مسار التعددية الحزبية بسوريا

*إعداد: قسم البحوث والدراسات

عرفت التعددية الحزبية في سوريا تقلبات وتطورات، فترات مد وفترات جزر. وقد ظهرت أحزاب سياسية وتنافست في الانتخابات وسنت القوانين فترة، كما تحكم الجيش في السياسة وقام بحل الأحزاب، وسادت الاقتراعات المعدة سلفا وعرف الناس رئيسا ينتخب بنسبة 99.99% فترات أخرى. ولتسهيل فهم الخريطة الحزبية السورية على تعقيدها وللوقوف على الانشقاقات وتوالد الأحزاب من الأحزاب، ينبغي أن نبدأ بتحقيب المشهد الحزبي السوري.

مسار التعددية الحزبية السورية

يمكن تحقيب النشاط الحزبي في سوريا وفق فترات ست هي:

  1. عهد التعدد الحزبي من عام 46 إلى 1949
    عرفت سوريا في هذه الفترة نظاما جمهوريا برلمانيا، فظهرت في الساحة تشكيلات حزبية هي: حزب الشعب والحزب الوطني والحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين. ثم تأسست أحزاب سياسية جديدة هي: حزب البعث والحزب الاشتراكي العربي والحزب القومي السوري الاجتماعي والحزب التعاوني الاشتراكي. وقد شاركت هذه الأحزاب في الانتخابات التشريعية في يوليو/ تموز 1947، وكانت الأكثرية النيابية لصالح الأحزاب البورجوازية الإقطاعية مثل الحزب الوطني وحزب الشعب. وقد تمت هذه الانتخابات في عهد رئاسة هاشم الأتاسي.
  2. توقف الحياة الحزبية عام 1949
    بعد سنتين من المناخ التعددي، دشنت سوريا عهد الانقلابات العسكرية لأول مرة في التاريخ العربي الحديث. فأخذ العقيد حسني الزعيم الحكم، ولم يكتف بإلغاء الديمقراطية بل رشح نفسه لانتخابات رئاسية في يونيو/ حزيران 1949، وصفت بكونها انتخابات معدة على قياسه. فحصد –بطبيعة الحال- نسبة تفوق 98% من الأصوات. وظلت الأحزاب محظورة في عهد الزعيم كما زج بقياداتها في السجون.
  3. عودة الحياة البرلمانية من عام 49 إلى 1958
    لم تكن فترة حسني الزعيم بالطويلة، إذ عادت التعددية الحزبية إلى سوريا في نهاية 1949، حين تمت إزاحته بانقلاب عسكري. فأصدر الرئيس الجديد سامي الحناوي قرارا برفع الحظر عن الأحزاب السياسية، باستثناء الحزب الشيوعي والحزب التعاوني الاشتراكي. وتم تعيين هشام الأتاسي رئيسا للوزراء، فبادرت حكومته إلى وضع قانون جديد للانتخابات سمح للرجال والنساء فوق سن الثامنة عشرة بالانتخاب، وجرت انتخابات تشريعية في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1949.
    وبعد إزاحة الحناوي في انقلاب تم في 19 ديسمبر/ كانون الأول 1949 بقيادة أديب الشيشكلي، تم حل مجلس النواب وحظر النشاط الحزبي في يناير/ كانون الثاني 1952، وخاصة الحزب الوطني وحزب الشعب والإخوان المسلمين والتعاوني الاشتراكي. وقام الشيشكلي بتشكيل حزب موال له هو حزب التحرير العربي. كما أقر دستورا جديدا للبلاد في 21 يونيو/ حزيران 1953، فأصبح نظام الحكم بموجب الدستور الجديد نظاما رئاسيا، بعدما كان نظاما برلمانيا. وجرى استفتاء على الرئيس في يوليو/ تموز 1953.
    بعد نجاحه في الاستفتاء، رفع الرئيس أديب الشيشكلي الحظر عن الأحزاب باستثناء الحزب الشيوعي. وأصدر مرسوما لتنظيم النشاط الحزبي وقانونا للانتخابات وعفوا عن المعتقلين السياسيين. عادت إلى سوريا التعددية السياسية في نهاية حكم الشيشكلي، فتم انتخاب مجلس نيابي تتمثل فيه جميع الأحزاب السورية الموجودة.

  4. undefinedالوحدة بين سوريا ومصر من عام 58 إلى 1961.. انفراط الأحزاب

    كانت أهم سمة لعهد الوحدة بين القطرين السوري والمصري هي تجميد كافة الأحزاب السياسية وهو شرط اشترطه الرئيس جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة بين القطرين، وبذلك وضع حد لفترة التعددية الحزبية التي كانت سوريا تعيشها قبل إعلان الوحدة. وقد تمت الوحدة بين البلدين في فبراير/ شباط 1958، إلى أن وقع الانفصال في سبتمبر/ أيلول 1961.
  5. فترة الانفصال من عام 61 إلى 1963
    لم تكن حال التعددية التي زالت مع إعلان الوحدة بين سوريا ومصر بأحسن عندما وقع الانفصال. ومع أنه قد جرت انتخابات نيابية في أواخر عام 1961 فاز فيها بعض المعارضين، كما ظهرت بعض الصحف منها: بردى والوحدة والبعث، إلا أن عام 1962 سيعرف صدور قانون الطوارئ لأول مرة في تاريخ سوريا، ويهدف القانون أساسا إلى قمع التيار الوحدوي. وقد تعاقبت خلال هذه الفترة التي لم تدم أكثر من 18 شهرا ست حكومات في دمشق. ورغم الحظر الحزبي، فقد تشكلت في مواجهة الانفصال قوى جديدة هي حركة الوحدويين الاشتراكيين والجبهة العربية المتحدة، إلى جانب حركة القوميين العرب الموجودة من قبل، وحزب البعث العربي الاشتراكي الذي أعلن تشكيله في أواخر عهد الوحدة. وقد ناضلت هذه القوى التي سميت يومئذ بالوحدوية ضد الانفصال، إلى أن وقع انقلاب مارس/ آذار 1963.
  6. عهد البعث من 1963 إلى الآن.. الديموقراطية الشعبية


    undefined
    أخذ حزب البعث الحكم في سوريا في الـ 8 من مارس/ آذار 1963. وقد عرفت هذه الفترة على مستوى النشاط الحزبي والديمقراطي بقمع الاتجاه الناصري بسوريا، وإغلاق صحيفتي بردى والوحدة المؤيدتين لهذا الاتجاه، وإغراء قيادة حركة الوحدويين الاشتراكيين ذات الأصول البعثية قبل الوحدة بحل الحركة، وإدماجها في حزب البعث المهيمن على السلطة، وإبعادها عن حلفائها مقابل إعطائها نصف المواقع والمناصب في القيادات الحزبية ومؤسسات السلطة. وبذلك تم احتواء التيار الناصري الواسع في قواعد الحركة. ومع قيام الحركة التصحيحية عام 1970 التي أعلنها الرئيس الراحل حافظ الأسد، تمت إزاحة رموز البعث اليمينية. وقد دشنت الحركة التصحيحية صيغة جديدة في التعامل الحزبي تدعى الديموقراطية الشعبية، وذلك بإنشاء جبهة سياسية تشبه ما كان معروفا في أوروبا الشرقية في عهدها الشيوعي. ويطلق على التآلف الحزبي السوري "الجبهة الوطنية التقدمية" وهي ائتلاف بعض الأحزاب اليسارية في سوريا. تأسست الجبهة في 7 مارس/ آذار 1972 بعد عامين على قيام الحركة التصحيحية، وتضم 6 أحزاب هي: حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري والاتحاد الاشتراكي العربي وحزب الوحدويين الاشتراكيين وحزب الاشتراكيين العرب والحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي. ومنذ أواخر 2001 أصبح الحزب السوري القومي الاجتماعي يحضر اجتماعات الجبهة بصفة مراقب. وتعاني أحزاب الجبهة من كثرة الانقسامات الداخلية.

_______________
* الجزيرة نت
المصادر
1 – صلاح جديد
2 – موقع حزب البعث
3 – الحياة الحزبية في سوريا وقانون الأحزاب
4 – سامي الحناوي

المصدر : غير معروف