آفاق الحل السلمي السياسي


undefined

د. مرتضى الغالي

طرفان أم أطراف عدة
تداخل الأوراق وصعوبة الحل
مصير محفوف بالخطر

من أوضح ملامح محاولات الحل السياسي لأزمة دارفور أنها تنبني على اقتصار المباحثات والاتفاقيات على طرف حكومة الخرطوم والفصيلين اللذين يحملان السلاح وهما حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، في حين تستبعد القوى السياسية الأخرى سواء على نطاق دارفور أم على مستوى السودان.

طرفان أم أطراف عدة

رغم استئثار الفصيلين المذكورين بالثقل التفاوضي التمثيلي فإنهما لا يمثلان الجسم الدارفورى الكبير على أرض هذه البقعة التي تساوى مساحتها الجغرافية فرنسا وتزيد قليلا عليها، ذلك أن حركة العدل والمساواة تضم بين قادتها الحركيين غير المتمرسين بالقدر الكافي بالسياسة الذين كانوا يمثلون فصيلا (إسلاميا) انشق عن حكومة الخرطوم بينما ترتبط حركة تحرير السودان بصورة أو بأخرى بالحركة الشعبية لتحرير السودان SPLA بقيادة جون قرنق، ومن اللافت أن الحركتين يحسبان بالتصور أو بقرائن الواقع باعتبار أنهما يعبران عن شق واحد من القسمة الإثنية السالبة التي تقوم على ما جرت تسميته خطأ بالقبائل العربية والقبائل الأفريقية (العرب والزرقة).

undefined

والإشارة هنا إلى صعوبة تنفيذ الاتفاقيات التي تجري بين الحكومة والفصيلين إن تعدى الأمر إيقاف القتال ونزع الأسلحة، لأن الواقع الأرضي في دارفور يموج بتيارات وقوى سياسية أخرى لا يمكن نسبة معظمهما إلى هذين الفيصلين، رغم أن الفيصلين العسكريين يتحدثان بخطاب يجد له صدى كبيرا في دارفور من حيث خطاب التهميش والمظالم إلا أنه يفتقد بالكامل إلى أي مؤازرة من معظم القبائل (العربية) الرعوية والفلاحية في مقابل القبائل التي تنسب الآن إلى الأصول الأفريقية.

ومن الصعب أن يقبل الوجدان السوداني مثل هذه القسمة، إلا أن المقصود بها كما يعلم أطراف الصراع أو الآخرون هو أن المقصود بالأولى مجموعات تشمل الزيادية والكواهلة وبني هلبة والرزيقات والهبانية على سبيل المثال، بينما تشمل المجموعة الأخرى وفق هذا المفهوم الفور والمساليت والزغاوة والبرتى والبرقد….، وفى حقيقة الأمر لا تقوم بعض النزاعات القبلية على هذه القسمة لحسن الطالع -إن كان هناك حسن طالع في النزاعات- حيث نجد نزاعات تدور بين قبائل داخل هذه المجموعة أو تلك.

ما يضاعف أزمة الفشل الذي اكتنف محاولات الحل السلمي عبر جزئية التفاوض الحكومي مع المسلحين طبيعة القيادات السياسية داخل الحكومة وحزبها التي يمكن القول إن انتماءاتها لأطراف الصراع قد أدخلت الأمر بمجمله في مأزق آخر، فمن جانب ترى بعض أطراف دارفور أن القيادات السياسية الدارفورية في جسم السلطة هي في معظمها من الطرف الآخر في النزاع، في حين ترى القيادات السياسية داخل الجسم السياسي الاتحادي للدولة أو الفدرالي أن الحكومة على أرض دارفور استقوت بتحالفات ميدانية مسلحة من الطرف الآخر للصراع، ولعل هذا يفسر تراجع أو إقصاء المسؤول السياسي الأول في المؤتمر الوطني الحاكم واستبدال آخر به من الشمال مع تصاعد أزمة دارفور.

تداخل الأوراق وصعوبة الحل


من أسباب تعقيد الوصول إلى حل لأزمة دارفور تزامن تصعيد الأزمة مع توقيع اتفاقيات السلام بين الخرطوم والحركة الشعبية، واستجابة الحكومة للتعامل مع المتمردين بشكل ثنائي، وتغييب المجتمع السياسي السوداني، وتصاعد آليات التدويل بشكل لم يحدث في جنوب السودان

لقد لعب الترمومتر السياسي بين حكومة الخرطوم وأنجمينا دورا في إفشال محادثات أبشى وأنجمينا، حيث إن تشاد لها تداخلات مباشرة وغير مباشرة في أزمة دارفور من حيث حقائق القسمة القبلية عبر الحدود والتحالفات التي يمكن أن تنشأ ليس فقط بسبب التقارب الإثنى بل أيضا بسبب التشابه بين نمط المعيشة، حيث تبدو الحياة الرعوية أقرب إلى أن تنسجم مع مثيلاتها وكذلك الحال في مقابل المجموعات التي تعيش على الزراعة، ولعل فشل هذه المحادثات تمت بهزيمته على الأرض بسبب أن طبيعة الوجود العسكري المعارض يقوم على أسلوب حروب الصحراء التي تقوم على مفاجأة الناقلات الخفيفة التي تحمل المدافع ثم انسحابها أو اندغام المحاربين في جسم السكان المناصرين ما يجعل خيارات الحكومة تقوم على القصف الجوي دون أن تحسم الأرض وجود هذا الفريق أو ذاك.

وما زاد تعقيد عقبات الوصول إلي حل سلمي وشامل للأزمة ليس تزامن تصعيدها وحسب مع توقيع اتفاقيات السلام بين حكومة الخرطوم والحركة الشعبية بل في تداخل طبيعة الصراع واستجابات الحكومة للتعامل مع حملة السلاح بصورة ثنائية في غيبة المجتمع السياسي السوداني وما يمكن أن توحي به نجاحات الحركة في قسمة الثروة والسلطة لمطالبات الدارفوريين، علاوة على تصاعد آليات التدويل التي وصلت في قضية دارفور إلى ذروات لم تبلغها في مسألة جنوب السودان، ومثالا لذلك يتحدث القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم غيرارد غالوشى وسفير الاتحاد الأوروبي كنت ديغر فلت بين الحين والآخر عن صلاحيات اللجنة التي شكلتها الحكومة لرصد اختراقات حقوق الإنسان ويطالبان بزيادة قوات حماية المراقبين، وقالوشى يطلب علنا من حكومة الخرطوم عدم استخدام الطيران في قصف المدنيين.

وفي هذا الصعيد دخلت حكومة الخرطوم في ما يشبه النزاع والاختلاف في الرؤى مع الاتحاد الأفريقي الذي كانت تستتر به وترى فيه بديلا عن أي وجود دولي آخر، وذلك عندما تحدث مسؤول الاتحاد الأفريقي عن ضرورة إدخال قوة عسكرية تحمي المراقبين، ومن المفارقة أن أول قوات تصل لدارفور كانت 150 جنديا من (رواندا)..! كما أن نيجيريا أصبحت تتحدث عن قوات نيجيرية ترسل للإقليم بأعداد تبلغ 1500 جندي.

مصير محفوف بالخطر

التوقيت الزماني (مداه 30 يوما) الذي قررته الأمم المتحدة لتقرير أمينها العام مقرونا بالوضع الأمني على الأرض والوضع الإنساني في المعسكرات وفي الإقليم وبداية الحل السياسي أضاف تعقيدا آخر على حيثيات المفاوضات السابقة مع المتمردين واللقاءات الجديدة المقترحة في أبوجا، بعد أن حاولت الحكومة جر المفاوضات لأديس أبابا لتبقى تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وأصبحت حكومة الخرطوم تعطي جهدا كبيرا للعمل على أرض دارفور. ولعل أبرز ما تحاول الوصول إليه الآن حديثها عن إيجاد 12 نقطة آمنة (من مطالبات الأمم المتحدة) في أرض دارفور وإعداد 12 نقطة شرطة وزيادة عدد ألفي شرطي ومائة عربة (لاندكروزر) لتصل برقم قوات الشرطة إلى 6000 وتأمين المعسكرات على نطاق 20 كيلومترا، يحدث هذا في وقت يدعو فيه المبعوث الأممي برونك إلى إرسال آلاف المراقبين والجنود، والحكومة تحاول أن تستعيض عن أي فكرة لقوات حفظ سلام أممية بقوات شرطة سودانية، وبحيث يقتصر الوجود الأجنبي على المراقبين، ولكن نيجيريا برئاستها وبعثتها العسكرية الأفريقية أصبحت اقرب لمقترحات ورؤية الأمم المتحدة للأزمة وتداعياتها.

undefined

لقد استشعرت أزمة ضيق الوقت عندما التقيت بالخرطوم بعثة المراقبين التي بعثتها الأمم المتحدة إلى دارفور، فهم يتحدثون عن ضرورة رفع تقرير في غضون أسبوع واحد بعد وصولهم للسودان, ثم تقرير آخر في نهاية (شهر كوفي أنان)!.

القائم بالأعمال الأميركي غالوشى يقول للصحافة السودانية إن هناك أكثر من مليون ومائتي ألف نزحوا من دارفور، ويتحدث عن الاغتصاب بأعداد وإحصائيات، ويقول إن الحكومة تعلن أنه لا اغتصاب ويزيد بالقول ماذا تفعل اللجان؟

وسط ذلك تتحدث الوكالات عن شراء 12 طائرة حربية من روسيا وروسيا تنفي ارتباط صفقة طائرات الميج 29 بأزمة دارفور ويقول أندريه دينيسوف إن مجلس الأمن لم يحظر توريد معدات حربية للسودان ردا على انتقادات الخارجية الأميركية.

المشكلة الأخرى في المفاوضات مع المسلحين وفي التداول مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن هناك أكثر من تعريف للجنجويد الذين أقرت الأمم المتحدة ووافق السودان على نزع أسلحتهم، فالحكومة تقول إن الجنجويد هم قطاع طرق وخارجون عن القانون وسارقو ماشية وناهبو ممتلكات من شتى القبائل، والتعريف المقابل يقول إنهم المجموعات التي سلحتها الحكومة في حروبها ضد التمرد المسلح ثم تحاول الآن استيعابهم داخل الجسم النظامي والجيش. والقبائل العربية التي حاربت مع الحكومة في السابق ترفض أن يشملها وصف الجنجويد.. زاد تعقيد الأمر أن الرئيس السوداني الفريق عمر حسن البشير صرح بأن نزع أسلحة الجنجويد أمر ممكن، في حين وصف وزير داخليته عبد الرحيم حسين وممثله في إقليم دارفور نزع سلاح الجنجويد بأنه غير ممكن وأشبه بشن حرب أهلية جديدة.

إن الوضع الآن في ضوء رؤية الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشير في أفضل أحواله إلى تحسن في الوضع الإنساني (الإغاثة) لا في الوضع الأمني هكذا يقولون مع استبعادهم لأي رؤية لأفق الحل السياسي الذي يصعب قياسه رغم أنه الشرط الثالث في مطلوبات الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، ولا زال القائم بالأعمال الأميركي وممثل الاتحاد الأوروبي ينفيان وجود أي علامات حقيقية للعودة الطوعية للنازحين التي تشير إليها الحكومة بل يتحدثان عن محاولات إعادة قسرية تمت مع عدم توفر الأمن.

الحكومة ترى أن مسؤولية حماية المواطنين هو واجبها الذي لا تريد حياله نصحا ولكن مرحلة التدويل أصبحت تنظر إلي أوراق مذكرة الأمين العام للأمم المتحدة قبل وبعد أي تفسيرات أخرى والاتحاد الأوروبي يقول إنه يقوم بتمويل 55% من تكلفة فريق المراقبة بما قيمته 12 مليون يورو.

كيف يمكن جمع هذه الخيوط للتقرير بمصائر الأطراف في فترة قصيرة خانقة تجعل من المفاوضات مع حركة العدالة وتحرير السودان جزئية صغيرة في الطريق إلى الحل السياسي الشامل.
_______________
كاتب سوداني

المصدر : غير معروف