رولان دوما / وزير الخارجية الفرنسي الأسبق - لقاء اليوم
لقاء اليوم

رولان دوما.. قضايا عربية

تستضيف الحلقة وزير الخارجية الفرنسي الأسبق للحديث عن العراق وكيف انتهى إلى حالة من الخضوع للاحتلال الأميركي والنفوذ الإيراني.

– الأزمة العراقية والهيمنة الأميركية
– القضية الفلسطينية والأزمة اللبنانية

undefined

محمد كريشان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج لقاء اليوم ولقاءنا اليوم مع السيد رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في عهد الرئيس الراحل فرنسوا ميتران للخوض معه في بعض القضايا العربية والدولية الراهنة لاسيما في ضوء صدور كتاب جديد للسيد رولان دوما بعنوان (Affaires étrangères) شؤون خارجية وهو يغطي المرحلة الأولى من المدة الرئاسية للرئيس ميتران من سنة 1981 إلى 1988 في انتظار صدور الجزء الثاني وهو الذي يتناول الفترة من 1988 إلى 1995 السيد الوزير أهلا وسهلا.

الأزمة العراقية والهيمنة الأميركية

رولان دوما – وزير الخارجية الفرنسي الأسبق: أهلا بالصديق العزيز سعيد باستقبالكم في بيتي وبفرصة الحديث أليكم ومن خلالكم إلى الجمهور العربي.

محمد كريشان: في كتابكم الصادر مؤخراً أشرتم إلى أن فرنسا ساندت العراق خلال حربه مع إيران لقناعتها أن نظام صدام حسين العلماني يمثل سداً منيعاً أمام الأصولية الإيرانية وفق تعبيركم أنا هنا أقتبس، كيف تنظرون إلى الوضع الحالي في العراق لاسيما وقد تحول البلد في نظر بعض المراقبين إلى منطقة نفوذ إيراني كبيرة إلى جانب الاحتلال طبعاً؟

رولان دوما: الوضع في العراق يزداد سوء مع الأيام إنه كارثي، للعراق مكانته عندنا وأنت هنا تشير إلى مرحلة لم أكن فيها وقتها وزيرا للخارجية وإنما كانت سياسة مَن سبقوني، كان العراق بلدا قريبا من فرنسا وله معها علاقات مختلفة ومن المحزن أن نراه على ما هو عليه اليوم من حرب أهلية كشفت عنها الأيام الأخيرة مع عشرات ومئات القتلى خاصة وأننا لا نرى أفق للحل، البلد مقسم والتأثير الخارجي عليه يمارس بشكل سلبي تماما والحضور الأميركي هناك الذي ينفذ السياسة الإسرائيلية يزداد ويزيد الوضع تعقيداً، الوضع كارثي ومأساة إنسانية ولا أرى حلا لذلك في الأشهر المقبلة إذ يتطلب الأمر جهدا خارقا حتى تتمكن المجموعة الدولية في النهاية من فرض حل على كل الفرقاء ولكن الوضع في العراق لا يعدو أن يكون عنصرا من عناصر الوضع في المنطقة ككل إذ لا يمكن عزل الموقف الغربي من العراق عما يجري في الجوار لاسيما النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، المحصلة أن الوضع بأكمله هناك مقلق ولا يمكن إلا أن يزداد سوء إذا لم تكن هناك في الأشهر المقبلة مبادرات قوية بشأنه.

محمد كريشان: فرنسا طبعاً كانت من بين الدول الكبرى التي عارضت بوضوح غزو العراق هل اختفى الآن هذا النوع من المواقف بحيث لم يعد هناك ما يُفعل للحد من الهيمنة الأميركية واستفرادها بهذا الملف؟

رولان دوما: أنتم محقون في الإشارة إلى أنه كان لفرنسا موقف متميز في السنوات الماضية فيما يتعلق بالعراق فقد أتبع الرئيس شيراك خطاً فريداً بالنسبة إلى بقية الدول الغربية وهذا ما أيدته فيه وقرعت شخصيا ناقوس الخطر لأقول إنه لا يمكن ببساطة الخضوع للتأثير الأميركي الذي ينم عن التأثير الإسرائيلي في العالم ولهذا اقترحت منذ مدة طويلة عقد مؤتمر دولي للسلام في المنطقة وكان ذلك من ثوابت سياستنا فالرئيس ميتران وأنا عندما شرعنا في الحديث عن موقف فرنسي متميز عن الموقف الأميركي، إذاً كان لفرنسا خط سياسي شجاع ومميز لكنه ليس مهيمنا في الغرب الذي يسيطر عليه الأنغلوساكسون الذين يفرضون قانونهم، الآن، فرضوا ذلك بالسلاح ويفرضونه بالدبلوماسية أيضا وأكرر أن هذه السياسة لا يمكن أن تنتج حلا في العراق فالدول الغربية مدعوة لقبول تغيير موقفها بشأن العراق وفرنسا يمكن أن تلعب هنا دورا رائعا في هذا السياق.

محمد كريشان: السيد الوزير استقبلكم في بغداد ذات يوم الرئيس العراقي السابق صدام حسين والصورة موجودة في كتابكم أيضا كيف تابعتم النهاية الدرامية لهذا الرجل؟

"
إن الولايات المتحدة قادت الحملة العسكرية على العراق بعيدا عن مؤسسات الشرعية الدولية وبالتالي لم يعد هناك نظام دولي
"

رولان دوما: لا شك أنكم تعلمون أني عضو في الفريق القانوني الدولي الذي انكب على معالجة المشكل القانوني الذي فرضه وضع الرئيس صدام حسين وقد كنت من المؤيدين لمحاكمة من نوع آخر، محاكمة أمينة مفتوحة نزيهة ويمكن أن تؤدي إلى ولادة نظام دولي جديد فقد رأينا أن الولايات المتحدة قادت الحملة العسكرية على العراق بعيدا عن مؤسسات الشرعية الدولية وبالتالي لم يعد هناك نظام دولي لأن كل شيء جرى خارج الأمم المتحدة، كنت أعتقد أن محاكمة نزيهة ومدارة بشكل جيد مع لائحة اتهام ودفاع ستعطي المجال للتفكير في نظام دولي جديد لكن للأسف فإن المتطرفين والمحافظين الجدد هم مَن فاز، لقد كنت مع محامين آخرين أميركي وبريطاني والرئيس الجنوبي إفريقي وغيرهم نطمح إلى إثارة نقاش أكثر انفتاح ونزاهة يكون مفيد للقانون الدولي لكن ذلك لم يحصل فالمحاكمة جرت بطريقة لا تشرّف دول ديمقراطية غربية، إعدام صدام حسين والظروف التي أحاطت به وإعدام مساعديه فيما بعد لم تفعل سوى زيادة الوضع خطورة فضلا عن النذالة الشديدة فيما جرى وفصل رأس برزان التكريتي مثير للنقمة ولا يشرّف عالم يحاول أن ينظم نفسه، هذا كله ستكون له انعكاسات عميقة لدى مجموع الدولة العربية، طبعاً اليوم لا نعلم ما الذي يحصل ولكن توجد مع ذلك بعض المؤشرات التي تؤكد أن الأمور ستظل حبيسة صدور الناس وأذهانهم وهذا سيؤدي إلى نتائج فيما بعد بلا شك، أتمنى أن تواصل فرنسا تبني نفس الخط السياسي وهو ما سعيت إليه شخصياً من خلال ظهوري على شاشتكم على أمل أن تكون هناك نتائج مثيرة وسأعمل على ذلك فمن الهام أن تُسمع فرنسا صوتها حول موضوع العراق وحول الشرق الأوسط بشكل عام الذي لدينا فيه مصالح منذ قرون وأعوام طويلة ولهذا فأنا مع موقف فرنسي مميز ومن خلال فرنسا وأوروبا التي من حسن الحظ أنها في الملف العراقي وإعدام صدام حسين كان لها ظهور خاص وذكي.

محمد كريشان: أي ذكريات بقيت لكم من لقاء صدام حسين؟

رولان دوما: لقد ذهبت إلى العراق في إطار جولة في دول المنطقة كلفني بها رئيس الجمهورية وقتها، ناقشت مع الرئيس صدام حسين في تلك الجلسة خاصة الديون الفرنسية المستحقة على العراق وكذلك لأُظهر له أن لي مقاربة مختلفة عن مَن سبقوني فيما يخص سياستنا في الشرق الأوسط التي أريد تعديل لها، طلب مني كثيراً مساعدة فرنسا للعراق في مجال الأبحاث النووية ولكن وبالنظر للسياق التي كان لم أترك له الكثير مما يمكن أن يعوِّل عليه آمال وانتهى اللقاء في هذه الظروف، بالطبع لاحظت ما كان يعرفه الجميع من أن النظام كان ديكتاتوري وقاسي للغاية ولكن عندما نفكر في وضع العراق وتركيبته العرقية وطوائفه فلابد أن نعترف أن حكم العراق كان أمر معقد لاسيما واليوم كل شيء فيه ينفجر وسيكون ذكي جدا من بإمكانه الجزم اليوم أن عراق الغد سيكون على هذا النحو أو ذاك، ما نأمله فعلا أن تكون هناك ديمقراطية في العراق ولكن ديمقراطية حقيقية دون قوة أجنبية محتلة، لقد عرفت فرنسا هذه الوضعية قبل سنوات فعندما تكون هناك قوة أجنبية في البلاد أيا كانت فلا حرية تعبير للشعب، شيئاً فشيئا تصبح هذه القوة الأجنبية أمر لا يطيقه الشعب وتزداد المشاعر الحادة تجاهه وتتقاعد العلاقات داخل البلاد لاسيما تجاه الأميركيين ومن هنا يزداد عدد القتلى الأميركيين في العراق وأنا لا أرى في هذا الخط السياسي والعسكري للمحتل كما هو الآن أية إمكانية لحل سلمي في العراق.

محمد كريشان: حتى ننتهي من هذا الجانب المتعلق بالعراق هل تعتقدون أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة هناك كما أعلناه الرئيس بوش قادرة على إنقاذ الأميركيين قليلا هناك في الوقت الحاضر؟

رولان دوما: أتمنى ذلك، أتمناه لأني رأيت صديقي جيمس بيكر منغمس في هذا الملف من خلال اللجنة التي ترأسها بشكل العراق فبيكر شخص فائق الذكاء وتعاملت معه كثيراً طوال السنوات السبع أو الثماني التي عملت فيها على رأس الدبلوماسية الفرنسية وتقريره عن العراق تقرير متكامل ودقيق قال ما يجب قوله ولا أرى مهما كانت عقلية المسؤولين الأميركيين كيف أن الرئيس بوش الذي يعرف بيكر جيدا إذ كان محاميه خلال حملته الرئاسية وعلاقات عائلته مع واسعة كيف له أن يسأله عن رأيه في الوضع في العراق وهو يعرف رأيه هذا مسبقا ثم لا يأخذ به، من هنا أطرح السؤال التالي كيف للرئيس بوش أن يرتب كل هذه المسائل وأعتقد في الحقيقة أنه في ورطة جعلته ليفعل ما فعله الرئيس شارل ديغول في الجزائر فقد دعم قواتنا هناك وزاد من عددها ولكن عندما بات الوضع هناك خارج السيطرة بالمرة استخلص ما يجب استخلاصه ولكن ربما على الرئيس بوش أن يفكر أن عليه أن لا ينتظر كثيرا لاتخاذ قرار كهذا لأنه عندما تزداد الأوضاع في العراق خطورة وتزداد معها الضغائن وردود الفعل قد يصبح قراره وقتها متأخر للغاية ولهذا أعتقد أن تعزيز القوات الأميركية في العراق قرار يهيئ لسياسة أميركية مغايرة.

محمد كريشان: مشاهدينا الكرام ما زلتم معنا في لقاء اليوم مع السيد رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، فاصل قصير ثم نعود للقاء اليوم مع السيد دوما.

[فاصل إعلاني]

القضية الفلسطينية والأزمة اللبنانية

محمد كريشان: أهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد في لقاء اليوم ولقاؤنا اليوم مع السيد رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، سيدي الوزير في كتابكم تناولتم التصريح الشهير للرئيس فرنسوا ميتران في ديسمبر عام 1967 الذي أقر فيه بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة أي قبل ثلاثين عاماً الآن وهو ما أكد عليه أيضا في خطابه في الكنيست الإسرائيلي في مارس آذار عام 1982 وكان وقتها من القلائل جداً في الغرب الذي تحدث عن دولة فلسطينية، نحن الآن نسمع كثيراً عن الدولة الفلسطينية دون أن نراها كيف ترون الأمر؟

رولان دوما: ما قلته للتو جميل والحديث الكثير الآن عن الدولة الفلسطينية ليس فقط دون أن نرى شيئا ولكن أيضا دون أن نفعل شيئاً، قناعتي العميقة الآن بعد دراستي لكل الملفات ورصدي لأفعال هؤلاء الأطراف وأولئك قناعتي العميقة هذه هي أن إسرائيل لا تريد حلا، أعتقد أن إسرائيل تحافظ على مثل هذا الوضع وتعتزم الاستمرار في الاحتفاظ به دليلي على ذلك أنه عند كل مناسبة تظهر فيها إمكانية لتسوية ما تقوم إسرائيل بخطوة أولى إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء وتخلق كل الظروف لقطع المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى حل ما، انظروا ما الذي حصل على زمن ياسر عرفات فعرفات رجل جدي وتوافقي عرفته كثيرا واختلطت به كثيرا وتحدثت معه كثيرا، إنه رجل مسؤول أحب بلاده وعرف ما الذي يترتب على كل ذلك، لقد قلت دائما للإسرائيليين بوجوب التعامل مع عرفات وفي الوقت الذي بدا فيه الحل ممكنا تم التعامل مع عرفات كعدو قادر على كل الشرور وجرت في العالم كله حملة ضده على أنه زعيم إرهابي.

محمد كريشان: بن لادن الفلسطيني.

"
الانقسامات الفلسطينية والاستفزازات التي تجري داخل الساحة الفلسطينية هدفها الانجرار إلى حرب أهلية وهي نتاج للسياسة الإسرائيلية
"

رولان دوما: نعم ولتدمير صورة عرفات في العالم كله مع أنه كان الوحيد وهو المنتخب من شعبه القادر على فرض تسوية ما وإسرائيل التي تزعم أنها ديمقراطية كان يفترض أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني ولكن ما حصل كان العكس وفى كل مرة تبدو فيها فرصة ما تشوه صورة عرفات مع أنه كان المخاطب المفضل والجدي لتتويج المفاوضات لأن إسرائيل لم ترد ذلك، كانت الأمور دائما هكذا مع هذا التلازم بين إسرائيل والولايات المتحدة والآن كل الانقسامات الفلسطينية وهذه الاستفزازات التي تجري داخل الساحة الفلسطينية لجرها إلى حرب أهلية هي نتاج للسياسة الإسرائيلية وأنا لا أرى لماذا تقحم إسرائيل نفسها في خيارات الشعب الفلسطيني الذي اختار ديمقراطيا حزبا وفرضه وإذا كانت السياسة الدولية تتضمن أن تختار للبلد الذي أمامك المخاطب الذي تريد والمستجيب لرغباتك فلا مجال هنا للمفاوضات ولا للديمقراطية، أنا مقتنع اليوم أن إسرائيل لا تريد للأمور أن تتحرك في العمق، لقد اعتقدنا كثيرا أن الولايات المتحدة تملك سلطة التأثير في السياسة الإسرائيلية الآن أنا أعتقد العكس فاليوم إسرائيل هي التي تتحكم في السياسة الأميركية قد يبدو جريئا الإصداع بهذا بلد صغير مقابل بلد كبير.

محمد كريشان: هذه هي القناعة التقليدية التي يكررها العرب.

رولان دوما: آه إذا الأمور هكذا أنا مسرور أن يكون لدي هذا الرأي ذاته ويكفي اليوم بتقديري أن نلقي نظرة على الزيارات وتصريحات أو ما حصل مؤخرا في الحرب في لبنان من دعم أميركي للتصرفات الإسرائيلية، نتحدث دائما عن مسيرة السلام في الشرق الأوسط وأنا منذ أن تعاطيت بالشؤون الدولية قبل سنوات طويلة وأنا لا أسمع سوى تكرار هذه الجملة، لا بد من استئناف مسيرة السلام في الشرق الأوسط استئناف هذه المسيرة لتتوقف في اليوم الموالي، كل ذلك سخيف لأننا لا نتوجه إلى عمق المسألة فالغرب وأنا هنا أتحدث عن الدول الأنغلوساكسون ومعها إسرائيل تتمسك دائما بالموقف التالي: إسرائيل مهددة إذاً يمكننا القيام بكل شيء وما أن تتحرك الأمور قليلا إلى الأمام حتى تتوقف، إذاً كما قلت أنت نتحدث كثيرا ولا نفعل شيئا.

محمد كريشان: هذه المرة هناك أيضا حديث عن إحياء مسيرة السلام في الشرق الأوسط ولكن هناك حديث عن مصلحة أميركية لتحريك هذا الملف ارتباطا بالوضع في العراق تحديدا هل يمكن لذلك أن يساعد فعلاً؟

رولان دوما: لا أعتقد أن الأميركيين يريدون تحريك الأمور ولا أدري أصلاً إن كان لهم حل ما لملف العراق، على كل نحن لا نعرفه وهم الآن يتدخلون في الشأن الفلسطيني ليقولوا هذا هو الجيد وهذا هو الشرير هذا مَن سندعمه هذا مَن معه سنتحدث إنه حوار مع النفس، الطرف الأميركي أو الغربي أو الإسرائيلي يطرح الأسئلة ويجيب بنفسه وإذا كان الجواب لا يعجبه يذهب إلى شأن آخر، إنه حديث هؤلاء مع أنفسهم أو بالأحرى رغبتهم في الحديث مع أنفسهم وطالما أن هذا الوضع مستمر وأن هؤلاء لا يرون أن هناك طرفا عربيا قادرا على التعبير بنفسه عن آرائه فالأمور لن تتقدم، أنا متشائم جدا في المسألة الفلسطينية الإسرائيلية.

محمد كريشان: هل لديكم نفس المقاربة بالنسبة إلى الشأن اللبناني لاسيما وأن فرنسا من بين أكثر الدول نفوذا هناك؟

رولان دوما: عندما كنت في الخارجية ذهبت كثيراً إلى لبنان وتابعت قضيته وكنت عند انتهاء الحرب الأهلية هناك وعند ترحيل أو تصدير الجنرال ميشيل عون من بيروت إلى باريس، لبنان بلد عزيز علينا لدينا معه علاقات قوية وأصدقاء كثر وهناك الكثير من اللبنانيين في فرنسا ولهذا فكل ما يمس لبنان يمسنا عن قرب وعندما كنت على رأس الخارجية الفرنسية أتذكر تلك النقاشات التي كانت لي مع صديقي جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي، بيكر وقتها كانت له سياسة للتضحية بلبنان لأن ذلك مرتبط بالوضع العام في المنطقة وضرورة الهيمنة على لبنان، أذكر يوماً اشتبكت فيه مع بيكر فقلت له اسمح صديقي العزيز الولايات المتحدة مهتمة بإسرائيل فرنسا تهتم بلبنان لذا خذوا في الحسبان مواقفنا من هذا الشأن وانتهى به الأمر إلى تفهم ذلك وإلى أن موقفنا كي يكون الأفضل أي المحافظة على استقلال لبنان، لا يجوز بذريعة خطف جندي إسرائيلي لا نعرف حتى أين هو أن تجري عملية اجتياح بلد كامل وتدمير كامل بنيته وقد فعل الإسرائيليون ذلك عام 1982 أيضاً ودمروا المولدات الكهربائية والمستشفيات والإدارات، إنهم يفعلون ما يريدون يكنسون كل شيء ثم يرحلون، إنها رغبة دائمة لديهم بالتدخل وتسوية الأمور كما يحلو لهم ولهذا فلبنان يتألم اليوم وسيستمر ألمه كل ما أراد تأكيد استقلاله تعرّض له الإسرائيليون وأنا لا أشك لحظة في عدم وجود رغبة في الحروب لدى لبنان، إنه شعب رائع مسالم وسلمي في نفس الوقت ويلعب دوراً هاماً كان له شاناً في التاريخ وآمل أن يكون له شأن في المستقبل كذلك، ما تحدثنا عنه قبل قليل من رغبة في الهيمنة في السياسة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة يجعل من لبنان وكلما أراد أن يتطور وفق رغبته وأن تكون له خياراته السياسية والدينية الخاصة يتحول باستمرار وعلى مر السنوات إلى ضحية ولن ينعم لبنان بالهدوء طالما أن المجموعة الدولية لم تظهر إرادتها بهذا الشأن وفي هذا السياق أود الإشارة إلى أن الحكومة الفرنسية الحالية وخاصة الرئيس شيراك شخصياً لديهم الرغبة في إعادة إرساء هذه العلاقة المميزة مع لبنان والدفاع عنه في هذه المرحلة الصعبة الحالية وهذا شيء مشرف لفرنسا.

محمد كريشان: هل تشاطرون التحليل الذي يشير إلى أنه الآن في لبنان يتواجه محوران فرنسي أميركي من ناحية مقابل آخر سوري إيراني على التراب اللبناني؟

رولان دوما: لا أرى الأمر على هذا النحو وهذا شكل من أشكال التدخل في شؤون المنطقة ومحاولة فرض النظام فيها في حين أنه علينا مراعاة إرادة الشعوب وهنا طالما لم نحل المشكلة الفلسطينية فلن نظفر بالسلام في هذه الربوع وهذا أولاً وثانياً إذا لم نعقد مؤتمراً دولياً لهذا الغرض يمكن خلاله أن يلتقي الجميع ويدلوا برأيهم في لقاءات ثنائية أو من خلال مجموعات لطرح كل القضايا على الطاولة فلن تكون هناك أيضاً آفاق سلام، الأولوية يجب أن تكون للمشكلة الفلسطينية التي لا أرى أنها حققت أي تقدم خلال الخمس عشرة سنة الماضية ولفظ مسيرة السلام باتت لازمة تتكرر في المؤتمرات لا غير والسيدة كوندوليزا رايس تعود إلى المنطقة للحديث عن جديد عن إحياء مسيرة السلام دون أن تفعل شيئاً، لا شيء غير المحافظة على الوضع القائم وتجميده، في يوم من الأيام كانت لي محادثة مفيدة جداً مع رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي قال لي إن إسرائيل ستعقد اتفاقات سلام مع مختلف دول المنطقة بالتتابع، قلت له ما معنى ذلك؟ قال أقمنا سلام مع مصر ومع الأردن وسنفعل كذلك مع البقية ربما مع سوريا إذا تغيرت الأمور وهكذا سنقسّم العالم العربي على هذا النحو وهذا بالفعل ما يتحقق الآن، هذا يتم فعلاً وأعتقد أن التكتيك الغربي في هذا المجال يتلاءم مع هذا التصور السلم، اغزوا عند الضرورة أخضع الجميع، سلاح وإسرائيل تمتلك السلاح النووي الذي لا يملكه غيرها هناك إنها هيمنة عسكرية وسياسية ودبلوماسية.

محمد كريشان: بهذا مشاهدينا الكرام نصل إلى نهاية لقاء اليوم والذي كان مع السيد رولان دوما وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، دمتم في رعاية الله وإلى اللقاء.