صورة عامة / ملف سقوط الأندلس ج 2 / أرشيفهم وتاريخنا / 27/08/2011
أرشيفهم وتاريخنا

ملف سقوط الأندلس ج2

يستكمل البرنامج قصة سقوط الأندلس، بانطلاق حروب الاسترداد توالى سقوط المعاقل الإسلامية بالأندلس، واستطاع ألفونسو السادس احتلال طليطلة وإفشال الهجمات التي شنت لاسترجاعها.

– زفرة العربي الأخيرة
– زواج سياسي وخلافة العرش الإسباني

– مطامع السلطة

– سقوط غرناطة وأُفول شمس الأندلس

– ثورة البيازين

undefined
undefined

undefined
undefined

ماد همام:

بانطلاق حروب الاسترداد توالى سقوط المعاقل الإسلامية بالأندلس الواحد تلو الآخر، واستطاع ألفونسو السادس احتلال طليطلة عام 1085 للميلاد وإفشال جميع الهجمات التي شنت عليها فيما بعد لاسترجاعها، في عام 1118 سقطت سرقسطة بعد حصارها سبعة أشهر على يد ألفونسو الأول. في التاسع والعشرين من يونيو/ حزيران عام 1236 للميلاد احتل فرناندو الثالث مدينة قرطبة عاصمة الخلافة الأموية بعدها بسنتين سقطت بلنسية كبرى قواعد شرق الأندلس على يد خايمي الأول بعد حرب استمرت خمس سنوات، في عام 1248 للميلاد دخل فرناندو الثالث مدينة اشبيلية معقل بني عباد ولم يبق من الأندلس سوى مدينة غرناطة حيث دولة بني الأحمر. هنا على هذه الهضبة عام 1493 للميلاد وقف أبو عبد الله محمد آخر ملوك غرناطة وزفر بمرارة وهو يلتفت إلى آخر مرة باتجاه غرناطة التي سلم مفاتيحها قبل أشهر إلى الملكين الكاثوليكيين إيزابيلا وفرناندو.

زفرة العربي الأخيرة

رضوى عاشور

/ أستاذة بقسم اللغة الإنجليزية- كلية الآداب جامعة عين شمس: غرناطة لم تسقط إلا في أواخر القرن 15 فهي عاشت 200 سنة بعد سقوط هذه المماليك، وكان وعي طبعا ما يمكن أن يحدث، الخوف مما يمكن أن يحدث قائم والدليل طبعا، الدليل اللي كل الناس تعرفه قصيدة لسان الدين بن الخطيب:

كما قال الشاعر..

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلس

لم يكن وصلك إلا حلما

في الكرى أو خلسة المختلس

إنه هو واعي تماما إنها لحظة وبتمضي، وده كان قبل السقوط بفترة طويلة نسبيا.

علي الريسوني

/ مؤرخ مدينة شفشاون- باحث في التراث الاندلسي والعلاقات المغربية الأندلسية: غرناطة في الحقيقة هي آخر فصل في مأسس الأندلس، ولكنه فصل مؤسف مؤلم لأنه لما كانت تحدث مجزرة وتسقط قلعة وينزف الدم ويحتل العدو أرضا من أراضي المسلمين وقطراً من أقطارهم في جزيرة الأندلس كان المسلمون يلجئون إلى الأماكن الأخرى فيستحمون فيستنجدون بالمناطق التي بقيت على الوفاء وبقيت صامدة.

لويس برنابيه بونص

/ رئيس قسم الدراسات العربية- جامعة ألكانتي بأسبانيا: كانت لغرناطة حياة عجيبة وخاصة قدرتها على الاستمرار والبقاء كانت بسبب اعتمادها على الاتفاقيات التي كانت تبرمها الممالك النصرانية في شمال الأندلس، ومن هنا نجد أن المعيار الذي اتخذه الغرناطيون معيارا صعباً لأن النصارى كانوا دائما ينظرون إلى غرناطة ويريدونها، والغرناطيون كانوا ينظرون بعين الريبة إلى الممالك المسيحية في الشمال والممالك الإسلامية في شمال أفريقيا.

زبيدة محمد عطا

/ عميد أسبق لكلية الآداب- جامعة حلوان- أستاذة التاريخ تخصص العصور الوسطى: بالنسبة لغرناطة خلال العصر الإسلامي سنجد أنها واحدة من أهم المدن، كانت هناك مجموعات من اليهود تعيش في غرناطة وتتمتع بالسلام الإسلامي، صناعتها زاهرة، ظهر فيها مجموعة من الأدباء ومن الشعراء ومن كبار الكتّاب.

عماد همام:

أثناء فترة حكم بني الأحمر اتحدت الممالك المسيحية الشمالية بشكل قوي فأراغون اتحدت مع كاتالونيا وبعدها جاء اتحاد مملكة قشتالة وليون، كما تم تقسيم مملكة نافارا على كل من قشتالة وأراغون وجزء بسيط كان من نصيب فرنسا، أصبح الوضع كالتالي: مملكتان قويتان في الشمال هما قشتالة وأراغون ومملكة البرتغال على الساحل الغربي من شبه الجزيرة الإبرية.

محمد رزوق

/ أستاذ في التاريخ بجامعة الشق- الدار البيضاء: لا بد من القيام بعمل إما داخلي أو خارجي ينعكس على الوحدة.

الزواج السياسي وخلافة العرش الإسباني

عماد همام:

كانت هذه الوحدة هي زواج فرنادو ملك أراغون بإيزابيلا ملكة قشتالة الذي اعتبر زواجاً سياسيا جمع بين مملكتين مسيحيتين، وجدنا ضمن الأرشيف العام لسيما نكاس وثيقة تمثل اتفاق الزواج بين العاهلين الكاثوليكيين الذي تم في قصر العائلة ببيرو في بلد الوليد يوم الثامن من أكتوبر عام 1469 أي قبل 23 سنة من سقوط غرناطة، وقتها كان أنريكي الرابع لا يزال ملك قشتالة وتم الاحتفال بزواج أخته بالمصاهرة إيزابيلا بدون موافقته.

محمد النشار

/ أستاذ في تاريخ العصور الوسطى- جامعة طنطا: هو زواج سياسي بالفعل بين ملكة قشتالة والوريثة لأخوها هنري وبين حفيد ملك أراغون والذي كان ولياً للعهد آنذاك.

عبد الواحد أكمير

/ أستاذ في التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط- مدير مركز الدراسات الأندلسية وحوار الحضارات بالرباط: كان زواجا مخططا له منذ البداية وكانت إيزابيلا تعيش مشاكل داخلية لأنها هي أخت الملك وبالتالي الوريثة الشرعية هي خوانا ابنة الملك، فوقع صراع كبير جداً وتدخل ملك أراغون لدعم إيزابيلا وبالتالي كانت بداية التخطيط السياسي بينهما فحدث هذا الزواج.

محمد النشار:

وتم الزواج قبل حتى أن يتولى فرناندو المملكة لأنه تزوجها 1469 وتولت هي المملكة بتاعت قشتلة 1474 ثم توفى ملك أراغون وتولى فرناندو في 1479 ولذلك يعتبر 1479 هو عام اتحاد مملكتي قشتالة وآراغون.

محمد بن عبود

/ أستاذ باحث بجامعة عبد الملك السعدي – تطوان: أعتقد أن زواج فرناندو وإيزابيلا كان زواجاً سياسيا علاوة على الجانب الاجتماعي أو الجانب الديني لأن الأمر أدى إلى تفعيل خطة احتلال عدد من الحصن الأندلسية.

محمد رزوق:

هناك وسائل كثيرة استخدمها الأسبان قبل هذا التاريخ بكثير في سبيل الوصول إلى غرناطة، لأن سقوط غرناطة في ذلك الوقت لم يكن أبداً فجائيا كان مخططاً له مسبقاً.

عماد همام:

جاء في وثيقة من الأرشيف العام لسيما نكاس بتاريخ الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني عام 1475 أن الشروط أو اتفاقيات الزواج بين إيزابيلا القشتالية وفرناندو الأراغوني وقعت بعد عام من وفاة أنريكي الرابع ملك قشتالة وتنصيب إيزابيلا ملكة على قشتالة، في الاتفاقيات يتم دمج الرموز الخاصة بقشتالة وأراغون وتفرض ضرائب المملكتين كل على حدا غير أن الوثيقة تسمح لفرناندو الأراغوني بالتدخل في إدارة قشتالة وهذا ما يفسر قيام فرناندو فيما بعد بقيادة جيوش قشتالة ضد مملكة غرناطة.

زبيدة محمد عطا:

وضعت شروطا معينة لهذا الزواج في وثيقة تحدد العلاقة بين الزوجين أولا أن يكونا ملكين، تحكم إيزابيلا كملكة وليس كزوجة ملك، أولاً يقيم هو في قشتالة ولا يخرج أبداً من قشتالة إلا بإذنها، ثانياً العملة والضرائب تبقى باسم كلا الملكين وأهم بقا شرط أن يشارك في الحروب الصليبية على المسلمين وعملية تحجيم العالم الإسلامي.

علي الريسوني:

في الحقيقة أن المملكتين أو الإمارتين اتحدتا لغايةٍ واضحةٍ هي الوصول إلى قلب الإسلام.

عبد الواحد أكمير:

لكن الزواج الكاثوليكي لم يكن يعني الوحدة بين قشتالة وأراغون فقد استمرت كل منهما مملكة مستقلة، هذا حتى بعد وفاة إيزابيلا ووفاة فرناندو نجد أن الوثائق تتحدث عن مملكة قشتالة ومملكة أراغون، نتيجة للزواج الكاثوليكي هذا حققوا انتصارات كبيرة، أولاً على حساب المسلمين حيث قضوا على مملكة بني الأحمر، ثم في نفس السنة تمكنوا من اكتشاف أميركا وبعد ذلك بسنوات قليلة سيبدأ تكوين الإمبراطورية الإسبانية.

محمد بن عبود

: استيلاء الجيوش المسيحية بشكلٍ منظم على الحصون التي كانت تابعة لمملكة غرناطة، كما نقول من خيريز إلى غرناطة، فمثلا كلما تم الاستيلاء على حصن ازداد الخطر على الوحدة الترابية للمملكة غرناطة.

عماد همام:

في وثيقةٍ موقعة يوم السابع والعشرين من يناير كانون الثاني عام 1432 والمحفوظة في الأرشيف العام في سيما نكاس جاء فيها أنه بعد هزيمة القوات الأندلسية في موقعة الطرفة القريبة من غرناطة في الأول من يوليو/ تموز عام 1431 وقع ملك غرناطة محمد بن علي معاهدة صلحٍ مخزية قبل بموجبها ولاية خوان الثاني عليه، تبين أن ملك غرناطة وافق على دفع جزيةٍ سنوية قدرها عشرون ألف دوبلة وألف وخمسمئة فارس وارتضى المثول أمام البلاط القشتالي باعتباره تابعاً لصاحبه، وفي السنوات التالية نشبت الحرب الأهلية في قشتالة فأوقفت الحرب مؤقتاً على غرناطة.

لويس برنابيه بونص:

صحيح أن المعاهدات التي قامت بها مملكة غرناطة كانت تضعف من قوة المملكة ولكنها من جهةٍ أخرى كانت تساعد على استمرارية حياتها وبقائها.

زبيدة محمد عطا:

أبو عبد الله محمد اللي هو آخر حكام غرناطة، هذا رجل الغريب أن المسلمين لم يتعظوا بما يحدث حولهم فكان في مشاكل كبيرة جداً في غرناطة في عهد أبوه أبو الحسن ثم في عهد أبو عبد الله محمد ركن إلى الراحة وقامت ضده ثورات عديدة، ثورات من أخوة له, وثورات من أبناء أخ له, كل الثورات ده هي أدت إلى انه يعقد عددا من الاتفاقيات مع قشتالة, ويتعهد بدفع مبالغ مالية.

مطامع السلطة

عماد همام: قبل أشهر قليلة من سقوط ملقة, وبتاريخ التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان عام 1487, بعث أبو عبد الله محمد, برسالة إلى الملكة إيزابيلا, يقوم أبو عبد الله بن أبي الحسن ملك غرناطة بوصف معارك غرناطة ضد قوات عمه, وصفا يظهره منتصرا ويبرز موت أعداءه, ثم يقول إن القائد ابن السراج, ذهب إلى بلدة ملقة, لمقابلة الملك فرناندو, يطلب من الملكة التحدث إلى زوجها حتى يتلقى المدد الذي وعد به, فقد أخفق الزغل عم أبي عبد لله في مهمته ألا وهي مهاجمة القوات القشتالية الذاهبة إلى ملقة, فاتجه الى ألميريا. استولى أتباع أبي عبد لله على قصبة غرناطة, وكان الغرض من الزيارة التي أعلنها أبو عبد لله زيارة القائد أب القاسم المولى بن السراج الى الملك فرناندو في ملقة, لا طلبا للمدد فقط بل للتفاوض على اتفاقية جديدة مع العاهلين الكاثوليكيين على تسليم غرناطة.

لويس برنابيه بونص:

ميزة مملكة غرناطة في ذلك الوقت, هي كثرة ملوك غرناطة خلال فترة ملك قصيرة, ولأنهم كانوا يتعرضون للاغتيالات والقتل, فلقد كان ملك ملوك الممالك النصرانية طرفا في هذه اللعبة وهذه الاغتيالات.

محمد بن عبود

: الخلافات التي كانت سائدة في البلد, كان لها دور كبير أحيانا في مصير التاريخ الأندلسي.

محمد النشار:

هناك حروب متبادلة بين فرناندو وبين مملكة غرناطة, حروب متبادلة مستمرة, وحقيقة الأمير أبو عبد الله محمد, شن حملات وحقق انتصارات عليهم.

عماد همام:

جاء في وثيقة بتاريخ الخامس من يونيو حزيران من عام 1483, أن العاهل الكاثوليكي فرناندو, كان قد استولى على قصر الحمراء في مارس آذار من عام 1482, وكان على أبي الحسن ملك غرناطة أن يحصل ضرائبها فيما بعد, لكن ابنه أبا عبد الله محمد, تمرد عليه, وأعلن أنه ملك غرناطة الجديد في يوليو تموز عام 1482, ثم هاجم الثغور الأمامية لغرناطة في أبريل نيسان من عام 1483, فهزم وأخذه النصارى أسيرا, فيما بعد قام الملك فرناندو بإطلاق سراح أبي عبد لله, وحرضه على القتال ضد أبي الحسن, وفي هذه الوثيقة يمنح الملك فرناندو حمايته لمدن غرناطة وحصونها التي تقاتل في صف أبي عبد الله ضد أبي الحسن.

زبيدة محمد عطا

: المشاكل استمرت لنجد أن الأمير أبو عبد الله يلجأ لمن, يلجأ إلى قشتالة لإعادته إلى المدينة وعزل أبوه, وإحلاله محل أبوه. حاكم قشتالة لقي إنه أبو محمد هذا ورقة في يده كيف, لو أرجع أبو محمد ستحدث حربا أهلية بين الزغل وبين أبو محمد, ونتيجة لهذه الحرب ستنهار أوضاع غرناطة.

عماد همام:

تحمل هذه الوثيقة تاريخ الخامس والعشرين من يونيو/حزيران عام 1488, وتمهد ما فيها من وعود لتلك التي قدمها العاهلان الكاثوليكيان لأبي عبد الله المتحالف معهما ضد عمه الزغل, مقابل تسليم غرناطة, فقد جاء فيها أن الملكين الكاثوليكيين, أرسلا إلى أبي عبد الله محمد في غرناطة وفدا محملا برسالة يطلبان فيها تسليم المدينة مقر الملك والحكم, وأن يبقى مقيما في غرناطة في طاعتهما وتحت حمايتهما أو أن يمنحاه أي مدينة أخرى من مدن الأندلس يختار الإقامة فيها, وأن يمداه بمال وفير, لم يستحب أبو عبد الله لمطلب الملكين, وقام بجمع كبار رجال دولته, فأيدوا موقفه وأعلنوا عزمهم الدفاع عن مدينتهم, واشتعلت الحرب بين المسلمين والأسبان خلال عام 1490 في معارك عدة, واسترد المسلمون حصونا عدة, ثم توقفت الحرب لمجيء الشتاء.

رضوى عاشور

: في العشر سنوات السابقة لتسليم غرناطة, كانت غرناطة محاصرة, يعني حوصرت لمدة 10 سنوات.

لويس برنابيه بونص:

نتج سقوط غرناطة عن حصار مطبق قام به النصارى ضدها, فلم يبق لها إلا الخضوع والاستسلام لملوك النصارى.

عماد همام:

لم تستسلم غرناطة بالرغم من الحصار الشديد, حيث اشتد بالناس الجوع والبلاء, وقلت المؤن ودب اليأس في قلوب الناس جميعا, وعند ذلك لم يجد أبو عبد الله مفرا من بحث الأمر, فدعا مجلسا من كبار الجند والفقهاء والأعيان, وتباحثوا ما هم فيه من ضيق وحرج, وأنه لم يعد للناس من طاقة للدفاع, واتفق الجميع على التسليم وضاعت في هذا الجو المتخاذل, أصوات الداعين إلى الصمود والثبات ومقاومة المعتدين حتى الموت.

زبيدة محمد عطا

: اجتمع المجلس الخاص بالملك, الفقهاء والعلماء والقادة بتوعه, وقرروا الاستسلام, الوحيد الذي رفض قرار الاستسلام كان موسى أبو الغمس, لأنه قال حاجة, والحقيقة هذه النبوءة تحققت فيما بعد, قال لهم معنى استسلامكم, لا تعتقدوا إنهم سيعاملونكم معاملة طيبة, لكن تأكدوا إن أنتم حتستعبدوا وتسترقوا, وتعتدى على زوجاتكم وبناتكم, وستطردوا.

محمد النشار:

قوة الممالك المسيحية واتحادها, بعد ما كان في تفريق بينها, أيضا في الجانب المقابل انقسام المسلمين على بعضهم, قلة الامتدادات اللي جاي لمملكة غرناطة لكي تصد هجمات القوى المسيحية, الصراعات الموجودة كل ده مجمله يمكن أن نقول أدى إلى إضعاف مملكة غرناطة وبالتالي سقوطها في نهاية الأمر.

رضوى عاشور

: كانت هناك حرب, وكانت هناك مقاومة, انتهت بهزيمة العرب المسلمين, ووقعت المعاهدة في نوفمبر 1491.

عماد همام:

جاء في وثيقة من الأرشيف الإسباني, أن أبا عبد الله محمد, أرسل قائده أبا القاسم المولى السراج إلى معسكر الملكين للمفاوضة في شروط التسليم, واستمرت المفاوضات بضعة أسابيع, وانتهى الفريقان إلى وضع معاهدة للتسليم وافق عليها الملكان, ووقعت في الخامس والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني من عام 1491 للميلاد. تضمنت المعاهدة شروطا عديدة بلغت ستة وخمسين مادة خلاصتها: أن يتعهد ملك غرناطة بتسليم المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين خلال ستين يوما من بدأ توقيع المعاهدة, وأن يطلق سراح الأسرى من الطرفين بدون فدية, وأن يأمن المسلمون في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم, وأن يحتفظوا بشعائرهم وقضاتهم, وأن يتمتعوا بحرية إقامة شعائرهم من صلاة وصوم وأن تبقى المساجد حرما مصونة.

علي الريسوني

: الاتفاقية المذكورة هي اتفاقية دولة مع دولة, لكن اغتصبت هذه الاتفاقية, ولم يلتزم بها الطرف النصراني, أبو عبد الله خانه من خانه من داخل حاشيته, من وسط بطانته, هذا أمر واضح.

زبيدة محمد عطا

: هذه الاتفاقية نصت على أنه هو يبقى تابع لها, تابع لقشتالة, في نفس الوقت يحضر مجلس الكورتيز, ويساهم بـ1500 مقاتل في حروب القشتاليين.

لويس برنابيه بونص:

هذه المعاهدة تعترف بالثقافة العربية, وبتطبيق شريعة الإسلام, وبأن يحتكم المسلمون إلى قوانينهم الثقافية الخاصة والدينية, إلا أن عليهم الخضوع للحكم السياسي النصراني.

عماد همام:

جاء في مخطوط الجندي المجهول ما يلي: فلما تمت هذه العقود والمواثيق, قرأت على أهل غرناطة, فلما سمعوا ما فيها اطمئنوا, وكتبوا بيعتهم وأرسلوها إلى صاحب قشتالة, وسمحوا له بالدخول إلى مدينة الحمراء وإلى غرناطة, فعند ذلك أمر أمير غرناطة بإخلاء مدينة الحمراء.

عبد الواحد أكمير:

الاتفاقية مثلا تقول المسلمون سيستقرون في حي البيازين, وإذا تطاول أحد من النصارى وذهب إلى الحي المجاور, إلى قصر الحمراء, وأطل عليهم يعاقب عقابا شديدا, لأنه فيه كشف لعوراتهم ومس لحرماتهم, إذا قام شخص مسؤول في مدينة ما بارتكاب أي حيف ضد المسلمين, يعزل ويعاقب, إذا اعتنقت مسلمة المسيحية فتعود إلى دينها أو يحضر قاضي من المسلمين ومن النصارى ليشهدوا أنها اعتنقت تلك الديانة طواعية. أما أكثر من ذلك تقول الاتفاقية, كل من خرج من الأندلس أثناء أيام الحرب وجاء إلى المغرب أو إلى أي مكان آخر, وأراد أن يعود إلى بلده فله كامل الحرية, أما النصارى يمنع عليهم منعا باتا الدخول إلى مساجد المسلمين بدون موافقتهم, فهي من ناحية النص, نراه نص يحترم معتقدات المسلمين وأملاكهم, الآن مما يتعلق بالتطبيق هذا هو شيء آخر وهنا سيقع المشكل.

رضوى عاشور

: المعاهدة طويلة صفحات كثيرة, يمكن تشمل أربعين بند, وهي تشبه معاهدات أخرى وقعت عند سقوط هذه المملكة أو تلك وإن كانت تزيد عليها.

محمد بن عبود

: تسليم غرناطة من طرف أبي عبد الله, يعني جاء نتيجة لأخطائه فيما يخص السياسة الداخلية, فلم يتوفر على نظرة مستقبلية, ولا على سياسة في المدى البعيد, ولا على أيديولوجية قوية ،خلافا لذلك كانت سياسة فرناندو وإيزابيلا مبنية على عقيدة وعلى تصور أيديولوجي وعلى خطة عسكرية محكمة, تم من خلالها الاستيلاء على جميع الحصن في جنوب الأندلس, وأدت هذه الخطة إلى تقليص الرقعة الجغرافية لمملكة بني نصر في غرناطة, وهناك مجموعة من الأخطاء في السياسة الداخلية التي أدت إلى القضاء على حكم بني ناصر في الأندلس بشكل نهائي.

عماد همام:

وجدنا وثيقةً في مكتبة سيما نكاس ببلد الوليد، تحمل هذه الوثيقة تاريخ الخامس والعشرين من أغسطس/ آب عام 1491 أي شهران فقط قبل عقد معاهدة تسليم غرناطة، وتقدم هذه الوثيقة نموذجاً للمكارم والهدايا التي قدماها العاهلان الكاثوليكيان إلى النبلاء الذين شاركوا بالسلاح أو المال في حرب غرناطة، الوثيقة هي بمثابة عقد تملك ممنوح إلى دوق قادش، ولهذه الوثيقة أهمية خاصة حيث تؤكد أن أهل قصرش وهي منطقة قريبة من طريفة في قادش، لم يكن بوسعهم مغادرة أراضيهم فاستبقوا هذه الوثيقة نهاية الحريات الممنوحة إلى الأندلسيين في هذه السنوات الأخيرة من حرب غرناطة.

علي الريسوني:

متى وقع المسلمون هذه الاتفاقية 25 من أبريل 1491، متى وفا أبو عبد الله بما في هذه الاتفاقية يوم 2 يناير 1493 أي بعد حوالي أسبوع من توقيع الاتفاقية يسلم الملك المفاتيح لغرناطة.

زبيدة محمد عطا:

المدينة استسلمت فابتدأت بقا عملية الصلح، هو اعتمد على اثنين في إجراء عملية الصلح، واحد اسمه ابن قماشة والثاني أبو الوزير أبو القاسم، هم دول اللي هم كانوا عملية الواسطة في عملية الصلح أو التفاوض وعلى فكرة دول بعد كده ثبت إنهم يعني ناس غير جديرين بشيء لأنهم الاثنين بعد كده بمجرد سقوط المدينة كانوا دخلوا في المسيحية وأحدهم تحول إلى راهب.

رضوى عاشور

: كان في اتفاقية أخرى ملحق للاتفاقية من عدة صفحات ومن عدة بنود، يخص الملك أبو عبد الله محمد الصغير، هي اتفاقية سرية ولم يعلن عنها، فكان في الاتفاقية التي أعلنت ونادى بها المنادون في المنطقة لكي يعلم الناس بأمرها وكان هناك الاتفاقية السرية التي عرف بأمرها ما بعد ذلك.

عماد همام:

وجدنا وثيقة ضمن الأرشيف العام لسيما نكاس بتاريخ الخامس عشر من أبريل/نيسان من عام 1493 وهي اتفاقية بين العاهلين الكاثوليكيين وأبي القاسم المولى على المسودة التي أعدها يوسف بن كوميخا وهما مستشارا الملك أبي عبد الله، والذي تقرر على أثرها تصفية ممتلكات أبي عبد الله قبل رحيله، في هذه الوثيقة وقع أبو عبد الله على بيع متاعه وممتلكاته إلى العاهلين الكاثوليكيين وفقاً للخيار الذي منح إليه في معاهدة تسليم غرناطة، بعد البيع في سبتمبر/ أيلول تسلم أبو عبد الله تسعة ملايين وعملة مرابطية وفي أكتوبر/تشرين الأول أبحر إلى فاس على متن سفينتين من مدينة جنوا الإيطالية.

زبيدة محمد عطا:

فالنتيجة أنهم عقدوا اتفاقية في 1493 على أن يترك أبو عبد الله جميع أملاكه ويقوم ببيعها، وفي الاتفاقية الأولى اللي هي بتاعت التسليم كان حياخد ثلاثين ألف قطعة ذهبية فقالوا إنه يبيع أملاكه وأملاك أسرته لفرناندو وإيزابيلا وحددوا مبلغ واحد وعشرين ألف قطعة ذهبية وإنه هو ياخذ هذه الأموال ويذهب إلى المخبأ، وهو خارج بعد ما باع أملاكه وهو متجه بقا إلى المغرب في عبارة جميلة جداً قالتها له أمه عائشة فكان يبكي، قالت له ابكِ كالنساء عرشاً لم تحافظ عليه كالرجال.

لويس برنابيه بونص:

بعد سقوطها أصبحت غرناطة في حالة جديدة وأصبح وضع المسلمين في كل إسبانيا مختلفاً، سقوط غرناطة أدى إلى إلغاء كل المعاهدات التي وقعت مع ملوك النصارى قبل ذلك.

سقوط غرناطة وأُفول شمس الأندلس

عماد همام:

عند سقوط غرناطة عام 1492 للميلاد بدأ سؤال يؤرق بال الأندلسيين والمسلمين خارج الأندلس، لماذا سقطت غرناطة وهي الحصن المنيع الذي قاوم زحف ملوك الشمال لعقود عديدة.

لويس برنابيه بونص:

كان لدى فرناندو وإيزابيلا اهتمام كبير بسياسة شمال إفريقيا وكانت لهما علاقة بالبابا خاصة من ناحية الاستفادة من الأراضي المستردة حديثاً، كان يريدان الاهتمام أيضا بسياسة شمال أفريقيا من أجل المحافظة على ملكهما وهذا أمرٌ طبيعي بالنسبة للملوك النصارى.

محمد رزوق:

سقطت للسبب الرئيسي الذي قلناه سابقاً وهو تصميم إيزابيلا وفرناندو على سقوط غرناطة، إيزابيلا وفرناندو تصميمهما لم يكن فقط سقوط غرناطة، وهذا شيء أساسي، كان مخططهما لتتبع المسلمين حتى في شمال أفريقيا.

عماد همام:

لم يكن للتوسع إلى ما بعد الأندلس أن يتوقف، ويحتفظ الأرشيف العام في سيما نكاس بهذه الوثيقة التي تحمل تاريخ العشرين من يونيو/حزيران للعام 1511 للميلاد تؤكد على أن الأنظار استمرت متطلعة إلى الاستيلاء على أراضي الشاطئ الآخر للأندلس، وهي اتفاقية بين العاهلين الكاثوليكيين والملك تلمسان الذي يعترف فيها بحق مملكة قشتاله في وهران والمرسى الكبير في الجزائر كما تبرز فقرات من الوثيقة طموح فرناندو وإيزابيلا في الاستيلاء على الشواطئ الشمالية للمغرب.

محمد النشار:

هي خاصة بإفريقيا وخاصة بأنه يصرح لملوك الكاثوليك إنهم يستولوا على أراضي أفريقيا خاصة أن هناك نزاع كان في مملكة البرتغال ومملكة إسبانيا حوالين الاستيلاء على أفريقيا، على سواحل إفريقيا.

زبيدة محمد عطا:

الصراعات الداخلية بدءاً من ملوك الطوائف بعد ذلك انهيار قوة المرابطين والموحدين اللي كانوا وحدوها في هذه الفترة، ثم عودة الصراعات من جديد وسقوط أغلب الممالك الإسلامية نتيجة للاستعانة بالأجنبي، الصراعات الداخلية.

محمد رزوق:

سقوط غرناطة معناه أولاً القضاء على القوة الدفاعية للمسلمين من داخل الأندلس، ومعناه أيضاً القضاء، وسيكون هذا فيما بعد، على أي محاولة لما كنا نسميه نحن الجهاد البحري ويسميه الأوروبيون القرصنة، لا ننسى أن الشواطئ الاسبانية كانت عرضة لأعمال الجهاد البحري من طرف المسلمين، إن غرناطة بالمناسبة بقيت، وهذا شيء هام جداً يجب دائما أن نضعه في اعتبارنا عندما ضعف المغرب سقطت غرناطة.

ثورة البيازين

عماد همام:

عندما سقطت غرناطة انتفض السكان، اشتعل الناس غضباً تظاهروا في حي البيازين المحاذي لقصر الحمراء الذي أصبح تحت سيطرة الملكين الكاثوليكيين إيزابيلا وفرناندو.

رضوى عاشور:

طبعاً بعد هذه الأحداث حصلت انتفاضة، عرفت بانتفاضة البيازين، البيازين هو الحي المقابل لغرناطة يعني غرناطة على تلة والبيازين على تلة مقابلة وما بينهما نهر وحدائق، والانتفاضة زي ممكن تتخيلها أقرب لمشاهد الانتفاضة الأولى في فلسطين مثلاً يعني الشباب بقوا يرموا الروم القشتالين بالحجارة وسدوا الأبواب ومنعوا الحركة واختاروا مجموعة من أربعين تمثلهم إلى آخره.

عماد همام:

بعد دخول الملكين الكاثوليكيين غرناطة بدأ التضييق على السكان وخرقت بنود معاهدة التسليم فتحولت المساجد إلى كنائس واضطر أغلب الغرناطيين إلى بيع ممتلكاتهم والرحيل باتجاه المغرب وتونس.

علي الريسوني:

في 1502 خرق الاتفاقية عندما أصدرت الملكة أمراً مكتوباً يقضي هذا الأمر بأن المسلمين ما عليهم إلا أحد الاختيارات الثلاث، إما أن يتنصر المسلم، ويصير نصرانياً، وفي هذه الحالة يكون هذا المواطن مواطنا من الدرجة الثانية وإما أن يغادر الأرض ويخرج من البلاد، الاختيار الثالث إذا لم يفعل الفعل الأول لم يتنصر، لم يرتد عن دينه لم يخرج، فإنه يعرض للمساءلة، يعرض للمحاسبة، يعرض للمتابعة، يعرض إلى المحاكمة وبالتالي يعرض للعذاب وللعقاب ولأقصى أنواع الاضطهاد.

عماد همام:

نجد ضمن الأرشيف العام الاسباني وثيقة بتاريخ الثالث من ديسمبر/ كانون الأول من عام 1571 قي هذه الوثيقة نرى بالنسبة للإسبانيين الذي أرغموا على ترك غرناطة كيف تم توزيعهم في مجموعات صغيرة على مختلف القرى القشتالية بهدف قطع أوصال القرابة والصداقة بينهم.

محمد رزوق:

منذ الأول، بدأت بعض التضييقات على الحرية الدينية، التنقل بدؤوا يضيقون على الأندلسيين ألا يتنقلون إلى أماكن أخرى يوجد فيها أندلسيون حتى لا يتضامنوا مع إخوانهم داخل غرناطة، أيضاً وهذا الشيء الخطير، محاربة الثقافة الإسلامية أي ضرب أي رابط يربط بين المسلمين في غرناطة وحضارة عربية إسلامية.

محمد النشار:

لا جدال بأن مملكة غرناطة من الناحية الحضارية تركت لنا مخلفات نستطيع أن نحكم أن حضارتها كانت مزدهرة ازدهاراً كبيراً جداً وعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى قصر الحمرا وعظمة قصر الحمرا والنقوش وجنة العريف، ومن تتح له الفرصة بزيارة قصر الحمراء سيجد متمثلا في هذا القصر وهذه القصور بمعنى أدق مدى ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في عهد دولة غرناطة أو المملكة الغرناطية.

علي الريسوني:

النظام الذي تسير عليه إلى الآن الساقية التي تجري بالماء في قصر الحمراء لحد الآن لم يكتشف المهندسون الاسبانيون أسرارها العميقة، هذه الساقية التي بناها المهندسون المسلمون بدقة وبمعايير عالية إلى الآن عجزوا عن الإحاطة الشمولية بتفاصيلها.

محمد رزوق:

إن سقوط غرناطة يتجسد فيه فشل العالم الإسلامي آنذاك في قيام جبهة وحدوية متراصة، ودليل على طغيان المصالح الضيقة لكل دولة.

عبد الواحد أكمير:

أظن أن سقوط غرناطة يمثل نوعا من نهاية التاريخ لدى العرب ولدى المسلمين، نحن في بلاد الإسلام نظن أننا لا يمكن أن نخلق حضارة في مستوى الحضارة التي عرفتها الأندلس وهذا يحول الحضارة الإسلامية إلى حضارة شبه ميتة.

عماد همام:

في اليوم الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني لعام 1492 سقطت غرناطة آخر معقلٍ للمسلمين وانتهت بذلك الخلافة الإسلامية في شبه الجزيرة الإبرية، وبسقوط غرناطة استكملت الملكة إيزابيلا ما بدأه بيلايو قبل سبعة قرون فسددت طعنةً أخيرةً وقاضية للأندلس راسمةً باستسلام غرناطة معالم كارثة لم يعرف العالم العربي مثيلاً لها، ولكن زوال السلطة الإسلامية عن شبه جزيرة أَيْبِيرِيَا لم يتضمن زوال الأندلسيين وإن تمكنت قشتالة تقويض الجسد الأندلسي فإنها لم تستطع السيطرة على الروح.