرب" –على مستوى التفكير الإستراتيجي– من مصطلح محدد يرتبط بحالات واحتمالات واضحة إلى مفهوم ضبابي غير محدد لا يفسر وحده ما هو قائم أو محتمل، لذا لجأ كثير من المحللين إلى مفهوم "الصراعات المسلحة" الذي يشير إلى طائفة واسعة من التفاعلات العسكرية تبدأ بمجرد التهديدات العسكرية المستترة، وتنتهي بانفجار الحروب الشاملة. وبقدر ما كان ذلك يعبر عن مشكلة نظرية، كان يعبر كذلك عن معضلة عملية، فقد كان الصراع العربي الإسرائيلي نفسه يمر بتقلصات عنيفة بين سلام لا يبدو ممكنا وحرب لم تعد محتملة، في ظل وجود اتصالات سياسية ومصادمات عسكرية متوازية، تدفع في كل اتجاه.

إستراتيجية واحدة مقابل "إستراتيجيات متعددة"

 


تشير التقييمات السائدة إلى أن الأداء العسكري العربي في جميع الجولات المسلحة النظامية بين العرب وإسرائيل، باستثناء حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كان مترديا إلى درجة أثارت علامات استفهام مزمنة”

كان من الواضح منذ بداية الصراع أن القوة المسلحة سوف تمارس دورا لا يمكن تجنبه في عملية إدارته، فبصرف النظر عما إذا كان من الممكن لقرار تقسيم فلسطين عام 1947 أن يشكل حلا للمشكلة أم لا، كانت رؤية الأطراف المختلفة لما يتم التنازع حوله تركز على أنها ليست مجرد "مصالح إستراتيجية" يمكن الوصول إلى حل وسط بشأنها، وإنما هي "قيم أساسية" لا توجد إمكانية للمساومة عليها، رغم أن بعض المساومات الفرعية قد جرت بالفعل، وشكل ذلك مع الوقت ما أصبح يوصف عربيا وإسرائيليا أيضا بأنه "صراع وجود، وليس صراع حدود" (3)، أي أنه لا يحل –على الأقل من وجهة النظر العربية وقتها– سوى بنهاية أحد أطرافه. لكن بينما كانت الدول العربية تتصور أن بإمكانها أن تقضى على إسرائيل، لم يكن من الممكن أن تتخيل القيادات الإسرائيلية أنها يمكن أن تقضي على الدول العربية، ومن هنا تشكلت الأطر العامة (السياسات العسكرية التي تعرف حاليا بالسياسات الدفاعية) الحاكمة للعقائد والإستراتيجيات العسكرية للجانبين.

ورغم أن تلك النوعية من الصراعات الاجتماعية الممتدة لا تحل باستخدام القوة العسكرية تحديدا، إذ إن ذلك يتطلب اتباع إستراتيجيات إبادة أو تطهير عرقي أو ترحيل جماعي ليس بمقدور أي طرف تحقيقها عمليا، فقد ساد تصور على الجانب العربي بأن الصراع مع إسرائيل "لن يحسمه إلا معركة عسكرية فاصلة" (4)، وسيطر تصور على الجانب الإسرائيلي بأنه –حسب تعبير موشى دايان وزير دفاع إسرائيل الأسبق- "ليست لدى الدول الصغيرة سياسة خارجية، وإنما فقط سياسة أمنية"(5). والمثير أنه وضح في الفترات التالية خلال الخمسينيات والستينيات أن القوة المسلحة تمارس في الإستراتيجية الإسرائيلية (الدفاعية شكليا) دورا أكبر بكثير مما تمارس عمليا في الإستراتيجيات العربية (الهجومية نظريا)، رغم ما كان يفترض أنه العكس تبعا للخطاب الرسمي المعلن للطرفين.

لقد بنت إسرائيل عقيدتها الدفاعية على أساس قراءة أمنية متطرفة لبيئتها الإستراتيجية وخصائصها القومية، وذلك على النحو التالي:

1– انعكاسات البيئة الإستراتيجية:
فقد استندت الرؤية الإسرائيلية على أن إسرائيل دولة صغيرة وسط عالم عربي كبير يهدف إلى تدميرها، وبالتالي فإن قضية الأمن بالنسبة لها ليست مسألة فقدان سيادة بل إنها تهديد للبقاء "من الناحية الفيزيائية" وبالتالي فإن عليها –حسب تعبيرات إيجال آلون– أن تستعد لأسوأ حالة متصورة، وهى هجوم عربي شامل تشنه عدة دول عربية ضدها من جهات مختلفة (6)، وقد أدى ذلك إلى اعتماد مبدأين في السياسة العسكرية الإسرائيلية، هما:

الأول: أن تتعامل مع الدول العربية على أساس قدراتها وليس على أساس نواياها، في ظل وجود احتمالات دائمة للتنسيق فيما بينها.

الثاني: أن تمتلك قوة عسكرية تتفوق على مجموع عناصر القوة المسلحة للدول العربية التي يمكنها أن توحد قواتها وتنسق فيما بينها، والهدف هو ردع الدول العربية بمنعها من شن هجوم كبير، وإذا ما اندلعت الحرب يتسنى لها كسبها.

2- انعكاسات الخصائص القومية:
وقد عكست تلك الخصائص نفسها على الإستراتيجية العسكرية مباشرة، فتبعا للتحليل الإسرائيلي، تتمثل أهم خصائص إسرائيل في محدودية مساحتها، وتقلص أبعادها الجغرافية، وبالتالي افتقادها إلى العمق الإستراتيجي، وهو ما يعني أن هزيمتها في حرب تعني –حسب تعبيرات زئيف شيف– نهايتها كأمة (7). فهي غير قادرة على تحمل نتائج هزيمة عسكرية كبيرة، ودفع ذلك باتجاه رفض مبدئي لاتباع إستراتيجية دفاعية بحتة تسمح للطرف الآخر باختيار زمان ومكان المعركة، واتباع إستراتيجية ذات مفهوم هجومي حتى لو كان المبدأ المسيطر فيها هو الردع أو الدفاع، وأدى تحليل خصائص قومية أخرى كقلة عدد السكان وتركزهم في مناطق ضيقة، وضعف الوضع الاقتصادي في ظل أوضاع التعبئة الكاملة، إلى إفراز نظريات عسكرية فرعية كنقل المعركة إلى أرض الخصم لتجنب الخسائر البشرية، واتباع سياسات التصعيد العسكري لتجنب خوض معركة طويلة تؤدي إلى استنزاف القدرات.

ورغم ما يبدو من أن تلك النظريات المشار إليها تعبر عن إسقاطات حتمية لضرورات إستراتيجية، فإن كثيرا منها –حتى ما يبدو منطقيا للغاية– يستند إلى رؤية سياسية من زاوية ضيقة لملمح من ملامح البيئة الإستراتيجية أو الخصائص القومية، أو يستند على أسس نفسية تتصل بعقدة الأمن في التاريخ اليهودي، كما أنها ظلت تمثل موجهات لإستراتيجية إسرائيل العسكرية، حتى بعد انتهاء الأسس التي أفرزتها، فلم تكن إسرائيل مضطرة إلى المشاركة في حرب السويس عام 1956، وكان هناك من حاولوا في إسرائيل قراءة "البيئة الإستراتيجية" بصورة مختلفة على نحو أدى إلى بدء اتصالات مع مصر عام 1955، كما فعل موشى شاريت رئيس وزراء إسرائيل الثاني، قبل أن تفسد "مجموعة بن غوريون" في وزارة الدفاع ذلك. ورغم أن إسرائيل حصلت على "حدود قابلة للدفاع عنها خلال حرب يونيو1967″، إلا أن بعض المبادئ الهجومية لإستراتيجيتها ظلت على ما هي عليه، وحاولت بعض قياداتها العسكرية، كأرييل شارون، استخدام القوة العسكرية لأهداف "الإجبار"، البعيدة تماما عن الدفاع أو الردع، في لبنان عام 1982.

 


لم يحدث أن خاض المقاتل العربي معركة ضد المقاتل الإسرائيلي في ظل أي مستوى من التفوق، أو حتى التعادل الكمي، على مستوى القوات أو الأسلحة، سوى بشكل مؤقت في حرب 1973، التي حقق خلالها انتصارا، قبل أن يؤدي عودة التفوق العسكري الإسرائيلي، عبر دعم تسليحي أميركي فوري، إلى تحجيم مدى الانتصار”

لقد كان العنوان العريض لإستراتيجية إسرائيل العسكرية قبل عام 1967 هو "الأسباب المبررة للحرب"، الذي يقوم على تحديد الخطوط الحمراء التي يمثل تجاوزها مبررا يؤدي إلى قيام إسرائيل بشن حرب (وقائية) دون انتظارها، ولقد أدى احتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 إلى تحول تلك الإستراتيجية إلى مبدأ رئيسي هو "الحدود القابلة للدفاع" الذي يرتبط بإمكانية اتباع إستراتيجية ردعية/ دفاعية معتادة، بحد أدنى من مبادئ الهجوم. لكن في أواخر السبعينيات أدت بداية عملية التسوية المصرية– الإسرائيلية، بما تتضمنه من استعادة مصر لسيناء، والتوترات المسلحة في جنوب لبنان بين عناصر المقاومة الفلسطينية وإسرائيل إلى عودة التفكير –في ظل ضغط من جانب شارون- بمنطق
"الأسباب المبررة للحرب"، مع اندفاع شديد باتجاه استخدام القوة المسلحة لتحقيق أهداف سياسية وليس دفاعية، كما أوضحت حرب لبنان عام 1982، التي أدت تداعياتها إلى انهيار الصيغة التقليدية لإستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية (8)، وظهور أفكار حول بناء إستراتيجية عسكرية تقليدية معدلة، أو الانتقال إلى الإستراتيجية النووية.

ولم يكن النقاش حول إستراتيجية إسرائيل العسكرية قد حسم حتى أوائل التسعينيات عندما بدأت عملية التسوية الشاملة للصراع العربي – الإسرائيلي عام 1991، في أعقاب نهاية حرب الخليج (1991)، على نحو أدى إلى ارتباكات جديدة، بفعل انتشار صواريخ أرض – أرض البالستية، وأسلحة التدمير الشامل غير النووية في المنطقة، بالتوازى مع احتدام عمليات "حرب العصابات" التي اتبعها حزب الله في جنوب لبنان، والعنف المسلح من جانب تنظيمات المعارضة الفلسطينية الإسلامية، كحركة حماس والجهاد الإسلامي، داخل إسرائيل.

وقد أفضى النقاش حول إستراتيجية إسرائيل العسكرية عام 2000 إلى الأفكار الخاصة ببناء "جيش صغير ذكي" قادر على الفعل ورد الفعل السريع تجاه التهديدات غير المحددة، وغير المتوقعة لأمن الدولة، تلحق به برامج عسكرية متطورة لإنتاج نظم تسليحية حديثة، كبرنامج حيتس للدفاع ضد الصواريخ البالستية، مع تطوير مهام الجيش للتعامل مع ما أصبح يسمى التهديدات الموجهة ضد "الأمن الشخصي" للإسرائيليين، ويتم كل ذلك عبر مستويات مرتفعة من التكلفة المالية، ودرجات عالية من عدم اليقين بشأن النتائج العملياتية.

 


لا يوجد لدى العرب ما يمكن أن يسمى "إستراتيجية عسكرية عربية"، فالإشارة إلى القدرات العربية لا تعدو أن تكون مجرد مسألة افتراضية، إذ إن لكل دولة عربية جيشا منفصلا، ولكل منها عقيدة عسكرية خاصة، مع ضعف شديد في قدرات النقل الإستراتيجي بين الدول، وبالطبع عدم وجود قيادة موحدة،”

على الجانب العربي، كانت هناك دائما مشكلة، فلا يوجد في واقع الأمر ما يمكن أن يسمى "إستراتيجية عسكرية عربية"، فالإشارة إلى القدرات العربية لا تعدو أن تكون مجرد مسألة افتراضية، إذ إن لكل دولة عربية جيشا منفصلا، ولكل منها عقيدة عسكرية خاصة، مع ضعف شديد في قدرات النقل الإستراتيجي بين الدول، وبالطبع عدم وجود قيادة موحدة، فما تمت إقامته في إطار جامعة الدول العربية من هياكل للعمل العربي المشترك، لم يكن سوى كيانات "على الورق"، الأهم من ذلك، كما يذكر لواء عدلي سعيد، أنه كانت لكل دولة مصالحها الوطنية التي تحرص عليها بالدرجة الأولى (9). وكانت الأهداف المشتركة عامة، وغير محددة المعالم، وكأنها لم توضع للتطبيق. فقد كان هناك هدف عربي معلن بعد عام 1948 هو تحرير فلسطين، بينما لم تكن أي دولة عربية تعد قواتها لتحقيق هذا الهدف، فالخطاب السياسي الرسمي شيء والواقع شيء آخر مختلف.

لقد كانت الإستراتيجيات العسكرية الوطنية لدول المواجهة العربية مع إسرائيل هي الأساس العملي الذي يعمل طوال الوقت، في ظل اختلالات مختلفة. فبينما كانت الدول العربية تتبنى رسميا في مرحلة 1948-1967 هدف تحرير فلسطين، واستخدام القوة المسلحة أداة رئيسية، كان الوضع على الأرض يشير إلى ما يلي:

  1. ضعف شديد في القوة العسكرية لدول المواجهة الثلاث الرئيسية مقارنة بإسرائيل، فلم تكن قوات تلك الدول (مصر، سوريا، الأردن) قادرة على تحقيق أي أهداف إيجابية إزاء إسرائيل، من خلال التهديد أو الهجوم، لأسباب تتعلق بضعف إمكانياتها، والاهتمام بأمن النظم، وتدخل الجيش في السياسة، كما أن الحليف الدولي التقليدي للطرف العربي (وهو الاتحاد السوفياتي) لم يكن على استعداد لتزويد الجيوش العربية بأي أسلحة تتيح لها بناء قوة هجومية، والأهم –كما وضح من نتائج حرب 1967– أنها لم تتمكن أيضا من بناء قوة دفاعية ذات أهمية.
  2. إستراتيجيات دفاعية على جبهات المواجهة الثلاث، فقد تبنت الدول الثلاث في واقع الأمر إستراتيجيات دفاعية، وتبعا لما يذكر المشير محمد عبد الغني الجمسي "في الجبهتين الأردنية والسورية (عام 1967) كانت فكرة الخطط فيهما دفاعية، دون تخطيط مسبق للتعاون بينهما أو للتعاون مع الجبهة المصرية
    (10)، وهو الوضع نفسه على الجبهة المصرية، فحتى عندما عقدت اتفاقية التعاون المصري السوري عام 1966، لم يتخط التخطيط العسكري نمط الدفاع، فقد كانت معظم الخطط دفاعية وقائية، ولم تنفذ حينما جاء الوقت لتحقيقها.

ولقد أدت حرب يونيو/ حزيران 1967 إلى تحولات جوهرية في الإستراتيجيات العسكرية العربية، فقد تبددت التوجهات المعلنة الخاصة بشن حرب شاملة على إسرائيل في ظل أهداف واقعية تتصل بتحرير الأراضي التي احتلت عام 1967، بالتوازي مع تحول حقيقي من جانب مصر وسوريا باتجاه التخلي عن الخطط الدفاعية، وتبني مبدأ "الهجوم المحدود"، الذي عبرت عنه حرب أكتوبر 1973، بينما كانت فيه الأردن قد التزمت بمبدأ الدفاع منذ نهاية حرب يونيو/ حزيران 1967. وبعد الحرب (1973) عادت المفاهيم الرئيسية المصرية والسورية مرة أخرى إلى "الدفاع" بأشكال معدلة، واتجهت مصر إلى استخدام الأدوات السياسية لاستعادة بقية أرض سيناء، بينما اتجهت سوريا بالمحاولة لتحقيق "توازن إستراتيجي" يتيح لها استعادة الجولان بالقوة العسكرية.

وفي المراحل التالية التي بدأت خلالها عملية التسوية السلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، بدأت التصريحات الرسمية تشدد على أن تلك الدول تتبع إستراتيجيات ردعية – دفاعية، في ظل تحولها في اتجاه تبني السلام خيارا إستراتيجيا، إلا أن تقديرات مختلفة تشير إلى أنها لا تزال قائمة أساسا على الدفاع، وأنها تحاول التحول من الدفاع إلى الردع، في ظل تحديات خطرة يفرضها ميزان القوة العسكرية بين إسرائيل وتلك الدول، بالتوازي مع التوجسات المستمرة إزاء احتمالات الانزلاق إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط.

الحروب النظامية "الخمس" الكبرى

 


تقديرات إسرائيل لحجم الخسائر البشرية التي تكبدتها خلال "الاشتباكات المتفرقة" في الحروب النظامية، وفي مرحلة ما بعد نهايتها، حتى أوائل عام 1999 تصل إلى 7824 قتيلا، من إجمالي 20532 قتيلا تكبدتها في كل الصراعات المسلحة، كما تعرض العرب كذلك لضربات مأساوية.”

في هذا الإطار، لا بد من التمييز بين نمطين رئيسيين من الحروب النظامية التقليدية الأول هو الحروب الشاملة، التي تحارب فيها أطرافها بكل قواتها مستخدمة كل ما لديها من أسلحة حديثة، ذات قدرات تدميرية عالية، وتدور على مساحات يمكن أن تشمل جميع أراضى أطرافها تقريبا، في إطار أهداف سياسية كبرى، كفرض الاستسلام غير المشروط على الطرف الآخر عبر تدمير قدراته وقواته، أو التهديد بذلك. والثاني هو الحروب المحدودة، التي تمثل صورة متطورة من الصراعات المسلحة التي تستخدم فيها الدول بعض قدراتها العسكرية، على ساحة عمليات محددة، مع استبعاد أنماط معينة من العمليات الإستراتيجية ولا تهدف تلك الحروب عادة إلى تدمير قدرات أو قوات الطرف الآخر، أو إجباره على الاستسلام، وإنما تحقيق أهداف سياسية أو عسكرية محدودة.

وقد شهد الصراع العربي – الإسرائيلي (كما سبقت الإشارة) خمس حروب نظامية هي:

1– حرب 1948:
التي تعرف على الجانب العربي باسم حرب فلسطين، أو "النكبة"، وتطلق عليها إسرائيل "حرب الاستقلال". وقد نشبت تلك الحرب عقب إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو/ أيار 1948، حيث قامت قوات من خمس دول عربية، هي مصر وسوريا والأردن ولبنان والعراق بدخول "إسرائيل" لمنع قيامها على أرض فلسطين، واستمرت العمليات العسكرية حتى يناير/ كانون الثاني 1949، حين وضح أن القوات الإسرائيلية قد سيطرت على مسرح العمليات، وأدت الحرب عمليا إلى تأكيد تقسيم فلسطين، وخروج أكثر من 400 ألف فلسطيني من ديارهم ليتحولوا إلى لاجئين، وليبدأ الصراع العربي–الإسرائيلي بشكله الحالى فى الانطلاق.

2 – حرب 1956:
التي تعرف دوليا باسم "حرب السويس"، وتسمى في الثلاثي"العدوان الثلاثى"، فقد كان الرئيس جمال عبد الناصر قد قام بتأميم قناة السويس، إثر رفض البنك الدولي
–بإيعاز أميركي– تقديم قرض لمصر لبناء السد العالي مما أدى إلى قيام كل من فرنسا وإنجلترا بالتنسيق مع إسرائيل، بشن هجوم شامل على مصر بدأ في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، بدخول القوات الإسرائيلية إلى سيناء، وهو ما اعتبرته فرنسا وإنجلترا ( وفقا للسيناريو المرسوم مسبقا) ذريعة للتدخل في منطقة القناة، ورغم انسحاب القوات المصرية من سيناء، فإن الضغط الدولي السوفياتي والأميركي) والمقاومة المصرية، قد أدت إلى إنهاء العمليات في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، وانسحاب إسرائيل عام 1957 من سيناء.

3 – حرب 1967:
وتعرف في الفكر العربي باسم النكسة، بينما تطلق عليها إسرائيل والكتابات الدولية "حرب الأيام الستة"، وقد مثلت هذه الحرب كارثة متعددة الأبعاد، لم تمح آثارها كاملة من الذاكرة العربية حتى الآن، حيث تعرضت جيوش ثلاث دول عربية لهزيمة ساحقة من جانب القوات الإسرائيلية، خلال أيام 5-10 يونيو/ حزيران 1967، واحتلت إسرائيل خلالها شبه جزيرة سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، والضفة الغربية وقطاع غزة الفلسطينيين، إضافة إلى القدس الشرقية التي كانت القوات الأردنية تسيطر عليها، ولا تزال نتائج تلك الحرب، تمثل العقبة الرئيسية أمام التسوية السلمية للصراع.

4 – حرب 1973:

undefinedوتعرف باسم حرب السادس من أكتوبر (أو العاشر من رمضان) عربيا، بينما تطلق عليها إسرائيل "حرب يوم كيبور" (أو عيد الغفران)، فقد قامت القوات المصرية والسورية في إطار خطة عسكرية مشتركة، بشن هجوم مفاجئ تاريخي ضد القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان، تحطمت على إثره خطوط الدفاع الأولى الإسرائيلية تماما، وبينما تمكنت القوات المصرية من تثبيت مواقعها على مسافة 15-20 كلم شرق قناة السويس، تراجعت القوات السورية إلى خطوط 5 أكتوبر/ تشرين الأول مرة أخرى، ثم تداخلت أوضاع القوات بصورة درامية على الجبهة المصرية أيضا في ما عرف باسم الثغرة، قبل أن يتوقف إطلاق النار يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول، وتبدأ في أعقاب الحرب مفاوضات لفض الاشتباك الذي تم فعلياً في بداية عام 1974.

5 – حرب 1982:
وتعرف باسم حرب لبنان، أو غزو لبنان، ورغم أن بعض المصادر لا تعتبرها "صراعا مسلحا رئيسيا" مثل الصراعات السابقة، إلا أنه كانت واحدة من التطورات الحادة المعقدة في مسار الصراع العربي الإسرائيلي فقد قامت القوات الإسرائيلية بغزو لبنان لتدمير قواعد منظمة التحرير الفلسطينية، وتقدمت لتحاصر القطاع الإسلامي من بيروت لمدة عشرة أسابيع، قبل أن تنسحب بعد التوصل إلى اتفاق بشأن خروج "القوات الفلسطينية" من لبنان، وكانت أهم نتائجها قيام إسرائيل بتوسيع "الشريط الحدودي" الذي كانت قد احتلته في جنوب لبنان عام 1978، وارتكاب قوات الكتائب اللبنانية تحت حمايتها –أي القوات الإسرائيلية- مذبحة صبرا وشاتيلا، وتعرض الجيش الإسرائيلي الذي كان أرييل شارون يقوده لهزة عنيفة.

وتشير الملامح العامة لتلك الحروب إلى أن حربا واحدة منها بالمعايير الأكاديمية كانت شاملة، على الأقل في مسرح عملياتها وأهدافها السياسية، هي حرب 1948، بينما كانت الحروب الأربع التالية لها محدودة، وخاصة حرب 1956، وحرب 1973. لكن المسألة أعقد من ذلك، فرغم أن حرب 1967، وحرب 1982 لم تشهدا قتالا نظاميا حقيقيا، في ظل التقهقر السريع للقوات العربية، وعدم وجود قوات نظامية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في لبنان، فإن النتائج التي ترتبت على الأولى جعلت منها أشبه بحرب شاملة، صحيح أنها جرت في مناطق الحدود، وتعرضت خلالها القواعد العسكرية فقط داخل الدول العربية لهجمات إسرائيلية، إلا أنها أدت إلى هزة عميقة داخل المؤسسات العسكرية ومؤسسات الحكم والرأي العام العربي، كما شهدت حرب 1982 قيام إسرائيل لأول مرة بمحاصرة عاصمة عربية، مع محاولة تشكيل هيكل نظام الحكم فيها وفق توجهاتها.

ومع ذلك، فإن جميع تلك الحروب تقريبا قد أفرزت نتائج إستراتيجية تشكلت وفقا لها خرائط وتوجهات جديدة:



  • الإطار السياسي المحيط بعلاقات الدول لا يزال يتضمن عناصر تترك المجال لخيار الحرب، ورغم أنها لا يمكن أن تدفع وحدها باتجاه انفجارها، إلا أنها يمكن، في ظل وجود تلك الأنماط المعقدة وغير القابلة للسيطرة عليها تماما من التفاعلات العسكرية، أن "تسهل" الانزلاق باتجاه مثل هذه الحرب.”

    إذ ترتب على حرب 1948 قيام إسرائيل، واتخاذ المشكلة الفلسطينية طابعا معقدا لم تنته آثاره حتى اليوم، خاصة بالنسبة لمسألة الاعتراف بإسرائيل، ومشكلة اللاجئين، واستمرار وجود تيار راديكالي عربي (قومي وإسلامي)، يسانده شعور قوي لدى الرأي العام، يطالب بقيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين التاريخية.

  • وأدت حرب 1967 إلى اتساع نطاق الصراع العربي– الإسرائيلي ليشمل عدة دول عربية أخرى احتلت أراضيها، مع تحول جوهري في التصورات العربية لإدارة الصراع من الاستناد على "القوة العسكرية" أداة وحيدة إلى النظر إلى إمكانية تسوية الصراع سياسيا، وأدت حرب 1973 إلى صدمة عسكرية غير مسبوقة داخل إسرائيل، مارست تأثيرها على نظرية أمنها، وتوجهاتها السياسية، وثقتها التي كانت مفرطة بقوتها.
  • وكانت لحربي 1956، و1982 آثار محددة ذات أهمية خاصة، فلم يدرك قطاع واسع من الرأي العام العربي لفترة طويلة أن إسرائيل لم تنسحب من سيناء عام 1957 إلا مقابل ترتيبات أمنية في شرم الشيخ وخليج العقبة ومناطق الحدود. كما أوضحت حرب 1982 أن لبنان، التي كانت تمثل الحلقة العربية الضعيفة عسكريا في دول الطوق، تشكل أعقد مصادر إرباك أمن إسرائيل، وإظهار حدود قوتها العسكرية، وهو ما وضح تماما في السنوات التالية للحرب، فقد بلغ حجم الخسائر البشرية الإسرائيلية في سنوات 1982-1985 فقط على هذه الساحة 1216 قتيلا.

في هذا السياق، تشير التقييمات السائدة إلى أن الأداء العسكري العربي في جميع الجولات المسلحة النظامية بين العرب وإسرائيل، باستثناء حرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كان مترديا إلى درجة أثارت علامات استفهام مزمنة، إلا أن تحليلات ووثائق نشرت في فترات مختلفة تالية، أظهرت بعض المفاجآت، فرغم كل ما طرح حول تفوق القدرات الشاملة العربية بصورة لا مجال للمقارنة معها على مثيلاتها في إسرائيل، ومعادلة التفوق الكمي العربي مقابل التفوق الكيفي الإسرائيلي، أو ضحت دراسة مثيرة للواء حسن البدري نشرت عام 1979، أن القيادة الإستراتيجية الإسرائيلية قد نجحت خلال حروب 1948، و1956، و1967، في أن تعبئ وتحشد قوات أكبر (كميا) من القوات العربية الموجودة عمليا في جبهات القتال محققة بذلك تفوقا مطلقا من حيث الحجم الإجمالي، فضلا عن التفوق النسبي الذي كانت تحققه في النقاط الحاسمة، على حين فشلت الجيوش العربية في حشد قوات تفوق أو تعادل القوات الإسرائيلية بصورة مطلقة أو نسبية (11).

كما أوضحت معظم الدراسات أن الإمدادات السوفياتية للدول العربية بالسلاح كانت تبقى دائما في مستوى يمكن للعرب من موازاة إسرائيل (بالكاد) دون التفوق عليها (12)، فلم يحدث أن خاض المقاتل العربي معركة ضد المقاتل الإسرائيلي في ظل أي مستوى من التفوق، أو حتى التعادل الكمي، على مستوى القوات أو الأسلحة، سوى بشكل مؤقت في حرب 1973، التي حقق خلالها انتصارا، قبل أن يؤدي عودة التفوق العسكري الإسرائيلي، عبر دعم تسليحي أميركي فوري، إلى تحجيم مدى الانتصار.

لكن بالتوازي مع ذلك، فإن ما نشر من وثائق إسرائيلية خلال عام 2000 حول وقائع حرب 1967 التي تعد رمزا لانتصار إسرائيلي نموذجي، يشير إلى أن حجم الانتصار الإسرائيلي لم يكن يرتبط بكفاءة التخطيط العسكري أو إدارة العمليات الحربية من جانب القيادات الإسرائيلية، رغم أهمية هذا العامل، بقدر ما كان يرتبط بتلك الانهيارات السريعة الكاملة التي تعرضت لها الجيوش العربية. فلم تكن خطة العمليات الإسرائيلية في تلك الحرب تتضمن احتلال كل سيناء بل التوقف فقط عند الممرات، أو احتلال الضفة الغربية، وإنما فقط القدس الشرقية، ولم تكن هناك عمليات عسكرية مقررة في خطة الهجوم على سوريا، إلا أن حالة الانهيار العسكري، والانسحاب دون مقاومة، قد دفع موشي دايان وزير دفاع إسرائيل إلى اتخاذ قرارات منفردة بإطلاق العنان للقوات الإسرائيلية، فإغراء الأراضي المفتوحة هو الذي أدى إلى تلك النتائج (13)، وهى مشكلة قيادات، وليست مشكلة قوات، أو حتى توازنات عسكرية، ويكفي لتوضيح الصورة ما أشار إليه الفريق محمد فوزي وزير الحربية المصري الأسبق، من أنه "حتى بدء القتال مع إسرائيل في 5/6/1967م، لم تكن القوات المسلحة (المصرية) قيادة موحدة" (14)، فلم تكن هذه الجيوش مستعدة أصلا لخوض حرب دفاعية.

وتظل بعد ذلك نقطة أساسية، فرغم كل تلك الإنجازات الإسرائيلية على المستوى العسكري، يظل ثمت مجال للنقاش حول حدود ما حققته نتائج سياسة القوة الإسرائيلية على الصعيد السياسي، فمن المؤكد -كما كان بن غوريون يأمل في سنوات الصراع الأولى- أن امتلاك إسرائيل واستخدامها لعناصر قوتها العسكرية قد أدى إلى القضاء على أي تصور عربي عقلاني لإمكانية "إزالة" إسرائيل بالقوة العسكرية، خاصة في وجود "الأسلحة النووية" التي تفرض حقائق صلبة، فحتى تحقيق التوازن معها لن يؤدي إلى عودة مثل هذه الأفكار القديمة.

وربما أدت نهاية أفكار الإزالة، وتعرض الجيوش العربية لانكسارات متتالية إلى الدفع باتجاه تبلور أفكار التعايش مع إسرائيل لدى الحكومات العربية. لكن التسويات التي تمت مع إسرائيل من جانب مصر والأردن وانسحاب إسرائيل من جانب واحد، دون تفاوض، من جنوب لبنان، وموقف سوريا الثابت إلى درجة التصلب إزاء استعادة الجولان حتى آخر متر فيها، تشير بوضوح إلى أن اختلال الموازين العسكرية، والنتائج القاسية للحروب لم تؤد إلى قبول الدول العربية شروط إسرائيل للسلام معها، بل إن النتائج التي أسفرت عنها بعض المواجهات المسلحة العربية – الإسرائيلية، لصالح العرب والتي ينظر إليها أحيانا على أنها محدودة، قد مارست تأثيرات جوهرية في السلوك الإسرائيلي كما حدث في حرب 1973، وفي تلك الصراعات منخفضة الحدة التي لم تتوقف أبدا.

الحروب الصغيرة

 


أجواء الحرب في المنطقة كثيرا ما كانت توظف كورقة ضغط في إطار مفاوضات التسوية السلمية بعد عام 1991، مثيرة فكرة أن التسوية السياسية للصراع لن تسفر إلا عن "سلم مسلح".”

لم تقتصر "الصراعات المسلحة" عبر مسيرة الصراع العربي – الإسرائيلي (كما تمت الإشارة) إلى تلك الحروب النظامية الكبرى التي حددت المسار العام للصراع، وإنما تضمنت أنماطا متعددة بحجم يصعب حصره أحيانا لتفاعلات عسكرية عنيفة، ربما لم يخل منها أسبوع واحد منذ بداية الصراع. وتتراوح تلك التفاعلات بين عمليات عسكرية ذات أبعاد إستراتيجية، وصدامات مسلحة شبه عسكرية، وأعمال عنف مسلح منظم، كقصف إسرائيل لمفاعل أوزيراك العراقي عام 1980، وعمليات حزب الله في جنوب لبنان خلال التسعينيات، والانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987) والثانية (2000)، وبين التسللات المحدودة عبر الحدود كما كان يجري على الحدود الأردنية– الإسرائيلية لسنوات طويلة، واشتباكات الشوارع المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مرورا بأعمال عنيفة ذات طابع خاص، كاختطاف بعض المنظمات الفلسطينية للطائرات في السبعينيات واغتيال إسرائيل "أبو جهاد" عام
1989، وارتكاب مذابح صبرا وشاتيلا عام 1982، وعمليات "حماس" ضد إسرائيل عامي 1996، و2001، وهو ما شكل بمجمله حالة حرب لا تحكمها قواعد محددة بين العرب وإسرائيل.

إن ملامح "حالة الحرب"، وما أفرزته من تفاعلات عنيفة بين العرب وإسرائيل تتسم بالتعقيد الشديد، فلم تقتصر أطرافها على الدول بقواتها المسلحة، وإنما امتدت لتشمل منظمات سياسية ذات أجنحة عسكرية، وأجهزة استخبارات عامة وعسكرية، وقطاعات معينة من الشعوب كالجماعات المتشددة، وحلفاء خارجيين في ظل أعمال تنسيق أو تبادل خدمات، إضافة إلى مواطنين عاديين. كما أنها لم تستند إلى موازين القوة العسكرية التقليدية، ولا تؤثر فيها عادة الموازين العسكرية الإستراتيجية (النووية مثلا)، لذا كانت الأفعال وردود الأفعال فيها، والنتائج التي تتحقق عبرها، أكثر توازنا مما كان قائما في إطار الحروب النظامية.

يضاف إلى ذلك أنها كانت أيضا شديدة الإيلام للطرفين في كثير من الأحيان، بفعل ارتباطها بأبعاد خاصة، لا سيما أنها لم تقل ضراوة عن الحروب النظامية، فتقديرات إسرائيل لحجم الخسائر البشرية التي تكبدتها خلال "الاشتباكات المتفرقة" في الحروب النظامية، وفي مرحلة ما بعد نهايتها، حتى أوائل عام 1999 تصل إلى 7824 قتيلا، من إجمالي 20532 قتيلا تكبدتها في كل الصراعات المسلحة، كما تعرض العرب كذلك لضربات مأساوية.

الأهم من ذلك تحليليا، أن تلك "الحروب الصغيرة" لم تكن ترتبط على الإطلاق بطبيعة المراحل التي يمر بها الصراع، بحكم استنادها على الطبيعة الاجتماعية الممتدة للصراع، والتي لا تتأثر كثيرا بالخيارات الإستراتيجية لأطرافه الرسمية، بل على العكس، فإنها قد تنشط لإعادة الصراع مرة أخرى إلى "نمط التفاعل المعتاد" وهو حالة الحرب. ويبدو أن الحروب الصغيرة قد تمكنت من أن تدفع في هذا الاتجاه، بإعادة الصراع، خلال عام 2001، إلى "المربع رقم واحد" مرة أخرى. فرغم مرور ما يزيد عن عشر سنوات على بداية عملية التسوية السلمية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي عام 1991، لا تزال المنطقة اقرب إلى "حالة الحرب" منها إلى "حالة السلم"، خاصة أن الإطار السياسي لعلاقات الدول، والذي يفترض أنه "الموجه" للتفكير والتعامل مع التفاعلات المسلحة القائمة والمحتملة، لا يزال يتسم بالتركيب الشديد، فلم تحسم الدول خياراتها الإستراتيجية، بحيث تتحرك باتجاه محدد، بشكل نهائي، وأحيانا لا تتيح لها الأطراف المناوئة أن تفعل ذلك، مما أدى إلى استمرار "أجواء الحرب" في المنطقة. وتتمثل بعض مؤشرات ذلك فيما يلي:

  1. أن الوضع القانوني لعلاقات إسرائيل مع كل من سوريا ولبنان لا يزال رسميا هو "حالة الحرب"، إضافة إلى علاقاتها مع الدول العربية الأخرى عموما، خاصة العراق، إلا أنها حرب ساكنة محكومة باتفاقات هدنة تتضمن مناطق عازلة أو وقف إطلاق نار. وقد أثبتت هذه الهدنة فعالية عالية في الحالة السورية الإسرائيلية، إلا أن الاحتكاكات المسلحة بين الطرفين قد انتقلت إلى جنوب لبنان، وتبدل وقف القتال النظامي المفهوم في جنوب لبنان إلى "عمليات خاصة" بين حزب الله وإسرائيل. وألقت هذه الأوضاع بتأثيراتها الحادة أحيانا على أشكال العلاقات العربية – الإسرائيلية الأخرى التي تحولت إلى علاقات سلمية انتهت فيها حالة الحرب في إطار معاهدة سلام، كعلاقات كل من مصر (1979)، والأردن (1994) بإسرائيل. بفعل الضغوط المستمرة على البلدين لتجميد علاقاتهما السلمية بإسرائيل، أو حتى وقفها، في إطار المواقف العربية المشتركة، مع وجود "تساؤلات" مستمرة داخل البلدين الأخيرين، حول مواقفهما أو أوضاعهما في حالة انفجار قتال مسلح واسع النطاق إسرائيلي – سوري، أو إسرائيلي – فلسطيني". فحالة الحرب ليست مجرد وصف قانوني
  2. أن التفكير شبه الرسمي السائد بشأن "خيار السلام"، ضمن "الخيارات الإستراتيجية" يحمل جوانب معقدة، فلم يحدث أن كان خيار السلام يمثل بالنسبة لإسرائيل "الخيار الإستراتيجي" الرئيسي دون محددات، فاعتبارات الأمن تحتل أولوية متقدمة على مقتضيات السلام، واستخدام القوة المسلحة لا يتعارض في المفهوم الإسرائيلي مع المفاوضات السياسية، كما أن مفهوم إسرائيل للسلام نفسه يثير ارتباكات لا نهاية لها في المنطقة العربية، لا سيما في ظل وجود حكومة الليكود اليمينية المتطرفة، بزعامة شارون في الحكم. وعلى الجانب العربي، تتعامل بعض الدول العربية مع مسألة "الخيارات الإستراتيجية" برمتها، بمنطق يحمل "ملامح لغوية" تقدم إيحاءات سياسية بأكثر مما تعبر عن واقع حقيقي في بعض الأحيان، فأحيانا تتم الإشارة إلى وجود "خيارات أخرى". ويطلق بعض قادة الدول العربية غير المجاورة لإسرائيل تصريحات مباشرة تدعو لشن حرب. بينما تتعامل بعض الدول المجاورة مع "السلام" بنوع من التوجس الذي تجد أن له ما يبرره، ففكرة خيار السلم لم تستقر على أرضية ثابتة.
  3. أن الحرب لا تزال أقرب إلى الأذهان، لدى بعض قطاعات النخبة والرأي العام في الجانبين، من السلام، فلا تزال التقديرات الرسمية الصادرة عن جهات تقييم المواقف تميل نحو التحذير من مخاطر نشوب حرب في المنطقة، في تعاملها مع أي موقف طارئ، أو مفاجئ، أو تحرك عسكري محدود، أو حتى حساباتها للموازين القائمة، وعمليات بناء القوة المسلحة، وتنعكس هذه التقديرات بوضوح في تصريحات بعض القيادات العسكرية الإسرائيلية. كما أن التحليلات العسكرية الجارية تميل في معظمها إلى الاندفاع باتجاه تصور سيناريوهات "أسوأ حالة"، وبعض فئات الدائرة الأوسع للنخبة من السياسيين الحزبيين أو المثقفين الأيديولوجيين لا يزالون لا يصدقون أن خيار "الحرب الهجومية" قد أصبح محاطا بمخاطر ومحاذير مانعة. ويبدو الرأي العام أحيانا أكثر تطرفا من الجميع في تصوراته لمسألة الحرب، والمشكلة أنه عادة لا تتم مواجهته بحقائق الأمور.

 


امتلاك إسرائيل واستخدامها لعناصر قوتها العسكرية قد أدى إلى القضاء على أي تصور عربي عقلاني لإمكانية "إزالة" إسرائيل بالقوة العسكرية، خاصة في وجود "الأسلحة النووية" التي تفرض حقائق صلبة،”

في هذا الإطار، اتسع أن نطاق عمليات الصراع المسلح في الشرق الأوسط بصورة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، على نحو أفرز أنماطا غير تقليدية لاستخدام عناصر القوة المسلحة، وأصبحت الصورة أكثر تعقيدا مع اندلاع "انتفاضة الأقصى" أواخر عام 2000. فقد شهد الجنوب اللبناني عمليات مسلحة متكررة بين عناصر حزب الله والقوات الإسرائيلية، شكلت مواجهة بين قوة غير نظامية تستخدم أساليب معدلة لحرب العصابات، وقوة نظامية تحاول استخدام إستراتيجيات معدلة ترتبط بالحروب التقليدية، واستخدمت في هذا الإطار الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وعقدت اتفاقات (كتفاهم أبريل/ نيسان) لتحديد قواعد الاشتباك العسكري وأدت تلك العمليات في النهاية إلى نتائج عملية تحققها في العادة "حروب نظامية"، واعتبر ما يحدث على الجانبين حربا صغيرة خاصة.

وكانت العمليات التي تضمنتها "الانتفاضة الفلسطينية" شديدة التعقيد أيضا، فقد ارتبطت العمليات المعتادة للفلسطينيين بأشكال تقليدية للمقاومة، تختلط فيها المقاومة السلمية بالتظاهرات العنيفة بأعمال الشغب والهجمات المحدودة التي تستخدم فيها الحجارة والمولوتوف إضافة إلى مستوى من إطلاق الرصاص، إلا أن تلك الأعمال تصاعدت نحو مستوى من العنف المسلح المحكوم، الذي تستخدم فيه البنادق الآلية ومدافع الهاون والسيارات الملغمة والأعمال الانتحارية والعمليات الخاصة، قبل أن تنفجر باتجاه عمليات أعنف مما يمكن أن تحتمله السلطة الفلسطينية في أواخر عام 2001. وعلى الجانب الآخر، لم يقتصر تعامل القوات الإسرائيلية مع أعمال المقاومة على الأساليب التقليدية لفض الشغب، أو استخدام وسائل عنف مسلح خاصة تتناسب مع تلك الأعمال، وإنما استخدام إطلاق الرصاص بكثافة "في مقتل"، كما دخلت أنظمة تسليح رئيسية كالدبابات والمروحيات الهجومية المسلحة إلى الميدان، إضافة إلى المقاتلات القاذفة من طراز إف-16، في إطار عمليات مسلحة نظامية متقطعة، تطورت في اتجاهين:

  • التقدم باتجاه اتباع خطط عسكرية ترتبط بأعمال حربية واسعة النطاق تشهد إعادة احتلال للأرض، وقصفا للمنشآت الحكومية واغتيالا للقيادات الميدانية والسياسية، فيما يشبه حربا محدودة على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية.
  • وصول العمليات العسكرية الخاصة إلى مستوى نوعي يطرح احتمالات الحرب النظامية، في حالة قيام الطرف الآخر بالرد بالمثل، كقيام القوات الجوية الإسرائيلية بتدمير مواقع رادار سورية في لبنان.

في هذا السياق، تقلصت الخطوط الفاصلة بين أشكال الصراعات منخفضة الحدة والحروب من حيث الأسلحة المستخدمة، وأساليب العنف المسلح، وأحيانا الأهداف السياسية للعمليات، إضافة إلى حدوث "تصعيد" مؤقت أو "جراحي" يتطور في أحوال عديدة باتجاه عمليات عسكرية أوسع نطاقا، لا يمكن أن توصف إلا بأنها "حروب".

ويقينا، فإن ذلك لا يعنى أن عشر سنوات من التفاعلات السلمية بين العرب وإسرائيل لم تفرز أي قواعد مضادة للتوجهات السياسية الحربية في المنطقة، فمثل هذه القواعد قائمة ومؤثرة، رغم ما يحيط بها من ضغوط، وما تتعرض له من اهتزازات. لكن ما يعنيه ذلك أن الإطار السياسي المحيط بعلاقات الدول لا يزال يتضمن عناصر تترك المجال لخيار الحرب، ورغم أنها لا يمكن أن تدفع وحدها باتجاه انفجارها، إلا أنها يمكن، في ظل وجود تلك الأنماط المعقدة وغير القابلة للسيطرة عليها تماما من التفاعلات العسكرية، أن "تسهل" الانزلاق باتجاه مثل هذه الحرب.
______________
* خبير بالوحدة العسكرية، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام.

هوامش الدراسة
(1) رغم أن الخسائر البشرية والنفقات المالية التي نتجت عن الحروب الكبرى في منطقة الخليج (الحرب العراقية– الإيرانية، وحرب الخليج– 1991) كانت أكبر بكثير من مثيلاتها في الصراع العربي– الإسرائيلي، إذ إنها وصلت إلى 720 ألف قتيل، و950 مليار دولار، إلا أن حروب الصراع العربي– الإسرائيلي كانت الأكثر تأثيرا في أوضاع الشرق الأوسط، بفعل الأبعاد الإضافية المتعددة التي تمت الإشارة إليها، والتي ميزت الصراع العربي– الإسرائيلي.
(2) قاعدة البيانات المقصودة هي Kosimo DataBank، التي أعدت في إطار برامج معهد Heidelberg (الألماني) لبحوث الصراع الدولي، متضمنة وقائع الصراعات الدولية في الفترة بين 1945 و2000، ومن بينها منطقة الشرق الأوسط.
(3) هناك تيار واسع في إسرائيل يعتقد أيضا أن للصراع العربي الإسرائيلي بعدا وجوديا يستند على أسس حضارية دينية، أو اقتصادية معيشية، أو على الأقل لأن كلا من الطرفين يرتسم في نظر الطرف الآخر على أنه يهدد حقيقة وجوده، انظر: أفنير كوهين، الخروج من التعتيم إلى منطقة منزوعة السلاح، في إفرايم عنبار وآخرين، السلاح النووي في الإستراتيجية الإسرائيلية، نيقوسيا: وكالة المنار للصحافة والنشر المحدودة، الطبعة الأولى، 1987، ص 59.
(4) لمزيد من التفصيل حول أفكار تلك المرحلة، انظر: السيد ياسين، قضية التحدي الحضاري بين مصر وإسرائيل، السياسة الدولية، العدد 72، أبريل/ نيسان 1983، ص 8.
(5) د. أسامة الغزالي حرب، مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 1987، ص 117.
(6) إيجال آلون، بناء الجيش الإسرائيلي، القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، سلسلة كتب مترجمة، رقم 701، بدون تاريخ، ص 46-47.
(7) زئيف شيف، تصدعات في نظرية الأمن: أمن بلا أهداف، هآرتس، 7-8-1987.
(8) العقيد أ. أيلون، أمن إسرائيل القومي خلال 35 عاما من عمرها، دان هوروفيتس وآخرون، الثابت والمتغير في الإستراتيجية الإسرائيلية، نيقوسيا: وكالة المنار للصحافة والنشر المحدودة، الطبعة الأولى، 1987، ص 32.
(9) اللواء عدلي حسن سعيد، الأمن القومي العربي وإستراتيجية تحقيقه، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977، ص 14.
(10) المشير محمد عبد الغنى الجمسي، مذكرات الجمسي: حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، باريس: دار المنشورات الشرقية، الطبعة الأولى، 1989، ص 83.
(11) اللواء حسن البدري، الكم والكيف في الصراع العربي الإسرائيلي، السياسة الدولية، العدد 50، أكتوبر/ تشرين الأول 1977، ص 195-196.
(12) فرد هاليداى، السياسة السوفياتية في قوس الأزمة، ترجمة عفيف الرزاز، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، ص 54–55.
(13) لمزيد من التفصيل حول الوقائع المثيرة لتلك الفترة، انظر: محمد حسنين هيكل، حدود السلاح، دورية وجهات نظر، القاهرة: الشركة المصرية للنشر العربي والدولي، العدد 25، فبراير/ شباط 2002، ص 4-15.
(14) الفريق أول محمد فوزي، حرب الثلاث سنوات 1967-1970، القاهرة: دار المستقبل العربي، الطبعة الثالثة، 1983، ص 53.

المصدر : غير معروف