الترحيل في القانون الإسرائيلي

 
 

مروان دلال

امتدت مساحة الدولة العبرية وفقا لقرار التقسيم عام 1947 على 54% من مساحة فلسطين، في حين كان عدد السكان اليهود فيها يبلغ الثلث فقط. وكان "اليشوف اليهودي" في فلسطين حينها يملك ما لا يزيد على 7% من أرض فلسطين.

وبعد حرب عام 1948 في فلسطين وطرد معظم أهلها العرب الفلسطينيين منها، انتشرت مساحة إسرائيل على 78% من مساحة البلاد. ودأبت الدولة العبرية منذ ذلك العام على استعمال القانون والقضاء لبسط سيطرتها على الأرض، ومنع أهلها من الرجوع إليها أو حتى استخدامها. ويشمل ذلك الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم مواطنين فيها بعد عام 1948.

قانون أملاك الغائبين 1950
أنظمة الطوارئ 1945.. إعلان مناطق مغلقة
قانون امتلاك أراض 1953
أمر مصادرة أراض 1943
إلغاء إمكانية امتلاك أرض بعد فلاحتها
منع خدمات أساسية
طرد وفقا لأوامر عسكرية
هدم بيوت وبنى تحتية
المواطنة

قانون أملاك الغائبين 1950

سن البرلمان الإسرائيلي عام 1950 قانون أملاك الغائبين، ويمنح هذا القانون صلاحيات واسعة لجسم أقيم بموجبه يدعى "الوصي" أو "القيم" على أملاك الغائبين، الذي يعمل ضمن صلاحيات وزارة الاقتصاد.

وتتركز الصلاحيات الواسعة في الإعلان عن أملاك كأملاك لغائبين من البلد، التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر، البيوت، والأراضي، وحسابات البنوك، وأسهم الشركات.

وعرف الغائب الذي بالإمكان السيطرة على أملاكه، بأنه من ترك فلسطين إبان حرب عام 1948، إلى إحدى البلدان المجاورة لإسرائيل إضافة إلى السعودية والعراق واليمن.

واستعملت هذه الصلاحية بشكل واسع، ولم يترك القانون أو تفسير المحكمة العليا مجالا جديا حتى لإثبات خطأ "القيم" على أملاك الغائبين عند إعلانه غياب فلسطيني موجود في البلد.

وفسرت المحكمة العليا واجبات "القيم" على أملاك الغائب بأنها الحفاظ على هذه الأملاك، ولكن ليس بالضرورة لصالح أصحابها الأصليين.

وبالتالي لا يمكن لصاحب أملاك غائب أو حاضر أن يقاضي "القيم" لو باع هذه الأملاك، كما حصل في القضية الشهيرة قضية "محمد هباب" الذي بيعت أملاكه لجنود إسرائيليين بثمن بخس، على الرغم من أن السيد هباب كان في لندن خلال حرب عام 1948، وليس في دولة عدوة لإسرائيل.

كما أقرت المحكمة نفسها في قرار عام 1994، بأنّ الهدف الرئيسي من سيطرة القيّم على أملاك الغائبين هو تطوير الدولة العبرية بواسطة هذه الأملاك، والحيلولة دون استخدام الغائبين لها، والاحتفاظ بها حتّى يتمّ التوصّل إلى ترتيبات سياسيّة مع الدّول العربيّة تستند إلى مبدأ التبادلية.

أنظمة الطوارئ 1945

"
أبقت إسرائيل مفعول أنظمة الطوارئ البريطانية في فلسطين عام 1945، التي خولت الحاكم العسكري إعلان مناطق معينة مناطق مغلقة لا يجوز دخولها

"

أبقت إسرائيل مفعول أنظمة الطوارئ البريطانية في فلسطين عام 1945، التي خولت المادة 125 منها الحاكم العسكري أن يعلن مناطق معينة مناطق مغلقة لا يجوز دخولها.

واستعملت هذه الصلاحية في حالة قريتي أقرث وكفر برعم في الجليل. وتم إخلاء القريتين بناء على أمر عسكري أعلن أن القريتين منطقة مغلقة لأسباب أمنية، ثم ألغت المحكمة العليا في بداية الخمسينيات الأمر العسكري لسبب تقني وهو عدم نشر الأمر العسكري كما يجب، ورغم ذلك لم يسمح لأهل القريتين بالعودة إلى بيوتهم التي هدم الجيش الإسرائيلي معظمها.

وفي عام 1997 توجه أهل قريتي أقرث وكفر برعم إلى المحكمة العليا مطالبين بعودتهم إلى أراضيهم متوخين من المحكمة أن تلتزم بقرارها في بداية الخمسينيات وقرارات حكومية في منتصف التسعينيات تقضي بأنه لا خطر أمنيا من عودة أهالي القريتين إلى أراضيهم.

وعرضت المحكمة هذه القضية عام 2003، في عهد حكومة أرييل شارون، حيث قدمت النيابة تصريحا مشفوعا بالقسم من شارون ادعى فيه أنه لا يمكن السماح لأهل أقرث وكفر برعم بالعودة لأن هناك خطرا أمنيا يتجاوز حالة أقرث وكفر برعم العينية، لا سيما أن الطرف الفلسطيني سيفسر هذا القرار بأنه اعتراف إسرائيلي بوجود وشرعية حق العودة.

فرفضت المحكمة العليا الإسرائيلية التماس أهالي القريتين متجاوبة مع موقف شارون.

قانون امتلاك أراض 1953

يمنح هذا القانون الحكومة الإسرائيلية السيطرة على أراض لأغراض الأمن والاستيطان والتطوير.

ويسري القانون بأثر رجعي بحيث يبقي أي أرض سيطرت عليها إسرائيل في الفترة الواقعة بين 14 مايو/أيار 1948 حتى الأول من أبريل/نيسان 1952 -أي قبل سن القانون- في أيدي الحكومة الإسرائيلية.

ويكفي أن تعلن الحكومة الإسرائيلية عن حاجتها للأرض من أجل الأمن أو الاستيطان أو التطوير، أو تقول إنها كانت تحت سيطرتها لهذه الأسباب، لكي تصبح هذه الأرض في ملكية شركة حكومية أقيمت خصيصا لإدارة هذه الأراضي تدعى سلطة التطوير.

وفي عام 1985 أصدرت المحكمة العليا قرارا يمنع تقديم أي اعتراض قانوني على أي قرار للحكومة تعلن فيه حاجتها وملكيتها الفورية للأرض، حتى لو كان الإعلان الحكومي خاطئا.

أمر مصادرة أراض 1943

"
تعكف الحكومة الإسرائيلية على سن قانون يمنع إمكانية استرجاع أراض صودرت في الماضي ولم تستعمل حتى يومنا هذا

"

يخول هذا القانون وزير المالية مصادرة أي أرض يعتبرها حاجة عامة أو حاجة للجمهور.

وقد استغل هذا القانون في معظم الأحيان لمصادرة أراض من ملكية أو استعمال عربي لتحويلها إلى مصلحة المجتمع اليهودي.

ومن أبرز هذه المصادرات تلك التي تمت في أواسط السبعينيات في الجليل والتي أدت إلى احتجاج واسع من قبل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل تم قمعه بالرصاص الحي في 30 مارس/آذار 1976 فقتل ستة متظاهرين وجرح المئات. وقد عرف ذلك اليوم بـ"يوم الأرض".

ومن أمثلة ذلك أيضا قرار المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1995 أنه لا يمكن إرجاع أرض مصادرة من إحدى العائلات الفلسطينية (عائلة نسيبة) في منطقة القدس، رغم عدم استخدامها بعد مضي أكثر من 20 سنة على مصادرتها من أجل المنفعة العامة.

وفي عام 2001 قررت المحكمة ذاتها أنه يمكن إرجاع أرض صودرت بناء على "أمر مصادرة أراض 1943″، إذا لم يتم استخدامها طيلة فترة مصادرتها، وذلك في حكم لصالح عائلة يهودية، على عكس حكم المحكمة في قضية أرض عائلة نسيبة الفلسطينية.

وأبقت المحكمة السؤال عن بداية مفعول قرارها مفتوحا: هل يمكن أن يكون القرار رجعيا ويشمل الأراضي المصادرة في الماضي، أم أنه سيكون مستقبليا فقط؟

وتعكف الحكومة الإسرائيلية على سن قانون يمنع إمكانية استرجاع أراض صودرت في الماضي ولم تستعمل حتى يومنا هذا.

إلغاء إمكانية امتلاك أرض بعد فلاحتها

في عام 1958 سن قانون التقادم الذي صعب إمكانية "امتلاك أرض غير مستعملة بواسطة فلاحتها".

وكان قانون الأراضي العثماني الساري في فلسطين قبل تأسيس إسرائيل عام 1948 وبعدها حتى عام 1969 يكتفي "بعشر سنوات من فلاحة أرض غير مستعملة" لكي يتمكن المستعمل لها من تسجيلها على أنها أرض له.

وأطال قانون التقادم عام 1958 هذه الفترة إلى 15 عاما في حالة "فلاحة أرض غير مستعملة وغير مسجلة" ملكيتها في السجل الرسمي، وإلى 25 سنة في حالة "أرض غير مستعملة ومسجلة"، وأضاف القانون أن إطالة هذه الفترات تسري بأثر رجعي أيضا.

وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية من خلال قراراتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قد صعبت من إمكانية إثبات "فلاحة أرض غير مستعملة"، مقارنة مع تفسير المحاكم في فلسطين المنتدبة بريطانيا قبل عام 1948.

ففي حين كان يكفي إثبات فلاحة أي جزء من الأرض في هذه المحاكم من أجل طلب تسجيلها كملك لمن فلحها، جاءت قرارات المحاكم الإسرائيلية لتفرض إثبات فلاحة ما يزيد عن نصف الأرض المعنية.

وفي عام 1992 ألغت المحكمة العليا الإسرائيلية إمكانية امتلاك "أرض غير مستعملة بواسطة فلاحتها"، بعد أن قررت "قانون أساس: أراضي إسرائيل لسنة 1960″، الذي يمنع إمكانية تحويل ملكية أي جزء من هذه الأرض بيعا أو بأي وسيلة أخرى. وجاء هذا القانون ليضمن عدم نقل أملاك الدولة لأي طرف آخر، وتم تأجير هذه الأراضي والعقارات لليهود من سكان الدولة، دون العرب منهم إلا في حالات نادرة.

ويمتاز هذا القرار بتناقضاته العديدة، الإجرائية والجوهرية. ويمكن تفسيره بأنه جاء ضد مصلحة الطرف العربي في إسرائيل، الذي يطالب بامتلاك الأرض بواسطة فلاحتها.

منع خدمات أساسية

"
تدعي إسرائيل أن نحو سبعين ألفا من الفلسطينيين البدو في النقب يوجدون على الأرض بشكل غير قانوني ويبنون بيوتهم بدون ترخيص

"

تدعي إسرائيل أن نحو سبعين ألفا من الفلسطينيين البدو في النقب يوجدون على الأرض بشكل غير قانوني ويبنون بيوتهم بدون ترخيص. وتهدم إسرائيل هذه البيوت بمثابرة.

كما تمنع إسرائيل عن هؤلاء الناس خدمات أساسية كالمياه والكهرباء، والبنى التحتية، بالرغم من أنهم وجدوا على هذه الأرض قبل قيام إسرائيل، وهي التي حاصرتهم وهجرتهم في فترة الحكم العسكري الموجه ضد العرب في الداخل (1948 – 1966).

 

وتستغل إسرائيل هذه الخدمات لكي تضغط على الناس لترك أماكن وجوهم ويسكنوا في أحياء فقيرة، وهي أحياء "حديثة" بالمصطلح الإسرائيلي، إلا أنها في الواقع أتعس مناطق البلاد من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، حيث توجد بها أعلى نسب البطالة والرسوب في التعليم.

طرد عسكري

منذ احتلال القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة عام 1967، تم طرد نشطاء سياسيين من قبل الحاكم العسكري وبمصادقة المحكمة العليا الإسرائيلية، استنادا إلى المادة 112 من أنظمة الطوارئ البريطانية الأصل الصادرة عام 1945.

وتنافي أوامر الطرد هذه المادة 49 من معاهدة جنيف الرابعة الصادرة عام 1949، التي اعتبرتها المحكمة العليا غير سارية وغير ملزمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.

كما صادقت المحكمة العليا على أوامر طرد سكان الضفة الغربية إلى غزة، لا سيما خلال الانتفاضة الثانية.

ولم تعتبر المحكمة الطرد إلى غزة طردا منافيا للمادة 49 من وثيقة جنيف الرابعة، بل اعتبرته عملية عسكرية تنسجم مع المادة 78 من معاهدة جنيف الرابعة، بالرغم من أن هذه المادة تسمح بتحديد مكان سكن أفراد من المجتمع الواقع تحت الاحتلال لحمايتهم، لا لمعاقبتهم كما فعلت إسرائيل.

ووسمت منظمة العفو الدولية قرارات المحكمة العليا هذه بأنها خرقا فظا للقانون الدولي.

هدم بيوت وبنى تحتية

هدمت إسرائيل بيوتا في الأراضي المحتلة عام 1967 وفقا لثلاث منظومات قانونية.

  1. الأولى تسري بشكل خاص في القدس المحتلة، وتستند إلى القانون الإداري المحلي بذريعة أنها بناء بدون ترخيص، ولا تكون هناك غالبا إمكانية للحصول على ترخيص لانعدام أي خارطة هيكلية تشكل الشرط الأساسي لإمكانية طلب رخصة لبناء البيت.
  2. والمنظومة الثانية هي المادة 119 من أنظمة الطوارئ لعام 1945 التي تسمح بهدم أي بيت يعتقد الحاكم العسكري أن أحد ساكنيه شكل خطرا أمنيا. وصادقت المحكمة العليا على عشرات من الأوامر العسكرية هذه، رغم تناقضها المطلق مع المادة 33 من معاهدة جنيف الرابعة التي تمنع دولة الاحتلال من تنفيذ أي نوع من أنواع العقاب الجماعي.
  3. أما المنظومة القانونية الثالثة لهدم البيوت والبنى التحتية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي فهي عمليات الهدم الواسعة النطاق والمكثفة التي ينفذها خلال عملياته العسكرية. وبرزت عمليات الهدم هذه خلال اجتياح جنين في نيسان 2002 وفي غزة خلال الانتفاضة الثانية. وتتعارض عمليات الهدم هذه مع المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة، لا سيما أنها تنفذ انتقاما أو تحقيقا لمكاسب جغرافية إستراتيجية كتنقية جنوب غزة من البيوت المحاذية لمحور فيلادلفيا. ووفقا لتقرير مؤسسة المساعدة الإنسانية في الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2004 فإنه خلال الأعوام الأربعة السابقة تم تشريد 24.547 فلسطينيا نتيجة لهدم البيوت في غزة. وفي عام 2004 كانت إسرائيل تهدم 120 بيتا شهريا بغزة.

المواطنة

وتسحب إسرائيل حق الإقامة في القدس المحتلة من أهلها العرب في حالة عدم وجودهم فيها لمدة 7 سنوات أو أكثر.

وتطبق هذه السياسة حتى لو سكن المقدسي في الضفة الغربية، أي في مكان قد لا يبعد أكثر من سير ما بين 15 و30 دقيقة من القدس.

وفي عام 2003 عدلت إسرائيل قانون المواطنة فيها بحيث منعت إمكانية لم شمل العائلة الفلسطينية التي تعيش في إسرائيل إذا كان الزوج أو الزوجة يسكن في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

ولا شك في أن منطلقات هذا التعديل للقانون ديمغرافية، أي أنها تنبع من رغبة إسرائيل في السيطرة على الأرض وعدم زيادة عدد العرب الفلسطينيين فيها.

ويسري هذا التعديل بأثر رجعي ليشمل عائلات عديدة ويضعها أمام انفراط شملها أو الخروج من أرضها.

كما تعكف الحكومة الإسرائيلية حاليا على إجراء تعديل آخر لقانون المواطنة بحيث تمنع إمكانية الإقامة في إسرائيل لمواطن فلسطيني تزوج من امرأة ولدت في إحدى الدول العربية المصنفة على أنها دولة عدوة لإسرائيل.
_______________
محامي في المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل،"عدالة". 

المصدر : الجزيرة