ناغورني قره باغ: جذور الصراع وعوائق التسوية

undefined
 
محمد عبد العاطي
 

مقدمة
حصدت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان بسبب إقليم ناغورني قره باغ، التي امتدت طوال الفترة من 1992 حتى 1994 حوالي خمسة وثلاثين ألف شخص، وتسببت في تشريد حوالي مليون. ولا تزال الدولتان حتى الآن في حالة حرب رغم قرار وقف إطلاق النار.
 
بين الحين والآخر تحدث مناوشات على الحدود يسقط جراءها قتلى وجرحى ويقترب البلدان من حافة الحرب الشاملة لكن سرعان ما يتدخل الوسطاء ويخف التوتر وينزع فتيل الانفجار.
 
في قلب القوقاز وقريبا من منابع نفط بحر قزوين حيث يدور الصراع على إقليم لا تزيد مساحته عن نصف مساحة لبنان تتشابك وتتصادم المصالح الإقليمية والدولية بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا فضلا عن اللاعبين الأساسيين في الأزمة أرمينيا وأذربيجان وقادة قره باغ.
 
ناغورني قره باغ: متى نشأ الصراع وكيف تطور؟ ولماذا فشلت جهود الوساطة في احتوائه؟ وإلى أين يتجه؟ ومتى ينتهي؟ كلها أسئلة يجيب عنها وعن ما شاكلها الملف التالي.
 
ناغورني قره باغ
 
التسمية
ناغورني  كلمة روسية تعني مرتفعات وتعني في الوقت نفسه جبال، أما كلمة قره باغ فتعني الحديقة السوداء، أي أن ناغورني قره باغ هي ترجمة لمرتفعات الحديقة السوداء.
 
ويطلق الأرمن الذين يعيشون في الإقليم عليها اسم "آرتساخ" وهي كلمة مكونة من مقطعين الأول "آر" نسبة إلى "آرا" إله الشمس عند الأرمن القدماء، و"تساخ" وتعني غابة أو كرمة. وبذلك تعني كلمة "آرتساخ" غابة أو كرمة الإله "آرا".
 
أما الأذر فيعرفونها باسم "يوخاري قره باغ"، أو "قره باغ العليا" بالمعنى الحرفي.
 
الموقع والمساحة
إقليم ناغورني قره باغ هو أحد أقاليم أذربيجان، وعاصمته ستبانا كيرت (نسبة إلى الزعيم البلشفي الأرمني ستيبان شاهوميان) ويقع الإقليم غرب العاصمة الأذرية باكو بحوالي 270 كلم. وتبلغ مساحته حوالي 4800 كيلومتر مربع.
 
الجبال والأنهار
ناغورني  قره باغ منطقة يغلب عليها الطابع الجبلي، وتعتبر قمة جبل "جياميش" التي يبلغ ارتفاعها 3724 مترا هي أعلى قمة جبلية هناك. وفي الإقليم كذلك مجموعة من الأنهار تستخدم مياها في الري وفي توليد الطاقة الكهرومائية.
 
المناخ
يتنوع المناخ في إقليم ناغورني  قره باغ   حسب المكان والارتفاع. ففي المناطق الجبلية إلى الغرب والجنوب الغربي تتراوح درجة الحرارة في الشتاء بين 6 و10 درجات مئوية، وفي السهول والمرتفعات الأقل انخفاضا تتراوح بين 2 و3 درجات مئوية.

أما متوسط تلك الدرجات في أشهر الصيف فيتراوح بين 10 و15 درجة مئوية في الجبال وبين 20 و25 درجة على المرتفعات الأقل انخفاضا.
الصيف في إقليم ناغورني قره باغ ممطر، وتبلغ كثافة هطول الأمطار السنوية ما بين 400 و600 ملم على السهول وتصل 800 ملم أو أكثر في الجبال. والمناخ في السهول والمرتفعات المنخفضة شبه جاف مما يساعد على نمو الشجيرات شبه الصحراوية والأعشاب والنباتات ذات الطابع الصحراوي في المرتفعات المنخفضة. أما في الجبال ذات الارتفاعات العالية فإن الأشجار العريضة الأوراق تفسح المجال للمروج، كما تكسو الغابات والأشجار الصغيرة حوالي ثلث الأرض.
 
الموارد الاقتصادية والنشاط البشري
ناغورني قره باغ إقليم فقير في موارده ويعتمد على الزراعة التي يعمل بها أغلب سكانه كما يعتمد على تصنيع بعض الأغذية وبعض الصناعات الخفيفة.
 
ففي المناطق السهلية تغلب على نشاط السكان تربية الماشية وزراعة الحبوب والقطن والتبغ. والحال لا يختلف كثيرا بالنسبة للمناطق الجبلية حيث يربي السكان الماشية للحومها وأصوافها. 
 
وهناك نشاط زراعي آخر يشمل زراعة العنب لعمل النبيذ وتربية دود القز للمنسوجات الحريرية، وتتركز هذه الصناعة بشكل أساسي في سفوح التلال والمناطق الجبلية الأقل انخفاضا.
 
والنقل البري في ناغورني قره باغ  صعب للغاية، فلا يوجد غير طريقين داخليتين تقطعان الإقليم، ومعظم المناطق تقطعها وديان الأنهار.
 
السكان
يقدر عدد سكان ناغورني قره باغ بـ145 ألف نسمة، 95% منهم أرمن والـ5% الباقية من أعراق أخرى. ونظرا لموقع ناغورني قره باغ وكونها نقطة التقاء بين الإمبراطورية العثمانية والفارسية والروسية فقد شهد هذا الإقليم عددا كبيرا من الحروب وتنقلات وعمليات هجرة ونزوح بين السكان، لذا فليس مستغربا في التاريخ الديمغرافي لناغورني  كارابخ أن تكون إحدى الجماعات العرقية أو الشعوب في قرن من القرون أغلبية وفي قرن آخر أقلية.
 
وقبل اشتداد العداوات بين العرقين الأذري والأرمني كان الأرمن يسكنون العاصمة ستبانا كيرت ويمثلون أغلبية السكان، في حين كانت مدينة شوشا -مركز قره باغ   فيما قبل العهد السوفياتي- تضم غالبية أذرية. لكن بعد حرب عام 1992 بين أذربيجان وأرمينيا وبعد أن سيطر الجيش الأرمني على ناغورني قره باغ أجبر جل سكان الإقليم من الأذر على الرحيل.
 
وكان أغلب الأذر في ناغورني  قره باغ   قبل التهجير، من المسلمين الشيعة وبينهم بعض السنة الأكراد. أما الأرمن فهم مسيحيون ينقسمون مذهبيا بين الكاثوليكية والأرثوذكسية.
 
تشبه اللغة الأذرية الأناضولية التركية بشكل كبير. أما اللغة الأرمينية فهي لغة هندو أوروبية لها أبجدية فريدة. وتختلف لغة الأرمن في قره باغ عن تلك التي يتحدث بها الأرمن في جمهورية أرمينيا، ومع ذلك فكل منهما يفهم الآخر.
 نظام الحكم
 
ناغورني  قره باغ   جمهورية غير معترف بها دوليا. تأخذ بالنظام الرئاسي منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 1994. والرئيس هناك هو رأس الدولة ويتمتع بسلطات واسعة، فهو الذي يختار رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة، ومدة الرئاسة خمسة أعوام تجدد لفترة واحدة فقط. والرئيس في قره باغ هو الذي يحدد السياسات الخارجية والدفاع.
 
الرئيس الحالي ووفقا لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في يوليو/تموز 2007 هو باكو سهاكيان وقد خلف أركاد غوكاسيان بعد أن انتهت فترة رئاسته للإقليم.
 
وفي ناغورني قره باغ  حكومة تتركز في يدها السلطة التنفيذية، وتتكون من رئيس الوزراء ويعاونه وزراء للصحة والدفاع والتعليم وغير ذلك، ورئيس الوزراء مسؤول أمام كل من رئيس الجمهورية والمجلس الوطني (البرلمان). 
 
وفي ناغورني قره باغ   كذلك برلمان يطلق عليه المجلس التشريعي، يتكون من 33 عضوا بعد أن كان 81 عضوا قبل عام 1991، وقد جرت أول انتخابات لهذا المجلس في أبريل/نيسان عام 2000. ومدة عضوية النائب خمسة أعوام. ويختار الأعضاء رئيس البرلمان باقتراع سري.
 
تكييف الصراع

تختلف وجهات نظر المؤرخين والمهتمين بالصراع بين أرمينيا وأذربيجان -المتمثلة أبرز معالمه في التنازع على ناغورني  قره باغ- في تحديد طبيعته على النحو التالي:




  • أنه صراع عرقي.
  • أنه تنافس جيوبوليتيكي لا يشمل الأرمينيين والأذربيجانيين وحدهم بل يتعداهم إلى الأتراك والروس والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوربي.
  • أنه استمرار لعداء تاريخي محمل بإرث كبير من الكراهية الدفينة بين الأرمن وكل من الأذر والأتراك.
جذور الصراع

إرث الكراهية التاريخي
روح العداء بين الأرمن والآذر في منطقة القوقاز قديمة ولها أسبابها العرقية والدينية والتاريخية، وبالأخص إبان بسط الإمبراطورية العثمانية سيطرتها على تلك المناطق قبل عدة قرون. لكن بوادر تفجر الصراع في إقليم ناغورني قره باغ تحديدا تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي.
 
ولفهم أبعاد الصراع يجدر القول بداية أن هذا الإقليم من الناحية الجغرافية يقع في قلب أذربيجان لكن من الناحية الديمغرافية تسكنه أغلبية أرمينية بنسبة 95%. 
 
سياسة فرق تسد الستالينية
وكانت سياسة رئيس الاتحاد السوفيتي السابق جوزيف ستالين تقوم على بث الفرقة بين الجماعات العرقية داخل جمهوريات الاتحاد المترامية الأطراف، لتظل تلك الأعراق بحاجة دائمة إلى حماية الحكومة المركزية في موسكو.
 
ولأن أذربيجان وأرمينيا كانتا جمهوريتين تابعتين للاتحاد السوفيتي فإن ستالين أقدم عام 1923 على ضم إقليم ناغورني قره باغ إداريا إلى جمهورية أرمينيا، رغم أنه يقع كما سبق القول في قلب أذربيجان.
 
وفي المقابل -ولكي تتم سياسة تأجيج الصراع العرقي- فقد ضم ستالين إداريا منطقة ناختشيفان التي تقع جغرافيا في قلب أرمينيا وتسكنها أغلبية أذرية إلى أذربيجان، وبهذا بدأ الصراع في ناغورني قره باغ واستمر.
 
لكن الكراهية الدفينة في قلوب الأذر والأرمن ظلت كامنة بفعل الخوف من رد الفعل السوفيتي إذا اندلعت قلاقل، فبقيت الأمور على السطح هادئة لكن نيران الغضب كانت تمور في الأعماق.
 
المسعى الأرميني للضم النهائي
وفي عام 1988 وتحديدا في العشرين من فبراير/شباط كان إقليم ناغورنو كاراباخ بأكمله يقف عند مفترق طرق.
 
في ذاك اليوم طلب المجلس السوفيتي القره باغي من موسكو الموافقة على انضمام الإقليم نهائيا إلى أرمينيا. هنا سارع النواب الأذر الممثلون في المجلس إلى الاعتراض، فتوترت الأجواء وتحول الحقد التاريخي المكتوم إلى أعمال عنف سرعان ما تحولت إلى حرب أهلية في الإقليم سقط فيها مئات القتلى وآلاف الجرحى من الطرفين.
 
وفي العام التالي (1989) ذهب الأرمن بصراع ناغورني قرع باغ خطوة إلى الأمام وذلك حينما اتخذ المجلس السوفيتي الأرميني قرارا بإعلان اتحاد قره باغ مع جمهورية أرمينيا.
 
انفصال كاراباخ وإعلان الاستقلال
في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الثاني عام 1991 تفكك الاتحاد السوفيتي وانفرط عقد جمهورياته، وفي أوائل عام 1992 أعلنت كل من أرمينيا وأذربيجان استقلالهما، وعلى الدرب نفسه فاجأ القادة السياسيون في إقليم ناغورني قره باغ العالم بإعلان استقلالهم ورغبتهم في قيام جمهورية مستقلة غير تابعة لا إلى أذربيجان ولا إلى أرمينيا.
 
أذربيجان اعترضت على إعلان استقلال قره باغ واعتبرته انفصالا وتمردا، بل ذهبت أبعد من ذلك واعتبرت ما قام به الانفصاليون هناك "مسرحية" تمت بالاتفاق المسبق مع أرمينيا.
 
الحرب الأذرية الأرمينية
من جهتها أعلنت أرمينيا دعمها للقادة السياسيين الأرمن ومدهم بالمال والسلاح، وهو ما نظرت إليه أذربيجان على أنه بمثابة إعلان الحرب، فاندلع القتال بينهم بالفعل واستمرت الحرب طوال الفترة من 1992 حتى التوصل لوقف إطلاق النار عام 1994، وكانت نتائج تلك الحرب -خاصة على الجانب الأذري- فوق الاحتمال.

 
المواقف الإقليمية والدولية
 
تعقيدات المصالح الإقليمية والدولية وتشابكها واتساع الهوة بين مواقف هذه الأطراف تباعد بين ناغورني قرة باغ وفرص الحل السلمي.
 
تركيا
فتركيا تقف مع أذربيجان في تشديد الحصار على أرمينيا، ويساعد على توثيق العلاقات الأذرية التركية ما يربطهما من وشائج الدين واللغة.
 
ويزيد من حساسية الدور التركي العداء بين الأرمن والأتراك بسبب اتهام الأرمن تركيا بارتكاب المذابح بحقهم في الحرب العالمية الأولى حين ثاروا على الدولة العثمانية عام 1915.

روسيا
أما روسيا فتقف في صف أرمينيا رغم أنها أحد الوسطاء الدوليين لحل الأزمة، لدرجة تساءل معها البعض عن مدى حقيقة الدور "المحايد" لروسيا في الصراع القرة باغي، لا سيما بعد ما كشف عن إمداد روسيا لأرمينيا بالسلاح إبان حربها ضد أذربيجان 1992-1994.
ويقوم التحالف الروسي الأرميني على تطوير روسيا لأعمدة الاقتصاد الأرميني، وعلى رأسها إنشاء محطات الطاقة، وتعاون عسكري أقامت روسيا بموجبه قاعدة عسكرية في العاصمة الأرمينية يريفان.

إيران
بالنسبة لإيران فقد دعمت أرمينيا في أزمة قرة باغ لأسباب اقتصادية، أولها أن أرمينيا تحتاج إلى النفط الإيراني، بينما أذربيجان تبيع النفط كإيران.

 
وثانيها أن أذربيجان، في بداية استقلالها، تحالفت مع تركيا لترويج مشروع الجامعة الطورانية، الذي كان يعني نجاحه إزاحة إيران كلية عن المنطقة. هذا في الوقت الذي تمثل فيه إيران شريان الحياة لأرمينيا في ظل محاصرة الأخيرة من الشرق بأذربيجان ومن الغرب بتركيا.
 
ويأخذ بعض المتخصصين وعلى رأسهم الدكتور عاطف عبد الحميد في كتابه "ما بعد الشيوعية الدين والثروة والقومية في زمن التحولات" على إيران مفارقتها بين الإعلان الرسمي بدعمها القضايا الإسلامية في العالم بأسره، ووقوفها إلى جانب أرمينيا المسيحية على حساب أذربيجان المسلمة الشيعية.
 
ومن جانب تعلن إيران عن دعمها للحق الإسلامي في النزاع القرة باغي، بينما من جانب آخر توسع علاقاتها الوطيدة مع أرمينيا، وتعطي للأرمن في إيران مزايا أكبر مقارنة بالأذريين.
 
ويتداخل في هذا الجانب دور الأقلية الأذرية في إيران والتي يفوق عددها ثمانية ملايين نسمة، وبصفة خاصة في شمال إيران حيث يزيد عددهم عن عدد سكان أذربيجان ذاتها (6.5 ملايين نسمة) ويطالبون بحقوق يصل بعضها إلى الحكم الذاتي، أو الانضمام للوطن الأم، وتتكرر من فترة لأخرى حوادث صدامهم مع السلطات الحكومية.

الولايات المتحدة
موقف الولايات المتحدة من الصراع متناقض بين رغبتها في المحافظة على مصالحها الحيوية هناك، وبين ضغط اللوبي الأرمني كما يقول الكاتب الأذري طبيب حسينوف.

 
ففي الوقت الذي تنظر فيه واشنطن إلى أذربيجان على أنها شريك سياسي واقتصادي إستراتيجي في المنطقة، وبوابة بين أوروبا وموارد وأسواق الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وأحد الموردين الرئيسين للنفط والمنتجات النفطية في أوروبا في القرن الحادي والعشرين، نرى أن العلاقات بين باكو وواشنطن تتعرض في كثير من الأحيان للتوتر بسبب نفوذ اللوبي الأرميني القوي في الكونغرس.
 
وفي حين أن البيت الأبيض يدين احتلال الأراضي الأذرية ونزوح آلاف البشر وانتهاكات حقوق الإنسان، يرفض الكونغرس تقديم المساعدة الإنسانية لملايين اللاجئين الأذريين بموجب تعديله لقانون دعم الحرية المعروف بالبند 907 لعام 1992.
 
ويخصص الكونغرس معونة خارجية غير متوازنة لأرمينيا تجاوزت قيمتها كل موازنة أرمينيا، بما في ذلك الدفاع وجعلت منها ثاني أكبر دولة منتفعة بالمعونة الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة بعد إسرائيل (على أساس حسابات مدخول الفرد عام 1996). 
 
وفي الوقت نفسه تعتبر أذربيجان الدولة الوحيدة فيما بعد الحقبة السوفيتية التي لم تحصل على معونة من الولايات المتحدة.
 
ورغم جهود البيت الأبيض لرفع هذا القيد المفروض على الشعب الأذري، ما زال الكونغرس يواصل سياسته المؤيدة لأرمينيا التي يؤثر فيها اللوبي الأرمني.

أوروبا
أما الدور الأوروبي فيهتم بحل مشكلة قرة باغ أو على الأقل استمرار تجمدها، لضمان الأمن والاستقرار على هوامش أوروبا من ناحية، وضمان وصول النفط من قزوين إلى السوق الدولية، وبصفة خاصة بعد مد خط الأنابيب باكو-تبليسي-جيهان من ناحية ثانية.

نتائج الحرب وحصادها المر

 
أسفرت الحرب التي اندلعت بين أرمينيا وأذريجان بسبب ناغورني  قره باغ  في الفترة من 1992-1994 عن مقتل ما بين 30 إلى 35 ألفا من الأذر والأرمن وتشريد حوالي مليون إنسان.  
 
خسائر الأذر
أعداد القتلى الأذر غير محددة بدقة من بين إجمالي من سقطوا من كلا الجانبين. لكن الثابت أن أغلب الخسائر البشرية تركزت في الجانب الأذري وذلك لأن أذربيجان خرجت من هذه الحرب منهزمة، فقد خسرت 6 مقاطعات إضافة إلى إقليم ناغورني  قره باغ   وهو ما يمثل في مجموعه 20% من مساحة أذربيجان الكلية ولا تزال هذه المقاطعات حتى العام 2008 محتلة.
 
كذلك أُجبر ما بين 600 إلى 700 ألف أذري على ترك مناطق عيشهم نتيجة للحرب وما صاحبها من عمليات تطهير عرقي. من بين هؤلاء 60 ألفا من إقليم ناغورني  قره باغ   وحده وأربعة آلاف أذربيجاني من أصول كردية من منطقتي لاتشين وكيلباجار وعدة آلاف من جماعات عرقية مختلفة أغلبهم من الروس والبقية من المقاطعات المحيطة بقره باغ.
 
وتركز تقارير حقوق الإنسان الضوء على معاناة شرائح واسعة من هؤلاء اللاجئين والنازحين، فتذكر أن حوالي 135 ألفا منهم لا يزالون يقطنون المخيمات المؤقتة والمباني غير المكتملة وعربات القطارات القديمة المتهالكة.
 
وتتحدث تلك التقارير أيضا عن الظروف المعيشية لهؤلاء وكيف أن تلك الملاجئ لا تحميهم من هطل المطر وبرودة الطقس، والانتشار الكبير لأمراض سوء التغذية لا سيما بين الأطفال منهم فضلا عن قلة الخدمات التعليمية والصحية المقدمة لهم والبطالة السائدة في أوساط الغالبية منهم.
 
خسائر الأرمن
أعداد القتلى الأرمن غير معروفة على وجه الدقة لكن أعداد النازحين جراء حرب 1992- 1994 تقدر بنحو 300 ألف نازح، جلهم جاء من مناطق كانوا يسكنونها داخل أذربيجان.
 
ويعاني هؤلاء النازحون مثل نظرائهم الأذر من قسوة الظروف التي يعيشون في ظلها وما يصاحبها من مظاهر الفقر والبطالة ونقص الخدمات التعليمية والصحية.
 
وتتحدث تقارير المنظمات الدولية عن التسرب من التعليم وانتشار لبعض الأمراض لا سيما المتعلقة منها بقلة الطعام ورداءة نوعيته وغير ذلك مما هو شائع في حالات اللجوء والنزوح والتشريد والترحال المتزامن مع نقص المساعدات الحكومية والدولية.
كما أن هناك عوائق تحول دون التوصل إلى تسوية للصراع بين أرمينيا وأذربيجان على ناغورني قره باغ، توجد في الوقت نفسه محفزات يرى بعض المراقبين أن بالأمكان تعظيمها والبناء عليها للتوصل إلى التسوية المنشودة.
 
عوائق التسوية
  1. الارتياب وانعدام الثقة وإرث العداء التاريخي بين الأرمن والأذربيجانيين، فضلا عن الدماء التي سالت بين العرقيتين على مدى السنوات الطويلة الماضية.
  2. فقدان الشعور بالأمن لدى الأذربيجانيين بسبب احتلال الأرمن سبعة من أقاليمهم.
  3. مطالبة أذربيحلن قبل الدخول في أي مفاوضات باستعادة تلك الأقاليم، وهو شرط ترفضه كل من أرمينيا وقادة قره باغ مما أعاق التوصل إلى تسوية حتى الآن. 
  4. رفض الأرمن التنازل عما بين أيديهم من الأرض التي احتلوها في حرب 1992-1994، والتي يعتبرونها "استعادة" لأرض تاريخية ذات أغلبية أرمينية، فضلا عن شعورهم بأن أمنهم القومي مهدد إذا فقدوا السيطرة على تلك المناطق، وذلك لإحاطتهم بمن يتعبرونهم أعداء ألداء هما الأذربيجانيون والأتراك. 
  5. عملية التفاوض نفسها هي أحد العوائق، لأن أحد أطراف الصراع المتأثر كثيرا بالنتيجة وهو إقليم ناغورني  قره باغ لم يسمح له بالجلوس على مائدة التفاوض بسبب اعتراضات الأذربيجانيين الذين يعتبرون أن وجود ممثلين عن قره باغ -تابعين فعليا لأرمينيا- يعني اعتراف أذربيجان بسلطة أرمينية على أراضيها.

محفزات الحل
ورغم كثرة عوائق التوصل إلى حل سلمي فإن هناك عوامل تشكل حوافز يمكن البناء عليها لإيجاد حل لمشكلة ناغورني قره باغ:


  1. ناغورني قره باغ  -كما يرى بعض المحللين- ليس إقليما مركزيا محدِدا للهوية القومية أو التاريخية سواء للأرمينيين أو الأذربيجانيين، فهو مجرد إقليم وهناك أقاليم ومدن أخرى في الدولتين لها جذور تاريخية وحضارية أكثر عمقا وتأثيرا منه، وبالتالي يسهل التوصل إلى نوع من التسوية تقوم على التنازل عن بعض الأراضي هنا أو هناك. (محللون آخرون يخالفون هذا الطرح وينظرون إلى الإقليم على أنه مركزي في الهوية الأرمينية كما أن له وزن استراتيجي كبير). 

  2. تضاريس إقليم ناغورني قره باغ نفسه وما يغلب عليها من طابع جبلي مرتفع كاشف لسهول أذربيجان الشرقية لها تأثير كبير في منع أذربيجان من شن هجوم عسكري مباغت مما يجعل الفرصة متاحة للتسوية لأن الحسم العسكري بالنسبة لها صعب المنال.
     
    3- الضغوط الاقتصادية ولاجتماعية التي يمثلها استمرار الصراع على كلا الطرفين تحفزهما للإسراع بالتوصل إلى تسوية.
محاذير التفاؤل وسيناريوهات الحل
  
محاذير التفاؤل
أرمينيا وأذربيجان من الناحية الرسمية في حالة حرب رغم توصلهما إلى وقف لإطلاق النار عام 1994 في أعقاب الصراع على ناغورني  قره باغ. وعلى مدى 14 عاما تغيرت أوضاع واستجدت أمور دفعت البعض إلى التفاؤل بقرب حل النزاع والتوصل إلى تسوية سلمية، لكن دواعي التفاؤل وسيناريوهات الحل الكثيرة المعروضة تقف أمامها عراقيل ليست هينة.
 
دور النفط
كان هناك توجه لدى بعض أطراف الصراع وعند بعض المحللين للمغالاة في تقدير تأثير النفط وخطوط أنابيبه على الإسراع في الانتهاء من مشكلة ناغورني  قره باغ  ، لكن هذا التفاؤل تراجع.
 
فالثروة النفطية لأذربيجان جعلت هذا البلد في بعض الأحيان يشعر بأنه أقل حماسا للوصول إلى تسوية، بل إن هناك من المحللين من يرى أن أذربيجان يمكن لها أن تستخدم عوائد النفط في شراء أسلحة تحسم بها الصراع وتستعيد أراضيها المحتلة عسكريا.
 
في حين أن خطوط الأنابيب التي تمر عبر القوقاز يمكن أن تصبح "رهينة" في أيدي الأرمن يمكنهم أن يوجهوها حسب مآربهم الخاصة، إذ يستطيعون استغلال خطوط أنابيب النفط للضغط على الأطراف الإقليمية والدولية في الصراع للوصول إلى تسوية سياسية لقره باغ   لكن بشروط أرمينيا.
 
طبيعة النظامين الأرمني والأذري
أرمينيا تعيش اقتصادا مأزوما، كما أن ضعف أداء الزعماء السياسيين وفقدانهم الثقة لدى شرائح وقطاعات واسعة من الشعب الأرمني أدى إلى تصلب موقف النظام السياسي الرسمي تجاه نزاع قره باغ  ، إذ أضحى هذا النزاع ورقة رابحة بيده يستغلها لإهاجة المشاعر القومية ويستغلها لزيادة شعبيته المتآكلة.
 
أما النظام السياسي في أذربيجان فإن نحو 20% من أراضيه محتلة وهو يواجه شعورا لدى قطاعات واسعة من الشعب الأذري بالخوف من احتمال إمكانية تفكك دولتهم وأن هذا التفكك يبدأ بضياع قره باغ   والأقاليم الستة الأخرى.
 
وبالتالي فهم يوقنون بأن مستقبل وحدة أراضيهم يكمن في القرار الملائم المتعلق بنزاع ناغورني  قره باغ   ومن هنا يواجه النظام الأذربيجاني صعوبة في القبول بأي سيناريو من سيناريوهات التسوية المعروضة التي قد لا ترقى لتلبية رغبات شعبه وتهدئة مخاوفه.
 
غياب الضمانات الأمنية
يمثل غياب الضمانات الأمنية المقدمة للأرمن والمطروحة على مائدة التفاوض إحدى مشكلات السلام. ومما يعقد هذه المشكلة سيطرة الأرمن على 20% من أرض الأذربيجانيين مما يجعلهم غير مهتمين حاليا بالحصول على ضمانات لأن هذه الأراضي المحتلة بالنسبة لهم هي خير ضمان.
 
سيناريوهات الحل
حلول كثيرة وسيناريوهات متعددة لحل مشكلة ناغورني قره باغ، كان أهمها وأبرزها ما يعرف بخطة منسك وهي الخطة التي عرضتها مجموعة منسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والخطة الأميركية لحل الصراع.
 
سيناريو منسك
في خطة منسك يتعين على الأطراف الثلاثة أرمينيا وأذربيجان وناغورني قره باغ الاتفاق على ضرورة الاعتراف بوحدة أراضي أذربيجان مقرونا بنظام حكم ذاتي لقره باغ من قبل الأرمن المحليين. 
 
السيناريو الأميركي
undefinedأما سيناريو الولايات المتحدة لحل الصراع فيتأسس على أن تعترف جمهورية أذربيجان باستقلال إقليم قره باغ   وتتعامل معه على أنه دولة مستقلة ذات سيادة، وتؤول السيادة المطلقة على ممر لا تشين إلى أرمينيا وينتهي النزاع حوله ويتوقف القول بأنه أرض محتلة من قبل الجيش الأرميني، وفي مقابل ضياع هذه المساحة من الأراضي الأذرية تعوض أرمينيا أذربيجان بمنحها السيادة على منطقة "مِغْرِي" وهي المنطقة المهمة إستراتيجيا لأذربيجان لأنها تفصل بين أراضيها ومنطقة ناختشيفان الأذرية الواقعة في قلب الأراضي الأرمينية مع منح أرمينيا حق المرور عبر هذه المنطقة إلى إيران.
 
ولم يكتب النجاح والقبول لهذه الخطة حيث شعرت أرمينيا بأن وصل ناختشيفان بأذربيجان سيحول بينها وبين إيران وبالتالي ستخسر أرمينيا الممر الوحيد والمنفذ الحيوي لها للفكاك من سيطرة أذربيجان- تركيا فضلا عن ذلك فإن منح أذربيجان منطقة مغري ومنح الأرمن حق المرور عبرها إلى إيران غير كاف بالنسبة لأرمينيا، لأن منطقة مغري ستخضع في النهاية إلى سيطرة وتحكم الأذر. كذلك لم يكتب النجاح لهذه الخطة لأنها من وجهة نظر أرمينية منحت أذربيجان أراضي كانت بحوزة أرمينيا ولم تحصل في المقابل على ما يغريها بالتنازل.

 
لكن هذه التصورات لم يكتب لها النجاح حتى الآن نظرا للتعقيدات والمحاذير السابقة وتداخل وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، ولا يزال هذا الصراع الطويل بين أرمينيا وأذربيجان على ناغورني  قره باغ   ينتظر انعطافة تاريخية تكسر دورة توريثه للأجيال القادمة.

_______________
المصادر
 

Nagorno-Karabakh Searching for a Solution, Patricia Carley, United States Institute of Peace Roundtable Report     http://www.usip.org/pubs/peaceworks/pwks25/pwks25.html
 
AZERBAIJAN – A Country Study, The Library of Congress.  http://lcweb2.loc.gov/frd/cs/aztoc.html

 Nagorno-Karabakh, GlobalSecurity.org http://www.globalsecurity.org/military/world/war/nagorno-karabakh.htm

AZERBAIJAN, SEVEN YEARS OF CONFLICT IN NAGORNO-KARABAKH, HUMAN RIGHTS WATCH / HELSINKI. http://www.geocities.com/fanthom_2000/hrw-azerbaijan/hrw-azerbaijan.html
 

 The world Fact Book, CIA, Azerbaijan http://www.cia.gov/cia/publications/factbook/geos/aj.html
 

PROFILE OF INTERNAL DISPLACEMENT : AZERBAIJAN Compilation of the information available in the Global IDP   Database of the Norwegian Refugee Council as of 5 May, 2003

PROFILE OF INTERNAL DISPLACEMENT : ARMENIA Compilation of the information available in the Global IDP Database of the Norwegian Refugee Council as of 3 June, 2003

FROM NONSENSE TO NATIONHOOD: A DANGEROUS TRAJECTORY OF AZERBAIJANI NATIONALISM    http://www.cilicia.com/Convenience.htm

 Encarta Encyclopedia Nagorno-Karabakh

 Encyclopedia Britannica Nagorno-Karabakh 

Nagorno-karabakh, Fact Sheet, Bureau of European and Eurasian Affairs Washington, DC
http://www.state.gov/p/eur/rls/fs/41401.htm

Lachin, http://karabakh.bravepages.com/en/03-6.htm

Karabakh, http://nkr.am/eng/gov/presid.htm
 

Timeline: Azerbaijan A chronology of key events , Tabib Huseynov

imeline: Azerbaijan A chronology of key events, http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/europe/country_profiles/1235740.stm

Timeline: Armenia A chronology of key events, http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/europe/1108274.stm

Timeline of Karabakh History, http://www.cilicia.com/armo19j.html  

المصدر : الجزيرة