صورة عامة - لقاء اليوم
لقاء اليوم

محمد الحسن ولد الددو.. انقلاب العسكر على ولد الشيخ

تستضيف الحلقة رئيس مركز تكوين العلماء محمد الحسن ولد الددو ليبين وجهة نظره في الانقلاب على الرئيس ولد الشيخ عبد الله. وهل يصلح النظام الديمقراطي في البيئة العربية والإسلامية؟

– أسباب الانقلاب وموقف العلماء المسلمين منه
– مكونات وظواهر الساحة السياسية الموريتانية

أسباب الانقلاب وموقف العلماء المسلمين منه

الحبيب الغريبي
الحبيب الغريبي
محمد الحسن ولد الددو
محمد الحسن ولد الددو

الحبيب الغريبي: مشاهدينا الكرام مرحبا بكم في هذا اللقاء الذي يجمعنا بالشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، مرحبا بكم الشيخ. لقاؤنا هذا يأتي في ظرف عصيب تمر به موريتانيا يعني بحكم تداعيات الانقلاب العسكري الحاصل، يعني أنتم على أي مسافة تقفون من هذا الانقلاب كعلماء دين وكدعامة من دعامات التيار الإسلامي في موريتانيا؟


محمد الحسن ولد الددو: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد، فإن السياسة ليست من اختصاصي وإن كنت مسؤولا هنا كمشاهد أو كمراقب للوضع فإن بلادنا شهدت في الآونة الأخيرة انقلابا كان على رئيس منتخب انتخابات شهد الجميع بنزاهتها وروقبت مراقبة دولية وكانت الأعمال كلها تسير وفق مخطط ديمقراطي لتطوير الديمقراطية والصعود بها، وإن كانت هذه الديمقراطية بادئة وناشئة وما زال فيها بعض الثغرات، فحصل الانقلاب فجأة وكان ردة فعل وله بعض الأسباب والملابسات التي يعرفها أهلها. فمنذ حصل انقسم الشارع وبالأخص القوى السياسية إلى قسمين، الأحزاب الكبرى والذين يؤمنون بالديمقراطية والنهج الديمقراطي ويرغبون في مواصلة هذا المشوار رفضوا الانقلاب واحتجوا بكل الاحتجاجات المسموح بها قانونا وما زالوا إلى الآن يرفضون ويحتفظون بشرعية الرئيس وشرعية الحكومة التي كان يرأسها، والشق الثاني من الشارع وفيه بعض النواب في البرلمان وبعض الشيوخ في الغرفة الأخرى في مجلس الشيوخ أيدوا الانقلاب ويمكن أن يقال إنه في الشعب الموريتاني في شريحة أخرى لم تدخل في العراك الحقيقي ولا تصنف أنها مع إحدى الطائفتين وبدأت الآن تقدم بعض المبادرات التي يراد بها الخروج من عنق الزجاجة وتخطي هذا الواقع المرير الذي تعيشه البلاد الآن، وعموما الوضع في الداخل لم يشهد توترا ولا كثيرا من الكبت للحريات وما زال المعارضون للانقلاب يعلنون بملء أفواههم برفضه ولم يواجهوا قمعا كذلك الذي تعودناه في الأزمنة السابقة، نعم تقمع المسيرات والمظاهرات ببعض وسائل القمع لكن لا يعتقل أحد ولا..


الحبيب الغريبي (مقاطعا): يعني هل يفهم هذا أنه شكل من أشكال المهادنة على الأقل مع هذا الانقلاب بالذات؟ وفي البال يعني بالنسبة للانقلاب السابق الإسلاميون تناغموا إلى حد ما معه.


محمد الحسن ولد الددو: ليس هذا الانقلاب موازيا للانقلاب السابق، الانقلاب السابق كان بوقته احتقان وكان على سلطة اعتصرت كل مقدرات الشعب مدة عشرين سنة وكانت كل الطوائف تريد الخلاص وتريده على وجه سلمي ولا تريد إراقة الدماء فجاء الانقلاب السابق من وسط النظام وكان منقذا للوضع وليس فيه إراقة للدماء وفيه وعد بالإصلاح والديمقراطية ومدة انتقالية محددة، والانقلاب الحالي جاء على سلطة ديمقراطية لم تجرَّب إلا لمدة سنة واحدة وبدأت ببعض المشاريع التي أرضت بعض الحساسيات السياسية الموجودة وأنجزت بعض المنجزات التي تحسب لها وإن كان فيها بعض القصور أيضا في بعض الجوانب التي تحسب عليها، والذين يؤيدون الانقلاب الحالي لا ينطلقون من ذلك الاحتقان الشعبي الواسع والرفض الذي كان سائدا وقت الانقلاب السابق لذلك لا يمكن مقارنة هذا الانقلاب بالانقلاب الماضي بوجه من الوجوه إلا أن الذين قاموا بهذا الانقلاب هم أولئك الذين قاموا بالأول ولكنهم في الأول أحسنوا ولذلك أيدهم الإسلاميون وغيرهم والآن..


الحبيب الغريبي (مقاطعا): ولكن إلى أي حد، عفوا، شيخ إلى أي حد استفاد التيار الإسلامي أو الإسلاميون مما تقول إنه منجزات الانقلاب السابق خاصة وأنه كانت هناك مؤشرات لتعاطي إيجابي أكثر مع التيار الإسلامي؟


محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة للتيار الإسلامي ليس كغيره من التيارات لا يقيس منجزاته وما أحرزه من النتائج بالمقياس المادي فينظر إلى الإصلاح العام في إتاحة حريات عامة للناس وإتاحة الفرص لمختلف الناس لعملهم وتنفيذ القوانين على وجه يضمن مصداقية الدولة، هذه أمور تعتبر مكاسب للتيار الإسلامي ولغيره من التيارات ولكن التيار الإسلامي بالخصوص يستفيد منها كثيرا وبالأخص أنه اعترف له بالحزب وأعيدت الإجازة إجازة الأسبوع إلى الجماعة وقد كانت السبت والخميس وبني مسجد في قصر الرئاسة ومنذ استقلال البلد إلى الآن لم يكن فيه مسجد ولم تكن تقام فيه الجمعة، فهذه تعتبر مكاسب للشعب الموريتاني عموما وللإسلاميين بالخصوص.


الحبيب الغريبي: يعني هل لهذا السبب أنتم تدعمون الانقلاب؟


محمد الحسن ولد الددو: الانقلاب الماضي تقصد أم الحالي؟ الحالي ما دعمناه.


الحبيب الغريبي: لا، أقصد الماضي.


محمد الحسن ولد الددو: الماضي لم تكن هذه الإنجازات في وقته ولكن الماضي دعمناه لأنه إنقاذ للبلد كله من الهاوية التي كان يسير إليها فقد بدأت انقلابات أخرى وكان في الأفق تلوح حرب أهلية وكانت المشكلات على أشدها وما ندري ما الله صانع بالبلد فجاء الانقلاب إنقاذا للبلد فلذلك دعمنا الانقلاب الماضي لأنه كان إنقاذا للبلد من هاوية محققة، أما الانقلاب الحالي فلا يمكن أن يقاس بذلك للبون الشاسع بينهما في الوضع والحال.


الحبيب الغريبي: حاليا يعني هناك مطالبة مكثفة من المعارضة مطالبة رئيسية بعودة الرئيس المخلوع إلى السلطة في حين الانقلابيون يرفضون تماما ذلك، هل ترى أن هناك حلا وسطا على قاعدة لا غالب ولا مغلوب كما يقال؟


محمد الحسن ولد الددو: هذه القاعدة يريد بعض السياسيين تقديمها الآن بشكل مبادرات سياسية وبالنسبة لي أنا من الذين يرون أن الدستور هو الذي ينبغي أن يُتحاكم إليه وأن المسار الديمقراطي لا بد أن يسير على وفق ما رسم وأن أي مخالفة للدستور تعتبر تراجعا ونكوصا عن هذه المسيرة، والرئيس الحالي إلى الآن لم يكتب استقالة فإذا كتب الاستقالة لا مانع من الرجوع إلى ما ينص عليه الدستور من تولي رئيس غرفة مجلس الشيوخ لمقاليد الحكم أو لرئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة لمدة 45 يوما يقام فيها انتخاب يترشح له كل من تتوافر فيه الشروط ويقول الشعب كلمته ويختار رئيسه لكن بما أن الرئيس الحالي رئيس منتخب وقام عليه انقلاب وهذا الانقلاب لم يصدر بعده من الرئيس استقالة ووضعه ما زال شرعيا كما ينص عليه الدستور وكما هو صريح لا يستطيع أحد أن يكابر في شرعيته.


الحبيب الغريبي: إلى أي مدى تعتقدون أن لهذا الانقلاب بعد إقليمي أو بعد دولي؟


ليس لهذا الانقلاب أي بعد إقليمي أو دولي وإنما هو نابع من نفس المؤسسة العسكرية التي قامت بالانقلاب السابق ثم قامت بهذا الانقلاب نظرا لظروف رأتها هي، وإن كنا نختلف معها في تقديرها

محمد الحسن ولد الددو: أبدا ليس لهذا الانقلاب أي بعد لا إقليمي ولا دولي وليس من ورائه أي دولة أخرى وإنما هو نابع من نفس المؤسسة العسكرية التي قامت بالانقلاب السابق ثم قامت بهذا الانقلاب نظرا لظروف رأتها هي وإن كنا نختلف معها في تقديرها، فهو انقلاب محلي تماما.


الحبيب الغريبي: يعني ليست هناك أي أيادي خارجية؟ لأن هناك من يتحدث مثلا عن إسرائيل أو غيرها.


محمد الحسن ولد الددو: لا أبدا ما لإسرائيل به أي علاقة.


الحبيب الغريبي: على ذكر إسرائيل يعني الشيخ ولد عبد الله عندما كان في الحكم..


محمد الحسن ولد الددو: سيدي محمد الشيخ ولد عبد الله.


الحبيب الغريبي: سيدي محمد الشيخ ولد عبد الله وعد يعني في حملته الانتخابية بأن تكون مسألة التطبيع قابلة للنقاش ولكن ذلك لم يحصل.


محمد الحسن ولد الددو: هو وعده أنه سيقدم قطع العلاقات مع إسرائيل إلى الشعب الموريتاني ليصوت عليه في استفتاء وقد وعد بذلك وهو المرحلة الثالثة من مراحل سياسته التي كان يتبعها، قد بدأ بإعادة المبعدين اللي هم بقضية مجاوزة قضية الرق ثم المسألة الثالثة هي هذه القضية وكانت الآن موصولا إليها ولكن جاء الانقلاب قبل أن تقع وأنا أتصور أن أي رئيس يحكم موريتانيا الآن لا بد أن يتخذ قرارا بهذا ولا بد أن يقطع هذه العلاقات المشينة التي ما لها أي فائدة ولا أي قبول لدى الشعب الموريتاني كله بما فيه الحكام وحتى الرئيس نفسه يكره هذه العلاقة ويقول إنه يوم سمعها وهو في الخارج ما نام تلك الليلة لعلمه لخطرها وضررها على البلد.


الحبيب الغريبي: يعني إذا اعتبرنا أن هناك نوايا طيبة وسليمة للرئيس المنتخب المخلوع يعني برأيك ما الذي جنى عليه أو من الذي جنى عليه؟ يتحدثون أيضا عن دوائره الضيقة وبالتحديد عن زوجته التي اتهمت اتهامات كبيرة بالفساد واستغلال النفوذ.


محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة للتهم إنما توجه إلى القضاء وانا لله الحمد عافاني الله من القضاء ولست من أهله، فالقضاء هو الذي يبت في التهم التي توجه للأشخاص أما الرئيس الذي أرى أنه جيء من قبلها وأنه حصل فيه بعض الأخطاء أو التباطؤ في الإصلاح الذي كان بالإمكان أن يقوم به، فكان بالإمكان أن ينجز كثيرا من الإنجازات خلال السنة التي حكمها وهذا ما لم يحصل، حصل بعض المنجزات مشكورة لكن مع ذلك كان بالإمكان أبدع مما كان ولم يحصل ذلك.


الحبيب الغريبي: ولكن هناك من يقول بأن ما سرع ربما بالانقلاب هو ما ظهر على الرئيس المخلوع من تقارب مع التيار الإسلامي.


العسكريون الذين قاموا بالانقلاب بينهم وبين التيار الإسلامي كثير من التقارب، والتيار الإسلامي الآن ليس له أعداء ويحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف في الساحة السياسية

محمد الحسن ولد الددو: ليس هذا صحيحا بل حتى العسكريين الذين قاموا بالانقلاب عليه بينهم وبين التيار الإسلامي كثير من التقارب، فالتيار الإسلامي الآن ليس له أعداء في أي طرف من الأطراف الموجودة في الساحة ويحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الأطراف وليس طرفا في الأزمة أصلا، الأزمة قامت بين الرئيس وبين بعض النواب الذين يحسبون على العسكريين وانتقدوه بقضايا معينة منها أنهم زعموا أنه لم يشكل المحكمة التي ينص الدستور على تشكيلها وأنهم يطالبون بتشكيلها ثم بعد ذلك أنه شكل حكومة جاءت فجأة بإقالة الحكومة السابقة ولم يشركهم فيها، فكانت الأزمة بينه وبين أولئك النواب وهؤلاء النواب فيهم أيضا بعض الإسلاميين.


الحبيب الغريبي: شيخ نتوقف فقط عند فاصل قصير نعود بعدها لمتابعة هذا اللقاء، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

مكونات وظواهر الساحة السياسية الموريتانية


الحبيب الغريبي: أهلا بكم من جديد إلى هذا اللقاء الذي يجمعنا بالشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا. مرحبا بكم إذاً مرة أخرى شيخ الددو. في أكتوبر 2004 أطلقتم من على شاشة الجزيرة دعوة للحوار والتسامح بين السلطة ومعارضيها، هل تعتقدون أن هذه الدعوة ربما أصبحت ملحة أكثر في هذا الظرف بالذات؟


محمد الحسن ولد الددو: الحوار دائما ملح في أي وقت وبالأخص الآن في وقت التباين في وجهات النظر بين القوى الأساسية العاملة في البلد فأنا ما زلت أدعو إلى الحوار وإلى حل كل المشكلات عن طريق الحوار وإلى نبذ العنف دائما، وأرى أن الحوار يوصل إلى أرضية مشتركة لا محالة ولا يمكن أن يجتمع العقلاء وأن يتحاوروا إلا وصلوا إلى أرضية مشتركة يمكن أن ينطلقوا منها جميعا.


الحبيب الغريبي: يعني هل ننتظر منكم في هذا الظرف مبادرة من هذا القبيل؟


محمد الحسن ولد الددو: بالنسبة لي ليس شغلي الأن متخصصا في السياسة فأنا أعمل في الدعوة والتعليم ولكن مع ذلك أنا مؤيد لكل مبادرة فيها تقارب في وجهات النظر وإصلاح للواقع مع أنني من الذين يؤيدون النهج السلمي الديمقراطي التبادل على السلطة بالوجه السلمي وعن طريق صناديق الاقتراع ومن الذين يرفضون الانقلابات، فرئيس المجلس العسكري الآن الذي قاد هذا الانقلاب لو انتخب رئيسا لموريتانيا فقام عليه انقلاب فأنا أول من يعارض ذلك الانقلاب لذلك أنا معارض لكل انقلاب عسكري.


الحبيب الغريبي: شيخ نعم فعلا يعني ثنائية العسكر والسلطة يعني كيف يمكن حل أو فهم هذه المعادلة الصعبة في موريتانيا؟


محمد الحسن ولد الددو: هذه القضية موروثة لأن العسكر منذ انسحب من الصحراء وانقلب على أول رئيس لموريتانيا وهو المختار ابن داده لم يزل يحتفظ بالسلطة وأول رئيس مدني يحكم موريتانيا هو سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله فكل من بينه وبين المختار ابن داده هم رؤساء من العسكر فلذلك استمر العسكر في السلطة لمدة طويلة لما يقرب ثلاثين سنة فاستمرأ السلطة واستحلاها فيصعب خروجه منها إلا بمكابدة ومشاقة فأرى أن الوقت الآن مناسب لخروج العسكر من السلطة بالكلية وابتعادهم عنها ورجوع السلطة إلى المدنيين بشكل قاطع ويكون ذلك عبر صناديق الاقتراع وعلى وجه يضمن شفافية مطلقة وحرية شاملة.


الحبيب الغريبي: يعني وهل تعتقد أن هناك حاجة الآن إلى آلية قانونية ودستورية تضمن عدم تكرر مثل هذه الانقلابات؟


محمد الحسن ولد الددو: هذه الانقلابات لا يرضى عنها القانون لأن القانون صريح في رفض كل ما حصل والدستور صريح في ذلك فالآليات التي تردع ليست القانون وإنما هي القناعة لدى العسكريين وهذا ما ينبغي أن يربوا عليه وينبغي أن يقتنعوا به بأنه لا شأن له بالمجال السياسي وأنه لأهله وأن البلد فيه أحزاب وفيه حريات وفيه انتخابات والذين يرتضيهم الشعب هم الذين ينتخبهم الشعب ما انتخب العسكر وإنما انتخب الساسة الذين اختارهم لهذه المهمة وهم الذين توافرت فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون فلا شأن للعسكر بذلك وليس العسكر في موريتانيا مثل العسكر في تركيا أو في غيرها من العساكر الذين لهم حق دستوري منصوص عليه بالدستور فموريتانيا العسكر فيها مهمته هي الحفاظ على حدود البلد وعلى مقدراته وخيراته وما للعسكر صلاحيات أكثر من هذا في الحكم في الدستور الموريتاني.


الحبيب الغريبي: يعني أنتم تحدثتم إلى حد الآن عما يفهم بأنه يعني مدخل للحداثة والديمقراطية في موريتانيا ولكم قولة شهيرة أو موقف شهير من الديمقراطية تقولون إنه إذا استوجب استيرادها من الغرب فنحن جاهزون. يعني هل لنا أن نفهم هذا الطرح؟


محمد الحسن ولد الددو: نعم بالنسبة للحكم في الإسلام الذي بينه الله في كتابه وأرسل إليه رسوله صلى الله عليه وسلم هو الشورى ولكن الشورى التي أمر الله بها في قوله {..وشاورهم في الأمر..}[آل عمران:159]، وقوله {..وأمرهم شورى بينهم..}[الشورى:38]، وطبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لها آلية محددة نصية حتمية لا يمكن تجاوزها، فالنبي صلى الله عليه وسلم اختاره الله جل جلاله وجعله إماما للمؤمنين بل إماما للرسل جميعا ولما توفاه الله اختار المؤمنون أبا بكر رضي الله عنه وكانت الطبقة التي تختار من المؤمنين محصورة فأهل بدر عددهم إذ ذاك الباقي منهم أقل من ثلاثمائة وهم طبقة يرضى عنها المؤمنون جميعا وقد رضي عنها الله بنص كتابه وكذلك أهل بيعة الرضوان والباقون منهم أيضا فوق الألف بقليل وهم طبقة رضي الله عنه بكتابه ورضي عنها المؤمنون ولا يمكن أن يُنازعوا وهم محصورون وعددهم يسير فإذا عرفت أصواتهم وجاءت أكثريتهم على أمر فهو شورى للمؤمنين لكن بعد أن انتهت هذه الطبقات التي قد رضي الله عنها في كتابه ورضي عنها المؤمنون جميعا لم يبق للمؤمنين الآن طبقة مرضية عنها فكل المؤمنين برهم وفاجرهم، ذكرهم وأنثاهم شركاء فيما جعل الله لهم من الخيرات في الأرض وفي سياسة بلادهم، حتى المواطنين من غير المسلمين لهم حقوق كذلك فهم يملكون مثلما يملك غيرهم ولا يمكن إكراههم ولا إجبارهم على أمر لا يريدونه في ممتلكاتهم فالشرع لا يبيح ذلك، ومن هنا لا بد أن يكون للناس عرفاء كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح بخاري فقد أمر الناس أن يخرجوا إليه عرفاءهم في قضية أنطاس، وفي سنن أبي داود أنه قال "العرافة حق ولا يستقيم الناس إلا للعرفاء"، فلا بد من العرفاء وهم الذين ينتخبهم الناس للقيام بأمورهم فنحن ليس لدينا آلية ولا وسيلة محددة لتطبيق الشورى فجاءت الديمقراطية وطبقها الغرب ونجحت فيه ونحن ليس لدينا غضاضة من أن نستورد أي شيء نافع من أي حضارة أخرى فالرسول صلى الله عليه وسلم استورد فكرة الخندق من حضارة فارس وفكرة الخاتم من حضارة الروم وفكرة المنبر من حضارة الحبشة فلذلك فكرة الديمقراطية بالتداول السلمي على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع وتسجيل كل الذين تتوافر فيهم الشروط وإحصائهم إحصاء ومعرفة رأي الأكثر منهم وأيضا ما يتعلق بمراقبة الحاكم وتحديد صلاحياته هذه أمور يأمن بها الشرق..


الحبيب الغريبي (مقاطعا): ولكن هل الديمقراطية يعني في نموذجها الغربي أم بخصوصيتها المحلية؟


محمد الحسن ولد الددو: بخصوصيتها المحلية طبعا، لا يمكن أن تطبق الديمقراطية الموجودة في الغرب تماما في بلاد الإسلام، حتى الغرب نفسه كل بلد فيه له ديمقراطيته المختصة، أنتم تعرفون أن النظام الأميركي يختلف تماما عن النظام الفرنسي عن النظام البريطاني وكل له ديمقراطيته ويفخر بها.


الحبيب الغريبي: يعني في سياق الحديث عن الديمقراطية وأنظمة الحكم يعني أنتم في إحدى محاضراتكم طالبتم بصراحة الإسلاميين من حسم موقفهم من الديمقراطية.


محمد الحسن ولد الددو: نعم.


الحبيب الغريبي: وهل تم هذا الحسم برأيك لحد الآن؟


محمد الحسن ولد الددو: لم يتم إلى الآن في كل الدوائر الإسلامية لكن كثير من الإسلاميين الذين على الأقل لهم اهتمام سياسي ولهم مشاركة وينبذون العنف حسموا موقفهم بالأخذ بالديمقراطية كآلية ووسيلة لتطبيق الشورى.


الحبيب الغريبي: هناك مشاريع إصلاح عديدة في المنطقة تتأتى من كل صوب وحدب، ما تقييمكم لها؟ سواء كانت سياسية أو حتى اقتصادية أو اجتماعية.


محمد الحسن ولد الددو: هذه المشاريع إنما تقوم بحسب جديتها وجدية القائمين عليها والثقة بأهلها فلا يمكن أن ننتظر حتى تنجز ما تريد إنجازه ثم نحكم عليها بعد تقويمها فلا بد من متابعتها خطوة خطوة ولا بد من النظر الجاد إليها عند بداياتها حتى نعرف من وراءها وهل هو فعلا مصلح أم لا فلا يمكن أن يتأتى الإصلاح من غير المصلحين، والله تعالى يقول {..وأن الله لا يهدي كيد الخائنين}[يوسف:52] ويقول {..إن الله لا يصلح عمل المفسدين}[يونس:81] فمن كان مفسدا لا يمكن أن يتأتى منه الإصلاح ولو طالب به ولو أعلنه، فسيعلم أن الإصلاح بمفهومه هو غير الإصلاح الحقيقي فلذلك لا بد من التبين في النظر إلى هذا بنظرة فاحصة ومن خلال ذلك يدعم ما هو صواب منها وما هو مفيد وينبذ ما سواه ويوأد في بدايته.


الحبيب الغريبي: شيخ محمد يعني هناك الآن في موريتانيا موجة من التيار أو من الحراك بالنسبة للتيار السلفي الجهادي، ما موقفكم من هذا؟


محمد الحسن ولد الددو: هذه ليست في موريتانيا بالنسبة للمشكلات التي حصلت إنما جاءت من الجزائر ففي الجزائر حركة كانت تسمى الجماعة السلفية للدعوة والقتال ثم الآن تسمت بجماعة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وقد أرسلت أكثر من تهديد للحكومة الموريتانية وكان منها اعتراف منشور في الإعلام نحن لا ندري هل هو صحيح أم لا لأنه ليس لنا وسائل للتحقق منه إلا عن طريق مواقع الإنترنت، فقد نشر اعترافه بحادثة مغيطي التي راح ضحيتها 17 من الجيش الموريتاني ثم بواقعة الغلاوية التي راح ضحيتها أربعة جنود ثم بالواقعةالأخيرة التي كانت في الشهر الماضي في تورين وقد راح ضحيتها 12 من خيرة الناس قائدهم من حملة كتاب الله ومن الإسلاميين، فهذه الأمور منكرة وليست معروفة في موريتانيا ولا في داخلها، نعم حصل بعض الأحداث في داخل نواكشوط بين بعض الشباب والعسكر والأمن ولكنها كانت أحداثا محدودة جدا وأشخاصها يعدون على أصابع اليد وليس هذا ظاهرة عامة في البلد وأيضا كلهم جاؤوا من الخارج وتلقوا تدريباتهم في الخارج.


الحبيب الغريبي: أشكرك جزيل الشكر الشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا شكرا جزيلا لك. وأشكر متابعتكم وانتباهكم مشاهدينا الكرام وإلى اللقاء في لقاء آخر.