موفد الجزيرة نت/ بيروت
جمعت صداقات وصلات تبادل تجاري بين أهالي برج البراجنة في لبنان وأهالي الجليل في فلسطين، ما جعل برج البراجنة إحدى المحطات التي لجأ إليها فلسطينيو الجليل وتحديدا من بلدة "ترشيحا"، وسكنوا قرب سكن مختار برج البراجنة وهو من آل السبع آنذاك. وكان للمختار السبع علاقة بالباشا شاتيلا أحد وجهاء بيروت السنة، ما أتاح له الاحتكاك باللاجئين الفلسطينيين، فعرض استضافتهم مؤقتا على أرض له في برج البراجنة، ولم يكن يدور في خلد أحد أن هذه الإقامة ستطول وأن المخيم المذكور سيتوسع لتلتحق به عشرات العائلات التي هاجرت من فلسطين إلى الجنوب اللبناني.
إلى أي قرى في فلسطين ينتمي سكان المخيم؟
ينتمي هؤلاء إلى قرى فلسطين: الكابري الكويكات الغبسية والشيخ داود ولاحقا من شعب. وأهالي هذه القرى الأساسية التي جاءت وكونت المخيم وكلها في الجليل الأعلى، ولحق بهم بعد ذلك أهالي قرى أخرى، ونحن نطلق على الحارات أسماء القرى التي قدموا منها مثل حارة الكويكات حارة ترشيحا وهكذا.
ماذا عن البنى التحتية في المخيم؟
أعادت الوكالة بناء الصرف الصحي في المخيم، ونعتمد في المياه على الآبار برغم أن مياهها مالحة، ولدينا حوالي 6 آبار ومقسمة على 6 أقسام من المخيم.
هل تمدد المخيم أفقيا؟
نعم تمدد قليلا باتجاه الغرب وباتجاه الجنوب، فقد كان السكان 14 ألف نسمة واليوم 20 ألفا، وعندنا في المقبرة أكثر من 6000 آلاف متوفى. وقد تغيرت الهندسة السكنية للمخيم أيضا، خاصة بين عامي 1970 و1982 حيث أصبح الناس يبنون ليزوجوا أبناءهم، فمن العائلة الواحدة خرجت عائلات، وأخذ الناس يبنون بشكل عمودي لضيق المساحة ولم يكن هناك رادع يمنع البناء، ولم يلتزم الناس بمواصفات البناء وإنما يتقيدون فقط بالمبلغ الذي يمتلكونه، فكلما كان المبلغ جيدا كانت المواصفات تتحسن.
وكيف كانت علاقتكم مع الدولة أثناء الحرب؟
من المهم القول إننا كنا في كل المراحل نخضع للقانون اللبناني، فكان إذا صدر قرار بالحبس نحبس، أو قرار بالتوقيف نوقف، وكنا نضع محامين ونحضر المحاكمات كأي لبناني، وكنا ندفع الغرامات.
إلى استمرت مديرية شؤون اللاجئين في الحكومة اللبنانية في أداء واجباتها إبان الحرب؟
مديرية الشؤون لم توقف عملها في أي مرحلة أو عهد من العهود وحتى اللحظة، فهي مرجعية إحصائية كاملة، وهي التي تعطي الفلسطيني البطاقة الزرقاء الأشبه بإقامة دائمة ويمكنها أن تنزع عنك البطاقة إذا شاءت، فهي الأحوال الشخصية الفلسطينية في لبنان.
هل استعملت الدولة اللبنانية هذا السلاح ضد الوجود الفلسطيني في مرحلة ما؟
لا.. لا تستطيع أن تشطبهم، ولكنها في مرحلة ما طردت بعض عناصر الأحزاب العربية وقالت إنهم غير مرغوب فيهم وأخرجتهم من لبنان.
يعني استعملته مرة.
كانت إذا عرفت أن واحدا ينتمي لأحد الأحزاب العربية مثل القومي السوري والبعث وهكذا فكانت تخرجه من الأراضي اللبنانية باتجاه سوريا أو باتجاه العراق أو إلى دول أخرى.
فهذا يعني أنه استعمل.
نعم ولكن ضد أفراد من العائلات وليس ضد عائلات.
وهل استمر هذا الوضع؟
نعم فهناك من أخرج يومذاك ولم يرجع حتى اليوم إلى لبنان، وكل القرارات التي صدرت بحقنا ما زالت سارية المفعول إلى هذه اللحظة سواء يوم كنا سلطة مع الحركة الوطنية أو اليوم.
هل استعملت الدولة مجددا هذا الأسلوب؟
لا لم تستعمله فاليوم يوجد متغيرات دولية وعالمية، ويوجد دولة واحدة حاكمة اليوم هي أميركا، بينما كان في السابق أكثر من دولة.
لا أعرف مدى حيادية جواب السؤال التالي: من هو التنظيم الأكثر وجودا في المخيم؟
بالممارسة كل الفلسطينيين هم فلسطينيون، وثبت أن انتماءاتهم التنظيمية واهية، ولو دعا أي تنظيم إلى تظاهرة فالناس لا تخرج، ولكن أي حادث في فلسطين يمس شعبنا يشكل حالة حضور عند شعبنا، فكأن المخيم كتلة وطنية واحدة مرتبطة جسديا وعقليا ووطنيا بالأرض المحتلة.
افتراضا لو حصل اشتباك بين تنظيمين في عين الحلوة، هل ينتقل إلى المخيم هنا؟
لا، وبالتجربة وقعت عدة اشتباكات هناك ولم تنتقل إلى هنا. وحالة المخيم أخذت تعود إلى وضع تأخذ فيه الحالة العشائرية دورها، فالعلاقات والمصاهرات ربطت الناس في المخيم كأنه جسم واحد، ومازال عدد من العجائز يعرف فلسطين. سيأتي وقت لا يعرف أحد منا فلسطين ولا جغرافيتها، فلن يعرفها إلا من أهلنا ومن المدرسة، ونحن بعلاقاتنا في المخيم فابني تزوج واحدة من بلدة ثانية وابنتي من بلدة أخرى، فهذا التزاوج جمعنا كأننا عائلة واحدة، فهل سأقاتل الأخ والأخت وسيصبح كل منا في تنظيم؟ خاصة أن العائلات في المخيم لم تتغير كثيرا، فإذا كان هذا المكتب سيقاتل ذاك فليقاتل لوحده ونحن لن نقف مع أي من الجماعتين.
ما هي المستشفيات والمشافي الموجودة في المخيم؟
عندنا عيادتان، عيادة للأونروا تفحص حوالي 120 شخصا في اليوم، وتفتح من الساعة السابعة والنصف حتى الساعة الثانية. وهي تقوم بتحويل الحالات التي تستدعي جراحات عادية أو عند الحاجة إلى مستشفى حيفا، أما الأمراض الصعبة مثل السرطان والقلب المفتوح فتحول إلى مستشفى الساحل أو حمود في صيدا، وتقدم لك مبلغا وقدره 1500 دولار لمدة عشرة أيام وتسمى "سريري"، وتقدم المبلغ منذ مرضك إلى مماتك. أما الكلية والعين فلا يدفعون لها، يدفعون فقط لهذين المرضين، وعلى المريض أن يدفع الباقي.
ولو استدعى مرضه الحاجة للمستشفى مرة أخرى؟
لا يدخل المستشفى، فإما يشفى وإما يموت، فالسرطان مثلا نهايته أن ينتشر وسيقتل صاحبه أو سيشفى.
وكيف يتصرف الناس في المخيم؟
يحاول الناس أن يجمعوا من الأهل والأقارب، وأحيانا يجمعون من المساجد، وهناك بعض المؤسسات العاملة في المخيمات تجتمع وتقدم مساعدة ما بين 5 و10% وإذا كان غنيا فأهله يطببونه.
هل يوجد شركات تأمين؟
لا.. ولكن بعدما يبلغ الشخص 60 عاما توقف كل العلاجات التحويلية، ويطبب المريض يوميا بالمجيء إلى العيادة، ولكن لو احتاج إلى عملية جراحية لا تقوم بذلك الوكالة، فهو أشبه بالميت عندها، فعمره 60 عاما وبالنسبة لهم فهم لا يرجون شيئا.
وشركات التأمين؟
شركات التأمين مقتصرة على موظفي الأونروا فهناك اتفاق بين الوكالة وشركات التأمين.
ماذا عن مستشفى حيفا للهلال الأحمر الفلسطيني؟
هذا المستشفى تعاقد مع الأونروا الذي كانت تدفع للسريري 57 ألف ليرة للمريض في حيفا، وكنا ندفع ضعفي هذا المبلغ للمستشفيات في بيروت، أوقفت الوكالة العقد مع مستشفى بيروت وتعاقدت مع مستشفى حيفا وقللت الساعات المرضية بالشهر للتجمعات الفلسطينية في بيروت، كنا ندفع 120 ألف ليرة تقريبا بمستشفى بيروت، الآن ندفع 57 ألفا في حيفا، ومن 960 ساعة مرضية بالشهر في بيروت تم تخفيضها إلى 630 ساعة مرضية في حيفا، فبدلا من مضاعفتها خفضوها.
هل كل الأدوية متوفرة؟
الأدوية ليست متوفرة ويوزعون أدوية الضغط والسكر شهريا لمن يملك بطاقة مرضية. ويعالج المستشفى 160 مريضا في اليوم، فماذا يستطيع أن يعطي، فغالبا يقدمون مسكنات.
هل تدفعون فاتورة الكهرباء؟
عندنا حوالي 600 مشترك في برج البراجنة، وضربت الشبكة بعد عام 1982، وفي عام 1995 تعهدت الشركة بإعادة بناء الشبكة وتشغيل العدادات لأصحابها، وهذه الوعود إلى الآن لم تتحقق وقد قاموا بعدة محاولات إحصائية بالمخيم وقاموا بدراسته وإلى الآن لم يتخذوا قرارا. ومنذ عام 1995 نحن ندفع مبلغا يغطي حوالي 600 مشترك تقريبا.
وإلى متى يعود تاريخ هذه العدادات؟
من بعد عام 1963 كانت الدولة يومذاك سمحت لنا بتأهيل المخيم بالكهرباء والماء وكان الناس يستعملون السراج وكانت النساء تحمل الماء من خارج المخيم على رؤوسها. ووفرت الوكالة عام 1963 اشتراك ماء بمقدار 90 مترا مكعبا وزعتها على المخيم في مراكز عدة. ونحن نقوم بوظيفتنا المالية تجاه شركة الكهرباء ونطالب أن تعيد العدادات إلى المخيم وأن تجبي المال كبقية المناطق اللبنانية.
أنتم تدفعون بشكل شخصي.
نحن ندفع بشكل مجموع وهناك لجنة لذلك.
ولا تدفعون رسوم الآبار.
لا.. ومياهها غير صالحة للشرب فنحن نشتري ماء الشرب، والآبار الست تقضي الحاجة.
هل تستطيعون إدخال مواد البناء إلى المخيم؟
كان هناك اتفاق دمشق مع الأحزاب والقوى اللبنانية الوطنية يقضي بالسماح بإعادة الترميم في المخيمات أي ما تضرر في الحرب. حتى الآن في الظروف القائمة في مخيمات بيروت والشمال والبقاع تغض الدولة اللبنانية النظر عن عمليات الترميم، ولكن بشرط أن يكون بشكل غير ملفت للنظر وأن تستثنى أطراف المخيم من الترميم، حتى لا يسبب للبنان مشكلة، كما أن هناك على أطراف المخيم سكانا لبنانيين لا تريد أن تعطيهم ذريعة للبناء غير المشروع في أرض غير مشروعة تتبع البلديات لأن المخيم ليس ملكا للفلسطينيين. وفي ظروف الحرب وخاصة أثناء حرب المخيمات ازداد عدد اللبنانيين الساكنين على أطراف المخيم.
كيف ينظر الفلسطيني إلى اللبناني؟
أقول لك كإنسان أنا أنظر إلى الإنسان اللبناني كصديق عشت معه طفولة مدرسة وعشت معه في الشارع وفي الحي الواحد وبيننا تزاور، أما الدولة اللبنانية فلا أنظر إليها على أنها أعطتني حقي كبشر موجود على أرضها.
ولهذا أطمئن اللبنانيين أني ضمن الظروف التي عشتها أنا شاكر لهم سواء كانت ضيافة رحبة منهم أم قاسية من الدولة، والشعب اللبناني شعب شهم واستقبلنا استقبالا مريحا وهذا لا يدفعني للتوطن، أريد أن أعيش كأي إنسان في العالم لي حق أن يكون لي وطن ودولة ونشيد وطني ورئيس وأن أكون حرا فأنا لست شعبا فاقدا للهوية.
هل يشعر الفلسطيني أن اللبناني ينظر إليه باستعلاء؟
لا.. لا ينظر الشعب اللبناني للفلسطينيين باستعلاء، الحكومة تنظر للفلسطينيين باستعلاء، فالحكومة تمنعني من العمل في البلديات وتمنعني حتى العمل في جمع النفايات في سوكلين، أما المواطن فأذهب معه إلى السينما وإلى المنتزه.
هل هناك إغراءات تقدم للفلسطيني كي يهاجر من لبنان؟
لا.. لا يوجد وإذا أرادوا أن يفتحوا الطريق للهجرة فليفتحوه.