ملامح المستقبل الكوبي بعد كاسترو
وإذا كان الرجل قد اختفى خلف أخيه طيلة أربعة عقود من الزمن بحيث لم يعرف عنه الكثير فإن ذلك قد سمح له بأن يكون بعيدا عن كل الأخطاء والمآخذ التي التصقت بفيدل، كما سيسمح له هذا الابتعاد بالإقدام على خطوات كان من الصعب أو من غير المناسب للأخ الأكبر أن يقدم عليها.
كذلك فإن الشائع عن راؤول أنه أكثر تشددا وأسبق شيوعية بشهادة فيدل الذي قال لمؤيديه بعد ثلاثة أسابيع من تقلده السلطة عام 1959 "سأترك ورائي من هو أكثر مني تطرفا"، وذلك بعدما أشرف قبل أشهر على إعدام ثمانين من جنود باتيستا، وفي عام 1962 أصبح وزيرا للدفاع ونائبا لرئيس الوزراء فقاد المظاهرة الشهيرة أمام السفارة الأميركية متهما واشنطن بأنها وكر للجواسيس. غير أن متابعة سيرة الرجل تدل على أن تشدده –كما هي حال رجال الدولة الكبار– هو الوجه الآخر لمرونة سياسية واقتصادية من ذلك النوع الذي أشرنا إليه سابقا.
" |
فخلال زيارته للاتحاد السوفياتي في يوليو/تموز 1962 تلقى راؤول وعدا بالحصول على صواريخ سوفياتية، وهذا التطور قاد إلى أزمة الصواريخ الأميركية السوفياتية المعروفة في أكتوبر/تشرين الأول 1962 التي كادت تنزلق بالعالم إلى حافة حرب نووية. إلا أن راؤول قام بتحركات استرضائية تجاه الولايات المتحدة. وفي عام 1964 قال إنه يرغب في إجراء مباحثات مع الأميركيين "حتى ولو كانت على القمر". وفي قضية الطفل إليان غونزالس برهن على قدرة دبلوماسية حيث كان له دور كبير خلال المعركة القضائية التي دامت سبعة أشهر لإعادة الطفل إلى وطنه من فلوريدا عام 2000.
في ظلال أجواء أميركا اللاتينية
المستقبل بين كاسترو وشافيز
" ملامح المرحلة المقبلة تشير إلى أن كوبا مقبلة على إصلاحات سياسية أكثر ديمقراطية واقتصاية أكثر ليبرالية، وتحالفات أميركية شمالية تمد يدا إلى الصين وأخرى إلى أوروبا وربما من جديد إلى روسيا " |
هنتنغتون حدد الهوية حسب المحافظين الجدد بثلاثة محددات: العرق الأبيض، المذهب البروتستانتي، والثقافة الأنغلوساكسونية. وعليه فإن الجنوببيين السمر الكاثوليك اللاتينيي الثقافة هم النقيض القريب. لكن هل يكفي ذلك لتأجيج الصراع الذي بدأ من كوبا ولم يتوقف حتى رأينا مؤخرا تداعي الأنظمة الموالية لواشنطن وصعود التيارات المعادية لها إلى السلطة بلدا إثر آخر؟ الجواب بالطبع: لا، فهناك الثقافة دون شك، ولكن هناك قبلها المصالح الاقتصادية والهيمنة السياسية، حيث إن الولايات المتحدة تغذت منذ نشوئها على دماء جيرانها، كما تعتبر هذه المنطقة الجنوبية مداها الجيوستراتيجي الذي تصر على أن يظل تابعا لها.
وإذا كان كاسترو قد مثل رمز المواجهة في الحقبة الممتدة منذ الستينيات فإن شافيز هو رمز المرحلة الحالية لأسباب تتعدى شخصية الرجلين -على ما لهذا الجانب من أهمية- إلى طبيعة البلدين وطبيعة المرحلة، فكوبا هي الموقع الجيوستراتيجي في مرحلة المواجهة الإستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي، في حين أن فنزويلا هي خزان النفط الذي يورد 15% من حاجات الولايات المتحدة الأميركية في عصر اقتصاد السوق وأحادية الهيمنة الأميركية القائمة عليه.
لكن ذلك كله لن يمنع واشنطن المحافظين الجدد من استغلال اللحظة، وها هو وزير تجارتها كارلوس غويتيريز يصرح "لقد حانت ساعة الانتقال إلى تغييرات ديمقراطية مع انتقال السلطة"، في حين أعلنت "لجنة العمل لأجل كوبا حرة" التي ترأسها كوندوليزا رايس "أنه يجب العمل بكل الوسائل كي لا تنجح إستراتيجية انتقال السلطة في كوبا"، ويعود بوش ليؤكد أن "هذا يبرهن على أننا نعمل بحيوية لأجل هذا الهدف ولن نرتاح إلا إذا تحقق"، فيما تقول وزارة الخارجية إن الخطة تتضمن بنودا يجب أن تظل سرية لأسباب أمنية ولضمان نجاحها.
هذه التصريحات أوردها بيان وقعه ووزعه أكثر من 650 كاتبا ومفكرا وسياسيا أميركيا وأوروبيا بينهم العديد من حملة نوبل، اختتموه بالقول "ليس من الصعب أبدا تخيل ماهية هذه المساعدة وهذه الخطة في ضوء عقلية التدخل العسكري التي تسود الإدارة الأميركية الحالية وفي ضوء ما حصل في العراق، وإزاء هذا التهديد المتنامي لسيادة أمة بل أميركا اللاتينية كلها والعالم، نطالب الولايات المتحدة بالالتزام باحترام سيادة كوبا، وعلينا بأي ثمن أن نمنع عدوانا جديدا".