منظمة المؤتمر الإسلامي: الممكن أفضل من الواقع!

حريق المسجد الأقصى
undefined

        
بقلم د. محمد شوقي *
إذا كان حريق المسجد الأقصى على يد بعض المتطرفين اليهود فى الحادي والعشرين من أغسطس/آب 1969م هو بمثابة السبب المباشر وراء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، فإن ثمة أسبابا أخرى عديدة كالرغبة في تنمية العالم الإسلامي اقتصاديا واجتماعيا، والسعي نحو ضمان أمنه والحفاظ على هويته الحضارية المتميزة، كانت دافعا وراء إنشائها. وقد قدر لهذه المنظمة أن تنشأ فى ظروف من الضعف والوهن أحاطت بالعالم الإسلامي في أعقاب هزيمة 1967م وما ترتب عليها من تداعيات.

ولقد استمرت الأعمال التحضيرية المتعلقة بإنشاء المنظمة نحو أربع سنوات انتهت حين اتخذ المؤتمر الثالث لوزراء خارجية الدول الإسلامية المنعقد بجدة في الفترة من 29 فبراير/ شباط إلى 4 مارس/ آذار 1972م قراره الخاص بالموافقة على مشروع ميثاق المؤتمر الإسلامي والذي يعد بمثابة الاتفاق المنشئ لها.


حريق المسجد الأقصى علــى يــد بعض المتطرفين اليهود في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب 1969 كان السبب المباشر وراء إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي

والحق أن هذا الميثاق قد وضع فى صيغة تقليدية حيث غُلّبت فيه اعتبارات السيادة الوطنية والمصالح القطرية لكل دولة عضو على مقتضيات العالم الإسلامي العام. كذلك فقد انطوى الميثاق في صورته الأصلية على عدد من العيوب التي استدعت التدخل لتعديل بعض أحكامه، من ذلك أن المادة الرابعة منه قد اكتفت بالنص على "أن مؤتمر دول ورؤساء الدول والحكومات هو الجهاز الأعلى للمنظمة يجتمع حينما تقتضي مصلحة الأمة الإسلامية ذلك"، دون تحديد فترة زمنية معينة يجتمع خلالها الجهاز المذكور بشكل دوري. وهو ما تداركه مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكة المكرمة (25-28 يناير/ كانون الثاني 1981م) فقام بتعديل المادة بحيث تقضي بأن يجتمع مؤتمر القمة بصفة دورية مرة كل ثلاث سنوات.

ومن ذلك أيضا أن الميثاق قد جاء خاليا من أية إشارة إلى أية جزاءات يمكن للمنظمة أن تلجأ إلى فرضها على أي عضو فيها يخالف أحكامه، وهذه نقطة ضعف أساسية كان حريا بواضعي الميثاق أن يتنبهوا إليها منذ البداية إن أرادوا للمنظمة أن تكون على قدر من الفعالية والكفاءة.

الهيكل التنظيمي للمنظمة
ينبني الهيكل التنظيمي لمنظمة المؤتمر الإسلامي على أربعة أجهزة رئيسية هي:

1- مؤتمر القمة أو مؤتمر ملوك ورؤساء الدول
يتكون هذا الجهاز من ملوك ورؤساء الدول الإسلامية أو من ينوب عنهم. ويعد بمثابة الجهاز الأعلى في المنظمة الذي تناط به مهمة النظر في القضايا الكبرى التي تهم العالم الإسلامي وتنسيق سياسات المنظمة تبعا لذلك. ويعقد مؤتمر القمة نوعين من الاجتماعات: اجتماعات عادية تنعقد كل ثلاث سنوات، واجتماعات غير عادية تنعقد كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

2- المجلس الوزاري أو مؤتمر وزراء الخارجية
ويتكون هذا الجهاز من وزراء الدول الأعضاء أو من ينوب عنهم، وتناط به جملة من الاختصاصات والسلطات الموضوعية والتي تشمل النظر في وسائل تنفيذ السياسة العامة للمنظمة، ومتابعة ما تم إنجازه من قرارات تم اتخاذها في الدورات السابقة، ودراسة أية قضية تؤثر على دولة أو أكثر من الدول الأعضاء واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها، ومناقشة تقرير اللجنة المالية. كما تناط به سلطات واختصاصات ذات طابع إجرائي وإداري؛ كتعيين الأمين العام للمنظمة والأمناء المساعدين، وتحديد موعد انعقاد الدورة التالية لمؤتمر وزراء الخارجية ومكانها. وينعقد مؤتمر وزراء الخارجية مرة كل عام، ويجوز له أن ينعقد بصفة استثنائية إذا اقتضى الأمر ذلك بناء على طلب من دولة عضو أو من الأمين العام للمنظمة شريطة حصول هذا الطلب على موافقة ثلثي الدول الأعضاء، وتصدر قرارات المجلس الوزاري وتوصياته بأغلبية الثلثين.

3- الأمانة العامة
وهي الجهاز الذي تناط به مهمة تسيير العمل الإداري اليومي داخل المنظمة، كما يضطلع بمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر الوزاري وتوصياته، والقيام بدور حلقة الوصل بين الدول الأعضاء والمنظمة، وتبادل الآراء بين الدول الأعضاء ونشر المعلومات ذات الأهمية المشتركة. ويرأس الأمانة العامة أمين عام يعينه مؤتمر وزراء الخارجية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. ويعاون الأمين العام أربعة أمناء عامين مساعدين يعنى كل منهم بمجال من المجالات الآتية: الشؤون السياسية، الشؤون الثقافية، الشؤون المالية والإدارية، شؤون القدس. ويعيَّن الأمناء المساعدون من جانب الأمين العام للمنظمة بعد موافقة مؤتمر وزراء الخارجية. وتضم الأمانة العامة عددا كافيا من الموظفين الدوليين اللازمين لتسيير العمل داخل هذا الجهاز.


محكمة العدل الإسلامية لم يقدر لها أن ترى النور حتى الآن نظراً لعدم بلوغ تصديقـات الدول الأعضاء على نظامها الأساسـي النصـاب المطلـوب وهو ثلثا  الدول الأعضاء

4- محكمة العدل الإسلامية
وهي الجهاز القضائي الرئيسي للمنظمة. وقد جاء إنشاؤها عام 1987م بعد موافقة مؤتمر القمة الإسلامي الخامس – بناء على اقتراح الكويت – على تعديل نص المادة الثالثة من الميثاق والتي جاءت في صيغتها الأصلية خلواً من أية إشارة إلى الجهاز القضائي، ليضيف إلى الأجهزة الرئيسية الثلاثة سالفة الذكر جهازاً رابعاً هو محكمة العدل الإسلامية.

وتتكون المحكمة وفقا للمادة الثالثة من نظامها الأساسي من سبعة قضاة يتم انتخابهم بواسطة مؤتمر وزراء الخارجية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. ولا يجوز إقالة القاضي إلا بإجماع آراء باقي القضاة، ويحظر على القاضي ممارسة أية مهام سياسية أو غيرها مما لا يتفق وكرامة المنصب واستقلاليته.

ومما تجدر الإشارة إليه فى هذا الصدد أن اختصاص المحكمة اختياري، بمعنى أنه ليست ثمة إلزام على الدول الأعضاء في أن تسوي خلافاتها ونزاعاتها القانونية باللجوء إلى هذه المحكمة، فللدول الأعضاء الحق في اللجوء إليها لتسوية هذه النزاعات أو اللجوء إلى أية أساليب أخرى ولو كان من بينها اللجوء إلى جهاز قضائي دولي آخر كمحكمة العدل الدولية.
وتباشر المحكمة اختصاصين رئيسيين هما:

    – الاختصاص القضائي، بمعنى القيام بالفصل في النزاعات القانونية التي تعرض عليها من جانب الدول الأعضاء.
    – الاختصاص الإفتائي، بمعنى تقديم الفتاوى والآراء القانونية بشأن المسائل التي تعرض عليها لهذا الغرض من جانب مؤتمر القمة أو مؤتمر وزراء الخارجية أو أي جهاز آخر يرخص له بذلك.

وإضافة إلى هذا تمارس المحكمة اختصاصا آخرا ذا طابع سياسي تنهض من خلاله بما يشبه دور الطرف الثالث في مجال العمل من أجل تسوية النزاعات سواء بالوساطة أو التوفيق أو التحكيم.

المنظمة ومشاكل العالم الإسلامي
والحق أن منظمة المؤتمر الإسلامي قد تصدت منذ نشأتها للعديد من المشكلات التي واجهت الدول الأعضاء فيها في علاقاتها المتبادلة، نجحت في بعضها وأخفقت في الأخرى. ومن بين المشكلات التى أخفقت فيها على سبيل المثال النزاع الجزائري المغربي حول الحدود، إذ تجاهلت المنظمة هذا النزاع تماما ولم توله أي اهتمام من جانبها. وقد حققت المنظمة قدراً من النجاح في حدود إمكاناتها وهامش الحركة المتاح لها في حالات أخرى، كالصراع العراقي الإيراني والنزاع السنغالي الموريتاني.

undefined

1- النزاع العراقي الكويتي
لعل مما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن المنظمة عند تعرضها لحالة الغزو العراقي للكويت قد عكست حالة من الضعف والوهن الشديدين، إذ آثر وزراء خارجية الدول الإسلامية المجتمعون في مؤتمرهم التاسع عشر بالقاهرة (في الفترة من 31 يوليو/ تموز إلى 5 أغسطس/ آب 1990م) وقت وقوع الغزو؛ تأجيل اجتماعاتهم تحت دعوى إتاحة الفرصة لزملائهم من وزراء الخارجية العرب لبحث الأمر في نطاق جامعة الدول العربية. وهو ما يمكن تفسيره في ضوء حقيقة أن منظمة المؤتمر لا تملك أية آلية في ميثاقها بشأن الأمن الجماعي للدول الأعضاء، كما أن الميثاق جاء خلواً من أية إشارة إلى التدابير العسكرية التي يمكن للمنظمة أن تلجأ إليها في حالة انتهاك إحدى الدول الأعضاء لأحكام الميثاق.

undefined

2- قضية القدس
احتلت قضية القدس موقعا مركزيا من نشاط منظمة المؤتمر الإسلامي، إذ لم يخل بيان من البيانات الختامية للقمم أو لمؤتمر وزراء الخارجية الإسلامية من إشارة إلى هذه القضية وتأكيد على وجوب العمل الإسلامي الجماعي من أجل المحافظة على حرمتها وتحريرها من الاحتلال، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي أنشئت من أجلها المنظمة على نحو ما أوردت الفقرة الخامسة من المادة الثانية من ميثاقها. ومن ثم فقد جاء انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث في يناير/ كانون الثاني 1981م تحت عنوان "دورة فلسطين والقدس الشريفة"، وقد تضمن بيانه الختامي تأكيداً على "الالتزام بتحرير القدس العربية لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية". كما عملت المنظمة على إنشاء عدد من الأجهزة التي استهدفت التعاون بين الدول الأعضاء والتنسيق مع الجهات والمنظمات الدولية المعنية لحماية الحقوق العربية والإسلامية في القدس، فكان إنشاء كل من لجنة القدس وصندوق القدس لتحقيق هذه الأغراض.

3- الأقليات الإسلامية
تعرضت المنظمة لحماية حقوق الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية كما فعلت فيما يتعلق بقضية مسلمي الفلبين على سبيل المثال، غير أن جهودها في هذا المجال لم تسفر عن نتائج ذات أثر يذكر في وضع هذه الأقليات المذكورة.

مستقبل المنظمة ودورها في تنمية العالم الإسلامي

undefined

إذا كانت منظمة المؤتمر الإسلامي لم تنجح في تحقيق آمال العالم الإسلامي وطموحاته وحماية حقوقه وتنمية شعوبه، فإن مرد ذلك في الحقيقة إنما يعود بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية لدى صانعي القرار في الدول الإسلامية؛ إلى ما يصيب هيكلها التنظيمي من ضعف؛ ليس أدل عليه من أن محكمة العدل الإسلامية لم يقدر لها أن ترى النور حتى الآن نظراً لعدم بلوغ تصديقات الدول الأعضاء على نظامها الأساسي النصاب المطلوب وهو ثلثا الدول الأعضاء. وليس أدل عليه أيضا من أن ميزانية المنظمة – رغم المهام الجسيمة المخولة بالقيام بها – لا تتعدى أحد عشر مليوناً من الدولارت سنوياً، ورغم ذلك فإن العديد من الدول الأعضاء تتأخر عن الوفاء بمساهمتها الإلزامية في هذه الميزانية وذلك إلى الحد الذي جعل الأمين العام للمنظمة يعلن فى أوائل عام 1999م أن المنظمة مدينة حتى أواخر عام 1998 بما يربو على 23 مليون دولار وأن الأمانة العامة للمنظمة وأجهزتها تعاني من نقص خطير في السيولة ومن أزمة مالية تكاد تعصف بوجودها.


ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي وضع في صيغة تقليدية غُلبت فيها اعتبارات السيادة الوطنية والمصالح القطرية

ضرورة الدعم السياسي والمالي للمنظمة
وعلى هذا فإنه يمكن القول إن منح المنظمة قدراً من الفعالية من خلال دعم أجهزتها الرئيسية ودعم ميزانيتها – وهو ما لا يتأتى إلا بتوافر إرادة سياسية حقيقية لتحقيق هذا الأمر لدى قادة الدول الإسلامية – كفيل بنجاحها في تحقيق جانب مما يحيط بها من أهداف لا سيما وأن المنظمة قد حققت – رغم المعوقات المشار إليها – قدراً لا بأس به من النجاح فيما يتعلق بمجالات التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية، فبرغم حقيقة أن ميثاق المنظمة لم يول قضية التعاون الاقتصادي هذه أهمية تذكر، إلا أنها نجحت في عقد بعض الاتفاقات العامة المتعلقة بهذا الأمر، مثل الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني والتجاري التي وافق عليها المؤتمر الثامن لوزراء خارجية الدول الإسلامية فى مايو/ أيار 1977م، واتفاقية تنشيط الاستثمارات وحمايتها وضمانها التي وافق عليها المؤتمر الثاني عشر لهم في يونيو/ حزيران 1982م، بالإضافة إلى قيامها ببناء العديد من المؤسسات والاتحادات الإسلامية المشتركة التي يمكن التعويل عليها حاضراً ومستقبلاً في التعاون الإسلامي وتعزيزه، من ذلك على سبيل المثال البنك الإسلامي للتنمية والذي يتمثل الهدف من إنشائه في دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء، وذلك من خلال المشاركة في رؤوس أموال المشروعات والمؤسسات الإنتاجية في هذه الدول ومنح القروض لتمويل هذه المشروعات وتقديم المعونات الفنية للدول الأعضاء. ومن المؤسسات التي أسستها المنظمة كذلك المؤسسة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا، والمركز الإسلامي للتدريب المهني والفني والبحوث، والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة وتبادل السلع وغيرها، أضف إلى هذا أن تفعيل المنظمة كفيل بمساعدتها على الاضطلاع بأهدافها المتعلقة بالجوانب الثقافية والحفاظ على الهوية الحضارية للعالم الإسلامي، لا سيما وأنها قد حققت بالفعل قدرا لابأس به من الفعالية على هذا الصعيد كان من مظاهره – القابلة لمزيد من التطوير والنجاح مستقبلاً – إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإسيسكو) بموجب قرار مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام 1981، واللجنة الدولية للحفاظ على التراث الإسلامي الحضاري، بالإضافة إلى كل من وكالة الأنباء الإسلامية الدولية عام 1972 ومنظمة إذاعات الدول الإسلامية عام 1975.
_____________
* أستاذ العلوم السياسية-جامعة القاهرة.

المصدر : غير معروف