عين الحلوة.. جزيرة حرب في زمن السلم

 

undefined
 
موفد الجزيرة نت-بيروت
 

صيدا عروس الجنوب، والوجه السني للبنان الجنوبي، وكانت لوقت طويل ملاذا للفارين من معارك الشمال بين حركة التوحيد الإسلامية من جهة وفصائل لبنانية أخرى مؤيدة من القوات العربية السورية المتواجدة في لبنان من جهة أخرى.
 
كما كانت ملاذا للفلسطينيين الفارين من حرب المخيمات التي قادتها حركة أمل في بيروت والجنوب، ومن حروب الفلسطينيين أنفسهم في الشمال والتي جرت بين القوى الفلسطينية المؤيدة لسوريا وتلك المؤيدة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وكان من نتيجتها إخراج حركة فتح وإقصاؤها عن مخيمات الشمال اللبناني.
 

"
مخيم عين الحلوة أكبر مخيمات لبنان، يضم كافة الفصائل الفلسطينية، وبإمكانه أن يتحول إلى ساحة صراع أو أن يشهد محاولة اغتيال في أي لحظة
"
لكن عرفات حافظ على وجوده إلى حد ما في مخيمات الجنوب، وبخاصة في مخيم عين الحلوة مستفيدا من الاحتضان السني، ومن الخط الأحمر الذي رسمته الظروف الإقليمية على مدخل مدينة صيدا والذي لا يسمح للجيش السوري بتجاوزه، وهو ما وفر ملاذا لمنظمة التحرير الفلسطينية في مخيمات الجنوب، ومكنها من خوض حروب الكر والفر أثناء حرب المخيمات، ومكن عرفات من مد عمر وجوده في لبنان والمحافظة على ورقة اللاجئين في لبنان من أن تفلت من يده.
 

ومنذ حرب المخيمات والمخيم كغيره من مخيمات الجنوب يخضع لمراقبة صارمة من الجيش والأجهزة اللبنانية الأخرى، وبمجرد عبور حاجز الجيش اللبناني على باب المخيم يتبين أن هذا الحاجز لا يفصل بين مدينة ومخيم فحسب، وإنما يفصل بين عالمين أحدهما مستقر ويخضع لنظام ما، وآخر يحرس مسلحون مدخله، وهو المخيم الذي ما زالت روح الحرب في كل أرجائه.. الرجال المسلحون، البزات المرقطة، صور الشهداء وبالتأكيد صور أبو عمار، فضلا عن مظاهر الفقر والحاجة وأحيانا الغضب.


ومخيم عين الحلوة أكبر مخيمات لبنان، ويضم كافة الفصائل الفلسطينية وبإمكانه أن يتحول إلى ساحة صراع أو أن يشهد محاولة اغتيال في أي لحظة. ويسود اعتقاد في وسط فتح عرفات -تعتبر نفسها الأقوى في المخيم- أن هناك أطرافا محلية وإقليمية (المقصود سوريا) حريصة على أن لا يستتب الأمر لعرفات في المخيم، وأنها تنفخ في عروق بعض الجماعات الإسلامية ومنها جماعة عصبة الأنصار التي لا تتردد عن فتح النار ضاربة بمصلحة الفلسطينيين عرض الحائط، وأن هذه الجماعات تضم عددا من اللبنانيين الفارين من العدالة اللبنانية.

غير أن أطرافا أخرى ترى أن منظمة التحرير وحركة فتح على وجه الخصوص مجرد مجموعة مستفيدة من صناديق المنظمة المالية، وأن عرفات وجماعته سئموا النضال ويريدون أي دولة بأي ثمن ولو كانت الدولة في غزة فقط، ولو كان الثمن التنازل عن القدس واللاجئين وعن فلسطين التاريخية.
 

undefinedوالانطباع الأول الذي يتبادر إلى ذهن المتجول في شوارع المخيم أن القضية الأولى والأهم لهذا المخيم هي إثبات أن أبو عمار لا يزال موجودا في لبنان، وأنه لم ينشغل بفلسطينيي فلسطين عن فلسطينيي لبنان، وحوارنا مع أبو طارق أمين سر لجنة المخيم سار بهذا الاتجاه، حيث كان أبو طارق حريصا على ذكر ما قدمته المنظمة للمخيم بدعم من أبو عمار، وأن أبو رياض (سلطان أبو العينين) أمين سر قيادة الساحة على اتصال دائم مع الرئيس أبو عمار للاطلاع على شؤون الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية، وأن الرئيس لا يتأخر في تقديم ما يلزم من معونات وإمكانات لدعم صمودهم، فأبو عمار النجم الأوحد في مخيم عين الحلوة بلا منازع لولا جماعة عصبة الأنصار، فحركته تتمتع بنفوذ قوي في المخيم وتسيطر على اللجنة الشعبية بصورة مطلقة.
 

"
تتحول المآسي الإنسانية في مخيم عين الحلوة إلى معاناة مكبوتة يختزنها الحديث السياسي والعسكري اليومي، ويمتزج الحديث عن الولاء لجماعة أو تنظيم بالحديث عن الحاجات والأهداف

"

وتكثر المراكز الحزبية في عين الحلوة، ومشاهد المسلحين القابعين على أبوابها تذكر ببيروت أثناء الحرب، كما يمكن أحيانا سماع أعيرة نارية في المخيم قد يكون سببها الفرح والابتهاج أو إشكال عابر بين شخصين أو طرفين، فضلا عن حوادث الاغتيال والتفجير التي كثرت في الفترة الأخيرة، وكانت فتح وجماعة عصبة الأنصار طرفي النزاع فيها، ولكن ما سوى ذلك يعتقد في العادة أن لإسرائيل يدا فيها.

 
وخلف هذه الصورة الممزوجة بالسياسة التي دخلنا بها المخيم، قفزت صور أخرى حملتنا إلى الواقع الإنساني الذي يعيشه الفلسطيني، فما بين الشوارع الرئيسية القليلة التي لا تكاد تتسع أحيانا لمرور السيارات، تنتشر أزقة ضيقة يتعثر فيها المارة بعضهم ببعض، وتنفرج أحيانا عن اتساع خجول يتخذه الأطفال مسرحا للعب، مع الإشارة إلى أن أطفال المخيم اعتادوا على رؤية الصحفيين في المخيم وأن يكونوا هدفا لعدساتهم.
 
وصورة البيوت المتلاصقة بأحجامها المختلفة –كما هو شأن عامة المخيمات الفلسطينية في لبنان- خلقت لنفسها هوية هندسية فريدة من نوعها، غرف متداخلة وأحيانا متشاكسة قد يكون المطبخ في أولها أو آخرها ولا يزيد عن متر مربع وقد يقل، والحديث عن بقية المنافع لا يطيب ولا يسعد، فهي تعود بالحضارة البشرية أحيانا إلى اليوم الأول الذي اكتشفت فيه "الكنف" و"الحمامات".
 

undefinedوهذه الصورة للعمران الفلسطيني في المخيمات قد تتكرر في أكثر من مخيم، ومن إحدى المميزات العمرانية في عين الحلوة وجود تجمع سكني في بيوت متلاصقة بجدران من الحجر وبسقف من الزنك، يطلق عليه اسم مخيم "أوزو" وهو تجمع لبعض المهجرين الفلسطينيين من مخيمات أخرى، وهو أشبه ببيت واحد كبير تنعدم فيه الخصوصية، وتشيع فيه المأساة.
وأخبرنا أثناء وجودنا في المخيم بتصدع أحد المباني، حيث تساقطت أجزاء من سقفه لم تصب ساكنيه بأذى، ولكنها أصابتهم بالذعر والخوف من أن يسقط السقف بأكمله.
 
وهذه الظاهرة مرشحة للتكرار في ظل التضييق على إدخال مواد بناء إلى المخيم، خاصة أن معظم المباني قديمة وتعرضت مرارا للتصدع والاهتزاز بسبب ظروف الحرب.
 
وتنكفئ المآسي الإنسانية في مخيم عين الحلوة وتتحول إلى معاناة مكبوتة يختزنها الحديث السياسي والعسكري اليومي، فالولاء لجماعة أو تنظيم يمزج بين الحديث عن الحاجات والأهداف، فمن يؤيد هذا الفصيل أو ذاك يعرف فضل جماعته وما تقدمه من إعانات للناس، فالجوع والمرض وفلسطين الحرة وتحسين ظروف المخيم.. كلها محاور للنقاش، وذلك في سلة واحدة ودفعة واحدة.
المصدر : غير معروف