شعار قسم ميدان

حرب لجيل قادم.. لماذا لن تنتهي الحرب السورية قريبا؟

midan - Aleppo
مقدّمة المترجم

تقدّم هذه المقالة تاريخا موجزا ولكن شاملا للحرب في سوريا لتلقي الضوء على منطق النظام وراء استخدام الأسلحة الكيميائية ومستقبل الحرب في الأشهر والسنوات القادمة مع تحوّل الصراع إلى سباق دولي لضمان المصالح المختلفة للاعبين الكبار وأجنداتهم.

       

نص التقرير

إن مرور سبع سنوات كاملة من التقلبات والمنعطفات المروعة في الحرب الأهلية السورية تجعل من الصعب تذكر أن كل هذا الخراب بدأ بكتابة شعارات على الحائط. في مارس/آذار 2011، خطّ أربعة أطفال في مدينة درعا الجنوبية الكلمات التالية على حائط في بلدتهم: "أجاك الدور يا دكتور" (لقد جاء دورك يا دكتور)، وهو توقع صريح أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو طبيب عيون درس في بريطانيا (…) سوف يسقط على غرار نظام بن علي في تونس، ونظام مبارك في مصر، ونظام القذافي في ليبيا. لكن قصة سوريا جرت بشكل مختلف عن هذا التوقع.

       

أولا، بدأت حملة القمع على نطاق صغير. ألقت أجهزة الأمن التابعة للأسد القبض على الأطفال الأربعة، ورفضت إخبار أهاليهم بمكان وجودهم. بعد أسبوعين من الانتظار، أقام سكان منطقة درعا -المشهورون ببأسهم وصراحتهم- احتجاجات تطالب بإطلاق سراح الأطفال. رد النظام بالنيران الحية، وقتل عدة أشخاص، وكانت تلك الشرارة الأولى لحرب قتلت حتى الآن ما يقرب من نصف مليون شخص. مع كل تشييع لضحية جديدة، كانت تنطلق المزيد من الاحتجاجات، وكان النظام يرد بمزيد من العنف.

       

   

سرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى بلدات ومدن أخرى -حمص ودمشق وإدلب وغيرها- مشعلة النيران في كافة أنحاء الجمهورية العربية السورية. الديناميكية الأساسية التي حرّكت الانتفاضات العربية -النمو السريع في عدد السكان الشباب تحت حكم نظام قمعي جامد غير قادر على التغيير- كانت السمة المشتركة لعدد من البلدان العربية. مع ذلك، فإن تطور الأحداث اختلف بشكل كبير بين هذه الدول، حيث كانت أكثر شراسة في سوريا، إذ تراجعت الآمال سريعا في رحيل مبكر للأسد على غرار الدكتاتوريين الآخرين وذلك على أنقاض المدن السورية القديمة وحياة سكّانها. إن تطور وحشية النظام من نشر القناصة لاغتيال المحتجين الذين يطالبون بالحرية والكرامة، إلى إسقاط الأسلحة الكيميائية على بلدات بأكملها، كل ذلك جرى تحت أنظار العالم بشكل مباشر لا بل ومتلفز.

   

والآن يشاهد العالم مرة أخرى، من خلال مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يبدو أنه هجوم بالأسلحة الكيميائية على معقل للمعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، ثم شاهد الهجمات الانتقامية من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها، وسمع البنتاغون يدعي نجاحه في قصف ثلاثة مرافق مرتبطة ببرنامج الأسد للأسلحة الكيميائية. لكن كيف انتقلت سوريا من كتابة شعارات معارضة على الجدران، ثم إلى محاولة الإطاحة بديكتاتورها، ثم إلى إعادة هذا الطاغية توطيد سلطته على البلد المنكوب؟ إنها قصة حول الصراع العرقي والتواطؤ الدولي، وقبل كل شيء معاناة المدنيين. هذه الحرب ليست على وشك الانتهاء، بل هي فقط تدخل مرحلة جديدة قد تكون أكثر خطورة.

  

العلويون وخصوصية سوريا

لطالما نظر صانعو القرار في العواصم الغربية إلى نظام الأسد على أنه نموذج للاستقرار الدموي في الشرق الأوسط، لكن في عام 2011 اعتقدوا فجأة أن "القوة الشعبية" قد تؤدي إلى إسقاط الأسد كما حدث مع الطغاة العرب الآخرين. لكن نظام الأسد كان في حوزته ورقة لم تكن في حوزة الآخرين.

  

إن إستراتيجيات "المقاومة الشعبية" عادة ما تكون فعالة ضد الأنظمة السلطوية التي تأتي قيادتها من الأغلبية العرقية والطائفية في البلاد، مثل حالة مصر. ففي هذه الحالات يواجه الجنود خيارا بين إدارة أسلحتهم ضد المحتجين وإطلاق النار على إخوانهم المتظاهرين، أو المساعدة في التخلص من الذين يصدرون تلك الأوامر. وهذا يتسبب في انقسام في الجيش والأجهزة الأمنية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة.

       

undefined

   

على النقيض من ذلك فإن نظام الأسد يمثّل حكم الأقلية المتحصن بالتحالف مع المصالح الطائفية من حوله. تجلس الأقلية العلوية في قلب هذه المنظومة، تليها حلقات متحالفة من الأقليات الأخرى (مسيحيين وشيعة وغيرهم)، وأخيرا حلقة من السنة المتعاونين مع النظام (المسلمون السنة هم الأغلبية في سوريا). وبالتالي فإن ضباط الجيش وضباط الأمن الذين ينتمون إلى الأقلية بعيدون جدا عن نبض الأغلبية السنية، مما يعني أن احتمال قبولهم بإطلاق النار على المتظاهرين أكبر من احتمال قبولهم بالإطاحة بإخوانهم أبناء الطائفة في السلطة. وقد حمت هذه الحقيقة نظام الأسد ضد أنواع الانشقاقات التي كانت قد أطاحت ببن علي ومبارك.

 

ولكن من الواضح أن هذا لم يكن جزءا من حسابات الرئيس أوباما عندما أعلن في أغسطس/آب من عام 2011 أنه يجب على الأسد "التنحي"، كما لو أن رجل سوريا القوي سوف يقبل أن يرحل من السلطة من تلقاء نفسه! لتسريع العملية، حشد أوباما حلفاءه الأوروبيين وجامعة الدول العربية لتبنّي خطاب مماثل حول مصير الأسد، بالإضافة إلى فرض مجموعة من العقوبات على نظامه، وحظر شراء النفط الخام السوري، وهو شريان الحياة للنظام. لكن لم تكن هناك أي خطة لإزاحته بالقوة في حال لم يقبل الأسد أن يتنحى بسلام.

  

وبالفعل، لم يكن الأسد ينوي الرحيل من تلقاء نفسه. في خريف عام 2011، أخفقت مبادرات الأمم المتحدة المتعددة في تحقيق وقف إطلاق نار مستدام أو وقف للأعمال العدائية. وفي حين حثت الحكومات الغربية السوريين على الإبقاء على سلمية الاحتجاجات، قام النظام بالتصعيد العسكري اطرادا بنشر المزيد من القناصة، وإطلاق مسلحي الأقلية "الشبّيحة" ضد المتظاهرين، ثم استعمال الطائرات المروحية والمجنّحة مما أدى إلى ارتفاع أعداد القتلى بشكل هائل. بعد ذلك قام المزيد والمزيد من السوريين بحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، وتم تنظيم المئات من الميليشيات المحلية تحت لواء الجيش السوري الحر. تبنى الجيش هذا العلم الوطني القديم لسوريا، لكن الجيش السوري الحر في الحقيقة كان أقرب إلى كونه علامة تجارية من كونه جيشا حقيقيا موحّدا.

 

تحولت الانتفاضة إلى حرب أهلية. لذلك عندما عرضت روسيا والولايات المتحدة في صيف عام 2012 خطة انتقالية للمساعدة في وقف العنف، رفض كلا الجانبين ذلك، حيث اعتقد كل منهما أنه بإمكانه أن يهزم الآخر عسكريا، بل إنه بدا أن الثوار كانت لديهم اليد العليا، إذ تمكنت إحدى المجموعات المعارضة من الاستيلاء على نصف مدينة حلب، أكبر المدن الصناعية في سوريا، في شهر يوليو/تموز من ذلك العام. بعد ذلك اتبع النظام مقاربة تكرّرت كلما واجه خسائر فادحة، أي استعمال التكتيكات الوحشية. في حلب قاومت قوات الأسد بشراسة، متمسّكة بالجانب الغربي من المدينة، ثم بدأت بإطلاق صواريخ سكود على قواعد المعارضة، لتصبح ثاني أكبر مستخدم لهذه الأسلحة بعد نجيب الله في أفغانستان ضد شعبها. ارتفع عدد القتلى وتدفقت أفواج اللاجئين إلى الخارج.

     

  

مع طغيان صوت المعركة على الدبلوماسية، كان على الولايات المتحدة وحلفائها اتخاذ قرارات صعبة. أولا، كان عليهم الإجابة عن سؤال ما الذي يجب فعله مع المعارضة السورية، التي نشأت ضمنها الجماعات الجهادية بسرعة، والتي كانت على وشك أن تنمو بشكل أقوى في غياب الجهود الخارجية لحشد وتسليح المعارضة القومية. ومع ذلك، فقد رفض أوباما التوقيع على أي خطط للقيام بذلك. عوضا عن ذلك، تم اتخاذ قرار بالسماح للحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة بتسليح المعارضة بأنفسهم. تدفق المال بعدها من مختلف دول الخليج العربي إلى سوريا، مما أدى إلى المزيد من الانقسام بين أولئك الذين يقاتلون الأسد، وجعل الجماعات السلفية والجهادية الأقوى بين كافة تلك المجموعات.

  

القضية الثانية، والتي شكّلت نقطة تحول أخرى في الحرب السورية، عبّرت عنها تقارير المخابرات الأميركية التي قالت إن الأسد يستعد للتصعيد أكثر باستخدام ترسانته من الأسلحة الكيماوية، والتي كانت تقدر في ذلك الوقت بأنها الأكبر في المنطقة إن لم يكن العالم. في مؤتمر صحفي عُقد في 20 أغسطس/آب 2012، قال أوباما: "إن الخط الأحمر بالنسبة لنا هو رؤية الأسلحة الكيميائية يتم تحريكها أو استخدامها". ومع احتدام الحرب في ذلك الخريف، بدأ عدد متزايد من التقارير والعينات يشير إلى أن نظام الأسد كان يقوم بالفعل باستخدام الأسلحة الكيميائية بتركيزات منخفضة.

  

وبحلول ذلك الوقت، كانت أعداد القتلى قد ارتفعت بالفعل، حيث يقدر المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل نحو 50.000 شخص بحلول نهاية عام 2012، فيما تجاوزت أعداد اللاجئين النصف مليون.

  

كانت سوريا تنهار بسرعة كبيرة. ظلت الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية تتراكم؛ اللاجئون ظلوا يفرون؛ وظلت الأموال تتدفق إلى الجماعات الجهادية، بما فيها ما سيصبح في نهاية المطاف تنظيم الدولة الإسلامية. وبدأ مقاتلون جدد يتوافدون إلى الميدان بتدخّل حزب الله والميليشيات الأخرى المدعومة إيرانيا إلى جانب نظام الأسد، بينما أطلق المقاتلون الأكراد في الشمال الشرقي معركتهم لانتزاع الحكم الذاتي، وقامت المنظمات الإرهابية بملء الفراغ في كافة أنحاء البلاد.

    

بحلول صيف عام 2013، سيطرت جماعات المعارضة على المزيد من الأراضي في العاصمة دمشق وحولها. بعدها، بسبب اليأس العسكري أو الوحشية المطلقة، قرر نظام الأسد مضاعفة استخدامه للأسلحة الكيميائية. في 21 أغسطس/آب 2013، أي بعد ما يقرب من عام من اليوم الذي حدد فيه أوباما "خطه الأحمر"، أطلق الجيش السوري صواريخ مملوءة بالسارين على الغوطة الشرقية شرق دمشق، وهو الهجوم الذي قدرت الولايات المتحدة أنه قتل فيه نحو 1400 مدني. وبينما تجمّعت السفن الحربية قبالة السواحل السورية تحضيرا لردّ محتمل، تراجع أوباما تحت ضغط من الكونغرس وقاعدته، واختار بدلا من ذلك قبول صفقة اقترحتها روسيا من أجل التفكيك المزعوم لترسانة الأسلحة الكيميائية السورية.

    

  

هذا التحول الدرامي في الأحداث أدى إلى تلاشي كل ما تبقى من دعم المعارضة السورية للولايات المتحدة. في رحلة إلى جنوب تركيا في ذلك الخريف، تحدثتُ إلى ممثلي المعارضة السورية الذين عبّروا عن غضبهم من القرار. اعتقد الكثيرون أن الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية ثم أفلت من العقاب، ومعظمهم كان متفاجئا بأن واشنطن صدّقت أن الصفقة سوف تمنعه ​​من القيام بذلك مرة أخرى معتقدين أن ذلك وهم، وهو استنتاج أثبت حقيقته بشكل مأساوي لاحقا.

   

تجاوز عدد اللاجئين إلى الخارج المليونين في شهر سبتمبر/أيلول من ذاك العام. وتوسع تنظيم داعش في جميع أنحاء سوريا والعراق. في عام 2014، كان حجم الأراضي التي سيطر عليها التنظيم يوازي تقريبا حجم بريطانيا العظمى، ولم يكن مقاتلوه يهددون نظام الأسد فحسب، بل أيضا الدولة العراقية التي كانت واشنطن قد أنفقت المليارات على بنائها.

  

أميركا وروسيا تتدخلان

في هذه المرحلة قررت إدارة أوباما ضرب سوريا. في حين ركزت العناوين الرئيسية الدولية على الإعدام المروع للأميركيين المعتقلين من قِبَل تنظيم الدولة الإسلامية، قتل أكثر من 76000 سوري في عام 2014 وحده، وهو أكبر عدد من الوفيات السنوية في تاريخ الصراع، وفرّ 1.3 مليون سوري إضافي إلى البلدان المجاورة. تم تهجير مئات الآلاف داخل سوريا أيضا.

      

لم تستهدف أميركا الأسد مباشرة -على الرغم من أن أوباما كان قد بدأ في تلك المرحلة برنامجا سريا لتسليح بعض مجموعات المعارضة- لكن النظام كان يتراجع في الوقت الذي كان فيه المتمردون المدعومون من الولايات المتحدة يعبرون إلى معاقل العلويين، مما هدد البيئة الطائفية الحاضنة لنظام الأسد. ربما كان هذا هو السبب الذي جعل الأسد يتراجع عن صفقة الأسلحة الكيماوية، حيث إنه لم يقم بالتقيّد بالمواعيد النهائية لنقل المواد الكيميائية إلى خارج البلاد، فيما أفادت تقارير بأن سوريا لم تكن تصرّح بالكامل عن الأسلحة الكيميائية بحوزتها.

       

    

بدأ ناقوس الخطر يدق في موسكو، ولكن بسبب قضية أخرى: لم تكن موسكو قلقة بسبب وتيرة تنفيذ الصفقة، لكن بسبب الموقف الخطير الذي وجد حليفها السوري نفسه فيه: فلقد كانت قدرة النظام على حشد عدد كاف من الجنود محدودة، وكان يخسر عددا كبير من الأراضي على الرغم من قتال الميليشيات المدعومة من إيران إلى جانبه. بعد أيام فقط من توقيع الولايات المتحدة على الاتفاقية النووية الإيرانية في عام 2015، سافر قاسم سليماني، قائد جناح العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني، إلى موسكو. في غضون شهر تقريبا، أقامت روسيا قاعدة لها في اللاذقية، معقل العلويين الذي كان على شفير السقوط، على ساحل البحر المتوسط. خلال خريف عام 2015، بدأت الطائرات الروسية بقصف المدن السورية بالقنابل "الغبية" من حقبة حرب فيتنام لدعم نظام الأسد والقوات الإيرانية في جميع أنحاء سوريا مما قام بقلب خسائر النظام في اللاذقية ببطء والسماح للأسد والجماعات المدعومة من إيران بالهجوم شمالا نحو حلب.

  

فرّ أكثر من مليون سوري آخر من البلاد، العديد منهم إلى ما وراء تركيا والدول المجاورة ونحو أوروبا. قُتل أكثر من 55000 سوري في عام 2015 وحده، ليصل إجمالي عدد وفيات النزاع إلى أكثر من ربع مليون، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 100.000 حالة وفاة غير موثقة.

 

في هذه الأثناء، تراجعت الولايات المتحدة، المثقلة بمحاولة هزيمة داعش ودعم المعارضة السورية في الوقت عينه، عن الاهتمام بسوريا. قامت بالتعاون مع روسيا وإيران في محاولة لوقف إطلاق النار وإجراء محادثات لإنهاء الحرب، حتى مع استمرار روسيا في قصف مواقع المعارضة، مما سمح لما تبقى من جيش الأسد ومجموعة الميليشيات التي ترعاها إيران، بما في ذلك حزب الله، لإجبار المعارضة على التقهقر. بحلول صيف عام 2016، قامت هذه القوة المختلطة بمحاصرة حلب الشرقية.

    

في هذه الأثناء، اندلعت معارك بين اثنين من حلفاء الولايات المتحدة، حيث توغّلت تركيا في سوريا لمنع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة من تثبيت سيطرتها على شمال سوريا. بعدها، انشغل الأميركيون بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2016، في حين انشغل السوريون بالهروب من أتون الحرب، حيث بلغ عدد النازحين سواء في البلدان المجاورة أو داخل سوريا نفسها نحو 11 مليون نسمة، أي نصف عدد سكان سوريا قبل الحرب. سقطت حلب في أواخر ديسمبر/كانون الأول، فأخلاها الآلاف من المعارضين إلى محافظة إدلب، حيث زعم العديد من المعلقين الموالين للأسد أنه يقوم جمعهم هناك تمهيدا لذبحهم.

      

  

مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد الأمور في واشنطن، حوّل نظام الأسد اهتمامه إلى محافظة إدلب والمناطق التي يسيطر عليها المعارضون في مناطق جنوب غرب سوريا المتاخمة لإسرائيل والأردن. كان جزء كبير من القوة المهاجمة يتألف من العناصر المدعومة من إيران وحزب الله. قاومت المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة وأجبروا قوات النظام على التراجع على الرغم من الدعم الجوي الروسي.

  

كان هذا هو السياق الذي واجهت فيه إدارة ترمب أول هجوم كيميائي كبير في عهدها في سوريا، في أبريل/نيسان 2017، في قرية خان شيخون بإدلب. وأكدت الأمم المتحدة في نهاية المطاف أن الهجوم استخدم غاز الأعصاب السارين، وهو مادة كان من المفترض أن نظام الأسد قد سلّمها من أجل إتلافها. هذه المرة، بدلا من محاولة التوصل إلى صفقة، ضرب ترمب القاعدة الجوية التي استخدمت في تنفيذ الهجوم.

  

ومع ذلك وجدت واشنطن نفسها تقاتل أحد أعداء الأسد، أي تنظيم داعش. في صيف عام 2017، تمكنت الولايات المتحدة وروسيا والأردن من التوصل إلى اتفاق لخفض القتال بشكل كبير في أجزاء من البلاد، مما سمح لنظام الأسد بشن هجوم ضد داعش. كان جيش الأسد قد استنزف معظم قواه وكان يعتمد في جزء منه على الميليشيات الشيعية والوحدات التي تنظمها روسيا. كان من المتوقع أن تقوم المناطق السنية التي تحررت من داعش بعد ذلك بالترحيب بعودة النظام، لكن وحشية نظام الأسد، بالإضافة إلى هيمنة المكوّن الشيعي على القوات المدعومة من إيران التي أتت لتفريغ المناطق العربية السنية، تسببت في نزوح معظم السكّان نحو المناطق التي يهيمن عليها الأكراد.

    

ومع ذلك، لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية هو الأولوية الوحيدة للنظام، أو حتى الأولوية الأساسية له. في أوائل عام 2018، شن نظام الأسد هجوما للاستيلاء على مناطق الغوطة، آخر منطقة كبيرة بيد المعارضة بالقرب من العاصمة السورية التي كانت مسرح الهجوم بالأسلحة الكيميائية عام 2013. تمكن النظام والميليشيات المرتبطة به المدعومة من إيران من تقطيع الغوطة الشرقية إلى نصفين في الوقت الذي حاولت فيه روسيا التوسط من أجل إجلاء المدنيين والمقاتلين إلى مناطق أخرى. عندما انهارت هذه المحادثات، شن نظام الأسد هجوما عسكريا على الغوطة بهدف السيطرة عليها بالكامل، لأسباب قد تتعلق بالعدد المحدود لقوته، ونزعته الوحشية، أو بكليهما، يبدو أن الأسد قد لجأ مرة أخرى إلى الأسلحة الكيميائية هناك، مما أسفر عن مقتل العشرات، خارقا بذلك مرة أخرى الخط الأحمر الذي وضعته واشنطن.

     

undefined   

ومرة أخرى، جاءت الضربات الأميركية مستهدفة مواقع النظام. وصف وزير الدفاع جيمس ماتيس هذه الضربات بأنها ضربات "لمرة واحدة" تهدف إلى ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن بغض النظر عما سيأتي بعد ذلك، فإن تلك الأسلحة ليست سوى جزء مرعب من محاولة حسم الحرب الأهلية السورية. الحرب هي الآن أكبر كارثة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. يبلغ عدد القتلى الآن نحو نصف مليون على الأقل، وقد توقفت الأمم المتحدة عن إحصاء القتلى. وهناك عدد لا يحصى من الجرحى والمفقودين. يشير تقرير للحكومة الأميركية إلى أن نظام الأسد يستخدم محرقة للتخلص من الجثث بالقرب من سجن صيدنايا خارج دمشق، وهذا يعني أن العديد من الرفات قد لا يتم العثور عليها أبدا. ويقدر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن 13.1 مليون سوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وأن أكثر من 6 ملايين سوري هم من المشردين داخليا و5 ملايين مسجلين كلاجئين فيما لا يزال مئات الآلاف غير مسجلين. تجاوزت التقديرات لعدد اللاجئين السوريين في لبنان اليوم رُبع سكان البلاد، مع أرقام مماثلة في الأردن.

  

كل هذا فظيع بما فيه الكفاية، ولكن في الوقت نفسه، فإن الطريقة التي بدأت بها "تخفّ حدّة" الحرب الأهلية السورية اليوم هي غير مقبولة بالنسبة لبعض دول المنطقة. فإسرائيل تشعر بالقلق من تنامي نفوذ الميليشيات الإيرانية في سوريا، وهي تقوم بالقصف المتكرر ضد أهداف هناك بطريقة غير مسبوقة. أما تركيا، التي تشعر بالقلق إزاء نمو القوات التي يهيمن عليها الأكراد المرتبطة بحزب العمال الكردستاني العدو الأكبر لأنقرة، فلقد غزت شمال غرب سوريا، مما دفع الأكراد إلى الخروج من معقلهم في عفرين مع تهديدات تركية بتكرار ما حدث في معقلهم الآخر في منبج. وفي غضون ذلك، لم تفض المفاوضات في جنيف وغيرها إلى وقف إطلاق نار قابل للتطبيق أو أي شيء يشبه التسوية السياسية.

  

في تكرار لسيناريو الحرب الأهلية في لبنان، تهدد الحرب الأهلية السورية الآن بالتحول إلى "حرب سورية كبرى" في كامل الإقليم، والتي قد تستمر لجيل كامل فيما المدنيون يعيشون ويموتون في أتونها كل يوم.

————————————–

  

مترجم عن "ذا أتلانتك"