أزمة الرئاسة في إندونيسيا


undefined

بقلم: طلعت لطفي*



الضغوط الطلابية ستكون الفيصل في مصير الرئيس الإندونيسي، وقد أعلنت الأحزاب الإسلامية بقيادة رئيس مجلس الشورى أمين رايس سحب تأييدها للرئيس واحد ومساندتها لنائبته ميغاواتي

تزايدت حدة المعارضة لاستمرار الرئيس الإندونيسي عبد الرحمن واحد في السلطة، وقام الآلاف من الطلاب طوال الفترة الماضية بمظاهرات حاشدة أمام القصر لفشله في تحقيق الإصلاحات اللازمة في البلاد -والتي أطاح الطلاب من أجلها بالرئيس الأسبق "سوهارتو"- وعلى رأسها إقامة نظام حكم نظيف خال من الفساد والمحسوبية، ومحاكمة المسؤولين السابقين في عهد "سوهارتو" والمتهمين بالثراء غير المشروع والفساد واستغلال النفوذ، وحل المشكلات التي تواجه البلاد مثل الدعوات الانفصالية، والصدامات الطائفية والعرقية، والأزمة الاقتصادية والمالية التي تضرب إندونيسيا منذ عام 1997. وفي المقابل حرك مؤيدو واحد مسيرات كبيرة أمام البرلمان والقصر الجمهوري للمطالبة باستمراره في السلطة حتى نهاية مدته عام 2004.

ويخشى بعض المراقبين من حدوث فوضى نتيجة الصدام المتوقع بين معارضي الرئيس الإندونيسي ومؤيديه من جمعية "نهضة العلماء" وحزبه "نهضة الشعب"، مما قد يخلف أوضاعاً أمنية غير مواتية تدفع قوى معينة إلى استغلالها لتحقيق مصالحها الذاتية، كما توفر مناخاً ملائماً للقوات المسلحة للتدخل من أجل تهدئة الأوضاع والسيطرة على الموقف.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية قد أشارت في وقت سابق في تعليق لها على الأحداث في إندونيسيا إلى رغبة الإدارة الأميركية في مساعدة الجيش الإندونيسي على استعادة قوته وإعادة إمداده بالسلاح بعد مقاطعة استمرت حوالي عامين، وهو ما فسره البعض بأنها دعوة أميركية لكي يسيطر الجيش على الأوضاع المتردية.

وقد لا تعطي تداعيات الأحداث التي من المتوقع أن تشهدها البلاد في الأسابيع القادمة فسحة من الوقت للرئيس واحد للاعتماد على مساندة أعضاء الجمعية، حيث إنه لا يتمتع حاليا إلا بتأييد حزبه "نهضة الشعب" الذي يحتل نسبة 11% فقط من جملة أعضاء مجلس النواب. وقد أعلنت الأحزاب الإسلامية بقيادة رئيس مجلس الشورى أمين رايس سحب تأييدها للرئيس واحد ومساندتها لنائبته ميغاواتي التي تتمتع بتأييد قيادات عديدة على رأسها حزبها الديمقراطي الذي يحتل 35% من مقاعد البرلمان، ولكن الضغوط الطلابية ستكون الفيصل في مصير الرئيس الإندونيسي في المستقبل القريب.




أهم سباب الأزمة:

1- ضعف الحكم المركزي.
2- تفكك الجيش.
3- الهيمنة الجاوية.
4- سياسة التوطين الفاشلة.
5- صراع المتنفذين.
6- الأزمة الاقتصادية.
7- محاولات رجال سوهارتوالعودة للحكم
8- النزاع بين مؤسسات الحكم.
9- غياب العدل في توزيع الثروات.
10- التعدد العرقي.
11- التعدد الديني.
12- التدخل الأجنبي.

 وكان الطلاب هم الذين أجبروا الرئيس الأسبق سوهارتو على الاستقالة في 21 مايو/ أيار 1998 بعد أن احتلوا البرلمان لمدة أسبوع، وينتمي هؤلاء الطلاب -بالإضافة إلى تزعمهم حركة الإصلاح- إلى قوى عديدة من النخبة السياسية التي لا ترضى عن توجهات وسياسات الرئيس كالقوى البرلمانية والنخبوية، والجمعيات والمنظمات الإسلامية من غير جمعية "نهضة العلماء".

واستغل معارضو واحد مغادرته البلاد في جولته الأخيرة على الرغم من تفاقم الأوضاع في إقليم كالمنتان بجزيرة بورنيو وسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى وزيادة عدد اللاجئين بسبب الصدام الطائفي والعرقي في الإقليم في  اتهامه بعدم الشعور بالمسؤولية بعد أن طالبوه بعدم القيام بهذه الجولة في الوقت الراهن، ولكنه رفض وسار في رحلته إلى مداها لتأكيد سيطرته على الأوضاع في البلاد حتى وهو بعيد عنها وترك الأمور لنائبته ميغاواتي للتعامل معها على أساس أنها وحزبها يؤيدانه في الاستمرار في السلطة إلى نهاية مدته الدستورية، وهو الأمر الذي رفع من أسهم نائبة الرئيس وجعل الأحزاب الإسلامية تتراجع عن موقفها السابق في رفض اختيارها رئيسة، وجعلها تكسب تأييد الاتجاهات المختلفة داخل البلاد بما في ذلك القوات المسلحة كبديل وحيد محتمل للرئيس واحد.

ويذكر بعض المراقبين بأن الرئيس المؤسس للدولة سوكارنو كان قد أقيل من الحكم بعد زيارته لمصر، وهو ما حدث أيضاً للرئيس الأسبق سوهارتو عقب مشاركته في قمة مجموعة الـ 15 في القاهرة في مايو/ أيار 1998 وزيارته الرسمية لمصر وقتها.

وعلى الرغم من أن الرئيس الإندونيسي عبد الرحمن واحد لم يرد حتى الآن على المذكرة التحذيرية الأولى التي وجهها له البرلمان في الأول من فبراير/ شباط الماضي والتي من المفروض أن تعطيه فرصة ثلاثة أشهر -حتى أول مايو/ أيار- للرد عليها بشأن توجيه اتهام له بالضلوع بشكل غير مباشر في قضيتي فساد ماليتين هما "بولوغيت" و"بروناي غيت"، فإن ست مجموعات برلمانية تمثل الأحزاب الكبرى في الساحة السياسية قد بادرت بإعداد مشروع مذكرة تحذيرية ثانية للرئيس ستتم مناقشتها لإقرارها قريبا قبل إجازة البرلمان.

وإذا مضى البرلمان في إصدار المذكرة الثانية دون الأخذ في الاعتبار الرد الذي أعده بالفعل واحد على المذكرة الأولى وينفي فيه أي مشاركة له في تلك القضيتين ويثير تساؤلات حول شرعية اللجنة التي أدانته، فإن ذلك يعني أن المجلس النيابي عازم على عقد الجلسة الاستثنائية لمجلس الشورى لمساءلة الرئيس وإدانته وعزله.

جبهة جديدة ضد الرئيس واحد



اعتبرت أحداث العنف الأخيرة في مدينة سامبيت والتي راح ضحيتها المئات ذروة الأزمات التي تلقي بظلالها على حكومة واحد وتهددها بالسقوط

مثلت أحداث العنف الدموي العقائدي والطائفي في وسط كالمنتان ذروة الأزمات التي ألقت بظلالها على مستقبل حكومة واحد، إذ بلغ عدد ضحايا أحداث العنف الطائفي في مدينة سامبيت الواقعة على بعد 250 كلم غربي بالانكاريا عاصمة إقليم وسط كالمنتان في جزيرة بورنيو إلى عدة مئات تراوحت بين خمسمائة حسب الإحصاء الرسمي وألف حسب أقوال بعض اللاجئين الفارين إلى مناطق آمنة. ونتج عن هذا الصدام الدموي إصابة المئات وهروب أكثر من 50 ألفا إلى مناطق نزوحهم الأصلية، وتدمير مئات المنازل وبعض المراكز الحكومية. والأسوأ أن عدداً كبيراً من القتلى قد عثر عليهم ممثلاً بجثثهم ومفصولي الرؤوس عن الأجساد.

يأتي هذا الصراع الطائفي نتيجة لعدم نجاح السلطات الإندونيسية طوال العقود الأربعة الماضية في غرس قيم المحبة والإخاء والمساواة بين السكان الأصليين "الداياك" والمهاجرين المستوطنين من المادوريين، وشعور السكان الأصليين في الأقاليم التي تم تهجير الآلاف إليها بعدم المساواة.

وبالإضافة إلى كالمنتان هناك أيضاً سيلاويسي وسومطره ورياو ومالوكو وإيريان الغربية وقبلهم تيمور الشرقية التي اختار سكانها الانفصال عن إندونيسيا في 30 أغسطس/ آب 1999، فقد أعطت الحكومة للمهاجرين المناصب الهامة والاستفادة من ميزات تلك الأقاليم من تجارة وزراعة وأمن وجيش وغابات وغيرها، مما أثار حقد السكان الأصليين عليهم.

ويمكن إرجاع ما يجري حالياً في مالوكو من حرب طائفية بين المسلمين والمسيحيين وما يدور في إيريان الغربية وآتشه من حروب انفصالية لتكوين دولة مستقلة، إلى عوامل عديدة يأتي على رأسها الشعور بالظلم الفادح من قبل سكان تلك الأقاليم إزاء الاستغلال الذي تمارسه الحكومة المركزية لاستنزاف مواردهم الطبيعية الهائلة وتركهم في أوضاع متردية.

ويقول مسؤولون إن سبب اندلاع الأحداث الدموية في وسط كالمنتان يرجع إلى قيام بعض المسؤولين السابقين في الإقليم والذين فصلوا من وظائفهم  بتحريض السكان الأصليين ضد المستوطنين الذين أقاموا في تلك المناطق منذ أكثر من ثلث قرن من الزمان، ودفع مبالغ مالية للزعماء المحليين لإثارة هذه الصدامات حتى تلجأ إليهم الحكومة المركزية مرة أخرى لفض النزاع وإعادتهم إلى وظائفهم.



يربط مراقبون بين ازدياد أحداث العنف في البلاد والمحاكمات التي يتعرض لها أبناء وأتباع الرئيس الأسبق سوهارتو بما اعتبر اتهاما للحكم السابق بافتعال الأحداث

لكن أغلب الظن أن هذه الأحداث تأتي وسط حملة محاكمات لكبار أفراد أسرة الرئيس الأسبق سوهارتو كابنه الأكبر وابنته وأخيه غير الشقيق بتهم الفساد واستغلال النفوذ، وذلك بعد أن حوكم ابنه الأصغر وصدر ضده حكم بالسجن ولكنه مازال هارباً منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقد لوحظ أنه كلما تصاعدت الحملة ضد الفساد وبالذات ضد أفراد أسرة الرئيس الأسبق وحاشيته فإن أحداثا كبيرة تقع في البلاد لإلهاء الحكومة وتشتيت تركيزها في اتجاهات أخرى، فقد وقعت عدة انفجارات في العاصمة ومدن كبرى حينما حاول المدعي العام محاكمة الرئيس الأسبق وابنه الأصغر، واشتعلت الحرب الطائفية في مالوكو وضربت الكنائس في جاكرتا في تلك الفترة، ومن ثم فإنه ليس من المستبعد أن يكون رجال سوهارتو أو جنرالاته الذين استفادوا من عصره واتهموا بعد ذلك بالفساد أو انتهاك حقوق الإنسان، أن يكونوا وراء ما يجري ليس في كالمنتان وحدها بل في شتى الحوادث التي تجري في إندونيسيا لضرب الحكومة واستعادة أركان قوتهم الآفلة.

مشكلات متفاقمة أمام الرئيس واحد
وتضيف الأحداث الدموية في كالمنتان -الجزء الإندونيسي من جزيرة بورنيو- بعداً آخر في مسلسل الأزمات التي تواجهها إندونيسيا في الوقت الراهن قد يعصف بحكومة الرئيس عبد الرحمن واحد أول رئيس إندونيسي منتخب ديمقراطياً، ولا يكاد الرئيس ينجو من إحداها حتى يواجه بالأخرى، حتى تفاقمت المشكلات وتراكمت الأزمات على حكومته وصار مطالبا بحلها أو ترك الأمور لغيره ليحلها. ومن هذه المشكلات:

1- أزمة الثقة التي تضرب حكومته بعد سلسلة من القضايا التي واجهته وكان آخرها قضيتا الفساد المالي المعروفتان باسم "بولوغيت" و "بروناي غيت".

2- التطلعات الانفصالية التي تمتد بين أقصى الشرق في إيريان الغربية حتى أقصى الغرب في آتشه، وتزايد هذه التطلعات لدى الأقاليم المختلفة بعد سقوط سوهارتو ومناخ الحرية والديمقراطية المتاح حاليا.

3- الصراعات الطائفية والعرقية التي أدت إلى مصرع الآلاف وفرار عشرات الآلاف وتدمير المنازل ودور العبادة سواء بسبب الصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في جزر مالوكو أو بسبب النزاعات الطائفية في كالمنتان أو سيلاويسي أو رياو.

4- التناحر بين الصفوة الحاكمة، ولكن الاتفاق الوحيد بينهم حاليا هو أن يتخلصوا من الرئيس واحد الذي أوصلوه إلى الحكم، ليس حبا فيه ولكن كراهية في ميغاواتي سوكارنو التي عادوا يلمحون بتأييدها للرئيس واحد مؤخراً.

5- عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بسبب الخلافات بين الصفوة والأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، أدى بدوره إلى مشكلات اجتماعية عديدة.

أسباب تراكم الأزمات


استمرار الأزمة يهدد وجود الدولة الموحدة وينذر ببلقنة إندونيسيا في المستقبل

ويمكن تلخيص أسباب تراكم تلك الأزمات في الفترة الأخيرة بما يأتي:
1- ضعف قبضة الحكومة المركزية التي كانت تمسك بزمام الأمور في هذا الأرخبيل الممتد لمساحة عشرة ملايين كم2 تقريبا.
2- تدهور موقف القوات المسلحة بعد استبعاد العديد من قياداتها واتهام البعض الآخر بانتهاك حقوق الإنسان وفشلها في الحفاظ على وحدة وسلامة الأقاليم المختلفة.
3- عدم الرضا عن الهيمنة الجاوية التي سادت البلاد طوال أكثر من نصف قرن بعد الاستقلال والتي أثارت كراهية سكان الأقاليم المختلفة ضد الجاويين.
4- فشل سياسة التوطين التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة لتغيير الخريطة السكانية في بعض الأقاليم، ونقل الآلاف من جاوا ومادورا وبالي إلى الأقاليم قليلة السكان.
5- الصراع بين النخبة الحاكمة لتحقيق مآرب ذاتية.
6- استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية الطاحنة التي ضربت البلاد منذ عام 1997 وترتب عليها أزمات اجتماعية وسياسية عديدة مثل البطالة والفقر وتدهور الأوضاع الأمنية.
7- رغبة بقايا النظام السوهارتي السابق في استعادة مواقعهم ووقف حركة الإصلاح التي طالت الكثيرين منهم رغم قوة نفوذهم.
8- تصاعد النزاع بين مؤسسة الرئاسة والبرلمان وهو ما أدى إلى توتر الأوضاع السياسية وعدم الاستقرار الذي تعاني منه حكومة الرئيس واحد وتوجيه إنذار له من قبل البرلمان قد يؤدي خلال أشهر قليلة إلى عقد جلسة استثنائية لمجلس الشورى لمحاسبة الرئيس وتوجيه اللوم له وعزله.
9- عدم عدالة توزيع الثروة بين الحكومة المركزية والأقاليم واستئثار جاكرتا بمعظم ثروات الأقاليم الغنية بالموارد الطبيعة.
10- التنوع العرقي والديني واللغوي واتساع رقعة الأرخبيل (أكثر من 500 لغة وعرق، وأكثر من 16500 جزيرة).
11- التدخلات الخارجية في بعض الأزمات مثل فصل تيمور الشرقية بمساعدة أستراليا والولايات المتحدة وهولندا والبرتغال. والحديث عن تدخل دول جوار وشرق أوسطية في أحداث آتشه الانفصالية ومالوكو الطائفية.

خاتمة
من المتوقع أن تحدث تحولات وأحداث دراماتيكية في إندونيسيا تحدد مستقبل النظام الحاكم وشكل الدولة نفسها التي تعاني من تراكم الأزمات العديدة عليها من صراع طائفي وعرقي ودعوات انفصالية ومشاكل اقتصادية، وهو ما قد يهدد وجود الدولة الموحدة وينذر ببلقنة إندونيسيا في المستقبل، وانتشار ذلك الفيروس إلى مناطق ودول مجاورة مما يلقي بظلاله على الاستقرار في كل منطقة جنوب شرق آسيا.
________________
* صحفي مصري مقيم في إندونيسيا

المصدر : غير معروف