علاقات الهند الإقليمية والدولية

undefined

* جابر سعيد عوض

تحتل الهند مكانة جيوسياسية وإستراتيجية هامة في منطقة جنوب آسيا، فهي تمتلك رقعة جغرافية مترامية الأطراف تبلغ مساحتها نحو 3.3 ملايين كم2 شاغلة بذلك الترتيب السابع على المستوى العالمي، وهي ثاني أكبر تعداد للسكان على سطح المعمورة، مما يعطي علاقاتها الإقليمية والدولية أهمية خاصة.

أولاً: علاقات الهند الإقليمية
1- العلاقات الهندية الصينية
2- العلاقات الهندية الروسية
3- العلاقات الهندية الإيرانية
ثانياً: علاقات الهند الدولية
1- العلاقات الهندية الأميركية
2- العلاقات الهندية الأوروبية

أولاً: العلاقات الإقليمية


تعد الهند عملاقا إقليمياً من الناحيتين الجغرافية والسكانية وتقع في بيئة غير مستقرة أمنيا

تشترك الهند بنحو 7000 كم من الحدود المشتركة مع العديد من البلدان المجاورة من إجمالي حدودها التي تبلغ نحو 16000 كم، يتمثل الجزء الأكبر منها في السواحل المطلة على المحيط الهندي الذي يمثل بدوره ساحة جيوإستراتيجية جديدة كمحور للتجارة العالمية. بيد أنه رغم أن الهند تعد عملاقا إقليميا من الناحيتين الجغرافية والسكانية، ويشهد اقتصادها منذ منتصف التسعينيات من القرن العشرين معدل نمو مرتفعا نسبيا، وطفرة في مجال تكنولوجيا المعلومات، فضلا عن نجاحها في تطوير قدراتها النووية التي تعد بمثابة صك تأمين من وجهة نظرها ضد إمكانية حدوث ظروف غير مواتية في المستقبل، فإنها تقع في بيئة أمنية غير مستقرة. فالهند تواجه تهديدات أمنية محتملة من جميع الجوانب نظرا لوقوعها بين قوى نووية هي الصين وروسيا وأخيرا باكستان، لا سيما الصين التي لا تستطيع الهند تجاهل قدراتها النووية، في الوقت الذي لديها فيه مشاكل حدودية معها، فضلا عن نزاعها التاريخي مع باكستان حول إقليم كشمير. أكثر من ذلك، علاوة على المشاكل المرتبطة بأفغانستان، تقبع إلى الشمال من الهند تركيبة جيوسياسية جديدة متمثلة في بلدان آسيا الوسطى التي تعد من أكثر مناطق عدم الاستقرار بانعكاساتها السلبية المحتملة على الهند، خاصة في ما يتعلق بمشاكل الإرهاب والتطرف الديني والمخدرات وتجارة السلاح، الأمر الذي لم تعد معه منطقة جنوب آسيا منطقة منعزلة، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في أفغانستان ومنطقتي آسيا الوسطى والخليج العربي المجاورتين التي تخشى معها الهند من تزايد النفوذ الأجنبي بما يشكل خطرا عليها.

1- العلاقات الهندية-الصينية:
لعل أهم ما يميز العلاقات الهندية-الصينية المعاصرة هو تأرجحها، إذ شهدت تغيرا من التفاؤل المفرط إلى الشك وعدم الثقة ثم إلى الوفاق، لتتراجع عنه مؤخرا بعض الشيء، الأمر الذي يمكن معه التمييز بين محطات أربع رئيسية.


علاقة الهند مع الصين متأرجحة، عكرتها المشاكل الحدودية التي أطلقت حرباً باردة بينهما

يمثل الاعتراف الهندي بالصين المحطة الرئيسية الأولى في العلاقات بين البلدين, فعندما برزت جمهورية الصين الشعبية إلى الوجود أواخر عام 1949 نظرت إليها الهند نظرة تفاؤل وتعاون أخوي، وكانت أول دولة تسارع إلى الاعتراف بها وتقيم معها علاقات على مختلف الأصعدة. فقد كان رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نهرو يأمل في أن البلدين بخبرتهما ومعاناتهما الطويلة على أيدي القوى الاستعمارية ومشاكلهما المشتركة مع الفقر والتخلف سوف يقفان معا لإعطاء القارة الآسيوية مكانها اللائق على الساحة العالمية، خاصة أن البلدين وحدهما يشكلان معا نحو ثلث سكان المعمورة. وهو ما يفسر الضغوط التي مارستها الهند لكي تحصل جمهورية الصين الشعبية على مقعد دائم في مجلس الأمن بدلا من الصين الوطنية (فرموزا)، وعدم مساندة الهند للموقف الأميركي في مواجهة الصين بصدد الحرب الكورية.

وتتمثل المحطة الثانية في التدهور الكبير الذي شهدته العلاقات بين البلدين بدءا من عام 1959 بسبب المشاكل الحدودية وقضية التبت، التي تعد من أخطر المشاكل التي عكرت -ولا تزال- صفو العلاقات بين الهند والصين، وتسببت في اندلاع الحرب بينهما عام 1962، والتي تحول معها التفاؤل الهندي إلى كابوس بسبب الهزيمة المنكرة التي لحقت بالهند على يد الصينيين. فرغم أن الحرب الهندية-الصينية عام 1962 كانت حربا خاطفة ومحدودة من الناحية العسكرية لم تنجح الصين التي بدأت بشن الحرب، في حسم النزاع الحدودي بينها وبين الهند لصالحها، فإن هذه الحرب تركت بصمات عميقة الأثر على العلاقات بين البلدين. فقد مثلت صفعة قوية لهيبة الهند ومست في الصميم كرامتها وكبرياءها ومكانتها الدولية والإقليمية. فضلا عن ذلك، فقد ولدت سباقا للتسلح وحربا باردة بين البلدين الجارين، إذ لجأت خلالها الصين ليس فقط إلى تطوير علاقاتها مع باكستان، بل وإمدادها بالصواريخ وتكنولوجيا الأسلحة النووية، ولجأت الهند إلى تطوير علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي السابق.

أما المحطة الثالثة في العلاقات بين البلدين فتتمثل في الوفاق الذي عرفته في أعقاب الغزو السوفياتي لأفغانستان وامتد خلال الفترة بين عامي 1979 و1998، والتي شهدت توقيع عدد من الاتفاقيات على مستوى عال، وجرت خلالها مفاوضات بشأن الحدود وقضايا التجارة. بلغ هذا الوفاق ذروته عام 1991 عندما قامت الهند بتطبيع علاقاتها مع الصين أثناء زيارة رئيس الوزراء الصيني لي بنغ، والتي تعد أول زيارة من نوعها يقوم بها مسؤول صيني رفيع المستوى للهند منذ أكثر من ثلاثة عقود.

جاءت المحطة الرابعة والأخيرة في العلاقات الهندية -الصينية مع التفجيرات النووية الهندية عام 1998، والتي تعد بمثابة نقطة تراجع بارزة في العلاقات الثنائية بين الهند والصين. بيد أنه رغم الانتقادات الصينية للهند، فإن موقف الصين إزاء التفجيرات النووية الهندية لم يكن عدائيا.

يمثل كل من العامل الأميركي والباكستاني متغيرا جوهريا له تأثيره على العلاقات الهندية-الصينية. ينطلق أثر العامل الأول من نظرة كل من الهند والصين إلى علاقة الآخر بالولايات المتحدة. ففي الوقت الذي كانت العلاقات الصينية-الأميركية غير مستقرة بصفة عامة خلال العقد الأخير من القرن العشرين، على سبيل المثال، بسبب الخلافات حول عدد من القضايا مثل حقوق الإنسان، والدعم الأميركي لتايوان، وضرب السفارة الصينية في بلغراد، وحادثة طائرة التجسس الأميركية قرب جزيرة هاينان الصينية، كانت العلاقات الهندية-الأميركية على الجانب الآخر تشهد تحسنا واضحا في كثير من المجالات باستثناء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الهند عشية التفجيرات النووية الهندية عام 1998، والتي أملتها القوانين الأميركية الداخلية. أما العامل الباكستاني فيبرز تأثيره السلبي على العلاقات الهندية-الصينية في الدعم الذي تحصل عليه باكستان من الصين، خاصة في مجال التكنولوجيا النووية.

تتمثل أهم جوانب الاهتمام المشترك بين الهند والصين في الوقت الحاضر في ما يلي:

  • وضع حد لنظام القطبية الأحادية والهيمنة الأميركية، باعتبار أنه ليس في صالح أي منهما.
  • القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب لما يمثله من خطر على كل منهما، وهو ما دفع البلدين إلى إقامة جماعة عمل ثنائية مشتركة لمكافحة ظاهرة الإرهاب الدولي، والاتفاق على تبادل المعلومات والاستخبارات حول كيفية التعامل معها.

أما أهم أبرز جوانب الخلاف بين البلدين، فتتمثل في:

  • النظرة الهندية إلى الصين باعتبارها مصدر تهديد تقليديا ونوويا لأمنها. كما أن فشل البلدين في حل النزاع الحدودي بينهما يبقي حالة الإحباط وعدم الثقة لدى الهنود، لا سيما وأن الصين قد حلت معظم مشاكلها الحدودية مع جيرانها الآخرين.
  • كما تمثل العلاقات العسكرية الصينية-الباكستانية مشكلة للعلاقات الهندية-الصينية، إذ يعتقد القادة الهنود أن الصين تستخدم باكستان لاحتواء الهند والحيلولة دون صعودها كمنافس محتمل لها.
  • معارضة الصين للرغبة الهندية في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن. فالصين تخشى من استخدام وضع الهند كعضو دائم في مجلس الأمن من قبل القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، في تشكيل حلقة احتواء في مواجهتها خاصة إذا ما نجحت اليابان هي الأخرى في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.

أما في ما يتعلق بمستقبل العلاقات الهندية-الصينية، فإنه يمكن القول انطلاقا من كون أن جوانب الاتفاق والاهتمام المشترك تفوق جوانب الاختلاف باعتبار أن الصراع بين البلدين لا يرتكز في حقيقة الأمر على تهديدات حقيقية متبادلة بين الجانبين بقدر ما يمثل صراعا على النفوذ الإقليمي. فضلا عن أن رغبة كل منهما بأن تكون لها علاقات سلمية مع جيرانها لحاجتها إلى تركيز الانتباه على الأمور الداخلية، وفي مقدمتها موضوع التنمية. فالصين يمكنها أن تكسب الكثير من تقاربها مع الهند، لا سيما الاستفادة من خبرة الهند في مجال أنظمة المعلومات التي قطعت فيها الهند شوطا كبيرا. الأهم من ذلك، أن التقارب الصيني-الهندي يمكنه أن يبعد الهند عن الولايات المتحدة، الأمر الذي يمكن أن يساعد الصين على أن تصبح ندا للولايات المتحدة في غضون ربع القرن القادم، كما يمكنه أن يبعد الصين عن مساندة باكستان في مواجهة الهند بصدد قضية كشمير.

2- العلاقات الهندية-الروسية:
اتجهت الهند صوب الاتحاد السوفياتي السابق ما إن تأكد لقادتها أن ما كانوا يأملون فيه من كسب صداقة الصين قد بات بعيد المنال، خاصة بعد الهزيمة المرة التي لحقت ببلادهم على أيدي الصينيين في حرب عام 1962 التي فاجأتهم بها الصين في محاولة لإثبات أنها الدولة القائد على المستوى الإقليمي من ناحية، وإحراج الحليف السوفياتي السابق الذي لاحت في الأفق بوادر التقارب بينه وبين الهند من ناحية أخرى. وهو ما تواكب مع تنامي الخلاف الصيني-السوفياتي وتزايد حدته خلال عقد الستينيات. أثمر هذا التقارب الهندي-السوفياتي عن توقيع معاهدة للسلام والصداقة والتعاون بين البلدين عام 1971، والتي تعد بمثابة المحطة الأولى في تاريخ العلاقات الهندية-السوفياتية.


إن روسيا الاتحادية تنظر إلى الهند باعتبارها مكسبا إستراتيجيا شديد الأهمية

تمثل معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة بين الهند وجمهورية روسيا الاتحادية عام 1994 محطة مهمة أخرى على صعيد العلاقات بين البلدين. فروسيا هي التي تزود الهند بالخبرة الفنية اللازمة للمفاعلات النووية. تشغل العلاقات العسكرية حيزا كبيرا من العلاقات بين البلدين، ولا يقتصر الأمر على مجرد إبرام صفقات أسلحة ومعدات قتالية، لكنها تمتد لتشمل التزام روسيا بصيانة الأسلحة السوفياتية الصنع التي تملكها الهند وتزويدها بقطع الغيار اللازمة للإصلاح.

وتجيئ زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند عام 2000 لتمثل محطة بارزة جديدة على صعيد العلاقات بين الهند وروسيا، خاصة أنه قد تم خلال هذه الزيارة توقيع 17 اتفاقية لتطوير العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة.

أما المحطة الرابعة، فتتمثل في ما شهدته العلاقات الهندية الروسية مؤخرا من نقلة نوعية كبيرة، وذلك عندما وقع الجانبان في يناير/ كانون الثاني 2001 ما عرف بـ"صفقة القرن"، والتي أعطت فيها روسيا للهند ليس فقط حق إنتاج 140 مقاتلة متطورة من طراز سوخوي، بل أيضا حق نقل تكنولوجيا هذا الطراز من المقاتلات.

وتتمثل أهم نقاط الاتفاق بين البلدين في معارضة كل من الهند وروسيا الاتحادية للنظام الدولي القائم على القطبية الأحادية وهيمنة الولايات المتحدة على مجريات الأمور على الساحة الدولية وتفضيل البلدين لقيام نظام دولي متعدد الأقطاب، وكذلك المخاوف المشتركة من الإرهاب الدولي والتطرف الديني.

ويبدو أن مستقبل العلاقات الهندية-الروسية في ازدهار، فرغم المخاوف الروسية من التقارب الهندي-الأميركي المتزايد، فإن روسيا الاتحادية تنظر إلى الهند باعتبارها مكسبا إستراتيجيا شديد الأهمية في ظل سعي موسكو إلى إعادة ترتيب علاقاتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية. كما أن الهند لاتزال تعتمد على روسيا في الحصول على المعدات وقطع الغيار العسكرية، خاصة وأن نحو 70% من المعدات العسكرية الهندية مصدرها الاتحاد السوفياتي السابق. بالإضافة إلى أنه من غير المحتمل من وجهة نظر الهند أن يكون هناك شبه علاقة تحالف بين روسيا والصين كما كان الأمر خلال البدايات الأولى للحرب الباردة. وعليه يمكن الزعم بأنه على العكس من العلاقات بين الهند وكل من الولايات المتحدة والصين، فإنه من غير المحتمل أن تتعقد العلاقات الهندية-الروسية بسبب العامل الباكستاني. فمن الواضح أن روسيا تؤيد الموقف الهندي في التسوية الثنائية لقضية كشمير على أسس اتفاقية شملا، كما أنها وقفت إلى جانب الهند خلال أحداث كارجيل التي وقعت بين الهند وباكستان عام 1999.

3- العلاقات الهندية-الإيرانية:
اتسمت العلاقات الهندية-الإيرانية خلال فترة حكم الشاه بالتوتر نظرا لوقوف إيران إلى جانب باكستان في صراعها مع الهند حول إقليم كشمير. غير أن نظام حكم الشاه في إيران لم يكن ليمثل بالنسبة للهند تهديدا حقيقيا نظرا لعدم رغبته في لعب دور زعامي على مستوى العالم الإسلامي يمكنه أن يؤثر على التوازنات السياسية الهندية الداخلية. ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران اتخذت العلاقات بين البلدين طابعا أيديولوجياً استمر نحو عقد من الزمان حتى رحيل الإمام الخميني عام 1979. فلقد تخوفت الهند خلال هذه الفترة من مخاطر الأصولية الإسلامية على التوازنات السياسية الداخلية في البلاد. إلا أن الهند مع ذلك لم تعلن عن معاداتها لنظام الإمام الخميني، وعملت جاهدة على الإبقاء على شعرة معاوية معه. فضلاً عن أنها رأت في الثورة الإسلامية بإيران عاملا إيجابيا في صالح الهند، وذلك انطلاقا من احتمال تراجع التعاون الإيراني-الباكستاني نظراً لافتقاد إيران المقدرة السياسية والاقتصادية على مساعدة باكستان كما كان الأمر خلال فترة حكم الشاه.


تمثل زيارة رئيس الوزراء الهندي ناراسيما راو لإيران أواخر عام 1993 محطة جديدة في العلاقات بين البلدين

جاءت وفاة الإمام الخميني من ناحية، وانهيار الاتحاد السوفياتي وظهور جمهوريات آسيا الوسطى على خريطة المنطقة من ناحية أخرى، لتعزز العلاقات الهندية-الإيرانية في مجال التوازنات الإقليمية الإستراتيجية والأمنية، لا سيما وأن الهند قد فقدت عمقها الإستراتيجي بفقد الحليف السوفياتي الذي تفكك. ساعد على ذلك ما اتسمت به سياسة الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني (في مرحلة ما بعد الإمام الخميني) بالواقعية وتغليب اعتبارات المصالح الوطنية على الشعارات الدينية. أضف إلى ذلك أن إيران وجدت في تعاونها مع الهند ما يمكنها من كسر طوق الحصار المفروض عليها، خاصة من قبل الغرب والولايات المتحدة بسبب ما اتهمت به من تشدد سياسي على المستوى الدولي، وعدم ارتياحها للتقارب الأميركي-الباكستاني الذي تنظر إليه إيران باعتبار أنه يستهدفها في المقام الأول. الأهم من كل ذلك، أن إيران رأت في الهند شريكا محتملا لتطوير برنامجها النووي.

تمثل زيارة رئيس الوزراء الهندي ناراسيما راو لإيران أواخر عام 1993 محطة جديدة في العلاقات بين البلدين، إذ تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى إيران منذ قيام الثورة الإسلامية فيها عام 1979. أعقبها زيارة قام بها الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني إلى الهند عام 1995. ويمكن تفسير هذا التقارب الهندي-الإيراني الجديد في ضوء مجموعة من الأسباب لعل أبرزها:

  • التداعيات المترتبة على تفكك الاتحاد السوفياتي ومحاولة الهند البحث عن شركاء جدد في المنطقة بعد خسارتها للحليف السوفياتي.
  • التداعيات المترتبة على حرب الخليج الثانية من تدفق للقوات الأجنبية، خاصة القوات الأميركية، وما لاح في الأفق من شيوع حالة من عدم الاستقرار ليس فقط في أسعار النفط، بل وأيضاً عملية تدفقه إلى الهند التي تستورد نحو نصف احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي.
  • رأت الهند أنه يمكنها دعم علاقاتها بجمهوريات آسيا الوسطى الوليدة بمساعدة إيران، خاصة وأنها كانت تخشى من تصاعد دور باكستاني مؤثر في منطقة آسيا الوسطى يمكنه أن يترك آثارا سلبية على الهند.
  • كذلك فقد أدى وصول قلب الدين حكمتيار -الذي تعاديه إيران باعتباره سنيا متشددا في مواجهة الشيعة الأفغان- إلى سدة الحكم بأفغانستان في منتصف التسعينيات إلى زيادة التقارب الهندي-الإيراني انطلاقاً من المخاوف الهندية-الإيرانية المشتركة من إمكانية سيطرة باكستان على مجريات الأحداث في أفغانستان بما يشكل خطرا على كل منهما، الأمر الذي استدعى توسيع نطاق التعاون وتبادل المعلومات في المجال الأمني بين الهند وإيران.
  • ويمكن تحديد أبرز نقاط الالتقاء بين الهند وإيران في الرفض الكامل لأي تواجد عسكري أجنبي في منطقة الخليج، ولأي ترتيبات أمنية لا تلعب فيها إيران دورا فاعلا ومؤثرا. ويرجع ذلك إلى أن الهند تنظر إلى الترتيبات الأمنية القائمة حاليا في الخليج على أنها تصب في صالح باكستان بسبب علاقات التعاون الوطيدة التي تربطها بالدول العربية الخليجية. وما كان من إيران إلا أن ردت على ذلك بالإعلان عن دعمها الكامل لوحدة الأراضي الهندية مؤكدة على أن مشكلة كشمير مشكلة هندية داخلية، وهو ما اتضح خلال اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في العاصمة الباكستانية كراتشي عام 1994.

ويمكن القول إن هناك عاملين متضادين: الأول يدفع باتجاه مزيد من دعم العلاقات بين الهند وإيران، ويتمحور حول اعتقاد القادة الهنود أن التعاون مع إيران يمكن أن يبعدها عن باكستان، وهو ما يصب في مصلحة الهند. أما العامل الآخر، فيتمثل في خشية الهند من أن ينظر إلى هذا التقارب الهندي-الإيراني على أنه موجه نحو الغرب، وهو ما قد يضر بالهند.

أما فيما يتعلق بمستقبل علاقات الهند بإيران، فإنه من المرجح أن تستمر في اتجاه التقارب خاصة في ضوء حاجة الهند المتزايدة إلى الطاقة، وهو ما يفسر مساندتها للموقف الإيراني بصدد الترتيبات الأمنية في منطقة الخليج. كما أن إيران تعد ثاني أكبر دولة منتجة للبترول في منظمة أوبك باحتياطي يبلغ نحو 9% من الاحتياطي العالمي، وثاني أكبر دولة من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي. أضف إلى ذلك محاولة الهند دعم علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع منظمة التعاون الاقتصادي التي تضم إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وأذربيجان إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى الخمس، والتي تريد الهند من خلال إيران وضع نهاية للاحتكار الباكستاني للتعاون مع هذه المنظمة بوصفها الممثل الوحيد لبلدان جنوب آسيا.

ثانياً: العلاقات الدولية


التفجيرات النووية التي أجرتها الهند عام 1998 غيرت من مكانتها الإستراتيجية، وأصبحت عنصر استقرار للمنطقة

تمثل الهند أهمية متزايدة على الساحة الدولية لاسيما في ظل تزايد قوتها النسبية بالقياس بمنافسيها التقليديين: روسيا والصين. ويرجع ذلك بالأساس إلى نجاحها في تطوير قدراتها النووية، فضلا عن تاريخها الدبلوماسي الحافل. كذلك تنبع أهمية الهند من كونها تشكل قوة إقليمية في منطقة جنوب آسيا التي تعد من المناطق شديدة الخطورة على المستوى العالمي، الأمر الذي يعطيها دوراً بارزاً على المسرح الأمني في المنطقة، لاسيما وأن التفجيرات النووية التي أجرتها عام 1998 قد غيرت من مكانتها الإستراتيجية على الأقل على المستوى الإقليمي. وجعلت القوى العظمى، خاصة الولايات المتحدة تنظر إليها باعتبارها عنصر استقرار في المنطقة. ومن الصعوبة بمكان تجاهلها في المستقبل مثلما كان الأمر في الماضي، ولعل اعتراف الولايات المتحدة بها كقوة محتملة، لاسيما لما زارها الرئيس الأميركي كلينتون عام 2000.

وتعد الهند إحدى الدول المرشحة للعب دور إقليمي أكثر فاعلية وأهمية على الساحة الدولية في السنوات القادمة لعديد من الأسباب منها:

  • أنها تشهد نمواً اقتصاديا قويا. فالاقتصاد الهندي من بين أسرع الاقتصاديات نمواً في العالم منذ مطلع التسعينيات، ومع بدء برنامج الإصلاح الهيكلي.
  • تنامي صناعة تكنولوجيا المعلومات، خاصة مع تزايد القدرات التنافسية لكثير من الشركات الهندية في هذا المجال.
  • اتباعها لسياسة براغماتية تسعى إلى الإفادة واستغلال كافة الأوراق المتاحة في علاقاتها الإقليمية والدولية. فلقد بات واضحاً مع تغير الظروف الدولية أنها تخلت تماما عن الاعتقاد بأن العلاقات الدولية يمكن أن تحكمها الأخلاقيات والمثل أكثر مما تحكمها الواقعية، وهو ما بدأت به حياتها كدولة مستقلة تحت زعامة نهرو.

1- العلاقات الهندية-الأميركية:


أحداث 11 سبتمبر 2001 قلبت العلاقات الهندية-الأميركية رأسا على عقب

اتسمت العلاقات الهندية-الأميركية في فترة الحرب الباردة بالتباعد، ولم ير أي من الطرفين مصلحة حيوية في أن تكون هناك علاقات وطيدة بينهما. فرغم أن الحرب الباردة مكنت الهند من أن تحصل على مساعدات من القوتين العظميين، فإن الحكومة الهندية برئاسة نهرو عارضت الحرب الباردة لما تتضمنه من وجهة نظرها من سباق للتسلح يمكنه أن يهدد العالم بأسره بحرب نووية.

ومن هنا كانت معارضة الهند لسياسة الأحلاف الأميركية، لاسيما بعد انضمام باكستان لكل من الحلف المركزي وحلف جنوب شرق آسيا. كما كان انتقادها للسياسة الأميركية في الهند-الصينية، خاصة في فيتنام، الأمر الذي جعلها تنظر إلى الولايات المتحدة كمصدر تهديد رئيسي. ولم تفلح زيارة أنديرا غاندي للولايات المتحدة عام 1971 في تغيير الموقف الأميركي المؤيد لباكستان، وإن كانت الولايات المتحدة قد حاولت إزالة المخاوف الهندية من شحنات الأسلحة الأميركية لباكستان، وأكدت نيتها في مراقبة استخدام باكستان للأسلحة الأميركية لضمان عدم استخدامها في مواجهة الهند.

ومع عودة أنديرا غاندي رئيسة للوزراء في الهند مع مطلع الثمانينيات أدركت الهند أنه من الصعب عليها وقف مبيعات الأسلحة الأميركية لباكستان، فقامت بزيارة ناجحة إلى الولايات المتحدة عام 1982 أعقبها سلسلة من الزيارات المتبادلة بين الطرفين على مستوى عال. تواكب ذلك مع التغير في رؤية الولايات المتحدة لسياستها تجاه الهند وإدراكها للدور الذي يمكن أن تلعبه الهند في موازنة النفوذ السوفياتي في منطقة جنوب آسيا، الأمر الذي قررت معه الولايات المتحدة توسيع نطاق نقل التكنولوجيا إلى الهند مما ساعد على تطوير العلاقات بين البلدين، وإن لم تنجح الولايات المتحدة في جر الهند للدخول معها في إجراءات أمن جماعي ضد الاتحاد السوفياتي. استمر هذا التحسن في العلاقات بين البلدين في ظل رئاسة راجيف غاندي للحكومة الهندية، وقيامه بزيارتين إلى الولايات المتحدة عامي 1985 و1987، الأمر الذي قوبل من قبل الولايات المتحدة بتقدير للدور الهندي كعامل استقرار في منطقة جنوب آسيا.

وبحلول التسعينيات أدت عدة عوامل إلى إحداث نقلة نوعية في العلاقات الهندية-الأميركية. أدى الانسحاب السوفياتي من أفغانستان إلى جعل الولايات المتحدة تعيد حساباتها فيما يتعلق بالعلاقة مع باكستان، وأدت مخاوفها المتزايدة من البرنامج النووي الباكستاني إلى التقارب مع الهند التي باتت تشهد تحولات اقتصادية ملموسة. يفسر ذلك الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي نارسيما راو إلى الولايات المتحدة عام 1994، والتي ترتب عليها توقيع ست مذكرات تفاهم بين البلدين. كما بدت منطقة جنوب آسيا من وجهة النظر الأميركية على حافة حرب تقليدية قد تتحول إلى حرب نووية بين الهند وباكستان في صراعهما حول إقليم كشمير، وكان على الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم أن تستأنف دورها القيادي.

وتركز الولايات المتحدة بالأساس في سياستها الحالية تجاه الهند على حظر انتشار الأسلحة النووية. ومع ذلك، فلا تزال الهند مستمرة في مقاومة الضغوط الأميركية عليها لتوقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

وقد تسببت التفجيرات النووية الهندية عام 1998 في إقامة حاجز إزاء علاقات عادية بين الهند والولايات المتحدة، لا سيما وأن بعض المسؤولين الأميركيين قد أخذوا ادعاءات حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند على أن بلادهم سوف تلحق بالآخرين في تحدي الهيمنة الأميركية على محمل الجد.

وتمثل زيارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون إلى الهند عام 2000 محطة رئيسية مهمة في تطور العلاقات بين البلدين، إذ أكدت هذه الزيارة رغبة الإدارة الأميركية في توسيع وتعميق نطاق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الهند، وأن بلادهم سوف تضع وراء ظهرها قضية الدبلوماسية النووية. هناك أيضاً مجموعة من التطورات الإستراتيجية الجديدة المعقدة جعلت الولايات المتحدة تنظر إلى الهند كشريك إستراتيجي، وتأتي على رأسها:

  • بروز الصين كعامل تهديد عسكري رئيسي للولايات المتحدة في منطقة آسيا الباسيفيك.
  • تنامي الشراكة الإستراتيجية بين الصين وروسيا.
  • تنامي الأصولية الإسلامية في أفغانستان وآسيا الوسطى.

وعلى الجانب الآخر هناك مجموعة من العوامل والأسباب وراء بحث الهند عن الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، لعل من أبرزها:

  • توجه روسيا الحليف التقليدي للهند صوب الصين.
  • التطورات السياسية والأمنية والإستراتيجية على المستويين الإقليمي والعالمي والتي جعلت الهند تنظر إلى الصين بتفوقها التقليدي والنووي على الهند كمصدر تهديد إستراتيجي.
  • امتلاك باكستان لأسلحة نووية بمساعدة الصين.

وجاءت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لتقلب العلاقات الهندية-الأميركية رأساً على عقب. إذ جاءت باكستان على رأس اهتمامات الولايات المتحدة في المنطقة مما أدى إلى تعليق العلاقات الهندية -الأميركية نظراً لاهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار في باكستان. بيد أن الهند لم تأل جهداً في استغلال هذه الأحداث لتقوية علاقاتها مع الولايات المتحدة، فهي لم تكتف بإدانة هذه الأحداث، بل عرضت تعاونا عسكريا غير مسبوق ودعما فوريا للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب. ولم يكن غريباً أن يشهد سبتمبر/ أيلول نفسه تبادلا للزيارات بين البلدين على مستوى عال، كان للهند هدفان من وراء ذلك:

  • أولهما، جعل العناصر المسلحة الكشميرية هدفاً للحملة الأميركية ضد الإرهاب.
  • ثانيهما، منع تنامي العلاقات الأميركية-الباكستانية على نحو ما كان عليه الحال إبان التواجد السوفياتي في أفغانستان خلال الثمانينيات.

من الواضح أن العامل الصيني يلعب دوراً مؤثراً في العلاقات الهندية-الأميركية، بما يعنيه ذلك من أن العلاقات الأميركية-الصينية تلقي بظلالها على العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. فمع توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين -كما هو الحال بسبب قضايا التجارة والأمن- تبدو العلاقات مع الهند أكثر جاذبية بالنسبة لأميركا.

وتتمثل أبرز نقاط الخلاف بين الهند والولايات المتحدة فيما يلي:

  • البرنامج النووي الهندي.
  • قضايا حقوق الإنسان، خاصة عمالة الأطفال.
  • طمس وتزوير العلامات التجارية.
  • طبيعة الإصلاحات الاقتصادية في الهند التي تتسم بنمو غير متوازن من وجهة النظر الأميركية.

أما أهم نقاط الاتفاق بين البلدين، فتتمثل فيما يلي:

  • الاعتبارات الجيوسياسية والجيوإستراتيجية في كل من الشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى كمناطق تمتلك معظم احتياطيات العالم من البترول.
  • التعاون العسكري في منطقة المحيط الهادي للحفاظ على الوضع القائم في آسيا الباسيفيك.
  • مواجهة الأصولية الإسلامية وانتشار الحركات الدينية والإثنية باعتبارها مصدر قلاقل تهدد أمن واستقرار المنطقة.

في ضوء الحرب ضد الإرهاب، يمكن القول إن مستقبل العلاقات الهندية-الأميركية سوف يكون متكاملا أكثر منه متصارعا. فالعلاقة القوية مع الولايات المتحدة أضحت عنصرا رئيسياً في سياسة الأمن الهندية، ويعد أمن المحيط الهندي من أبرز مجالات التعاون بين البلدين. ولعل ما يؤكد ذلك ترحيب الهند بفكرة الدرع الصاروخي الأميركي الذي أعلنته إدارة الرئيس جورج بوش الابن. الجدير بالذكر أن الهند تعد واحدة من ثلاث دول فقط ترحب بالفكرة الأميركية التي تلقى معارضة من كل من الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض حلفاء الولايات المتحدة الغربيين، الأمر الذي يعكس حالة التحسن التي تشهدها العلاقات الهندية-الأميركية خلال السنوات الخمس الأخيرة. فضلاً عن العلاقات الاقتصادية المتنامية بينهما، فإن الاهتمام المشترك بصدد الإرهاب أضاف رابطة قوية جديدة إلى العلاقات الهندية-الأميركية، ويمكن لهذه العلاقات أن تزداد قوة إذا ما قبلت الهند بشرعية الاهتمامات الأميركية بالاستقرار في باكستان، وإذا ما تخلت الهند عن النظر إلى العلاقات الأميركية مع كل من الهند وباكستان على أنها معادلة صفرية.

2- العلاقات الهندية-الأوروبية:


العلاقات الهندية-الأوروبية اقتصادية في المقام الأول، ومن المرجح أن تشهد مزيداً من الازدهار في ظل تنامي العولمة

يمثل تدعيم الأطر المؤسسية للعلاقات بين الهند وبلدان الاتحاد الأوروبي محطة بارزة في تاريخ هذه العلاقات. فقد شهد عام 1973 توقيع أول اتفاقية تعاون بين الطرفين، والتي حل محلها اتفاقية للتعاون الاقتصادي عام 1981، ليعقبها مؤخراً اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتنموي تم توقيعها عام 1994. وتعد هذه الاتفاقية الأخيرة بمثابة شراكة اقتصادية إستراتيجية هندية-أوروبية.

يمثل انعقاد مؤتمرات القمة الهندية-الأوروبية على أسس دورية محطة جديدة ونقلة نوعية بهدف تطوير وتعميق العلاقات بين الطرفين، فهناك العديد من الاجتماعات واللقاءات التي تعقد بين اللجان المشتركة ومختلف جماعات العمل في العديد من المجالات مثل صناعات النسيج والصلب وتكنولوجيا المعلومات، وكذا في مجال تقوية التعاون بين الطرفين لمواجهة الإرهاب الدولي.

انعقد مؤتمرا قمة هندية-أوروبية حتى الآن، الأول في العاصمة البرتغالية لشبونة في يونيو/ حزيران 2000، وعقد الثاني في العاصمة الهندية نيودلهي في نوفمبر/ تشرين الثاني. ومن المنتظر أن يعقد مؤتمر القمة الثالث في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الحالي (2002).

وجاءت مؤتمرات القمة الهندية-الأوروبية بعد نحو عقد من الزمان شهد تحسناً مستمرا في العلاقات بين الهند والاتحاد الأوروبي، لاسيما بعد تبني الهند لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مطلع التسعينيات، والذي يلقى ترحيباً كبيراً من الجانب الأوروبي الذي اعترف بالأهمية السياسية والاقتصادية للهند. وهو الاعتراف الذي ارتقي بالهند لتصبح ضمن مجموعة محدودة من الدول التي تقيم علاقة شراكة على مستوى رؤساء الدول والحكومات مع الاتحاد الأوروبي جنبا إلى جنب مع كل من الولايات المتحدة وروسيا وكندا واليابان والصين.

أدت مؤتمرات القمة إلى تدعيم الشراكة الهندية-الأوروبية وتزايد كثافة المبادلات التجارية بين الطرفين ليصبح الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للهند (بإجمالي 27 و20 مليار دولار، أي نحو 28% من إجمالي تجارة الهند الخارجية)، ومصدراً مهماً من مصادر الاستثمارات الأجنبية فيها (والتي تقدر بنحو 10 مليارات دولار أميركي)، ومساهماً رئيسياً في مساعدات التنمية التي تتلقاها الهند. وتأتي المملكة المتحدة على قمة الشركاء التجاريين لنيودلهي في الاتحاد الأوروبي، تليها ألمانيا، فبلجيكا، ثم إيطاليا.

يعطي الطرفان لمجال تكنولوجيا المعلومات الأولوية في مجال تعميق وتطوير العلاقات بينهما. وإن لم تخل العلاقات بين الطرفين من بعض نقاط الخلاف مثل اعتراض الهند على سياسة الإغراق الأوروبية.

أما فيما يتعلق بمستقبل العلاقات الهندية-الأوروبية، فإنه من المرجح أن تشهد مزيدا من الازدهار في ظل تنامي تيار العولمة، خاصة وأنها علاقات اقتصادية في المقام الأول، وإن كانت لا تخلو من أبعاد سياسية تحظى باهتمام متزايد من الطرفين مثل التأكيد على الدور المحوري للأمم المتحدة في مجال الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، والعمل من أجل بلورة نظام دولي متعدد الأقطاب.
ـــــــــــــــ
* نائب مدير مركز الدراسات الآسيوية، وأستاذ العلوم السياسية كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة

المصادر

المصدر : غير معروف