إصلاحات شافيز الاقتصادية والاجتماعية

undefined

*بقلم/ د. مصطفى كامل السيد


undefined
فنزويلا أثناء حكم شافيز
برنامج شافيز الإصلاحي
مواقف المعارضة من الإصلاحات
الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في عهد شافيز

يمثل عهد شافيز أكثر المراحل توترا وتغييرا في تاريخ فنزويلا، فقد حصلت فنزويلا على استقلالها عام 1829/1830، واتخذت كراكاس عاصمة لها وتولى رئاسة فنزويلا عدد من الرؤساء من مختلف التوجهات السياسية.

وبإلقاء نظرة على الأوضاع السياسية في فنزويلا منذ منتصف الخمسينيات وحتى الآن نلاحظ تعاقب عدد كبير من الحكومات ذات توجهات مختلفة، كما يلاحظ وجود مجموعة من السمات:

  1. التأثير القوي والملاحظ للجيش في إدارة الحياة السياسية وتغيير القيادات.
  2. بروز تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية على الأوضاع السياسية، ففي الفترات التي يعاني منها الشعب الفنزويلي من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحدث اضطرابات سياسية واسعة للمناداة بإجراء إصلاحات.
  3. بروز دور الحركات المعارضة كالنقابات المهنية واتحادات العمال والأحزاب السياسية، وقد نجحت هذه الحركات في إجبار عدد من الرؤساء على تقديم استقالتهم، ففي العام 1993 استطاعت المعارضة بالتعاون مع الحركات الشعبية إقالة الرئيس بيريز ومحاكمته بتهمة الفساد وإهدار المال العام.

فنزويلا أثناء حكم شافيز

انتخب هوغو شافيز في الـ6 من ديسمبر/ كانون الأول 1998، رئيسا لفنزويلا، وقد سعى شافيز منذ قيامه بانقلاب 4 فبراير/ شباط 1992 الفاشل لإعادة تشكيل المنظمات اليسارية والثورية في فنزويلا، وتمكن من تكوين جبهة "باولو باتريكو" التي نجحت في الحصول على نسبة تصويت وصلت إلى 34% من إجمالي الأصوات في انتخابات مجلس النواب التي أجريت في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 1998.

بالنظر إلى الأوضاع السائدة قبل قدوم شافيز يلاحظ أن جميع العوامل ساعدت على حصوله على تأييد شعبي كبير، وقد تمثلت تلك الأوضاع في زيادة الفساد السياسي وارتفاع معدلات الفقر، مما أدى إلى اتهام الحزب الديمقراطي الاجتماعي والحزب الاجتماعي المسيحي بالمسؤولية عن التدهور الاقتصادي وزيادة معدلات الفقر، وقد وصلت نسبة من هم تحت الفقر إلى ما يقرب من 80% مما أظهر حجم التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروة وما يعيشه الشعب من فقر هو نتيجة للفساد السياسي للنخبة، وقد ساعد هذا شافيز على الصعود إلى منصب الرئاسة.

برنامج شافيز الإصلاحي


بالرغم من الإصلاحات التي ادعى شافيز القيام بها وتمثلت في القيام بحركة تطهير سياسي فإن هذه الإصلاحات لم تمس سلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية

بفوز شافيز في الانتخابات أعلن أن فترة 1958–1998 هي فترة الثورة الرابعة وأعلن عام 1999 بدء الثورة الخامسة، ثورة بوليفار، نتيجة استلهام معظم أفكاره الإصلاحية من أفكار بوليفار، وقد تضمن هذا البرنامج العديد من الإصلاحات الهامة، كان من أهمها تغيير اسم الدولة وسن قانون جديد لزيادة فترة الرئاسة إلى ست سنوات، مع إمكانية إجراء انتخابات فورية يتم فيها الاتصال مباشرة بين الرئيس والشعب.

كما صدر دستور جديد أنشئ بمقتضاه مجلس تشريعي واحد له سلطات محدودة على القرارات التي يتخذها الرئيس، وقد أجريت الانتخابات البرلمانية للمجلس التشريعي الوطني في يوليو/ تموز 2000 وفاز فيها الحزب المؤيد للرئيس بأغلبية 76 مقعدا من بين 165 مقعدا.

رغم الإصلاحات التي ادعى شافيز القيام بها والتي تمثلت في القيام بحركة تطهير سياسي فإن هذه الإصلاحات لم تمس بسلطات وصلاحيات السلطة التنفيذية، وقد أجري العديد من التعديلات المتعلقة بالعديد من الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومرر ما يقرب من 49 قانونا تتعلق بإجراءات إصلاحية في مجال توزيع الدخول والضرائب والقوانين المتعلقة بالقطاع الزراعي، ومن ثم استبعدت النخبة السياسية التقليدية في المؤسسات العامة كالوزارات والهياكل التنظيمية للدولة، وعين محافظون جدد للمقاطعات ثم غيروا، ومع بدء كل ذلك احتل العسكريون موقعا مميزا داخل إدارة شافيز، حيث تولى عدد منهم مناصب وزارية كصناديق التنمية الاجتماعية وخدمة المستهلكين والحكم المحلي.

مواقف القوى الاجتماعية من إصلاحات شافيز

  • الأحزاب السياسية
    أثرت التغييرات التي أدخلها شافيز على الحياة الحزبية، فقد واجهت العديد من الأحزاب أزمة داخلية، مما استوجب إجراء عملية إصلاح داخل أكبر حزبين في المجلس التشريعي، مما أدى إلى ظهور الدعوة إلى تكوين مؤسسات سياسية جديدة.
  • الكنيسة الكاثوليكية
    بدأ الخلاف بينها وبين شافيز عندما حاول إدخال إصلاحات على النظام التعليمي بما يتفق مع أفكار سيمون بوليفار لما تتضمنه من يسارية وعسكرية.
  • العسكر
    عارضت فئة من العسكر عملية استخدام الجيش في الأعمال المدنية كتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين واعتبرته انتهاكا لكرامة هؤلاء، كما استخدم شافيز الترقيات العسكرية وسيلة للضغط السياسي على القادة العسكريين.
  • النقابات العمالية وجماعات رجال الأعمال
    عارضت بشدة العديد من القوى العمالية والاقتصادية في فنزويلا سياسات شافيز الاقتصادية والاجتماعية نتيجة تأثرها بالنزعة الثورية اليسارية.

الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في عهد شافيز

أولا: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عهد هوغو شافيز
تعتبر فنزويلا دولة غنية من حيث الموارد الطبيعية، ولكنها فقيرة من حيث السياسات الاقتصادية، فخلال العقدين الماضيين كان أداؤها الاقتصادي مخيبا حيث شهدت ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي حلال الفترة من 1973 إلى 1974، نظرا لارتفاع أسعار النفط ولكن ذلك تبعه انخفاض معدلات النمو سنويا في الفترة من 1979 إلى 1985.

ومنذ الفترة من 1986 إلى 1988 طبقت الدولة مجموعة من السياسات أدت إلى ارتفاع مؤقت لمعدلات النمو، بيد أن هذه السياسات لم تتسم بالاستمرارية، فارتفع معدل التضخم، وانخفض الاحتياطي الأجنبي. وبعد فترة من النمو الاقتصادي القصير في بداية 1990 تدهورت الأوضاع الاقتصادية مرة أخرى خلال الفترة من 1993 إلى 1994، وذلك يرجع إلى انخفاض أسعار صادراتها من البترول وعدم الاستقرار السياسي، ونتيجة لذلك ارتفع معدل التضخم وانخفض الاحتياطي الأجنبي، كما انخفض نصيب الصادرات غير النفطية من الناتج المحلي الإجمالي.

وتبع ذلك إدخال الحكومة بعض السياسات الإصلاحية كتوحيد سعر الصرف وتحرير أسعار الفائدة وإلغاء معظم القيود على الأسعار. ومع العام 1997 بدأ الاقتصاد في استعادة النمو مرة أخرى. ولكن ظلت معدلات البطالة والتضخم مرتفعة. ثم صار الاقتصاد في العامين 1998 و1999 في حالة ركود، نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط عالميا، وبيئة مالية خارجية سيئة ضيقت من فرص فنزويلا لدخول الأسواق المالية الدولية.

وكانت إحدى المشكلات الرئيسية بالنسبة للاقتصاد الفنزويلي هي الاعتماد على البترول والانخفاض العام في أسعار النفط الحقيقية وعوائده. وقد ارتفع نصيب النفط من الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 21% في بداية التسعينيات لحوالي 30%، وفي الوقت نفسه انخفض نصيب الزراعة من إجمالي الناتج المحلي من 6% عام 1990 إلى 4% عام 1999. كما انخفض نصيب الصناعة من 13% إلى 10%، وظل نصيب قطاع الخدمات حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وظلت مساهمة الصادرات غير النفطية بالنسبة إلى الناتج المحلي أقل من 25%، وهذا يعكس عدم تنوع الصادرات الفنزويلية.

وفي ظل هذه الظروف انخفض متوسط الأجور الحقيقية في الفترة من 1990 إلى 1999 بحوالي 23% وارتفعت معدلات البطالة(1) وبلغ نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي عام 1999 مبلغ 3670 دولارا كما بلغ الناتج القومي الإجمالي 87 مليار دولار عام 1999. وزادت صادرات السلع والخدمات من 18.806 مليار دولار عام 1990 إلى 19.021 مليار دولار عام 1999 في حين زادت الواردات من 9.541 مليار دولار عام 1990 إلى 19.870 عام 1999، ليبلغ عجز الحساب الجاري (-2562) عام 1998 بعد أن وصل إلى 8.279 مليار دولار عام 1990.

وورثت حكومة شافيز منذ توليها السلطة عام 1999 اقتصادا معتمدا على النفط بصورة كبيرة وعدم توازن هيكلي، يتضمن عجزا ماليا ضخما وعجزا للحساب الجاري ومعدلات بطالة مرتفعة ونبهت هذه الأزمة إلى ضرورة العمل بسرعة. وقد طبقت الحكومة العديد من السياسات الاقتصادية، منها تخفيض النفقات العامة والحفاظ على سياسة سعر صرف قوية، وحاولت الحكومة تشجيع الاستثمار الأجنبي، وذلك بعد حالة ركود حاد عام 1999 (2) وقد تحسن مناخ الاستثمار الأجنبي في العام 2000 مع انتعاش النمو الاقتصادي الذي بلغ معدله 3.2% تحت تأثير انتعاش أسعار النفط عالميا، إلا أن المستثمرين الأجانب كانوا متخوفين من حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، خاصة مع صدور قانون الطاقة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 والذي بموجبه تسيطر الحكومة على 51% من أسهم كل مشروع، كما أنه يرفع الضرائب التي تدفعها الشركات الأجنبية(3).

وقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي عام 2000 مبلغ 120.5 مليار دولار ونصيب الفرد من "GDP" (حسب تعادل القوى الشرائية 5794 دولارا، وبلغ إجمالي الصادرات من السلع والخدمات من "GDP" نسبة 29% في حين بلغ نصيب الواردات 17% وبلغ معدل التضخم 16.3% كما بلغ حجم الديون الخارجية 38.001مليار دولار وإجمالي الديون إلى (GDP) نسبة 33.3% عام 2000.(4)

وكان العام 2002 ولا زال يمثل عاما صعبا بالنسبة لفنزويلا، فقد تم تخفيض قيمة العملة بحوالي 50% خلال الأشهر الستة الأولى وارتفع معدل التضخم من 13% إلى 17% وانخفضت عوائد النفط بحوالي 6% في الربع الأول من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها عام 2001، ونتيجة لذلك انخفضت ميزانية الدولة لعام 2002 بحوالي 7% مقارنة بما كان مخططا قبل ذلك، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية مع محاولة الانقلاب الفاشلة في أبريل/ نيسان 2002، وزادت الأوضاع سوءا بعد الإضراب العام لعمال النفط الذي جاوز 3 أسابيع ليصبح متوقعا انخفاض النمو الاقتصادي لهذا العام بحوالي 6%، كما أن شركة النفط الوطنية لا تنتج أكثر من 10% من إنتاجها العادي. وبلغت البطالة 17% والتضخم يتوقع بلوغه 30% مع نهاية العام 2002، ويتوقع تفاقم الأوضاع الاقتصادية أكثر من استمرار الإضراب في قطاع النفط، فقطاع النفط يمثل 30% من الناتج الإجمالي و80% من إجمالي صادرات فنزويلا وهي خامس أكبر مصدر للنفط في العالم وتمد الولايات المتحدة بـ13% من احتياجاتها النفطية.(5)

ثانيا: برامج الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في عهد شافيز
تعتبر فنزويلا سابع أكبر دولة في أميركا اللاتينية وتغطي مساحتها 912.5 كيلومترا مربعا ويبلغ عدد سكانها عام 2000 ما يقدر بـ24.2 مليون نسمة، وتملك أكبر اقتصاد في تجمع الإنديز (6)، كما تتمتع بأعلى نصيب للفرد من الناتج القومي الإجمالي في أميركا اللاتينية. إلا أن مشكلة توزيع الثروة هي قضية أخرى. ومنذ تولي شافيز الحكم عام 1999 والبلاد تمر بمرحلة من التغيرات الهامة ذات التأثير البالغ على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فبالإضافة إلى الإصلاحات السياسية الهامة وعلى رأسها صدور دستور جديد هناك مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية ذات تأثيرات اجتماعية خطيرة، أفرزت مظاهرات قوية من بعض القطاعات الإنتاجية والاجتماعية، ومنذ أبريل/ نيسان 2002 تشهد البلاد انقساما اجتماعيا حادا وعدم استقرار سياسي كبير. ويتميز الاقتصاد الفنزويلي بخاصية خطيرة هي الازدواجية، فقطاع النفط فيها متقدم للغاية مقارنة بالقطاعات الإنتاجية الأخرى وهذا ما يجعل الاقتصاد الفنزويلي أكثر عرضة لتقلبات أسعار النفط. ولهذا فهدف تنويع الاقتصاد مطلب أساسي لتحقيق التنمية. ومنذ تولي شافيز السلطة تم وضع العديد من البرامج الإستراتيجية:

  • ففي يونيو/ حزيران 1999 وضع "البرنامج الاقتصادي للتحول 1999–2001.
  • وفي مايو/ أيار 2000 صدر "البرنامج الاقتصادي 2000.
  • وفي سبتمبر/ أيلول 2001 صدرت "الخطوط العريضة لبرنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد في 2001–2002".

سعت حكومة شافيز لتقليل الفقر وتحقيق المساواة الاجتماعية من خلال تحقيق التوازن في فرص الحصول على التعليم والصحة وخلق فرص عمل جديدة في الشركات الصغيرة والتعاونيات

وهذه الأخيرة تعتبرها الحكومة أول خطة للمرحلة الدستورية البوليفارية الجديدة، وتم تكملة هذه البرامج بالعديد من القوانين والخطط الاجتماعية.

وبالإضافة إلى تحقيق التوازن الاقتصادي كان الهدف الرئيسي هو إقامة نموذج إنتاجي يحقق النمو المتواصل المعتمد على الذات لضمان التنوع في الإنتاج وزيادة المنافسة العالمية. ومن أجل تنويع الاقتصاد تم اختيار بعض القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصيد وبعض الصناعات الرئيسية (كالألمنيوم والنيكل والنحاس والسياحة والخدمات عالية التقنية) من أجل تحسين توزيع الدخل، وتسعى الحكومة إلى تطوير اقتصاد اجتماعي باستخدام برنامجين أساسيين:

  1. ديمقراطية رأس المال وديمقراطية الأراضي والتعاونيات الجديدة والمشروعات الصغيرة.
  2. تنظيم القطاع المالي الصغير بتسهيل الحصول على قروض ميسرة.

وعلى صعيد الإصلاح في قطاع الزراعة، أصدرت الحكومة قانون الإصلاح الزراعي (7) وهناك نوعان من البرامج للإصلاح الزراعي: الريفي والحضري.

  • الإصلاح الزراعي الريفي
    وقد تم تمريره في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وكان بداية المعارضة الحقيقية لشافيز حين صمم على إعادة توزيع الأراضي غير المزروعة للفلاحين الذين لا يملكون أراضي زراعية، إذ رفض أصحابها إشراكها في عملية الإنتاج حيث إن 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في فنزويلا تقع تحت سيطرة 10% من السكان، وحوالي 10 مليون هكتار من إجمالي 11.5 مليون هكتار تم توزيعها وفقا للإصلاح الزراعي عام 1961، قد انتهت لتصبح في يد كبار الملاك الزراعيين.
  • برنامج الإصلاح الزراعي الحضري
    صمم من أجل إضفاء الشرعية لملكية بعض فقراء الحضر على الأراضي بصورة غير قانونية ولمساعدتهم على تحسين مجتمعاتهم من خلال التشاور مع الحكومة للحصول على بعض الخدمات كالمياه والكهرباء. وقد أثار هذا القانون معارضة كبار ملاك الأراضي الزراعية. وفي قطاع الصيد رفعت الحكومة قيمة التأشيرات المسموح بها لشركات الصيد وقللت من المدة المسموح بها للصيد وضيقت المساحة المسموح فيها بالصيد الصناعي، وحددت مناطق معينة للصيد التقليدي والذي أثر سلبا على الشركات التي تصدر الأسماك إلى أوروبا. وبالإضافة إلى صدور قانون النفط الذي أثار حفيظة رجال الأعمال لأنه يرفع الضرائب المفروضة على الشركات العاملة في قطاع النفط ويجعل نصيب الدولة في المشروعات المشتركة حوالي 51%. (8)

وسعت حكومة شافيز لتقليل الفقر وتحقيق المساواة الاجتماعية من خلال تحقيق التوازن في فرص الحصول على التعليم والصحة وخلق فرص عمل جديدة في الشركات الصغيرة والتعاونيات وإعادة تعمير المناطق المتضررة من فيضان 1999 ومبادئ السياسة الاجتماعية هي: المساواة والمشاركة والمسؤولية المشتركة والعمومية.

وكان التعليم هو أحد السياسات الهامة التي استخدمتها لتخفيف مشكلتي العنف والبطالة، وتسعى الحكومة إلى إصلاح ما يطلق عليه النظام التعليمي الفاسد، وذلك بالتركيز على فرص عادلة في التعليم وتحسين نوعيته والتركيز على التعليم الثوري(9).

أما في مجال الصحة فتم إنشاء وزارة التنمية الاجتماعية والصحة أواخر العام 1999. وتهدف الوزارة إلى إيجاد نموذج جديد للرعاية الصحية ولإقامة نظام قومي للصحة العامة، وتكون الحكومة مسؤولة عن تمويل هذا النظام. وإن افتقر هذا النظام للتنظيم الجيد والشفافية والمساءلة والمحاسبية والرقابة بين أجزائه.

كما نصت مواد الدستور على أن الصحة هي حق اجتماعي أساسي وهي من مهام الدولة، وعليها صياغة وتنفيذ السياسات التي من شأنها رفع نوعية الحياة وتسهيل الحصول على الخدمات، وأن كل مواطن له الحق في الضمان الاجتماعي، إلا أن مؤشر التنمية الإنسانية انخفض في الفترة من 1990 إلى 1998 من 0.821 عام 1990 إلى 0.6912 عام 1996 وبلغ 0.6504 عام 1999.

كما زادت نسبة السكان تحت خط الفقر في الفترة من 1996 إلى 2000 بناء على مقياس "NBI" وهو (مقياس الحاجات الأساسية غير المشبعة) من 48.9 عام 1996 إلى 49.1 عام 2000.

وارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع وقفا للـ"NBI" من 21.7 عام 1996 إلى 21.8 عام 2000.

وانخفض إنفاق الحكومة المركزية على الصحة كنسبة مئوية من GDP من 1.47 عام 1998 إلى 1.27، أي من 1.5 مليار دولار إلى 1.3 مليار دولار عام 1999، وإن ظل الإنفاق الخاص على الصحة ثابتا في العامين 1998 و1999 (1.59 مليار دولار). وإن ارتفعت نسبة الأطباء والممرضين لكل 10000 نسمة إلى 19.7 طبيبا و7.9 ممرضين عام 1999 من 12.2 عام 1998، في حين بلغ معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين (النسبة المئوية لمن يبلغون سن 15 عاما فأكثر) عام 2000 ما يبلغ 92.6%. وبلغت نسبة أمية البالغين بالنسبة لسن 16 عاما فأكثر عام 2000 7.4% وبلغ العمر المتوقع عند الميلاد (بالسنوات) 72.9، ومعدل وفيات الأطفال 2% عام 2000.

أما الفقراء تحت خط الفقر الرسمي (1994–2000) فبلغت نسبتهم 52% إلا أن بعض التقديرات ترى أن النسبة تصل إلى 80%. (10)

ويبدو صحيحا أن فنزويلا وبخلاف دول أميركا اللاتينية التي أدخلت إصلاحات اقتصادية وهيكلية مهمة خلال الثمانينيات والسبعينيات كانت بطيئة وعازفة عن فعل ذلك، فهي تطبق إصلاحات كرد فعل أخير على الأزمات المالية وخاصة مع انخفاض عوائد النفط.

ثالثا: مواقف القوى السياسية والاجتماعية من إصلاحات شافيز
استغل شافيز موجة الغضب الجماهيري العارمة من تفاقم الفساد السياسي، حيث اتهم الشعب الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي بتحمل مسؤولية التدهور الاقتصادي طوال العقدين الماضيين. ويظن أغلب الشعب أن هذا التناقض بين ما تملكه فنزويلا من ثروة وما يعيشه الشعب من فقر هو نتيجة للطبقة السياسية الفاسدة وتابعيها من رجال الأعمال الذين سرقوا ثروات الدولة، استغل شافيز هذا الغضب ليصعد إلى منصب الرئاسة. وسرعان ما طالب مواطنو فنزويلا بإحداث تحولات سياسية قبل استعادة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، فخطا خطوات جريئة لإصلاح سياسي. وأدخل مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أثارت حفيظة العديد من قوى المعارضة لأنها بالأساس اصطدمت بمصالحها. واصطدم شافيز مع العديد من القوى بصورة عرقلت إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية مثل رجال الأعمال واتحادات العمال والكنيسة والإعلام وقطاع من المؤسسة العسكرية.(11)

فنموذج التنمية الذي أطلقه شافيز أعطى الأولوية لمساعدة الفئات المحرومة واعتبر البرنامج شعبويا مما أثار حفيظة رجال الأعمال، وكانت النتيجة هروب رؤوس الأموال خارج البلاد.

وقد انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من 4.464 إلى 3.409 ثم وصلت إلى 3.290 بلايين دولار في الأعوام 1999 و2000 و2001 على التوالي(12) مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

ولم يكن الكساد السبب الرئيسي لمعارضة الطبقة الوسطى مثلا لشافيز، فبعض السياسات المتعلقة بالصحة والتعليم استفاد منها الفقراء أكثر من أبناء الطبقة الوسطى، لأن الأخيرة تعتمد على التعليم الخاص والخدمات الصحية الخاصة. أما الفقراء فقد استفادوا من جعل الرعاية الصحية للجميع لأول مرة في تاريخ فنزويلا، حتى وإن كان مستوى الخدمة الصحية غير متوقع، إلا أنه ارتفع على الأقل حين أصبح لهم الحق في الحصول عليها بصورة أسهل من ذي قبل، والوضع نفسه بالنسبة للتعليم حيث أنشأت الحكومة مئات المدارس البوليفارية التي وفرت ثلاث وجبات للطلبة مجانا، ودخل مليون طالب جديد هذه المدارس.

كما أن برنامج الإسكان العام والقروض الميسرة استفادت منه الفئات الفقيرة وإن أضر بمصالح الفئة العليا من الطبقة الوسطى مع مساعي الحكومة لرفع الضرائب المفروضة عليهم. ولذا ازداد انقسام المجتمع الفنزويلي بصورة كبيرة. ورغم صدور قانون الإصلاح الزراعي وفتح الطريق أمام مليون طالب جديد للالتحاق بالتعليم ومضاعفة أعداد المشتركين في فصول محو الأمية فما زال 80% من السكان يعيشون تحت خط الفقر الرسمي. فخطة بوليفار 2000 وهي البرنامج الرئيسي لمكافحة الفقر، الذي تمت إدارته من قبل القوات المسلحة عانت الكثير من مشكلات الفساد، كما أنشئ عدد محدود للغاية من المدارس البوليفارية مقارنة بما كان مخططا لها، وكذلك بنك الدولة والذي كان عنصرا أساسيا في ديمقراطية رأس المال وهدفه المساعدة في إنشاء مشروعات صغيرة وكبيرة من أجل تخفيض البطالة وإنعاش الاقتصاد، فقد نفد رأسماله في العام الثاني من إنشائه بعد أن منح قروضا لمشروعات مجهولة. وإن تم إعادة ضخ الأموال فيه مرة أخرى.

ولم يكن اتحاد العمال CTV بعيدا عن هذه الظروف، فمحاولة شافيز حل نقابات العمال وإحلال جبهة العمال البوليفارية محلها، وكذلك النص في الدستور على انتخاب كل مسؤولي اتحاد النقابات وحصولهم على نفس المرتب الذي يحصل عليه أعضاء الاتحاد، جعلت النقابات العمالية تنقلب على الرئيس شافيز.

ولا تخفى تلك العلاقات القوية التي تربط اتحاد نقابات العمال ببعض أحزاب المعارضة وخاصة الحزب الديمقراطي المسيحي.(13)

ومما سبق فإن الإصلاحات الاقتصادية ومنها زيادة الضرائب على شركات البترول ومحاولة إبعاد بعض قادة ومديري شركات النفط المتهمين بالفساد الذي وصفهم شافيز ذات مرة بأنهم يقيمون في شاليهات فخمة حيث ينظمون حفلات دعارة ويشربون الويسكي. وكذلك قانون الإصلاح الزراعي وزيادة تدخل الدولة، قلبت ظهر الطاولة على شافيز، الذي أصبح جليا له أن الهوة بين فقراء فنزويلا وأغنيائها أوسع من أن يتخطاها شافيز. وكان يمكن أن يكون الوضع أفضل بالنسبة لشافيز لو ظل حائزا على التأييد الكامل مع الفقراء الذين رفعوه إلى السلطة، ولكن الشعارات الثورية لم تعد كافية بمفردها لإنقاذ شافيز، خاصة مع استمرار الإضراب في قطاع النفط والذي وصفه شافيز بـ"الطلقة التي اتجهت إلى صدره واستقرت فيه"(14). ومما سبق يتضح حجم القيود التي أعاقت الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي حاول شافيز تطبيقها.
______________
* مدير مركز بحوث ودراسات الدول النامية/ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
المصادر
1 – Venezuela Country Brief, www.worldbank.org
2 – World Development Report 2000/2001; Attacking Povrety, World Bank, 2000.
3 – 2001 Country Reports on Economic Policy and Trade Practices U. S.
4 – World Development Report 2000/2001.
5 – ظهر في منتصف التسعينيات ما عرف بتجمع الأنديز أو (Andes Pact) ويضم خمس دول من أميركا اللاتينية هي بوليفيا وكولومبيا والبيرو والأكوادور وفنزويلا وتسعى من خلال هذا الميثاق إلى تشكيل منطقة تجارة حرة قد تصل بها على سوق مشتركة. (الجزيرة نت).
6 – Why Venezuela Middle Class (for the most part) opposes Chavez www.zmag.org The Economist, December, 14th, 2002.
7 – Venezuela Country Strategy Paper, Commission of the European Communities.
8 – Venezuela Starts Land Reform, Ends Ties to U. S. military, www.peacelink.it.
9 – Venezuela Country Strategy Paper, op cit.
10 – Human Development Report 2002, UNDP, Profile of the Health Services System of the Bolivarian Republic of Venezuela, Pan American Health Organization, may 2001.
11 – رضا محمد هلال: انقلاب فنزويلا بين التدخل الخارجي والتحديات الداخلية، السياسة الدولية، يوليو/ تموز 2002.
12 – World Investment Report 2002, Country fact sheet: Venezuela, UNCTAD.
13 – Reaction Suffers defeat in Venezuela, www.socialist.cwi.org.
14 – Hisham el-Naggar, Venezuela on the Brink, Al – Ahram Weekly, 19-25 December 2002. وفيق قانصوه: هوغو شافيز، آخر الحاكمين في أميركا اللاتينية، الحياة، 18 ديسمبر/ كانون الأول 2002.

المصدر : غير معروف