الصين وإيران وتركيا.. اللاعبون الجدد في آسيا الوسطى
بدت ملامح السياسة الصينية الجديدة تجاه هذه المنطقة عام 1969 حينما تحركت بكين لإيجاد إطار رسمي يربطها بالمنطقة، فجاءت فكرة منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي بالتعاون مع روسيا وكل من كزاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان والتي انضمت إليها أوزبكستان عام 2001، وكان واضحا أن بكين تستغل نفوذ روسيا للتحرك نحو آسيا الوسطى في حين كانت موسكو تبحث عن حليف قوي في آسيا لوقف الزحف الأوروبي الأميركي نحو مناطق نفوذها.
" التغلغل الاقتصادي الصيني ساعد على تحجيم النفوذ الأميركي في آسيا الوسطى كما تمثل في إغلاق القاعدة الأميركية بأوزبكستان عام 2006 والدعوة الرسمية لمنظمة شنغهاي في يونيو/حزيران 2006 لإغلاق القواعد الأميركية في آسيا الوسطى " |
اقتصاديا تشهد الصين نموا يفوق 10% سنويا، وفي ظل حاجتها الملحة للطاقة بشكل متزايد وارتفاع أسعار النفط والغاز، كان على بكين البحث عن بدائل رخيصة وأكثر أمانا تلبي احتياجاتها. ومن هنا برزت أمامها مصادر الطاقة في آسيا الوسطى التي هي قريبة منها ليتحقق لها هذا الحلم، غير أن الأمر يحتاج لمزيد من المقايضات مع روسيا التي تتخوف من شريكتها الإستراتيجية الجديدة أن تزاحمها في السيطرة على خطوط نقل النفط والغاز.
وفي نفس الوقت تشكل آسيا الوسطى سوقا استهلاكيا رائجا للسلع الصينية، فمعدلات التجارة مع آسيا الوسطى قفزت من مليار دولار عام 1997 إلى قرابة عشرة مليارات دولار عام 2006، مع أن الرقم لا يشكل سوى 1% من تجارة الصين مع العالم إلا أن الرقم يعد كبيرا بالنسبة لدول آسيا الوسطى نفسها.
وتزخر آسيا الوسطى حاليا بمئات المشاريع الكبيرة والصغيرة التي ينفذها الصينيون في مجالات متعددة أهمها:
-
التنقيب وبناء خطوط أنابيب نقل الطاقة
-
بناء الطرق وسكك الحديد
فقد اشترت الصين شركة بتروكزاخستان النفطية بـ4.18 مليارات دولار عام 2005 وكذلك اتفقت الصين مع تركمانستان على مشروع لنقل الغاز التركماني ولمدة ثلاثين عاما إلى الصين والذي تم توقيعه بين بكين وعشق آباد في أبريل/نيسان 2006، كما توجد اتفاقيات مبدئية مع كل من أوزبكستان وإيران حول مشاريع نقل الغاز إلى الصين أو حتى الدول الأخرى مثل مشروع نقل الغاز التركماني عبر أفغانستان إلى باكستان والهند.
ورغم هذه الدوافع الاقتصادية للتحرك الصيني نحو آسيا الوسطى، فإن الجوانب السياسية والأمنية لهذا التحرك لا يمكن إغفالها.
ومن جهتها نجحت منظمة شنغهاي في استقطاب دول آسيا الوسطى بشكل كبير ضد التوجهات الغربية التي تسعى لفرض أجندتها على الأنظمة الديكتاتورية التي لا تريد الخضوع لضغوط الغرب فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والديمقراطية، فكثيرا ما يعلن زعماء آسيا الوسطى تصريحاتهم ضد الانتقادات الغربية والأميركية من العاصمة الصينية بكين.
من طرفها تحاول دول آسيا الوسطى إيجاد توازن بين مختلف القوى في المنطقة للخروج من السيطرة الروسية على البنية التحتية لخطوط نقل الطاقة وإيجاد جو من التنافس بين اللاعبين الكبار تستفيد منه الزعامات المستبدة في السيطرة على مقدرات هذه المنطقة بعيدا عن ضجيج رعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان القادم من الغرب.
" مصالح إيران تتركز في الحفاظ على العلاقات السياسية الفعالة مع دول آسيا الوسطى بما يسمح بالتوسع التجاري والاستثماري على المدى الطويل ولتساعد إيران في الخروج من العزلة الدولية والحصار الأميركي " |
تقع إيران في قلب المنطقة الزاخرة بثروات النفط والغاز والتي تبدأ من كزاخستان شرقا وتنتهي في العراق غربا وتبدأ من شمال بحر قزوين شمالا وتصل إلى دول الخليج جنوبا، لتشكل أكبر مخزون للطاقة الهيدروكربونية في العالم تعتمد عليها الاقتصادات الكبرى في العالم خصوصا أوروبا وآسيا لا سيما اليابان والصين والهند.
وقد أوجد الانهيار السوفياتي فرصة ذهبية لإيران في الخروج عن طوق الحصار الأميركي المفروض عليها عبر التحرك نحو دول آسيا الوسطى وإيجاد أرضيات مشتركة معها على الصعيدين الاقتصادي والثقافي بعيدا عن شعارات الثورة الإسلامية التي طالما شكلت هاجسا كبيرا لدى أصدقاء إيران قبل أعدائها.
ويبدو أن مصالح إيران الإستراتيجية تتركز حاليا في الحفاظ على العلاقات السياسية الفعالة مع دول آسيا الوسطى بما يسمح بالتوسع التجاري والاستثماري على المدى الطويل خصوصا في مجال الطاقة، وفي الوقت نفسه لتساعد هذه العلاقات إيران في الخروج من العزلة الدولية والحصار الأميركي عليها.
" شكل الصراع الإيراني الأميركي أحد أهم الأسباب التي تمنع دول آسيا الوسطى من بسط علاقات وطيدة مع طهران، كما أن إيران لا تملك الإمكانيات للعب في ملعب آسيا الوسطى مع لاعبين كبار مثل روسيا والصين وأميركا " |
فالعلاقات مع تركمانستان تتمثل في:
-
وجود مشاريع اقتصادية مشتركة في مجال الطاقة والغاز ونقلهما إلى الأسواق العالمية
شبكة من الطرق وخطوط السكك الحديدة لربط تركمانستان ببقية دول آسيا وبتركيا ومنها إلى أوروبا.
وتشكل إيران وأفغانستان وطاجيكستان ثلاثية الدول الناطقة باللغة الفارسية وتسعى طهران لدعم الجوانب الثقافية عبر تعميم اللغة الفارسية في طاجيكستان التي ما زالت تتعامل رسميا باللغتين الروسية والطاجيكية وبالكتابة السيريليكة.
ومن المتوقع في المستقبل المنظور أن لا يحدث أي طفرة في العلاقات الإيرانية بآسيا الوسطى رغم بعض المشاريع الرامية لربط إيران بأوزبكستان وطاجيكستان عن طريق شمالي أفغانستان وكذلك محاولة تصدير الغاز التركماني إلى الأسواق العالمية عبر إيران.
" تصبو أنقرة نحو جعل تركيا ممرا لأنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا ويشكل مشروع نابكو لمد خط أنابيب بطول 3300 كم وبقيمة 5.6 مليارات دولار من تركيا إلى أوروبا الغربية أحد أهم أدوات تحقيق هذه الإستراتيجية. " |
لم تتردد أنقرة كثيرا عقب الانهيار السوفياتي عام 1991 في التحرك نحو الشرق لإحياء الحلم التركي المفقود بتشكيل حلف تركي قوي مع الجمهوريات المسلمة الواقعة في القفقاز وآسيا الوسطى ذات العرق التركي.
وتمثل هذا التوجه بسفر الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال إلى هذه الدول والاعتراف بها وعقد أول مؤتمر للدول الناطقة بالتركية في إسطنبول أواخر عام 1992.
غير أن هذا الحلم لم يتحقق حيث آثرت دول آسيا الوسطى المضي قدما بطريقتها وبقي مؤتمر الدول التركية إطارا رسميا يهتم بالأمور الثقافية.
العلاقة الاقتصادية
وتسعى تركيا التي وصلت نسبة النمو الاقتصادي فيها قرابة 10% سنويا إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة تلبي احتياجاتها الصناعية حيث تعتمد حاليا بشكل أساسي على روسيا وإيران ودول أخرى مثل الجزائر ونيجيريا.
ما تصبو إليه أنقرة حاليا هو التحرك نحو جعل تركيا ممرا لأنابيب النفط والغاز من آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا وربما يشكل مشروع نابكو لمد خط أنابيب بطول 3300 كم وبقيمة 5.6 مليارات دولار من تركيا إلى أوروبا الغربية أحد أهم أدوات تحقيق هذه الإستراتيجية.
وتعتبر كزاخستان أكبر شريك تجاري لتركيا حيث يصل حجم الاستثمارات التركية في مجال البناء قرابة خمسة مليارات دولار عبر أكثر من مائتي شركة تركية تنشط هناك كما أن انضمام كزاخستان عام 2006 لخط باكو جيهان لنقل نفطها إلى الأسواق العالمية يعتبر نصرا كبيرا لتركيا.
التعليم والثقافة
وتنشط تركيا كذلك في مجال التعليم والثقافة في آسيا الوسطى عبر سلسلة المدارس والجامعات التركية، كما أن هناك العديد من طلاب آسيا الوسطى الذين يدرسون في الجامعات التركية في إطار خطة الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال لدعم الهوية والثقافة التركية في جمهوريات آسيا الوسطى.
ومع كل هذه التحركات يبدو أن آسيا الوسطى لا تحظى بأولوية في الأجندة الإستراتيجية التركية بقدر ما تحظى محاولاتها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبقدر عنايتها بالملف العراقي.
ورغم كل المعوقات تبقى فرصة تركيا الذهبية في لعب دور حلقة الوصل بين الحضارتين الغربية والإسلامية والقارتين الآسيوية والأوروبية مفتوحة، وهو ما ترنو إليه عيون الأتراك في المستقبل القريب.