مع هيكل - هوامش على حوارات لندن - محمد حسنين هيكل
مع هيكل

هيكل.. الوضع العربي بعد تونس

تستضيف الحلقة الكاتب والمفكر السياسي محمد حسنين هيكل ليتناول الحدث التونسي والوضع العربي بعد ثورة تونس الشعبية. هل ما حدث يسقط كل السياسات التي مورست وفرضت على العالم العربي في السنوات الأخيرة؟

– الرئيس لم يفهم، الشعب فهم
– حركة التاريخ في الخلفية

– أدوات تجميد الأمر الواقع

– المفاجأة أولا، رد الفعل ثانيا

الرئيس لم يفهم، الشعب فهم

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

محمد حسنين هيكل: مساء الخير. استأذنت الجزيرة مرة ثانية خلال أقل من شهر واحد في أن أؤجل المجموعة الجديدة من حلقات تجربة حياة لأنني وجدت أن الحدث التونسي ينادي كل الناس، وهكذا فإنني أتحدث مرة أخرى على غير انتظار ثم إنني أتحدث بدون محاور يقاطعني فأشرح أو يعارضني فأختصر. وأتحدث في الموضوع التونسي لأنني أجده في منتهى الأهمية ولتسهيل الموضوع وهو موضوع مؤقت ولا تزال تدفقاته وتداعياته تحدث فإنني استأذنت أو أستأذن في تقسيمه إلى عدة محطات وهو في الواقع يكاد يكون 12 محطة على وجه التحديد، 12 محطة تبدأ بأولا ملامح الحدث التونسي، أول شيء يطالعني في الحدث التونسي الثوري الذي جرى أنه مختلف تماما عن كل المألوف من الثورات التي عرفناها حتى الآن بمعنى أنه جرى في موقع شديد الحساسية لأنه على واجهة البحر الأبيض وهو يبدو على الخريطة وكأنه شرفة مطلة على أوروبا وتكاد تكون واصلة له، الحاجة الثانية أنه جديد في كل ما يحيط به فهو لأول مرة حدث بدا.. صحيح كان له مقدمات، مقدمات بدأت من شهر تقريبا لكن في نهاية عطلة أسبوع يعني بالضبط من يوم الأربعاء 12 يناير لغاية يوم السبت 15 يناير كان كل شيء في تونس قد تغير، جرت الحوادث بطريقة وبسرعة خاطفة لا تكاد الأنظار تلحق بها ولا تكاد الأفكار تستجمع بالكامل لكي تلم بما تدل عليه وما تعنيه لأن الحدث بحد ذاته قد يكون في منتهى الأهمية ولكن دلالاته ومعانيه وتداعياته قد تفوق أثر ما جرى فيه وما رآه الناس منه. الحدث جرى بطريقة مختلفة تماما جرى ليس بالطريقة التقليدية في الثورات في العالم العربي أو التي عرفناها لحد الآن، لم تخرج الدبابات ولم تخرج المدافع وإنما خرجت كتل من الجماهير المتلاحقة وهي جماهير من نوع مختلف جماهير ليست هي غاضبة لكنها ليست الجماهير الهائجة ليست الجماهير العصبية ليست الجماهير التي حاولت دعايات أخرى أن تصورها للثورات العربية أو للغضبات العربية ليست الملامح المكفهرة بالشر وليست العيون التي يطق منها الشرر وليست الأسنان البارزة وليست حاجات كده، ولكن اللي بدا أمام جميع الناس أنه في شبان وشابات في مظهر حديث خارجين للمطالبة بما لم يكن يتوقعه أحد، خارجين للمطالبة. هذا البلد تونس لكي يكون في ذهن كل الناس بلد أولا بموقعه الجغرافي زي ما كنت بأقول في شمال إفريقيا خارج في البحر كأنه -في البحر الأبيض المتوسط- كأنه فرصة مطلة على أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط وهي تكاد تكون واصلة داخلة في أوروبا، الناس خرجت ويبدو أن المطالب ما حدش متصور أن المطالب لم تكن هي المطالب التقليدية نحن بنتكلم على تونس، بلد صغير 10,5 مليون إنسان، نسبة استعمال الإنترنت فيه 25% وهذه نسبة مهولة لأنه بتوري كيف كان العصر موجودا وكيف كانت تكنولوجيا العصر موجودة فيما حدث في تونس، الجماهير خرجت بتطلب شيئا لم يكن أحد يتوقعه، إنه إحنا بنتحدث عن بلد صغير عن بلد نسبة التعليم فيه أحسن من غيرها في العالم العربي نسبة النمو أسرع بكثير من بعضها في العالم العربي -نسبيا يعني- نسبة البطالة أقل من غيرها في العالم العربي ولكن الناس خرجت تطالب بشيء آخر خرجت تطالب بشيء إضافي خرجت تطالب مش بالحد الأدنى ولكن خرجت تطالب بالعصر خرجت تطالب بمطالب العصر وأولها مطلب الحرية مطلب مقاومة الفساد مطلب مقاومة التبعية، مطالب الحرية المتعددة كانت موجودة والحرية العصرية والحرية التي تبدو متجاوزة ما هياش المطلب التقليدي لقمة العيش فقط لكن موجودة لقمة العيش موجودة المطالب الاجتماعية لأن مطلب الناس باستمرار إلى رقي مستمر لا يتوقف وإلى حرية تبلغ مداها لا يستطيع أحد أن يتحكم فيها وإلى مساواة وهذه قضية في منتهى الأهمية ولكن بدا أن الثورة التونسية بتعكس هذا الشعب المليء بالحيوية القريب من أوروبا المطل على البحر الأبيض المتمكن من التكنولوجيا أو على الأقل المتعرف إليها والجاهز لاستعمال وسائلها والجاهز لاستعمال أدواتها كلها من أول مش بس الإنترنت وما فيها كله من أول الفيس بوك والتويتر وكله كله كله موجود والناس كلها كثير قوي من هذا الشباب الخارج يبدو أنه يمثل عصرا جديدا مش بس المطالب التقليدية في العالم العربي ولكنه في شيء آخر وهذا بدا مفاجئا. الحاجة الأخرى في هذا الذي حدث أنه ما كانش في عنف، هذه الجماهر الغاضبة كانت غاضبة لكن كانت غاضبة بطريقة أيضا بتعكس روح العصر كانت غاضبة بطريقة تنادي وتلح في طلب ما تريد ولم تكن جاهزة لاستعمال العنف، هي تدرك الموقع التونسي هي تدرك أين هي بالضبط هي تدرك أين هي بالقرب من أوروبا هي تدرك أين هي بالإطلالة على البحر الأبيض المتوسط، كل هذا يجري في ذهنها تتصرف ما هياش قاصدة ولكن الحركة العفوية لأنه في قدر من التقدم ولأنه في قدر من العلم ولأنه في قدر من التهدئة في بلد صغير بدا أن البلد فاهم هو بيعمل إيه وفاهم حدود اللي بيعمله، فاهم أنه بيثور على أوضاع معينة لكنه وهو يثور يقدر حتى دون أن يحسب يقدر حساب أنه في هذا العصر في هذا الزمن أنه في قدامه قوى طامعة موجودة على الشاطئ الآخر عندها رؤى باستمرار في المغرب العربي وهي فرنسا ويدرك أن الأسطول الأميركي قدامه وبالتالي فهو يتصرف بدون عنف ويحاذر ويطلب ويحتشد وبشجاعة والعصر في ذهنه وأدوات العصر عند أطراف أصابعه فاهم بيعمل إيه إلى حد كبير جدا. الحاجة الثانية أن الشارع نفسه -وهذه غريبة جدا- هو اللي قام بدور الإعلام برغم كل القهر اللي كان موجودا في تونس الشعب نفسه أو جماهير في الشعب أو شباب من هذا الشعب هم اللي عن طريق الوسائل الحديثة هم اللي عن طريق التويتر هم اللي عن طريق الفيس بوك هم اللي عن طريق اليوتيوب هم اللي صوروا هم اللي كتبوا هم اللي بعثوا هم اللي خلوا العالم كله يتابع ما يجري ويتابعه لحظة بلحظة ويعيش معه كأنه شريك تماما في كل الأحداث وهذه كانت ظاهرة أيضا ملفتة، ليس الموقف القريب من أوروبا ليس هذا البلد المتحرك ليس هذا البلد الذي يطلب ما يستحقه العصر من مطالب حقيقية يعني مش الحد الأدنى ولكن الناس بتطلب مستوى آخر مختلفا متفقا مع القرن الـ 21، وهم خارجون استطاعوا أن يلفتوا نظر العالم واستطاعوا هم باستيعاب التكنولوجيا أن وصلوا قضيتهم إلى العالم ورغم الحصار ورغم إنه ما كانش في صحفيين ما كانش في إعلام وما كانش في حاجة ولكن الجماهير نفسها هي اللي قامت بدور الصحفي والإعلامي والمصور والعالم كله بدا وكأنه شريك في الحدث التونسي. الحاجة الثانية أن النظام اللي كان موجودا فوجئ لأنه نظام أعد نفسه للبقاء مدى الحياة زي أنظمة كثيرة جدا في العالم العربي والشرق الأوسط نظام أعد نفسه للحكم مدى الحياة والبقاء وأراد أو خطط أو سعى إلى ليس فقط عملية بقاء ولكن أيضا ما يكاد يكون عملية تأبيد لأنه أراد أن تبقى السلطة دائما في حوزة نفس الأفكار نفس القيم نفس الرؤى التي كانت تحكمه ويضمن أن تكون مستمرة، فهو فعل كل ما يمكن لكي يؤكد نفسه ويؤكد بقاءه ويؤكد استمراره ولكنه هنا فوجئ بما لم يكن يتحسب له، الحاجة الأخرى في هذا الموضوع الغريبة جدا أنه بسبب هذه المفاجأة فالرجل المسؤول عن هذا النظام وهو الرئيس زين العابدين بن علي بمفاجأته الرجل أصيب بحالة ذعر وأصيب بحالة خوف داهمة ولم يجد أمامه بسرعة وفي ظرف ثلاثة أيام في ثلاثة أيام حاسمة نهاية أسبوع عطلة نهاية أسبوع تقريبا من خميس جمعة سبت، يوم الخميس ظهر هذا الرجل قدام الناس وكأنه بيعد ولكن بيعد من مركز قوة بيعد بالاستجابة لكنه بيعد من مركز قوة في اليوم التالي ظهر وهو أقل ثقة بنفسه وهو أثر المفاجأة واضحة عليه، في اليوم الثالث وهو يوم الخميس ظهر هذا الرجل وكأن الأمر انتهى وكأنه رجل يبحث عن مخرج وحاول أن يقول فهمت والآن فهمت ولكن ظهر أنه هو لم يفهم ولكن جماهيره وجماهير الشعب التونسي كانت فاهمة للعصر وكانت فاهمة مستوعبة لأساليبه واستطاعت أن تأتي بالدنيا كلها معها ووراءها، هذه هي تقريبا المحطة الأولى.

[فاصل إعلاني]

حركة التاريخ في الخلفية

محمد حسنين هيكل: بن علي تقريبا جري بسرعة جدا وساب حالة فوضى لم يهتم إلا بسلامته وتقريبا ساب تونس في حالة فوضى إلى درجة أننا شهدنا تقريبا ثلاثة رؤساء للجمهوريات في عطلة نهاية أسبوع واحدة، اليوم الأول فيها هو لا يزال رئيسا، اليوم الثاني رئيس وزرائه السيد محمد الغنوشي بقى هو رئيسا للنيابة طبقا لمادة من الدستور، في اليوم الثالث رئيس البرلمان الأستاذ الدكتور المبزع بقى هو رئيس دولة بالنيابة تطبيقا لمادة أخرى في الدستور كأن تونس شهدت في عطلة نهاية أسبوع واحد ثلاثة رؤساء جمهوريات لكن هذا كان واقع الأمر نتيجة المفاجأة مما لم يتحسب له أحد وما لم يتوقعه أحد وكانت النتيحة هي هذا المشهد التونسي البديع هذه هي المحطة الأولى. المحطة الثانية تبدو نقلة بعيدة بعض الشيء لكنها متصلة طبعا هذه النقلة وأنا بأتكلم عنها لم تكن واردة في حساب أو خيال أو في تصورات هؤلاء المتصورين في تونس، هؤلاء ظهروا لقضيتهم وظهروا فيها باندفاعهم هم وتحركوا فيها كما شاؤوا ولكن في واقع الأمر حركة التاريخ كانت في الخلفية، حركة التاريخ ضمن المفاجآت أيضا وهذه بحركة التاريخ متصلة بحركة التاريخ حترجعني لآخر الثورات في القرن العشرين، آخر الثورات في القرن العشرين كانت الثورة الإيرانية والثورة الإيرانية كانت مفاجئة وكان فيها ملامح الثورات التقليدية في القرن العشرين ولو أنه كان فيها مستجدات أيضا من القرن 21 لكن هي الأخرى جاءت مفاجئة وتوافق أنها جاءت مع لحظة غريبة جدا في العالم العربي أو في الشرق الأوسط، جاءت الثورة الإيرانية في طلب الحقوق الاجتماعية والحرية السياسية والمطالبة بها على أوسع نطاق وجاءت بطريقة تقليدية على الأقل قادها رجال الدين متمثلين في الخميني وإن كانوا قد استعملوا الوسائل الحديثة زي التكنولوجيا، لكن جاءت هذه الثورة في لحظة غريبة جدا في العالم العربي توافقت تقريبا مع اللحظة التي أريد فيها فرض السلام على العالم العربي وبدا أن المطلبين بيتحدثوا بدا أن الحدثين التاريخيين بيتحدثوا بدا أن الثورة الإيرانية من ناحية أصبحت تدعو كل الناس أو تستدعي كل القوى إلى إنهاء عصر الثورات لأن هذه المنطقة كانت هي المنطقة -منطقة الشرق الأوسط- كانت هي المنطقة الوحيدة التي لا تزال مفتوحة الثورات بينما أوروبا وآسيا وحتى أميركا اللاتينية تقريبا مر فيها عصر الثورات وانقضى وحتى التغيرات الكبرى التي شهدناها في أوروبا الشرقية لم تكن ثورات بالمعنى المفهوم ولكنها كانت نتائج انهيار الإمبراطورية السوفياتية ولكنها لم تكن ثورات، لكن عصر الثورات كان مر وفي آسيا كان مر تقريبا خصوصا في شرق آسيا اليابان والصين انتهى كل الكلام هذا كله أميركا اللاتينية ولكن هذه المنطقة ظلت مفتوحة للثورات وهي المنطقة التي فيها كل المصالح الإستراتيجية والاقتصادية المطلوبة من جانب قوى السيطرة. وبقى بشكل ما اتحد المطلبان، الثورة الإيرانية جعلت كل الناس تقول أو قوى السيطرة تقول إن هذه لا بد أن تكون آخر الثورات, والتسوية التي حدثت بشكل ما في هذا الوقت ما تقريبا الصراع العربي الإسرائيلي بفرض هذا النوع من السلام بنفس الوقت كانت متوافقة معه وبدا أن مطالب قوى السيطرة أصبحت واضحة ومحددة، نمرة واحد لا ثورات بعد اليوم ونمرة اثنين إن هذا النوع من السلام ينبغي أن يتأكد بقوة الأمر الواقع ولا بد أن تعطى له كل الوسائل وكل الأدوات القادرة على تمكينه من تحقيق مطالبه، بقى في بالمنطقة وضع غريب جدا أو في وضع في منتهى -في اعتقادي- في منتهى الخطورة، القوى الراغبة بالسيطرة ترى أنه لا ثورات بعد الآن وفي المقابل سلام من نوع ما لا بد أن يفرض وأن تستقر أمور هذه المنطقة لأنه وهي المفتوحة للثورات وهي المفتوحة للتفاعلات الاجتماعية والسياسية والثقافية إلى آخره هي في نفس الوقت مهمة جدا للمصالح وينبغي تثبيتها عند هذه اللحظة وهكذا يبقى في مطلبين رئيسيين واحد لا ثورات بعد اليوم ولا حروب بعد الآن وهذا هو الأمر الحاكم في المنطقة. الحاجة الغريبة قوي إنه في هذه الفترة بدا أن مطلب هذا النوع من السلام لم يتحقق وأنه في رفض له على مستويات كثيرة جدا، لكن بدا أن مطلب الاستقرار وأنه لا ثورات ماشي أو يواصل طريقه كما هو مطلوب منه، وبدا أن هذا المطلب في الشرق الأوسط قلق على نحو ما، قلق لأنه في مطلب الثورة الإيرانية بالفعل بقى في محاولة لجعلها آخر الثورات فبدأ تشويهها وبدأ استغلال أخطائها وقد ارتكبت أخطاء كبيرة وحقيقية يعني ولكن استغلت هذه الأخطاء بأكثر من اللازم، نسيت منجزاتها وذكرت أخطاؤها وبدأ التركيز عليها لكي تكون آخر الثورات يبقى آخر الثورة في القرن العشرين وآخر الثورات وللأبد. ولكن مطلب الاستقرار وتجميد الأمر الواقع اجتماعيا ومطلب السلام مهتز فالآن مطلب تجميد المجتمعات العربية والشرق أوسطية لا يزال هو الباقي وهو الممكن، من أجل تحقيق المطلبين في واقع الأمر القوى المهتمة بالأمر في المنطقة والقوى الحاكمة في المنطقة كانت من ذلك الوقت من بعد الثورة الإيرانية بدأت عملية مهمة جدا في الشرق الأوسط وهي في الواقع عملية اختيار أو عملية تدعيم أنظمة ومساعدتها لكي تقوم بالمطلبين معا، فشلت بشكل ما في مطلب معين ولكنها تحكم بمنطق الاستقرار تحكم، فشلت في طلب فرض السلام لكن الأمور محكومة طالما ليست هناك ثورة، الحرب موجودة في أيدي الدول وفي أيدي النظم فما فيش حرب لكن مطلب الثورة أيضا تحكمه هذه النظم الحديدية والتي ساعدتها قوى السيطرة وأعطتها كل الوسائل المطلوبة لكي تواصل حكمها. يبقى الخطوة الأولى ثورة من نوع جديد وبطريقة مختلفة وبطريقة سريعة لم يكن يتوقعها أحد، اثنين ثورة قلبت تصورات تاريخية وسياسية وإستراتيجية موجودة في المنطقة تطلب تجميد الأمر الواقع بحيث لا ثورة ولا حرب، وفي هذا الإطار وهذه المحطة الثالثة جاء ما حدث في تونس، وجاء ما حدث في تونس عندما ننقض الاستقرار فهنا دخلنا.. كل المعادلة هذه المعادلة الصعبة اللي هي فرض السلام فرض الاستقرار لمنع الثورة وفرض السلام لمنع الحرب ولمنع القلاقل ولتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بدأت هذه المعادلة تختل، والنظم التي كانت مسلحة وجاهزة لكي تواجه هذا الأمر أصبحت تواجه قضية كبيرة جدا. نظام بن علي اللي كان موجودا في تونس واللي كان مفروضا شأنه شأن بقية الأنظمة ينفذ ويؤكد ويدعم هذا النوع من الأنظمة أو يتعاون معها من أجل فرض أمر واقع في هذه المنطقة، لا يمكن نظام حديدي تقريبا لا يمكن الخروج عليه ولا يمكن التمرد عليه بدأ يبقى في وضع غريب جدا بدأ يبقى في وضع يخيف كل القوى ويقلقها، بدأ يبقى في الرجل بن علي. وهنا لا بد من الوقوف قدامه شوية لأنه نموذج واضح جدا هذا النوع من الأنظمة اللي مطلوب منها كانت تحكم بقوة وبقسوة لكي تمنع الثورة ولكي تمكن للسلام، هو كان بعيدا عن السلام بعيدا عن عملية السلام على كل حال ولو أنه كان من رجالها يعني، لكن الرجل ده لا بد من القول إنه شخصية غريبة جدا، أنا قابلته مرتين قابلته في تونس قابلته في بيت الرئيس بورقيبة في قصر المونستير وأنا مدعو على الغداء كان غداء تقريبا عائليا، مدعوا على الغداء والرئيس بورقيبة كان في أواخر أيامه وبن علي كان وزير الداخلية وعلى الغداء كان موجودا الرئيس بورقيبة طبعا لكن كان بدا لي رجلا مختلفا عن كل ما عرفته فيه من قبل، لأنه أنا شفته وعرفته من وقت ما كان لاجئا في القاهرة، ترددت على تونس عدة مرات طوال السنين ناقشته وحاورته ولكن لاحظت أن الرجل بيتحلل.. السن يتقدم به وهو نوع من الزعماء الذين قادوا الثورة الوطنية وصاحب تاريخ طويل وصاحب تاريخ مهم جدا ولكنه بقي في السلطة أكثر من اللازم وتصور كما تصور غيره أنه الأب الوحيد لشعبه وأنه عليه أن يقصي كل الآخرين وتخلص من كل زملاء كفاحه وأبعدهم جميعا تقريبا من أول صالح بن يوسف لغاية المصمودي لغاية الهادي نويرة كل الناس أبعد الجميع كلهم، وبقي لكن بقي وهو مش بس بيفقد أصدقاءه ويفقد معاونيه ولكن يفقد وعيه وتنبهه وأهم حاجة من ده الرجل عمل حاجات كثيرة جدا ولكن بينسى بعض الناس أنهم مهما كانوا بشر موجودون في مكانهم والعصر يمر عليهم ويترك آثاره ولكن شعوبهم أجيال بتتجدد أجيال بعد أجيال شعوبهم بتتجاوزهم وهذا شيء طبيعي جدا. ويوم ما شفته أنا في قصر المونستير وزين العابدين دخل على الغداء ونحن قاعدين كان واضحا قدامي أن الرجل في النهاية تقريبا لأنه كان قاعدا وجهه غايب عن الوعي تقريبا بيعود ويرجع، الوجه تقريبا كله جلد مشدود على عظم كأنه قناع نحاس مشدود قوي مش قادر يأكل، كل حاجة تقدم له مهروسة وفي واحد جانبه بيناوله بالملعقة الأكل المهروس الطبق أمامه ويضع الملعقة يأخذها من الطبق إلى فمه، والصورة مؤلمة وحتى زوجته السيدة وسيلة كانت موجودة معنا على الغداء يومها هي وأختها السيدة نايلة بن عمار وكان واضحا أن هذه هذه النهاية. ودخل زين العابدين بن علي لأمر ما -أنا ما أعرفهوش- ووجد.. وعلى أي حال مش الرئيس هو اللي كلمه، السيدة وسيلة هي اللي كلمته وتكلمت معه وخرج بعدها لكن هذه كانت أول مرة بأشوفه فيها لكن كان واضحا قدامي أن كل الناس بتقول إن هذا هو الرجل القوي، هو كان أصله ضابط الأمن العسكري في الجيش التونسي وبعدين ترقى في سلك الأمن وبقى وزير الداخلية وبقى أنه هو الرجل القوي في النظام والرئيس يتهاوى وفي أشياء تجري وهي أشياء طبيعية تجري في كل القصور العربية حيث يتقدم العمر وينسى الزمن وتتذكر السلطة وتتصور بعض الناس أنهم باقون للأبد وأن الأجيال لا تتغير من شعوبهم والزمن لا يأتي بأفكار جديدة ولا بوسائل جديدة، لدرجة أنه أنا يعني مع الأسف الشديد الرئيس بورقيبة في ذلك اليوم دعا زوجتي أن يأخذها يورجيها حجرة الذكريات الموجودة أمام مكتبه ثم بدأ يريها صوره وهو في طفولته وفي كفاحه وعائلته وإلى آخره ثم وصل إلى صورة والدته وقال لها هذه صورة أمي التي فقدتها وأنا طفل لم أرها وأجهش بالبكاء وزوجتي احتارت ماذا تفعل طلعت منديلا من شنطتها تديه للرئيس يمسح بها دموعه، منظر غريب جدا والسيدة وسيلة أقبلت تقول لزوجتي تقول لها "معلش سي الحبيب خرفان" ولم تكن تقصد الإساءة له، هي وصفت المشهد بالطريقة العلمية "سي الحبيب خرفان"، لكن أنا خرجت وقد بدا لي أن تونس مقبلة على مشاكل كبيرة قوي.

أدوات تجميد الأمر الواقع

محمد حسنين هيكل: المرة الثانية اللي قابلت فيها زين العابدين بن علي قعدت معه ساعة ونصف كان سنة 1988 وأنا رايح أشوف ياسر عرفات في تونس وهو في مرحلة أيامه الأخيرة في تونس يستعد للذهاب يستعد للمفاوضات والكلام ده كله وأنا رحت تكلمت معه ولكن مش مهم ده مش الموضوع، لكن في ذلك الوقت كان في السفير الأخضر الإبراهيمي موجودا في تونس والرئيس الجزائري بعثه لكي يساعد الثورة الفلسطينية قدر ما يستطيع بخبرته يعني والأخضر الإبراهيمي قال لي لازم تشوف الهادي البكوش وهو رئيس الوزراء في ذلك الوقت وقابلت الهادي البكوش والهادي البكوش قال لي حتسافر إيمتى؟ قلت له حأسافر بكره، قال لازم تشور الرئيس الجديد -كان زين العابدين عمل انقلابا قبلها بسنة واحدة أزاح بورقيبة بدعوى الحرص عليه لأن الرجل تعب جدا وتولى هو السلطة- وبيقول لي الهادي البكوش بيقول لي -رئيس الوزراء يعني وهو أول رئيس وزراء عند بن علي- بيقول لي لا بد أن ترى الرئيس الجديد، بأقول له أنا ماشي بكره، فبيرتب لي أن أقابل الرئيس الجديد أول وقت في الصباح وقعدنا ساعة ونصف وكانت هذه هي المقدمة. سمعته بيتكلم لكن أنا دائما عندي تشكك في هذا النوع من الناس من الرجال الأقوياء اللي بشكل ما بيظهروا في هذه النظم ويؤدوا أدوارا معينة وليس لديهم كل الفكر، الموجود عندهم هو الأمن والنظام وضبط الأمور والاستقرار لأن هذا كان المطلوب من نظامه، فالرجل بيتكلم رقيق جدا بيتكلم على كيف الظروف اللي هو اضطر فيها ينحي بورقيبة وقال لي أنت كنت موجودا وشفت الرئيس وشفت أحواله ونحن حرصا عليه وعلى صورته آثرنا أن نبعده، وبدأ يتكلم لكن الكلام كله لا يدل على رؤية مستقبلية يعني يدل على رجل قوي يدل على رجل معزز بقوى أخرى خارجية كثيرة ترغب بالسيطرة تدل على موقف في تونس ينشأ من هذه النظم التي صفحها تقريبا أعطاها كل وسائل القوى المسيطرة يعني الولايات المتحدة بوضوح كانت إدتها كل الوسائل للسيطرة واللي إدتها مش بس الوسائل مكنت لها وإدت لها آخر تكنولوجيا العصر كمان أيضا علشان تقهر وعلشان تحكم وعلشان تستمر وعلشان تحفظ الأمر الواقع وعلشان تجمد أيضا فكرة لا قضية ولا سلام ولا تقدم، ولا سلام ولا ثورة، ولا حرب ولا ثورة ولا حرب ولا.. إلى آخره يعني، يعني المطلبان الرئيسيان أنه لا حرب بعد الآن في المنطقة ولا ثورة بعد الآن في المنطقة هما الموجودان وبن علي بينفذ هذا على الأقل في تونس فيما يتعلق بالاستقرار لأن تونس كانت بعيدة باستمرار عن جبهة الحرب والسلام إلى آخره. فبيقول لي إنه إحنا أقصينا الرئيس بورقيبة لأنه أنت شفت كان شكله إيه وإلى آخره، أنا لاحظت أن الرجل مختلف تماما لدرجة الحاجة الوحيدة الانطباع اللي أنا أخذته في ذلك الوقت أنه أنا قلت له سيادة الرئيس أنا.. لأنه في الآخر بعدما تكلم ساعة بحالها ما عنديش حاجة أقولها، قلت له يبدو أنه أنت والله أنا كنت بأشوف صورك ولكن شايفك قدامي وأنت أحسن من صورتك كثير قوي، فهو سألني باهتمام، إزاي؟ قلت له يعني أنا شفتك الصورة قدامي معلقة على الحيطة وهي أنت أحسن منها وأنا بأقول لك شوف لك مصورا ثانيا، فهو ساب كل الموضوعات السياسية وبدأ يتكلم مع السيد الهادي بكوش رئيس الوزارة اللي كان معنا ويقول له كلم السفارة بكره الصبح السفارة التونسية في باريس وجيبوا مصورا كويس أحسن مصور في باريس يصور لي صورة ثانية، وألح في هذا الموضوع وهذا الموضوع أخذ بعض الوقت، وبعدين حتى وإحنا خارجين نادى هو رئيس الوزارة ولما رجع رئيس الوزارة بيقول له خير يعني؟ بيقول لا لا الرئيس بيؤكد على حكاية المصور اللي جاء من باريس نجيبه من باريس لأنه أنت لفت نظره أن صورته مش عاجباه وصورته.. فهو مهتم جدا بهذا الموضوع. لكن أنا بدا لي أن كل هذا الكلام بيوري إلى أي مدى في هنا في رجل بيريد أعجبته حكاية أنه هو أحسن من صورته، وبدأ.. ألحت عليه إلى درجة أنه بقيت هي الموضوع! لكن الموضوع مش موضوع صور الموضوع موضوع الأصل الحقيقي الأصل السياسي والأصل الواقعي لهذا النوع من السلطة اللي اتعملت بهذا الشكل، هذا نظام، هذا رجل قعد -أنا تابعته من بعيد- ده كان 1988 لما شفته لآخر مرة من وقتها أنا بأتابع النظام، النظام عمال الأميركان يدوا له كل اللي ممكن يتصوره، على أي حال الظروف بتساعدهم كانت تونس بلدا صغيرا وفي حاجات كثيرة قوي ملائمة وما هواش جاهز للثورة فأقل وسائل كانت ممكن تنفعه ومع ذلك إدوا له كل وسائل تصفيح جربت معه كل وسائل تصفيح النظم من أول القنابل المسيلة للدموع لغاية المدافع الرشاشة لغاية وسائل التنصت الإلكتروني لغاية أخيرا -مش أخيرا، من كذا سنة- وحدة للتجسس ومقاومة الفعل الإلكتروني بمعنى وحدة بوزارة الداخلية للحرب الإلكترونية، كان في في ذلك الوقت كانت شاعت حكاية مقاومة الإرهاب وفي إطار مقاومة الإرهاب وأنا قدام ضابط أمن وقدام بلد في تونس مطلوب برضه حكمها -مهما كانت- حكمها بالقوة مهما كانت فحتى للسايبر تكنولوجي الرجل أخذ كل اللي ممكن يأخذه في سبيل أن تمنع الثورة وفي سبيل أن تستقر الأحوال لأن هذا جزء من مخطط. هنا قدامي رجل في واقع الأمر مطابق لكل المواصفات الأميركية رجل قوي بيفهم منطق الأمن ويقدر يطبقه، طبيعة هذا النوع من النظم أنه على طول ساعة ما بينشأ سلطة من هذا النوع محتاجة طبقات تيجي بسرعة جديدة تقف معها تقف توسع دائرة المنتفعين بهذا الوضع الجديد توسع دائرة المستغلين لهذا الوضع الجديد، فتنشأ على الفور جانب الدكتاتور الرئيسي وجانب الرجل الحديدي الرئيسي ولتكملة نظام مصفح تنشأ باستمرار مجموعات سلطة الـ

oligarchies وتنشأ بقى في رجل قوي بقى في مجموعات سلطة بقى في قوة أمن داخلي، قوة أمن خارجي ما بقاش مهمة لأن الجيوش بتقل أهميتها وإحنا شفنا كثيرا قوي من هذا النوع يعني، وبعدين قوى الأمن الداخلي وبعدين نظم رقابة وبعدين كل وسائل القمع وكل وسائل السيطرة وبعدين جانب السيطرة وقبل السيطرة ضرورة وجود واجهة إعلامية معقولة تمهيدا للقمع، باستمرار التمهيد للقمع والتمهيد للحكم وللسيطرة ضروري جدا له وسائل تخليه مقبولا تخليه قابلا للقبول وهذه مهمة إعلام، فبدأ ينشأ إعلام، عائلة الرئيس نفسها كانت هي المهتمة بالإعلام كان هي المالكة أو بعض أفرادها مالكين لأكبر وسائل الإعلام سواء المرئي أو المسموع، بدأ يبقى في نظام هذا النظام المصفح تكتمل له كل الإمكانيات بما فيها تغطية رقيقة بالإعلام بما فيها تغطية بالمؤسسات بشكل المؤسسات شكل الدساتير لا بد أن تعطي القمع لا بد أن تعطي له غلالة رقيقة من المشروعية وإلا يبقى قبيحا جدا فهو أيضا أعطي هذا القدر من المشروعية من مجالس تشريعية ودساتير وإلى آخره وبدا أن تصفيح النظام في تونس عملية نموذجية وبدا أنه قدام كل الناس بدا أنه قادر وقابل والرجل نفسه مستعد والرجل نفسه خبير في هذا الموضوع لكن الفساد والقمع والتباين والاستغلال وكله إلى آخره كل دواعي الثورة اللي كانت موجودة بدأت تزيد وبدا باستمرار السيطرة إحكام السيطرة يغري بالتجاوز لأن الناس تتصور أنها قادرة على أن تفعل ما تشاء وبدا أن بعض أصحابه وحتى اللي جابوه الأميركان مثلا يعني الأميركان اللي جابوه يساعدوه بدؤوا يقلقون. وأظن كان بدت في قضية مهمة جدا بتحصل وهي أن الأميركان ممكن يجيبوا حد والأميركان ممكن يساعدوه أو غير الأميركان ممكن يساعدوه وممكن يدوا له كل الوسائل للسيطرة لكن شرط رضاهم عنه أن ينجح وهذه الصيغة مستحيلة، هم بيدوا الوسائل لحد من الناس ويدوا له ويدو لنظامه كل إمكانيات التصفيح سواء الصلبة زي السلاح والحاجات دي كلها وسواء الناعمة زي الواجهات الدستورية والسياسية والإعلام وإلى آخره ولكنه يريد أن ينجح، فإذا لم يستطع أن ينجح وانكشف بتقى مشكلة بالنسبة لهم وهم مستعدون يتخلوا عن أي حد، هم طالبين من أصدقائهم في واقع الأمر تنفذ معادلة تبدو مستحيلة، طالبين منهم أن يقمعوا طالبين منهم أن يحققوا واحد أن قضية إسرائيل تنسى قضية السلام هي الموجودة، والحاجة الثانية طالبين منهم قضية الاستقرار تحت أي ظرف والثورة عصر الثورات انتهى وطالبين منهم وبيدوهم الوسائل يعملوا ده ويطلبون منهم أن يقمعوا كما يشاؤون ولكنهم يريدونهم أيضا أن يكونوا محبوبين، إذاً عاوزينهم يعملوا كل هذه المهام السيئة ثم يبقوا أو يحاولوا أن يحتفظوا بكل الوسائل بوجه طيب ووجه معقول ووجه مقبول على أقل تقدير ولكن هذا مطلب في واقع الأمر مستحيل لا يمكن تنفيذه يعني، ولكن ساعة ما بينكشفوا بيتخلوا عنهم.

المفاجأة أولا، رد الفعل ثانيا

محمد حسنين هيكل: ألاقي هنا تدخل السفارة الأميركية وثائق ويكيليكس فيما يتعلق بتونس وهي قدامي فظيعة في اللي بتحكي عنه فظيعة لأنها بترسم صورة للأحوال الموجودة هناك، وثائق ويكيليكس مش هي الثورة مش هي اللي سببت الثورة، وثائق ويكيليكس أهم حاجة فيها في اعتقادي أنها أعطتنا صورة لم نكن لنراها كاملة لولا أن السفارة الأميركية رصدتها، السفارة الأميركية في تونس بعثت فيما يتعلق بتونس آلاف البرقيات خصوصا في الفترة الأخيرة، قدامي منها بعض البرقيات ألاقي السفير بيتكلم على مصادر بيتكلموا على أحوال الفساد وأحوال أن كل الكلام عن الحريات الظاهرة دي كلها يقول إنه

fiction the unreality إنها خرافة أكثر منها حقيقة، ألاقي أن السفير الأميركي بيقول إن بن علي معتمد حتى على سفراء أجانب وأنه إدى السفراء الأجانب فيلات في منطقة معينة علشان يسكتوا ما يعطوش تقارير بمقدار ما هو بيساعدهم أو بمقادر ما هم بيساعدوه فهو كمان بيساعد ممثليهم، ألاقي السفير الأميركي بيتكلم على أسرة بن علي وأنها تتفشى كالسرطان يتكلم على أنها أسرة تملك كل شيء مثلا في السياحة وبحيث أنه يقول إن كل حاجة في السياحة من أول شركة الطيران لخدمات الطيران للتكسيات اللي ممكن تأخذ الناس لمناطق السياحة في بلد هو بيعتمد على السياحة بالدرجة الأولى بالعربيات بالفنادق بكل حاجة مملوكة لأسرة بن علي أو للقريبين منها إلى درجة صنعت ثروات خرافية، ألاقي السفير بيحكي على عائلة الرئيس بن علي -ما بأحبش أتكلم في حكاية العائلات يعني لكن عائلة الرئيس بن علي وأصهارها وأقربائها ألاقي آلاف، مئات البرقيات على أقل تقدير مئات التقارير من السفير بتحكي على أوضاع في تونس لا يمكن قبولها ولكنها كلها نتيجة لنظام يحكم ويتمكن من وسائل الحكم وهو يتصور أنه قادر وأن فعلا عصر الثورات انتهى وأن ليس هناك خطرا عليه. مش ممكن يعني تقارير ويكيليكس قدامي وما هياش اللي عملت الثورة ولكن هذه أعطت وقودا أو على الأقل أعطت إطلالة مكنت من إطلالة على الواقع الذي كان موجودا في هذه النظم التي كان مطلوبا منها من ناحية السلام لا حرب من الناحية الثانية استقرار لا ثورة، وبعدين.. لكن الشعب التونسي في الحقيقة قام بثورة غريبة جدا لأنه لأول مرة تقريبا تقريبا الثورات كلها اللي جرت في القرن العشرين كانت كلها ثورات بالجراحة وفتح البطن، الشعب التونسي وبروح العصر وبالقرن الـ 21 عمل ثورة من نوع غريب جدا تقريبا عمل الجراحة في المنظار، فتحة صغيرة جدا مشرط دقيق مشرط محدود دقيق لكنه في ساعات تقريبا أنجز مهمته، أنجز مهمته والمشاهد التي جرت مشاهد غير معقولة، الحقيقة يعني وهي جرت بسرعة غريبة جدا، ما حدث عنده صورة لقد إيه يستطيع أن يحكم بالتحديد للتفاصيل لكن اللي حصل ما يأتي الثورة نزلت وجماهير لا دبابات ولا حاجة أبدا ولا عنف ولا حاجة أبدا جماهير جماهير جماهير بلا حدود، وبعدين أمن بيضرب رصاص بيطلق رصاص والناس متقدمة وناس يسقطوا والناس لا عنف ما فيش عنف ولا تخريب وبيتقبلوا الناس اللي حاصل وتحدث خسائر فيهم، وبعدين الرئيس في القتل له حدود والقاتل في درجة احتمال، الأمن لم يعد قادرا، والرئيس يبلَغ أن الأمن مش قادر يكمل أكثر من كده، فالرئيس يبقى مهزوزا ويعمل خطأ أنه يزيح وزير الداخلية وهنا ده واحد من أخطائه الكبيرة جدا لأنه عندما أزاح وزير الداخلية كشف درع حمايته كشف أهم درع في التصفيح اللي صنعه لنفسه، وبعدين بيتصل -وأنا هنا بأتكلم على معلومات متواترة ولا أستطيع أن أقول إنني دققتها بنفسي ولكن اللي بنسمعه واللي بنسمعه من مصادر نستطيع أن نثق فيها- الرئيس أعلن حالة الطوارئ لما لقى البوليس مش قادر أعلن حالة الطوارئ، القصر اتصل برشيد بن عمار قائد الجيش، الجيش حاسس بالمهانة لأنه أهمل لصالح البوليس لأن اعتمادات البوليس كانت أكثر بكثير من اعتماداته لأنه هو بقى قوة الأمن الحقيقية أمن الوطن الحقيقية والبوليس هو قوة الأمن الحقيقية بدأ يبقى رشيد بن عمار قائد الجيش يقول ما يقدرش يعمل حاجة، وبعدين بيكلموا وزير الدفاع ومعه بعض الضباط فبيتكلم معهم فأحد الضباط بيقول له بندافع عن إيه؟ بندافع عن نظام نصفه مكروه ونصف الآخر محتقر، وبعدين وزير الدفاع بيكلم رئيس الوزارة بيقول له والله ما أقدرش ومستقيل لو أدى الأمر، طيب إيه العمل؟ بيقول له فبيقول له قل للرئيس إن كل شيء انتهى وإنه يعني يخرج، وبعدين وزير الدفاع مش عارف يعمل إيه، يتصلوا بالسفارة الأميركية تقدر تعمل حاجة بسبب في المشاكل دي كله بسبب ويكيليكس والسفارة مش قادرة تعمل حاجة، وعلى أي حال في ذلك الوقت يطلع تصريح بتاع أوباما أنه معجب بالشعب التونسي وبكبريائه وبشجاعته -هنا في نظام مصفح قام لخدمة مصالح معينة لكنه عجز عن حمايته لا قدر يبقى محبوبا ولا قدر يبقى قويا الاثنين مع بعض- وبعدين بدأ الرئيس يسمع أن في حشود جاهزة للزحف على القصر وبعدين رئيس الوزراء يقترح عليه أن يخرج بس مؤقتا لامتصاص الغضب فيجري بسرعة يهرول لكي يهرب بنفسه ويسيب كل الناس لمصائرها، حد يتصل يسأل في ليبيا إذا كان يقدروا يساعدوه بحاجة فحد يقترح عليه يروح مالطة، حاولوا يتصلوا بفرنسا فرنسا قالت ما لهاش دعوة بالحكاية دي كلها، قال يروح مالطة والليبيون بعض الناس في ليبيا بعض إخوانا في ليبيا دبروا له.. مالطة كان أخذ الطائرة ومشي لأنه مش قادر يستنى فمالطة أبلغوه أنه ما يقدرش ينزل عندهم ويمشي وفي الآخر استقر جاء في السعودية. خلصت الثورة ولكن العبرة أو المشكلة قبل العبرة أن الشعب قام بالعمل الثوري الرئيسي أجرى العملية الجراحية بالمنظار وأتم مهمة معينة بمعنى أهم حاجة فيها في اعتقادي أنه خلع هذا النظام المصفح الذي كان متصورا أن هو ضمن مجموعة أخرى من الأنظمة يمسك بالأمور ويسيطر عليها وإذا به يفقد كل مواقعه. في مسألة مهمة قوي النظام وقع، الجماهير كسرت حاجز الخوف، العالم العربي خرج يؤيد، العالم الخارجي خرج كله معجب، حالة الطوارئ لم تنجح، المساحة انفسحت.. الجيش رفض أن يتدخل فالساحة انفسحت لتغيرات تدافعت فيها كل القوى السياسية اللي كانت موجودة في الخارج والداخل واللي كانت في المنافي واللي كانت في السجون وبدأ الكل يتصارع وهنا هذه هي المشكلة الآن، المشكلة الآن أنه حدث فراغ كبير جدا في تونس، الشعب عمل دوره أنجز المهمة الأساسية في الثورة وهي إزاحة النظام الجديد وأفسح المجال قدام مرحلة أخرى في تاريخ تونس لكن السياسة اللي كان دورها تيجي تملأ الفراغ بدت حائرة وبدت تبقى في مشكلة وبدت حتى هذه اللحظة أن السياسة لم تستطع حتى هذه اللحظة والسياسيون حتى هذه اللحظة لأسباب كثيرة جدا، البعد عن الأمر الواقع البعد عن.. أن الناس هي اللي عملت.. ما فيش ما حدش هذا الشعب، آه كان في زعماء في المنافي وفي السجون ولكن هذا الشعب الذي قام بالثورة وقع ظل يعيش تحت حكم القمع النظام المصفح وكان هو الذي ثار عليه وأسقطه، وجاء الناس اللي من بره واللي كانوا في السجون واللي كانوا في المنافي وهو إلى هذه اللحظة في حيرة لأن الأمور جرت بأسرع مما يمكن أن يتصوره أحد ولكن الحقيقة أن واحدا من أهم النظم المصفحة في سياسة السيطرة الجديدة وقع. هنا عاوز أتكلم عن النقطة الأخيرة، ما الذي سوف يحدث؟ أنا أظن نحن نتكلم كثير قوي ناس بتتكلم على تداعيات الحدث التونسي وماذا سيحدث بعده في العالم العربي لكن النقطة اللي أنا عاوز ألفت النظر إليها أنه علينا أن نسأل سؤالا آخر، ماذا سوف تفعل القوى الأخرى التي فاجأها هذا الحدث التونسي؟ القوى التي إحنا بنقول حيحصل إيه في العالم العربي كله بعد تونس ولكن كمان لازم نسأل هذا سؤال مشروع ولكن لازم نسأل وهو في سؤال أهم، حيعمل إيه الآخرون الذين فوجئوا بالحدث التونسي؟ أين يردون؟ لأن كل فعل لا بد أن يكون له رد فعل، هذا الذي حدث في تونس يسقط كل السياسات التي مورست وفرضت على العالم العربي في الثلاثين السنة الأخيرة، ما العمل؟ أين يرده؟ أخشى أن أقول إنه أنا شايف النذر تظهر في لبنان وأنا هنا أخشى.. عايز أقول إنه في أوجه شبه كبيرة جدا بين تونس ولبنان، تونس بلد صغير شرفة على البحر الأبيض، لبنان بلد صغير مطل على البحر الأبيض، في علاقة من قديم جدا بين الفينيقيين وبين قرطاج، في هجرة مستمرة في تواصل في صلة تاريخية في خط واصل لكن باستمرار ما بين بيروت وجبيل وصور وصيدا واصل إلى تونس وإلى جربا وإلى صفاقس كل.. هذه في علاقة بين البلدين بشكل أو بآخر في خط تاريخي والتاريخ له بعض المرات له معنى ما هواش عشوائي يعني، فأنا أخشى أنه إحنا قدام.. قد نجد أنفسنا ما وقع المفاجأة التي وقعت للجميع في تونس يرد عليها في لبنان وهناك نذر في هذه اللحظة موجودة تحيط بلبنان، وهناك لا بد أن نقدر أن هناك ناس لا يزالون مصممين على فرض هذا النوع من السلام وعلى فرض هذا النوع من الاستقرار وما جرى في تونس أفزع وأخاف وأقلق أكثر من اللازم وأخشى.. يعني أنا مستعد أقول دلوقت إنه إذا كنا نريد أن نضع عينا على تونس فلا بد أن نضع العين الأخرى على لبنان. تصبحوا على خير.