لقاء اليوم

نعوم تشاومسكي .. اليهود في أميركا

من يتحكم في الإعلام الأميركي، ومن المسؤول عن تشويه صورة العرب فيه؟ وهل يمكن للعرب أن يتحرروا من الهيمنة الأميركية؟ وهل يمكن للانتفاضة الفلسطينية إنهاء الاحتلال؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها المفكر اليهودي نعوم تشومسكي.

مقدم الحلقة

حافظ الميرازي

ضيف الحلقة

نعوم تشاومسكي

تاريخ الحلقة

27/06/2001


– وضع تشوميسكي داخل أميركا
– تحكم اليهود في الإعلام الغربي

– تحكم أميركا في إسرائيل

– اقتراحات لتحقيق تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين

وضع تشوميسكي داخل أميركا

undefined
undefined

حافظ الميرازي: دكتور تشوميسكي، نرحب بك معنا في لقاء اليوم وفي قناة (الجزيرة) ولعلي أبدأ من نقطة أنك معروف في العالم وخارج الولايات المتحدة أكثر من معرفة الأميركيين بك، هل هناك تعتيم إعلامي في أميركا أيضاً على المعارضين للرأي مثلما هو موجود في الدول الديكتاتورية.

نعوم تشوميسكي: كلا، إن الوضع هنا ليس مشابهاً للديكتاتورية، واليوم هو أفضل مثال على ذلك إذ إن هذه هي ثالث مقابلة تلفزيونية تُجرى معي اليوم، وهذا ليس بالشيء غير العادي، فأن أمضي كثيراً من الوقت في إجراء المقابلات الإذاعية والتلفزيونية داخل وخارج الولايات المتحدة، فهم في الولايات المتحدة لا يجندون النقاشات السياسية النقدية، فعلى سبيل المثال هنا في الشمال الشرقي، حيث نحن الآن كامبردج، ونيويورك، وبوسطن، وواشنطن هي أكثر المناطق التي تُمارس فيها السيطرة الأيدولوجية بأشد صورها.

حافظ الميرازي: لكن من الذي يتولى هذا التحكم الأيدولوجي في الشمال الشرقي الأميركي أكثر من مناطق الولايات المتحدة الأخرى؟

نعوم تشوميسكي: إنه ليس تحكماً بمعنى أن أحداً ما يُصدر إليك الأوامر، وإنما هناك فهم مشترك سائد، وكما بين (جورج أردويل) عام 45، وأودويل بالطبع اشتهر بتعليقاته النقدية لروسيا ونظامها الشمولي، ففي مؤلَّفِهِ مزرعة الحيوانات قلة من الناس فقط قرأت مقدمته التي كتبها لكتاب مزرعة الحيوانات والتي كتب فيها عن ما أسماه بالرقابة الأدبية في إنجلترا، وفحوى ما قاله في مقدمته هو أن هذا الكتاب هو كتاب سياسي ساخر عن روسيا، والكل يعرف ذلك، ونحن نعيش في إنجلترا حرة وحتى في إنجلترا الحرة لا توجد فيها رقابة من أي نوع كان؟ فهناك أفكار غير مرغوب فيها يمكن أن تُقمع وتُطمس من دون اللجوء إلى استخدام القوة، وضرب أردويل بعض الأمثلة على ذلك من دون الإعطاء الكثير من التفسيرات، وفي الواقع لم يتجاوز تفسيره لذلك جملتين والسبب –كما قال- هو أن من يملكون الصحافة لهم مصلحة كامنة في قمع أفكار معينة، والعامل الآخر –كما قال- هو التعليم الجيد، فإذا تخرج الشخص من جامعات مثل أكسفورد وكامبردج فإنه سيتوصل إلى فهم مفاده أن بعض الأشياء لا يُفترض أن تقال وما كان يعنيه أردويل بقوله هو أن المرء يصبح له منظور وفهم يحولان دون عملك أشياء معينة أو قولك أشياء معينة، والسبب في أن قليلين فقط قرؤوا مقدمته هذه، هو أنها لم تُنشر، وربما هذا يثبت قوله.

تحكم اليهود في الإعلام الغربي

حافظ الميرازي: في العالم العربي التفسير السهل لتشويه صورة العرب في الإعلام الأميركي وعدم تقديم قضيتهم بشكل عادل هو: أن اليهود يتحكمون في الإعلام الغربي، ولذلك يفعلون بنا ما يفعلون، إلى أي حد تعتقد أن هذا غير صحيح؟

نعوم تشوميسكي: الناس الذين هم ضحايا ويعانون عليهم أن يتملكوا صورة حقيقية عن العالم، وخاصة هم بالذات، والصورة التي وصفتها هي خاطئة تماماً تقريباً، صحيح أن القضية الفلسطينية مشوهة إلى حد بعيد، والعالم العربي يُعامل بازدراء، وهذه هي الحال مع كل شيء آخر، فعلى سبيل المثال: قبل حوالي عام عقدت مجموعة البلدان التي كانت تُعرف سابقاً بدول عدم الانحياز، والآن صارت تُسمى بمجموعة السبعة والسبعين.. وهي في الحقيقة مائة وثلاثة وثلاثون بلداً وهو ما يمثل حكومات نحو 80% من العالم اجتمعت في (كوبا) وأصدرت إعلاناً طويلاً ومفصلاً، والذي عُرف بإعلان قمة الجنوب، وكان إعلاناً تطرق إلى العديد من القضايا المهمة والمثيرة للاهتمام، ومع ذلك فقد تم تجاهله تماماً في عموم الصحافة الأميركية، ربما كانت هناك أربع جمل كُتبت عنه وبشكل يقلل من أهميته، ولم يكن العالم العربي فقط من ضمنهم، بل كان بقية العالم أيضاً، والصحافة بعملها هذا إنما كانت تدعم قوة أميركا، فعندما كانت الولايات المتحدة تضرب صربيا بالقنابل، كان الادعاء وراء ذلك أنه يتم لحماية المسلمين، فكيف حدث ذلك؟ الولايات المتحدة من هذه الناحية عالمية في نظرتها، فهي تقتل أياً كان بغض النظر عن هويته، أسود أو أبيض أو أحمر، عربياً كان أو كاثيولوكياً أو بروتستانتياً.

حافظ الميرازي: لكنك في كتاباتك تحدث عن أن إسرائيل نجحت إلى حد كبير منذ إنشائها في أن تصور الصراع مع العرب ومع الفلسطينيين على أنه امتداد لمعاناة اليهود في أوروبا وفي ألمانيا النازية، بمعنى أن اليهود هم الضحية لأولئك العرب، إلى أي حد مازالت هذه الصورة قائمة؟ وهل تغيرت مع تطور الوضع وتنامي قوة إسرائيل؟

نعوم تشوميسكي: لقد تغير الوضع بشكل كبير وتغير بهذا الشكل عام 67، وحتى ذلك العام كان هناك جهد يُبذل بهذا الاتجاه، ولكنه لم يكن بالجهد الكبير، وحتى ذلك الوقت لم تكن هذه الدعوة دعوة كبيرة، وفي أوساط الجالية اليهودية الأميركية لم يكن هناك الكثير من الكلام حول المحرقة النازية لليهود وفي أواخر الأربعينيات كان هناك يهود يموتون في معسكرات الموت، وكان ذلك شيئاً مُريعاً، فهل كان اليهود يأتون إلى الولايات المتحدة، وفي أي مكان من أوروبا تقريباً، لو كان لليهود حرية الاختيار لاختاروا الهجرة إلى الولايات المتحدة، وبدون شك اليهود الذين كانوا يخرجون من معسكرات الموت لو أُعطوا حرية الاختيار، هل تتصور أنهم كانوا سيرفضون القدوم إلى الولايات المتحدة وأنهم كانوا سيفضلون الذهاب إلى فلسطين ليصبحوا وقود حرب هناك؟ هل يمكنك أن تتصور ذلك؟ لقد ذهبوا إلى فلسطين وأصبحوا وقود حرب ولم يأتوا إلى الولايات المتحدة والسبب أن الجالية اليهودية الأميركية لم تريدهم هنا، لم يكن هناك أي لوبي يمارس نشاطه ولا جماعات ضغط ولا شيء من ذلك، وربما هناك احتمال أن من بين الذين جاؤوا من أوروبا إلى الولايات المتحدة كانوا هناك نازيون أكثر من اليهود الناجين من معسكرات الموت النازية وقضية الدعم الأميركي لإسرائيل لم تكن قضية كبرى، حتى عام 67 وبعد ذلك العام تغيرت علاقة القوة الأميركية-الإسرائيلية علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل وأصبحت قضية دعم إسرائيل قضية كبرى، وفي عام 56 على سبيل المثال عندما غزت إسرائيل أرض سيناء المصرية بالاشتراك مع فرنسا وإنجلترا الولايات المتحدة أمرتهم بالمغادرة ولم يكن أمامهم خيار فانسحبوا، وحدث ذلك قبيل الانتخابات الرئاسية وهو يعتبر الوقت الأكثر حساسية ولم يكن هناك لوبي يهودي ليحتج ولم يكن هناك صراع مع القوة الأميركية ولو كان موقف اليهود مع السياسة الأميركية حينها أو أن كان ضدها لتوقفوا، وحدث مثل آخر في الماضي القريب، فالرئيس كلينتون قبل نحو عام ومعروف أنه كان أكثر رؤساء أميركا دعماً لإسرائيل عندما بلغه أن إسرائيل تريد بيع تكنولوجيا عسكرية أميركية للصين مع رفض الولايات المتحدة لذلك. ولكن الإسرائيليين بدعوى أن إسرائيل دولة حرة، لا تقبل إملاءات من أحد والأمر مهم لهم اقتصادياً قالوا: سنمضي قدماً فيما نعتزم، ولكن الرئيس كلينتون أصر على موقف الولايات المتحدة وأفهم الإسرائيليين بلين ولكن بحزم أنكم لن تفعلوا ذلك فرضخوا، هذه هي ممارسة أميركا لقوتها، والتي أذعن لها الإسرائيليون، وفي عام 67 قدمت إسرائيل خدمة عظيمة للولايات المتحدة، فقد محو الدعوة القومية الاستقلالية العربية من الوجود وكان جمال عبد الناصر رمز القومية العربية والشخصية الرئيسية في حركة عدم الانحياز وكما تعلم كان هناك نظام في اليمن بين مصر والسعودية، وكنا في الولايات المتحدة معنيون بالسعودية وليس مصر، ولم يكن اهتمامنا بالسعودية من أجل السعوديين بالطبع بل من أجل النفط الذي تحويه أرضهم فأكبر احتياطيات النفط في العالم موجودة في السعودية وفي المنطقة والولايات المتحدة تدرك ذلك وستفعل كل ما من شأنه أن يضمن بقاء ذلك الاحتياطي تحت سيطرتها، وكان التهديد دائماً آتياً من الشعور القومي العربي ولم يكن التهديد آت من روسيا والآن هناك اعتراف علني من أن التهديد من وجهة نظر أميركا لم يكن من روسيا، بل من الشعور القومي العربي وكان ناصر يساعد على انتشار الشعور القومي، وبشكل يسبب المشاكل وفي تلك اللحظة تدخلت إسرائيل وحطمت عبد الناصر وحطمت سوريا كقوة عسكرية وكانت مصر هي القوة الرئيسية بالطبع، فكان كل ذلك هدية عظيمة للولايات المتحدة، وأتذكر جيداً ما حدث حينذاك، فقد كان ذلك في خضم حرب فيتنام حيث كانت أميركا ضالعة لكن بفشل في محاولتها قهر حركة تحرر قومي في جنوبي شرقي آسيا، والناس في كامبردج سيقولون لك: إنهم كانوا ضد الحرب، ولكن لو رجعت إلى ذلك الوقت، لوجدت أنهم لم يكونوا كذلك، بل كانوا يؤيدون الحرب، وكانوا مستائين لأن أميركا كانت تخسر الحرب، ثم تأتي إسرائيل وتُهدي أميركا مثل هذا الانتصار وترى الأميركان كيف يتعاملون مع شعوب العالم الثالث، مما أعطى أميركا زخماً عظيماً وقوة دفع عظيمة إلى الأمام، ثم بدأ سباق التسلح وهذا تزايد في عام 70، ففي ذلك العام حدث (أيلول الأسود) في الأردن، وكان هناك احتمال أن السوريين سيتحركون ضد الأردن للدفاع عن الفلسطينيين وحمايتهم من ذبح الأردن لهم، وكانت الولايات المتحدة معارضة لتدخل سوريا بشدة وكان ذلك بعدما حدث في كمبوديا ولم تكن أميركا تريد التدخل بنفسها خشية ما يولده ذلك من احتجاجات ضدها، فأوعزت لإسرائيلي بالتدخل ضد سوريا، وأعلنت إسرائيل حالة التأهب، وهيأت قواتها الجوية لم يحدث بالطبع أي قصف، ولكن حشد للقوة بشكل ظاهر، فتراجعت سوريا وتمكن الأردن من ذبح الفلسطينيين بسلام، فأصبحت إسرائيل تحظى بشعبية أكبر، ولو عدنا بالذاكرة إلى العقيدة الأميركية في ذلك الوقت من خلال ما نُشر من تقارير استخبارية وأقوال أعضاء مجلس الشيوخ، وغيرها من الوثائق لوجدناها تقول: إن السياسة الأميركية في المنطقة يجب أن تؤسس على التحالف مع الدول الحرة، يشمل السعودية لأنها تملك النفط وإيران التي كانت حينذاك تحت حكم الشاه، وكانت تمثل قوة عسكرية وإسرائيل التي تمثل قوة عسكرية، فكان إيران وإسرائيل وتركيا في الخلف أذرع القوة العسكرية المحيطة مجتمعة هي القوة التي ستحمي الحاكم العرب من أي صعود للشعور القومي المحلي، والذي من شأنه أن يهدد السيطرة الأميركية على النفط، وكان هذا هو إطار السياسة الأميركية، وفي هذا الإطار لعبت إسرائيل دوراً مهماً جداً.

تحكم أميركا في إسرائيل

حافظ الميرازي: أنت إذن تقول: بأن أميركا هي التي تتحكم في إسرائيل هي التي تكافئها في أغلب الأحيان وتعاقبها في بعض الأحيان، وليس العكس، هناك جدل في العالم العربي بشأن هذه العلاقة، مَنْ يتحكم في مَنْ؟ أميركا، أم إسرائيل تتحكم في أميركا من خلال اللوبي اليهودي أو غير ذلك؟

نعوم تشوميسكي: أعلم بهذا الجدل ولكنه وهم كامل، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنقلب ضد إسرائيل سيطردونهم في لحظة وسيختفي اللوبي اليهودي أيضاً حتى المفكرين سيصبحون ضد إسرائيل وفكرة أن إسرائيل تسيطر على الولايات المتحدة يعكس فهماً خاطئاً وشنيعاً لكيفية عمل أنظمة القوة في العالم يجعل من الصعب البدء حتى بالحديث عنه إن من الممكن فهم كيف توصل الناس لمثل هذه القناعة، وكيف يحاولون إيجاد تفسيرات لهذه المعاملة السيئة التي يلقونها، ويصبح بإمكانهم تخيل تفسير يقوم على أساس أن السبب هم اليهود الأقوياء الذين يتحكمون بكل شيء ويفعلون كل هذه الأشياء بهم وهذا محض خيال، اليهود لا شيء ولو أرادوا التخلص منهم لتخلصوا منهم وهذا شيء يمكن رؤيته على الدوام فخذ مثلاً: العلاقة مع إسرائيل قبل عشر سنوات، والولايات المتحدة تدعم إسرائيل بشكل كامل في احتلالها للأراضي الفلسطينية وتقدم لها وسائل الدفاع العسكرية والغطاء السياسي والدبلوماسي. ولكن يأتي هناك وقت لا تحب فيه الولايات المتحدة الأسلوب الذي تتصرف به إسرائيل، فقبل عشر سنوات، عندما كان جورج بوش رئيساً لأميركا واسحق شامير رئيساً لوزراء إسرائيل وعندما كان الأسلوب الذي تبنى به إسرائيل المستوطنات أسلوباً ينطوي على الكثير من الإهانة للولايات المتحدة، فكان أسلوب وقحاً جداً. ففي اليوم الذي وصل فيه وزير الخارجية "جيمس بيكر" نصبوا معدات البناء لإقامة المستوطنة، ورفعوا لافتات تقوله له عد إلى أميركا الولايات المتحدة لا يروق لها مثل هذا العمل، وأن تظهر بمظهر من يتلقى الإهانة أمام أنظار العالم، فقالت لهم ابنوا المستوطنات بطريقة لا تهيننا، فظهر (بوش) على شاشات التلفزيون، وقال: نحن لا نحب التصرف بهذه الطريقة وقرر حجب ضمانات القروض ثم قطب جبينه بطريقته المعهودة وقال أنا شخص واحد فقط، يقف في وجه قوة عاتية، ولكنني سأفعلها على أية حال، وكل اليهود، وأنا منهم أدركنا ما يقول: وأنه معاداة للسامية على النحو التقليدي المعروف وخطوة واحدة يمكن أن تطلق العنان لحملة عظيمة من العداء ضد السامية فهل رد اللوبي اليهودي على ذلك؟ كلا. وبدلاً من تغير الموقف الأميركي إسرائيل هي التي تغيرت وبدلاً من (شامير) جاؤوا بـ (ديفت ليفي) وأصدقائه، وبطريقة تنم عن ازدواجية في المواقف استمروا في موقفهم وبنائهم للمستوطنات، والذي تغير أنهم لم يعودوا يفعلوا في اليوم الذي يصل فيه (بيكر) بل بعد أسبوعين واستمروا في بناء مستوطنا جديدة وتوسيع أخرى قديمة، وهذا مثلاً على علاقة القوة.

حافظ الميرازي: ما الذي يمكن أن يبدل هذا التحالف الأميركي-الإسرائيلي ويغير العلاقة مستقبلاً؟

نعوم تشوميسكي: لو لم تعد إسرائيل بذات الأهمية والقيمة الاستراتيجية للولايات المتحدة.

حافظ الميرازي: لكن في حرب الخليج ما تصوره العرب أو سوق له قطاع من العرب هو أن إسرائيل أصبحت عالة على أميركا، أن العرب قاموا بالدفاع عن المصالح البترولية الأميركية، وحاربوا مع الولايات المتحدة، وبالتالي قلَّت أهمية إسرائيل الاستراتيجية لدى واشنطن، وبالتالي أيضاً بدأت الولايات المتحدة عملية مدريد للسلام بين العرب والإسرائيليين، إلى أي حد تعتبر هذا التصور صحيحاً؟

نعوم تشوميسكي: هناك بعض الصحة في ذلك، ولكن ليس تماماً كان من الممكن أن تصبح إسرائيل عبئاً على الولايات المتحدة لو أن إسرائيل ردت على الصواريخ العراقية، ذلك كان سيخلق مشكلة كبرى للولايات المتحدة لأن ذلك كان سيكسر التحالف مع العرب، وأساساً قالت أميركا لإسرائيل لا تردوا وحافظ الإسرائيليون على هدوئهم وبقوا كذلك طوال تلك الأسابيع وبقيت الولايات المتحدة تستخدم الأراضي الإسرائيلية كقاعدة مثل قاعدة حيفا العسكرية وما شابهها ولكن الإسرائيليون لم يردوا بأنفسهم ولو فعلوا ذلك لأصبحوا عبء أما ما يخص الاعتماد على العرب فهناك مشكلة مع هذا، حيث إن الشعور القومي لم يبدو أنه قد تم قمعه تماماً، ولو نظرنا إلى الدولة الحارسة أو كما سماها (نيكسون) الشرطة في البلدان التي عليها أن تحمي المصالح الأميركية، وتسيطر على هذا الشعور مثل إيران في زمن الشاه وتركيا دائما، وباكستان في وقت ما وإسرائيل، فهي كلها بلدان غير عربية وهي تمثل أفضل شرطة في نظر الأميركيين لأنهم يحسنون قتل العرب أحسن من العرب أنفسهم، وبإمكان العرب أن يقمعوا الشعور القومي مثلاً مصر يمكنها أن تفعل ذلك ولكن لا يمكن الاعتماد عليها كثيراً وفيما يخص إسرائيل هناك فائدة إضافية، لأن إسرائيل نفسها مهددة ومعرضة ورغم امتلاكها قوة عسكرية متفوقة بشكل هائل إلا أن مستقبلها غير مأمون، ففي عام 73 اقتربت إسرائيل من أن تُدمر وحقيقة أن إسرائيل معرضة للخطر يجعلها حليفاً أفضل من غيرها لأنها تعتمد كلياً على الولايات المتحدة.

اقتراحات لتحقيق تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين

حافظ الميرازي: هل ترى من أي أمل أو إمكانية لتحقيق تسوية سليمة بين الفلسطينيين وإسرائيل أم تعتقد أن من الخطأ أن يتوقف الفلسطينيون عن الانتفاضة وأن عليهم أن يواصلوا المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.

نعوم تشوميسكي: هنا يجب أن أفرق بين مسألتين، فهناك مسألة المبدأ: هل الشعب خاضع للاحتلال الحق في أن يقاوم؟ هذه مسألة المبدأ العالم منقسم على نفسه إزاء هذه المسألة، هناك بلدان يقولان كلا ليس للشعب الخاضع للاحتلال أن يقاوم، وهذان البلدان هما الولايات المتحدة وإسرائيل وبقية العالم يقولون نعم، له الحق في أن يقاوم، وهذه مسألة المبدأ، ثم نأتي إلى مسألة التكتيك ومن وجهة نظري الشخصية والتي أرددها منذ 30 عاماً هي أن التكتيك الصحيح للفلسطينيين هو خيار اللاعنف والعصيان المدني.. وهو أمر يصعب قوله، الناس المؤمنون باللاعنف مثل غاندي وغيره وأنا أيضاً لم أعطي النصائح للناس لأن يفعلوا ذلك إلا إذا كانوا هم أنفسهم راغبين في عمله. فلا فائدة ترجى من الوقوف في مكان عام والصراخ للناس: كونوا لا عنفيين أو انضموا إلى الذين يختارون اللاعنف، لأن هذا هو الذي يجب أن يحدث، وهناك أناس يجب أن يقولوا: كونوا لا عنفيين، ونحن سنكون هناك معكم في الخط الأمامي. وهذا ما حدث هنا في الجنوب، وهذا ما كنت أحاول فعله، وهو تكتيك صحيح وكان ردنا كذلك: وبالنسبة للفسلطينيين فالأمر بسيط، فهناك تناسب القوة الذي يميل لصالح إسرائيل بنسبة هائلة مقابل لا شيء تقريباً، أي مواجهة عسكرية يمكن أن تؤدي إلى كوارث، أضف إلى ذلك أن العصيان المدني له نتائج إيجابية أخرى، فهو سلاح الضعيف، فهذه المجتمعات ليس ألمانيا النازية، لم يكن بالمقدور مواجهة النازيين بالعصيان المدني فهذه مجتمعات أوروبية ديمقراطية حرة إلى حد ما توجد داخلها حدود وجماعات قوة، وانقسامات داخلية غير مريحة أبداً. وأي عصيان مدني سيؤدي إلى تفاقم هذه الانقسامات، وهكذا انتهى نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وكيف قال غاندي للناس الذين كانوا يحطمون (عليك بخيار اللاعنف) فهل هناك حل؟ بالتأكيد هناك حل، ويجب أن يأتي من الولايات المتحدة، والعالم العربي يمكن أن يغير الأمور، ولكنهم لا يفعلون، فالسعودية مثلاً وهي بلد تهتم به الولايات المتحدة كثيراً، لأنه يملك النفط، لو أنها مارست ضغطاً على أميركا لحملها على وقف التزامها بما تفعله إسرائيل، دعنا لا ننسى أن ما تفعله إسرائيل تفعله مع دعم والتزام أميركي به، فأميركا توفر الدعم والسلاح والغطاء الدبلوماسي، لو أرادت أميركا من إسرائيل إيقاف ما تفعله لفعلت إسرائيل ذلك، الولايات المتحدة انتظرت، ولا تزال تنتظر، لو أن هناك ضغطاً سيُمارس عليها من حلفائها العرب لحملها على وقف دعمها للاحتلال الإسرائيلي، ولكنها إلى الآن لم تتلقى مثل هذا الضغط، لأنها على ما افترض أن الزعماء العرب لا يكترثون بالقضية لذلك تستمر الولايات المتحدة في موقفها، وداخل الولايات المتحدة الناس لا يعرفون ذلك ولا يعرفون ما يحدث، والذين يعرفون يُعدون على أصابع اليد وفي الثالث من أكتوبر الماضي بعد يومين من بدء الانتفاضة انتفاضة الأقصى هُزمت إسرائيل لأنها استخدمت المروحيات العسكرية لمهاجمة المدنيين، وفي الثالث من أكتوبر أبرم كلينتون أكبر صفقة في عقد من الزمن لتزويد إسرائيل بالمروحيات العسكرية، والعملية مستمرة في عهد (جورج بوش) الابن، بينما يقولون للفلسطينيين أوقفوا العنف الذي تمارسونه ويتظاهرون بأنهم مستاؤون جداً لو أدخل أحدهم بندقية، تزويد إسرائيل بالمروحيات العسكرية الهجومية التي لا تملك القدرة على صنعها بنفسها والتي تستخدمها لضرب واغتيال المدنيين، ولا يعلم ذلك كثيرون في الولايات المتحدة، ولو علموا لاستاؤوا كثيراً من ذلك، والسبب أنهم لا يعرفون، هو أن الصحافة لم تنقل أبداً هذه الأنباء، إذن هل يمكن للأمور أن تتغير؟ بالتأكيد إذا تغيرت الأمور داخل الولايات المتحدة وفي العالم العربي وإذا ما اتبع الفلسطينيون تكتيكات قوية ولكن صحيحة ستتغير الأمور.

حافظ الميرازي: ولكن هناك من قد يقولون في العالم العربي إن ما يقوله البروفيسور تشوميسكي، لا يختلف عن أولئك الثوريين القدامى لدينا والراديكاليين القدامى واليساريين الذين عفا عليهم الزمن الكفاح المسلح وغيره ويعلمون أن العالم تغير وأن الأنظمة التي رفعت هذه الشعارات الثورية جاءت بالوبال على نفسها، بينما نحن شعوبنا مثلاً في الخليج في و غيرها في تقدم وهناك نهضة، فلماذا إذن تناطح العملاق الكبير الأميركي وتجني الوبال على أنفسنا مرة أخرى؟

نعوم تشوميسكي: هذا صحيح تماماً إذا استطاع العالم العربي تحرير نفسه من الهيمنة الأميركية فإنه سيعاني من آثار ذلك هذا صحيح تماماً، إذا قاومت قوة عظيمة، فإن تلك القوة لن تكون مسرورة بذلك، وشواهد التاريخ كثيرة على ذلك وهي حالة تشبه حالة العبيد الذين يسعون إلى الانعتاق من سطوة مستعبديهم، إذا حاولوا الانفكاك سيعانون من تبعات ذلك، يعتمد ذلك على الخيار الذي سيتم اختياره، هل سيكون البقاء في الاستعباد أم اختيار الانعتاق وهذه خيارات تقف أمامها البشرية طوال تاريخها، والأمر في النهاية متروك للإنسان أن يختار ما يريد، وكم من الناس مستعد للإقدام على وقفة شجاعة نبيلة، وتحمل آثارها ومقاومة القهر والحصول على الحرية.

حافظ الميرازي: بروفيسور تشوميسكي شكراً جزيلاً لك، أشكركم وإلى اللقاء مرة أخرى، مع تحيات حافظ الميرازي.