دور العامل العشائري في الانتخابات النيابية


undefined

إعداد: محمد سليمان أبو رمّان

لعبت العشائر الأردنية دورا محوريا ورئيسيا منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن وعلى مر العقود السابقة، إذ قامت الإمارة برعاية إنجليزية خارجية وبتحالف داخلي بين الأمير عبد الله الأول بن الشريف الحسين بن علي وبين العشائر الأردنية البدوية والقروية.


يعتمد النظام الأردني على العشائر في الجيش ومؤسسات الدولة الرئيسية، في حين يتوظف أبناء العشائر في هذه المؤسسات ويعتمدون عليها في ترتيب أوضاعهم الاقتصادية ومكانتهم الاجتماعية

العشائر الأردنية والدور السياسي
وساهمت العشائر على مر العقود السابقة في دعم ومساندة النظام السياسي الهاشمي، وشكلت أحد أبرز أعمدة الاستقرار السياسي التي اعتمد عليها الحكم في مواجهة الأزمات السياسية الداخلية والإقليمية، في حين بقيت العشائر البدوية والقروية مصدراً أميناً موالياً للملك يعتمد عليها في المؤسسات الحساسة خاصة الجيش والأجهزة الأمنية. ورغم ذلك فقد انخرط عدد كبير من أبناء العشائر الأردنية في التنظيمات اليسارية والقومية في خمسينات القرن المنصرم، وشاركوا في عدة محاولات انقلابية فاشلة.

غير أن أحداث سبتمبر/ أيلول الأسود في مطلع السبعينات والتي شهدت مواجهات حامية بين الملك والجيش (المكون في أغلبه من أبناء العشائر الأردنية) من جهة وبين المنظمات الفلسطينية (المكونة غالبا من أبناء اللاجئين والنازحين الفلسطينيين في الأردن) من جهة أخرى، وأدت إلى خروج المليشيات الفلسطينية المسلحة من الأردن.. شكلت هذه الأحداث علامة واضحة في تاريخ الأردن السياسي حيث عمقت وعززت الاعتماد المتبادل بين الحكم والعشائر، فالحكم يستند إليهم في الجيش ومؤسسات الدولة الرئيسية، وأبناء العشائر يتوظفون في هذه المؤسسات ويعتمدون عليها في ترتيب أوضاعهم الاقتصادية ومكانتهم الاجتماعية. أما الفلسطينيون فقد اتجه عدد كبير منهم إلى القطاع الخاص، وبدا الأمر وكأنه تقسيم سياسي-اجتماعي مخطط: العشائر الأردنية حظيت بنصيب وافر في القطاع العام والرسمي، في حين سيطر الفلسطينيون على جزء رئيسي من القطاع الخاص.

بيد أنه مع نهاية الثمانينات وخلال عقد التسعينات ازدادت حالات التململ داخل العشائر الأردنية بفعل الأوضاع الاقتصادية المتردية والأزمات المتتالية التي مرت بها الدولة، ومنها:

  • ما سمي بانتفاضة الجنوب عام 1989 والتي شاركت فيها مدن عشائرية أردنية معروفة بولائها السابق للنظام وهي الكرك ومعان والطفيلة والسلط.
  • ثورة الخبز عام 1996 حيث قامت بها مدن الجنوب وجاءت ردا على رفع أسعار السلع الأساسية وأهمها الخبز. وكان هذا الارتفاع مرتبطا بسياسات التصحيح الاقتصادي وفق برنامج صندوق النقد الدولي.
  • أحداث معان عام 1998.
  • أحداث معان الأخيرة عام 2002.

هذه المواجهات العنيفة التي سقط فيها عدد من القتلى ولم تنقطع في السنوات الماضية، والتي ترافقت مع ازدياد حالات المحاكمات السياسية لعدد من المعارضين الذين ينتمون للعشائر الأردنية (ليث شبيلات، قضية متفجرات عجلون عام 1995، قضية الموجب عام 1995، قضية الجندي أحمد الدقامسة عام 1997، قضية الضابط برجاق عام 2002..إلخ).. كل تلك المواجهات والمحاكمات تلقي بأسئلة كبيرة حول تغير مصادر الشرعية التي يعتمد عليها النظام، خاصة مع تبني سياسات اقتصادية تقوم على الخصخصة وتعزيز دور القطاع الخاص الذي يسيطر عليه الفلسطينيون، وترقب مخرجات التسوية وصيغة العلاقة الأردنية- الفلسطينية المستقبلية، وبالتالي يصبح الجدال مشروعاً حول الدور السياسي المستقبلي للعشائر الأردنية.

البنية الاجتماعية الأردنية وأبرز العشائر
رغم اختلاف وتباين الإحصائيات حول نسبة الأردنيين من أصول فلسطينية وعدادهم في الأردن، فإن أغلب الإحصائيات تذهب إلى أنهم يشكلون نصف السكان. أما النصف الثاني فأغلبهم من الأردنيين ويقسمون غالبا إلى عشائر بدوية وأخرى قروية، كما توجد نسبة سكانية من أصول سورية وشركسية وشيشانية.

يتواجد أغلب السكان الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية في مدن الوسط والشمال وبشكل رئيسي في عمان والزرقاء وإربد، وفي عدة مخيمات رئيسية أكبرها مخيم الوحدات ومخيم البقعة ومخيم الحسين ومخيم الحصن، في حين تتواجد العشائر الأردنية في كل المدن الأردنية. إلا أنهم يشكلون الأكثرية الساحقة في مدن الجنوب ومدن عشائرية أخرى مثل السلط والرمثا بالإضافة إلى القرى الأردنية في المحافظات والبادية.

أما أبرز العشائر البدوية الأردنية التي لعبت دورا سياسيا تاريخيا فهناك قبائل "الحويطات" التي تنتشر في المناطق الجنوبية الأردنية، وقبائل "بني صخر" التي تنتشر في مناطق البادية الوسطى وساهمت بشكل كبير في دعم وترسيخ نفوذ الأمير عبد الله إبان إمارة شرق الأردن، وقبائل "العدوان" وهي من أكبر قبائل البلقاء، وقبائل "بنو حميدة" وهي من أكبر القبائل الأردنية لكنها موزعة بين مناطق مختلفة في المراكز العشائرية الأردنية، وقبائل "العجارمة" وهي من قبائل البلقاء المعروفة. وهناك قبائل "عبّاد" و"بني حسن" وتقطن كذلك أراضي البلقاء، أمّا قبائل "أهل الجبل" فتقطن مناطق البادية الشمالية في الأردن.

لقد شكلت هذه العشائر عامل تحالف تاريخي مع الهاشميين خاصة في فترة الإمارة، وكانت مصدراً رئيسياً تمد النظام بالجندي المخلص الذي يعتمد عليه في أسوأ الظروف السياسية الداخلية. كما برز منها عدد كبير من الرموز التاريخية الأردنية التي شاركت في الحكم لفترات تاريخية متعددة.

أما العشائر الأردنية التي استقرت في المدن منذ فترة طويلة واتخذت طابع الفلاحة وغلب عليها طابع البداوة منذ مطلع القرن العشرين، فهناك عشيرتا المجالي والطراونة من عشائر الكرك، وعشائر السلط والشمال وغيرها. وقد برز من هذه العشائر أهم رموز الحكم والسياسة والجيش في الأردن.


مما يساعد على الحضور العشائري في الانتخابات اعتماد قانون الصوت الواحد، والتقسيم الانتخابي الذي اعتمد على التقسيم الجغرافي وليس على الكثافة السكانية

الحضور العشائري في التشريعيات الحالية
بالإضافة إلى طبيعة المجتمع الأردني العشائرية التي تساهم بشكل كبير في اعتماد المرشحين على القاعدة الاجتماعية والعشائرية للوصول إلى البرلمان، فقد ساهم قانون الانتخابات الحالي باعتماده مبدأ الصوت الواحد في تعزيز "الخيار العشائري" كأبرز الطرق التي يسلكها المرشحون للوصول إلى مقعد مجلس النواب.

وكان قانون الانتخاب السابق الذي يقوم على مبدأ تعدد الأصوات وخاضت من خلاله القوى السياسية والمرشحون انتخابات عام 1989، يسمح للناخب بعدد أصوات مساوٍ لعدد مقاعد دائرته بحيث يستطيع الموازنة بين الاعتبارات السياسية والعشائرية، ويعطى بذلك فرصة للقوى السياسية للتنافس بشكل أفضل.

أما مبدأ الصوت الواحد فيلزم الناخب بصوت واحد، وفي المدن والمناطق التي يغلب عليها الطابع العشائري فإن الاعتبارات السياسية والفكرية تتضاءل أمام اعتبارات الاختيار والتنافس العشائري، ليصبح التنافس بالدرجة الأساسية ميزان قوى بين العشائر الموجودة في الدائرة الانتخابية. والمرشح الذي يمتلك فرص نجاح أكبر هو الذي يمتلك قاعدة عشائرية أكبر، أو يحظى بإجماع عشيرته أو ينتمي إلى تحالف عشائري. ولا تختلف عملية فرز المرشحين في هذه المناطق كثيراً عما سبق، حيث تغلب الاعتبارات الشخصية والداخلية في كل عشيرة على اختيار المرشح أو التنافس بين المرشحين.

وتغلب هذه المقاربة في الحضور العشائري بالانتخابات الحالية في المدن ذات الأغلبية الأردنية الساحقة التي ترتبط بشكل كبير بالانتماءات العشائرية والقبلية، بحيث يتركز تصويت أغلب الناخبين وفقاً للاعتبارات العشائرية والقبلية وليس الاعتبارات السياسية أو الأيدولوجية أو الحزبية. وأبرز هذه المدن السلط والكرك والطفيلة ومعان والرمثا، والمناطق والدوائر الانتخابية التي تتمركز فيها العشائر الأردنية في المدن الأخرى مثل العاصمة عمان وإربد والزرقاء والتي يقطنها مختلف شرائح المجتمع الأردني.

غير أن هذا الحضور يضعف كثيراً في الاعتبارات الانتخابية والترشيحية لدى شرائح المجتمع الفلسطيني، وتتغلب اعتبارات سياسية مرتبطة بقوى وتيارات سياسية أبرزها: الحركة الإسلامية، والقوى اليسارية والقومية، ومرشحون مؤيدون لمنظمات فلسطينية خاصة حركة فتح، بحيث تسيطر أجواء التنافس الحزبي والسياسي داخل هذه المدن وخاصة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. ويحظى حزب جبهة العمل الإسلامي بفرص قوية في هذه المدن والمناطق.

ومما يساعد على الحضور العشائري في هذه الانتخابات توزيع الدوائر الانتخابية ذاتها التي اعتمدت على التقسيم الجغرافي وليس على الكثافة السكانية، بحيث تحظى الدوائر الانتخابية في محافظة الزرقاء بعشرة مقاعد ويبلغ عدد الحاصلين فيها على بطاقات انتخابية 316328 ناخبا، وهي ذات أغلبية فلسطينية. أما محافظة الكرك فتحظى بنفس العدد من المقاعد رغم أن عدد الحاصلين على بطاقات انتخابية فيها يبلغ 102610 ناخبين. كما تحظى محافظة البلقاء بعشرة مقاعد في حين يبلغ عدد الحاصلين فيها على بطاقات انتخابية 170730 ناخبا.

وبمقارنة هذه الأرقام نجد أن عدد الحاصلين على بطاقات انتخابية –وفقا لإحصائيات وزارة الداخلية- في محافظة الزرقاء يزيد عن عدد الحاصلين عليها في الكرك والبلقاء معا واللتين تسكنهما أغلبية ساحقة من العشائر الأردنية، إلا أن عدد مقاعد محافظتي الكرك والبلقاء يساوي ضعف مقاعد الزرقاء. وتنطبق هذه المعادلة على غالبية المناطق والدوائر الانتخابية في المملكة.

وبالتالي سيرتبط إفراز عدد كبير من أعضاء مجلس النواب القادم بتمثيل عشائرهم ومناطقهم الانتخابية بالدرجة الأساسية، بحيث سيعبر عدد كبير من النواب في مواقفهم والقضايا التي يطرحونها في المجلس بمطالب عشائرهم أو مناطقهم بخصوص قضايا الخدمات وفرص العمل.. إلخ.

وخصص قانون الانتخابات تسعة مقاعد لعشائر البادية الأردنية التي تخضع لعوامل قبلية محضة في الانتخاب والترشيح، بحيث أعطى ثلاثة مقاعد لكل من مناطق البادية الشمالية والبادية الجنوبية والبادية الوسطى. وتتنافس في هذه المناطق عدة عشائر عريقة ومعروفة في الحصول على مقاعد البرلمان، بحيث يغلب على المناطق الشمالية عشائر "أهل الجبل" في حين غالبا ما تتنافس في المناطق الوسطى عشائر "بني صخر" و"بنو حميدة". وكل هذه العشائر –كما ذكر سابقاً- تمتاز علاقاتها بالنظام بالقوة، ويعتبر شيوخها وزعماؤها من الموالين سياسياً للعائلة الهاشمية الحاكمة.


رشحت جبهة العمل الإسلامي بعض المرشحين الذين لا فرصة لهم بالفوز، مما دفع المحللين إلى القول إن هناك صفقة بين الحكومة والجبهة على عدد المقاعد التي ستحصل عليها

الأحزاب والعشائر في اللعبة الانتخابية
ساهم قانون الصوت الواحد بشكل كبير في التقليل من دور وحضور الأحزاب السياسية في الانتخابات وتعزيز دور العشائر والعائلات المختلفة. وازداد الأمر تعقيداً في وجه الأحزاب بتقسيم المحافظات المختلفة إلى عدد أكبر من الدوائر الانتخابية، مما جعل فرص النجاح المرتبطة بالعشائر والعلاقات الاجتماعية أكبر من الفرص المرتبطة بالتوجهات الحزبية والسياسية.

وقد أدى هذا المبدأ الانتخابي إلى مقاطعة أبرز أحزاب المعارضة: حزب جبهة العمل الإسلامي للانتخابات السابقة عام 1997، إلا أنها قررت العودة والمشاركة في هذه الانتخابات بتيار يضم 30 مرشحا. كما شكلت أحزاب المعارضة الأخرى تيارا آخر أطلق عليه "التيار الوطني الديمقراطي". أما الأحزاب الوسطية فقد تجمعت ضمن تيار "الإصلاح الديمقراطي".

وتعتمد أحزاب الوسط التي تشارك بتواضع في هذه الانتخابات على الاختيار العشائري -باختيار مرشحين يحظون باتفاق أو بقاعدة عشائرية قوية- مستثمرة مبدأ الصوت الواحد حيث ينتمي عدد كبير من أعضائها إلى العشائر الأردنية، في حين تعتمد أحزاب المعارضة وبالتحديد جبهة العمل الإسلامي على إستراتيجية متعددة الأبعاد في الانتخابات تقوم على الاختيار السياسي في المناطق والدوائر ذات الأغلبية الفلسطينية، لكنها تراعي في المناطق العشائرية أن يكون المرشح حاصلاً على قاعدة عشائرية تكفل له فرص المنافسة، في محاولة للتعامل مع محددات مبدأ الصوت الواحد.

واللافت للنظر أن الجبهة رشحت بعض من لا حظ لهم بالفوز، مما دفع المحللين إلى القول إن هناك صفقة أو تفاهما بين الحكومة والجبهة على عدد المقاعد التي ستحصل عليها في البرلمان القادم. وتجنبت الجبهة ترشيح أي شخص ضد إجماع عشيرته مراعاة للعلاقة مع هذه العشائر.
________________
باحث أردني

المصدر : غير معروف