العام الأخير لنظام حكم صدام حسين؟

بقلم: غراهام فولر

أود في هذا المقال استكمال النقاش الذي بدأته بشأن مستقبل العراق، وقبل ذلك أريد التذكير ببعض النقاط الرئيسية التي تناولتها في المقال السابق عن العراق:

1- أعتقد أن نهاية نظام الرئيس صدام حسين وحزب البعث في بغداد ستنعكس إيجابا على الشعب العراقي والعالم العربي. وبشكل عام فإنني أعتقد أن التخلص من جميع الأنظمة المستبدة في المنطقة أمر مرغوب فيه، لكن نظام صدام حسين يظل هو الأسوأ بينها.

2- أتمنى لو أن المنطقة تستطيع بنفسها معالجة مشكلة نظام صدام حسين، إلا أن واشنطن وبعض دول التحالف الدولي ربما تتحرك لفعل هذا الأمر خلال العام الجديد أو نحو ذلك. كما أنه من الضروري القيام بخطوات دبلوماسية أخرى مع كل من تركيا وإيران وسوريا والأردن ودول الخليج ومصر ودول أخرى لكي تقدم المساعدة في تقرير مستقبل العراق.

3- لا أعتقد أن واشنطن تستطيع أو ينبغي أن تحاول الإطاحة بنظام صدام حسين قبل التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. إن حلا عادلا في فلسطين ضروري لإثبات مصداقية واشنطن ولكي تثبت أنها لا تريد إزاحة الرئيس صدام حسين لمجرد إرضاء إسرائيل.

4- إن حقيقة أن الإطاحة بصدام حسين سترضي إسرائيل لا يعني أنها لن ترضي العراقيين وغيرهم من العرب.


المعارضة العراقية حظيت باهتمام ودعم الإدارة الأميركية خلال السنوات العشر الماضية، لكنها لا تملك قوة عسكرية كما أن العرب السنة غير ممثلين فيها تمثيلا كبيرا

لقد ظل المؤتمر الوطني العراقي (المعارض) مركز اهتمام الدبلوماسية الأميركية خلال السنوات العشر الماضية فيما يتعلق بجهود الإطاحة بنظام صدام حسين، إلا أن المؤتمر يملك عوامل القوة والضعف في آن واحد. وأهم نقاط الضعف فيه أنه لا يملك قوة عسكرية وأن العرب السنة غير ممثلين فيه تمثيلا كبيرا، كما أن علامات الاستفهام تحوم حول بعض الشخصيات المتنفذة فيه. أما أهم نقاط القوة في المؤتمر فهي أنه يجمع في عضويته عددا كبيرا من المفكرين العراقيين الجادين من شتى المجموعات الدينية والعرقية المختلفة جاؤوا ليتدارسوا مستقبل العراق. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ العراق التي يلتقي فيها ممثلون لكل المجموعات في العراق لمناقشة مستقبلهم وطبيعة الديمقراطية العراقية ومسألة حقوق الأقليات في العراق.

من المهم في هذا المجال أن نتذكر حقيقة مهمة وهي أن العراق اليوم -مثل عدد كبير من الدول العربية الأخرى- تحكمه أقلية صغيرة، فشيعة العراق المنحدرين جميعهم تقريبا من أصول عربية يشكلون ثلثي سكان العراق تقريبا لكنهم مستبعدون بشكل عام من أي منصب مهم على الرغم من اعتزازهم بتراثهم العربي. وربما يشكل الأكراد حوالي 20% بينما لا يتجاوز العرب السنة 20% من السكان. وقد تكون هذه الأرقام قابلة للأخذ والرد لكنها أرقام دقيقة بشكل عام. ومن شأن الاختلافات العرقية والطائفية هذه في العراق خلق مشكلات في المستقبل خصوصا للسنة الذين سيتخلون عن السلطة للأغلبية الشيعية في أي عملية ديمقراطية مستقبلية في العراق. ولكن ما هو رد الفعل الذي سيتخذه العرب السنة تجاه هذا الانقلاب في ميزان القوى؟ ومع ذلك إذا كانت الديمقراطية غير مقبولة للبعض فإنه لن يكون لها مستقبل في العراق. لقد حدثني أميركي من أصل عراقي ذات مرة أن "الديمقراطية في العراق هي برنامج الشيعة"، فأي مستقبل ستقدمه هذه الديمقراطية للعراق؟


الشيعة أكبر المستفيدين من الديمقراطية في عراق المستقبل بحكم الأغلبية لكن ذلك لا يعني تحالفهم واتحادهم ضد العرب السنة، فالشيعة أنفسهم مختلفون بينهم ولهم توجهات سياسية وفكرية مختلفة

لكن هل نعتقد أن جميع الشيعة في العراق يفكرون نفس التفكير ويريدون نفس الأشياء؟ وهل سيعملون جميعا كعشيرة واحدة وهو ما يعتبر أحد المشكلات المتأصلة في السياسة العربية؟ يوجد بين الشيعة بالتأكيد شيوعيون وإسلاميون ورأسماليون واشتراكيون وتقليديون وعصريون، فهل سيكونون صوتا واحدا في البرلمان وهل سيتبعون نفس السياسة؟ إن أحد مبادئ الديمقراطية أن الناس يلتقون معا في تكتلات وائتلافات مؤقتة للوصول إلى أهداف مشتركة، فلماذا يكون هناك تحالف شيعي ضد السنة العرب؟ إن التحالف الحقيقي والقوي داخل أي مجموعة دينية أو عرقية يظهر في العادة عندما تكون هذه المجموعة مضطهدة أو تتعرض للتمييز. إن هذا هو أحد أسباب التضامن بين اليهود أو بين الشيشان على سبيل المثال. وفي الفترات التي لا يكون فيها مثل هذا الاضطهاد أو التمييز يقل شعور الناس بالخوف ويبدون التجاوب والتعاون مع الآخرين الذين يشاركونهم في وجهات النظر. إن أحد المآسي الكثيرة التي أوجدها نظام صدام حسين هي عمله على تحطيم أي شعور بالوطنية العراقية وعمله بدلا من ذلك على تأليب مجموعة عرقية أو دينية أو عشائرية معينة على مجموعة أخرى بهدف تفتيت المعارضة وحكم البلاد بيد من حديد. ومثال على ذلك أن حالات الزواج التي كانت شائعة ومنتشرة بين الشيعة والسنة قبل بضعة عقود أصبحت الآن نادرة نسبيا لأن صدام أضعف التركيبة الاجتماعية للبلاد وحولها إلى مجموعات تعادي بعضها.

إن أحد القضايا التي أعد المؤتمر الوطني العراقي حولها برامج وأبحاثا سياسية هي حقوق الأقليات في عراق المستقبل. وفي الحالة التي نناقشها تبرز حقوق السنة العرب باعتبارها أهم أقلية يجب النظر في حقوقها باعتبارها أصغر الأقليات الثلاث في العراق. ومن الضروري التوصل إلى مثل هذه الاتفاقات المبدئية حول حقوق الأقليات وقبولها من جانب غالبية العراقيين قبل إجراء أي تغيير في النظام، وهو ما يمكن أن يكون نموذجا للعالم العربي.

أما ثاني أكبر أقلية فهم أكراد العراق في الشمال. ويمثل الأكراد مشكلة أكثر تعقيدا إلى حد ما من العرب السنة لأنهم يمثلون مجموعة عرقية مختلفة تماما. لقد عانى الأكراد كثيرا من الحكم العراقي على مدى العقود الماضية، إذ قتل صدام عشرات الألوف منهم واستعمل الغازات السامة ضد قرية حلبجة كلها. كما لجأ الأكراد بالطبع إلى النضال المسلح لعقود كثيرة لتحقيق الاستقلال أو الحصول على حكم ذاتي حقيقي من بغداد وليس مجرد حكم ذاتي لا معنى له إلا على الورق كما كان نظام بغداد يعرضه عليهم في العادة.


القومية العربية الوحيدة التي ستكون ناجحة هي التي تستند إلى مبدأ حرية الوحدة وليس من خلال فرض الوحدة من قبل دولة على الدول العربية الأخرى، أو فرضها من جانب حاكم عربي واحد على الحكام الآخرين

تثير المشكلة الكردية الكثير من القضايا التي أرجو أن أتمكن من نقاشها وطرقها بتفصيل أكثر في مقالات مستقبلية منها مشكلة الأقليات العرقية في الدول العربية والإسلامية الأخرى التي هي واحدة من أكثر التحديات الخطيرة في المستقبل. وهذه المشكلة مرتبطة بقضية أكبر وأشمل وهي قضية القومية في العالم العربي.

لقد حارب العرب باسم القومية العربية لأكثر من قرن كامل وكان ذلك من حقهم. إن تحقيق القومية العربية يعد أحد أهم الطموحات بالنسبة لجميع العرب، حتى لو لم يتم بعد تحقيق وحدة عربية أكبر مما هي عليه الآن. إن القومية العربية الوحيدة التي ستكون ناجحة هي التي تستند إلى مبدأ حرية الوحدة وليس من خلال فرض هذه الوحدة من قبل دولة واحدة على الدول العربية الأخرى أو من خلال فرضها من جانب حاكم عربي واحد على الحكام الآخرين. وسنناقش القومية العربية في مقالات لاحقة، أما هنا فنتساءل كيف تؤثر القومية العربية على القومية الكردية؟ فالقومية الكردية مفهوم شرعي وصحيح مثلما هو شرعي وصحيح مفهوم القومية العربية أو أي قومية أخرى. فهل للأكراد الحق في أن يسعوا إلى إقامة دولة مستقلة أو لحكم ذاتي كامل في شمال العراق؟ من الذي يقرر إن كان لمجموعة عرقية معينة الحق في الاستقلال أو أنه ليس من حقها ذلك؟ هل هي قوة السلطة أم قوة الحق والعدل؟


يجب على جميع العراقيين والعرب بل والعالم أجمع أن يفكروا في قضايا الأقليات في بلادهم فإما أن يمنحوهم الاستقلال أو أن يحاولوا إرضاءهم إن أرادوا إبقاء سيطرتهم على تلك الأقليات

ليس عندي أجوبة على تلك التساؤلات –أو في هذا المقال على الأقل-، لكني أثيرها لأن العراقيين وجميع العرب بل جميع الناس في العالم يجب أن يفكروا في قضايا الأقليات في دولهم، فإن كانت هذه الأقليات غير سعيدة فربما كان لديها بعض الحق في أن تطالب بالاستقلال، وقد تكون الدولة ملزمة بإرضاء الأقليات فيها إن أرادت الإبقاء على سيطرتها على هذه الأقليات.

وهكذا تبرز مسألة وحدة عراق المستقبل، وأعتقد أن هناك تساؤلات حقيقية بشأن قدرة العراق على أن يبقى موحدا وخصوصا بعد عقود من الحكم البعثي الكارثي. إنني أعتقد جازما أن الدول ذات العرقيات المتعددة تعتبر أفضل وأكثر تقدما من حيث النسيج الاجتماعي من الدول ذات العرق الواحد، إذا ما نجحت في إيجاد تناغم بين تلك العرقيات المختلفة. ولذلك يجب على المخططين لعراق المستقبل أن يدرسوا بدقة واهتمام نوع الدستور والحقوق ونظام الحكم الذي سيكون عليه العراق إن كان العراق يريد أن يحيا مستقبلا أكثر سعادة من حياته التي عاشها على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، ولن تكتب له الحياة والاستمرار إلا بوجود نظام حكم جيد.

المصدر : غير معروف