تحالف الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية - ملف الصهيونية اليهودية
أرشيفهم وتاريخنا

الأرض كيف ضاعت? ج1

تستعرض الحلقة العقد الصامت بين الجماعات الصهيونية والحضارة الغربية، وكيف تعمل المنظمات الصهيونية بنقل يهود العالم لفلسطين للتخلص منهم.

– العقد الصامت.. مصالح مشتركة

– صندوق استكشاف فلسطين

– الأدبيات المسيحية الصهيونية والتعبئة الدينية

عبد الوهاب المسيري
عبد الوهاب المسيري
 سلمان أبوستة
 سلمان أبوستة
روجر أوين
روجر أوين
زيفي شيلوني
زيفي شيلوني
مصطفى بدك
مصطفى بدك

"اطلع أيها الإله ودع قدرتك تتجلى


وأرسل أشعتها مضيئة ودافئة إلى أبناء يعقوب..


وأعد فلولهم التائهة إلى أرضهم الموعودة هناك..


واهدهم إلى الطريق لكي يذهبوا إلى فلسطين فهي وطنهم"

جورج جوردون بيرون/ شاعر بريطاني


المعلق: عادت الفلول إلى الأرض المزعومة، هل هناك من يسأل بأي صورة عادت وعلى أي حقوق وبيوت داست؟ أو فوق كم من الدماء والأوراق والأرزاق كان العبور؟ إنها المأساة تتكلم.


مشارك1: هذا البيت اللي خلقت فيه أنا هون.


مشاركة: لما انتقلنا بـ 1948 صار كان كثير خطر كان كلهم هناك هاغانا ومسلحين.


مشارك2: عندي بالدار لقيت مستندات يعني أن هذه الأرض لنا.


مشارك1: جده لأبوي عمر هذا البيت هو وأخوته، وهذا من هون كان في بيت عمره أبوي وأخوته، عمروه بسنين الثلاثينات.


مشارك3: هذا حال معظم الذين هجروا.


مشارك4: بيت دار عمي هون.


مشارك5: كانت أصلا كلها كمان لأملاك عرب.


مشارك6: في العبراني مجد الكروم قضاء عكا.


مشارك7: كان عندي بالمنشية 45 دونم.


مشارك8: هذه الأرض تعتبر أرضا مغتصبة.


مشارك9: هذا مفتاحها.


ملف "أرض.. كيف ضاعت؟"


المعلق: انشغلت الحضارة الأوروبية برمتها والأمة البريطانية في القلب منها منذ العام 1837 بالبحث عن حل لمسألتين شائكتين أقلقتا مضاجع عروشها، الأولى خارجية وهي المسألة الشرقية المتمثلة بالإمبراطورية العثمانية والثانية داخلية وهي المسألة اليهودية، وهذا ما يؤرخ لظهور الفكر الصهيوني غير اليهودي.

الجزء الأول

العقد الصامت.. مصالح مشتركة

عبد الوهاب المسيري/ مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية- القاهرة: هناك نمط أو كما سميته كان العقد الصامت بين الجماعات الصهيونية والحضارة الغربية أن المنظمات الصهيونية تقوم بنقل يهود العالم لفلسطين للتخلص منهم، أوروبا كانت تريد التخلص من اليهود، طبعا هو الديباجات الصهيونية تنكر هذا وتتحدث عن إنقاذ اليهود وما شابه لكن هذا طبعا كله من الطروحات.


المعلق: ترتبط نقطة التحول في الفكر الصهيوني في العالم الغربي غير اليهودي بصعود محمد علي باشا في مصر وقيادة ابنه إبراهيم باشا حملة نجحت في احتلال بلاد الشام ومن ثم فقد أدى الدعم العسكري البريطاني للدولة العثمانية إلى إفشال حملة إبراهيم باشا وتكتل التحالف الغربي بهدف إجهاض المجهود المصري الخاص بإقامة الدولة العربية الكبيرة الحديثة وانتهى الأمر بإجبار محمد علي باشا على التوقيع في مؤتمر لندن عام 1840 على ما سمي بمعاهدة لندن لتهدئة المشرق وهي المعاهدة التي عزلت مصر عن بلاد الشام.


سلمان أبو ستة/ رئيس هيئة أرض فلسطين بلندن: عندما سئل إبراهيم باشا إلى أين سيتجه شمالا، هل حيصل إلى حلب أو حيصل إلى اسطنبول؟ خصوصا بعد أن تقدم في حملته العسكرية بنجاح كبير، قال سنتقدم إلى حيث يتكلم الناس اللغة العربية. إذاً كانت لديه فكرة أن تتكون دولة عربية اللي فيها الشام وعلاقتها الوثيقة بمصر وربما في وقت آخر تشمل الحجاز أو جزء من الحجاز.


المعلق: كانت العيون ترقب الأحداث عن كثب، في شهر آذار من عام 1840 وجه البارون اليهودي البريطاني روتشيلد رسالة إلى اللورد بالميريستون وزير الخارجية البريطاني حذره فيها من عودة ذلك المجد العربي مرة أخرى ولفت نظره إلى أن فلسطين هي الجسر الواصل بين مصر والعرب، ودعا إلى زرع قوة مختلفة على هذا الجسر وبالطبع كان يرى أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين هي التي يمكنها القيام بهذا الدور الذي لن يكون فقط خدمة لليهود يعودون بها إلى أرض الميعاد مصداقا للعهد القديم ولكنها أيضا خدمة للإمبراطورية البريطانية ومخططاتها.


هناك مجموعة من اليهود العاملين بجهد في فلسطين والذين قد يفعلون شيئا ما لتطوير المنطقة ولدعم المصالح الإنجليزية

روجر أوين/ باحث متخصص في تاريخ الشرق الأوسط- لندن: يبدو أنه أقنع نفسه بأنه قد يكون من المفيد أن تكون هناك مجموعة من اليهود العاملين بجهد في فلسطين والذين قد يفعلون شيئا ما لتطوير المنطقة ولدعم المصالح الإنجليزية.


المعلق: يبدو أن اللورد بالميريستون لم يكن بحاجة إلى تحذيرات أو نصائح روتشيلد ففي إطار التحالف البريطاني العثماني للقضاء على حملة إبراهيم باشا على الشام كان بالميريستون قد بعث إلى سفيره في اسطنبول بمذكرة حول الفوائد التي سوف يحصل عليها السلطان العثماني إذا ما شجع هجرة اليهود إلى فلسطين للوقوف في وجه مخططات شريرة يعدها محمد علي أو من يخلفه.


سلمان أبو ستة: ولذلك تعاونت أوروبا مع عدوها السلطان العثماني على قتل هذه الفكرة، فنتيجتها أن الأسطول المصري هزم في نفارون وأجبروا محمد علي على أن يتوقف عند الحدود السورية مقابل أن يكون له ولذريته حكم مصر.


المعلق: على صعيد متصل نشرت التايمز في عددها الصادر في التاسع من آذار عام 1840 نبأ تقدم بعض الجمعيات المعنية ببعث إسرائيل بمذكرة إلى حكام أوروبا البروتستانتيين حول موضوع إعادة توطين اليهود في فلسطين، كان الكولونيل تشارلز هنري تشرشل من ضباط الحملة البريطانية التي حاربت القوات المصرية في سوريا عام 1840 وكتب في مقدمة كتابه "جبل لبنان" الذي صدر بالإنجليزية عام 1853 "إذا كنا نريد الإسراع في تقدم المدنية وأردنا توطيد السيادة البريطانية في الشرق فمن الواجب أن تقع سوريا ومصر تحت سيطرتنا ونفوذنا بهذا الشكل أو ذاك".


روجر أوين: كانت لدينا رؤية لفلسطين مفادها أن تجمعا يهوديا عاش فيها في الماضي ووجود تجمع يهودي هناك هو لمصلحة البريطانيين.


المعلق: وجه آخر، إنه المستشرق البريطاني السير أوستن هنري لايارد عالم الآثار وعضو مجلس العموم في خمسينات القرن التاسع عشر، كانت أخباره ونشاطاتها محل اهتمام وتقدير دائمين حيث تناولت التايمز بعض اكتشافاته وكيف أن أعماله تثبت تطابق الحكاية التوراتية مع الآثار المكتشفة في الأرض المقدسة وأوضحت الصحيفة أن لايارد يرجو أن يتم علم نظام لتصنيف هذه الاكتشافات في المتحف البريطاني، ولايارد هو من قال في إحدى خطبه حول المسألة التركية "علينا ألا ننسى أنه إذا كانت مصر طريقا من الطرق إلى الهند فسوريا ووادي دجلة والفرات هي الطريق، والدولة التي تسيطر على هذين القطرين تتحكم في الهند".


سلمان أبو ستة: اليهود قفزوا على هذه العربة وقالوا للأوروبيين نحن منكم ونحن أوروبيون وأيضا هناك سبب ديني يعطيكم العذر الشرعي لكي تقفوا معنا وسنكون يعني أداة لكم.


المعلق: هذا التوجه يثبته الكولونيل جورد جولار حاكم جنوب أستراليا، ففي خطاب ألقاه في 25 يناير/ كانون الثاني عام 1853 قال "لقد وضع القدر سوريا ومصر بين إنجلترا وأعظم مناطق إمبراطوريتها الكولونيالية ومراكز تجارتها في الهند والصين والأرخبيل الهندي وأستراليا وأن استيلاء أي دولة على مصر وسوريا يهدد تجارة بريطانيا ولذلك يدعو القدر إنجلترا إلى تحسن سوريا وتطورها وذلك بنشاط أبناء إسرائيل ومساعيهم".


عبد الوهاب المسيري: نعم هو أنا بأعتقد أن ظهور محمد علي المفاجئ نقطة مفصلية في تاريخ فلسطين، أنه محمد علي كان عثماني الهوى وكان يود إصلاح الدولة العثمانية فالعالم الغربي خاف من ذلك لأنه معنى ذلك سيستحيل تقسيم الدولة العثمانية والتهامها.


المعلق: في قلب العاصمة البريطانية في ميدان بيكاديللي الشهير وفي وسط نافورة الميدان يرتفع نصب يعلوه تمثال لملاك بجانحين وهو أول تمثال يصنع من الألمنيوم شيد في العام 1893 تخليدا لأعمال لورد شافيتسبري الخيرية والذي أطلق اسمه على واحد من أهم شوارع لندن المتفرعة من الميدان نفسه. ولد اللورد شافيتسبري في لندن وتلقى تعليمه في هارو ثم في كنيسة المسيح في مدنية أوكسفورد، في عام 1826 أصبح نائبا في مجلس العموم البريطاني عن إقليم وودستوك وفي عام 1851 دخل مجلس اللوردات. كان قد أبدى اهتماما بقضايا عمالية منذ العام 1832 لكن اهتماماته الدينية كانت أكثر وضوحا وقد كتب في مذكراته "من بين كل المواضع أفضل علم اللاهوت، قضايا المال أو قوانين الذرة أو السياسة الخارجية أو قوانين الفقراء لها فائدة لكنها لا تعطيني سعادة شخصية أكبر"، وكثيرا ما كان ينصح العمال بعقد اجتماعات قصيرة للصلاة باعتبارها العمل الأفضل.


روجر أوين: رأى البعض حدثا إلهيا في نهاية الإنجيل، أي أن نهاية العالم ستتبع عودة اليهود إلى فلسطين وتحولهم إلى المسيحية.


المعلق: كان اللورد شافيتسبري واحدا من القوى القيادية الكامنة وراء جمعية نشر المسيحية بين صفوف اليهود يؤمن بضرورة التنقيب عن آثار فلسطين للتدليل على صدق الكتاب المقدس وصحة ما ورد فيه، كان يطلق على اليهود دائما تعبير شعب الله القديم وقد عمل جاهدا لإعادة اليهود إلى فلسطين لأنهم مفتاح الخطة الإلهية لمجيء المسيح ثانية والأداة التي من خلالها تتحقق النبوءة التوراتية.


سلمان أبو ستة: اليهود طبعا استغلوا العهد الجديد لكي يكون وسيلة للقيام بمشاريعهم الصهيونية ولو أنه من ناحية دينية هناك تناقض شديد لأنه لو آمن المسيحيون باليهودية لما كانت هناك مسيحية لبقوا يهودا، من كان يهوديا بقي يهوديا، ولذلك فهناك فرق ديني أساسي بين الاثنين وهو مثل الفرق بين الرأسمالية والشيوعية فمن العجيب أن يكون هناك تحالف شيوعي رأسمالي ولكن هم جيروا، اليهود جيروا هذا الاتجاه لمصلحتهم بأن يعني يدغدغوا عواطف المسيحيين عن القدس والأرض المقدسة وأن يستعملوا كلمة إسرائيل القديمة لكي تعني لهم إسرائيل دولة حديثة استعمارية.

صندوق استكشاف فلسطين

المعلق: كالعادة السائدة آنذاك وأثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840 تقدم شافيتسبري بمشروع إلى بالميريستون لتوطين اليهود في فلسطين أشار فيه إلى أهمية سوريا وضمنها فلسطين بالنسبة إلى إنجلترا وكان أساس المشروع إنشاء صندوق مالي باسم صندوق استعمار سوريا، كذلك كان شافيتسبري أول من نحت وروج لمقولة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. بالتوازي مع ترويجه المبكر لمشروع توطين اليهود في فلسطين تصدى شافيتسبري لاندماج اليهود في الحياة السياسية البريطانية ونشرت التايمز في الثامن من نيسان عام 1853 لائحة برز فيها اسمه مع عدد من الشخصيات السياسية والدينية البريطانية المعارضة لدخول اليهود إلى البرلمان البريطاني، كانت بداية تحقيق جهود شافيتسبري الصهيونية حين قامت إنجلترا بفتح قنصلية لها في القدس عام 1838 وهو العام الذي تم فيه تأسيس صندق اكتشاف فلسطين تحت رعاية الملكة فكتوريا، ومن بين ملفات أرشيف الوثائق البريطانية عثرنا على وثيقة تأسيس هذا الصندوق التي تبدأ بتعريف الصندوق وتحدد أهدافه لتقول إنه "جمعية تستهدف الدراسة الدقيقة والمنهجية لآثار فلسطين وطبوغرافيتها وجيولوجيتها وجغرافيتها العينية وطبائع وعادات الأرض المقدسة بغرض تصوير الكتاب المقدس".


سلمان أبو ستة: أنا الحقيقة ذهلت عندما رأيت هذه الخطة وقبل هرتزل بكثير، بعشرين سنة على الأقل، كيف أن هذا المفهوم كان يعني كان مفهوما ذهنيا ودينيا وسياسيا واستعماريا والرافعة لهذا العمل كله هو انتشار حركة الاستعمار الأوروبية في القرن الثامن عشر.


عبد الوهاب المسيري: دائما أشير إلى أن الصهيونية ليست حركة يهودية ولا تنبع من التوراة ولا التلمود ولا البروتوكولات وإنما هي إحدى الإفرازات الكريهة للفكر الإستعماري الغربي والتشكيل الاستعماري الغربي.


المعلق: كما أوردت الوثيقة قائمة بأسماء أعضاء اللجنة العامة لصندوق اكتشاف فلسطين والمكونة من 108 شخصيات ويبدو أن معظمها من رجال الدين والدولة والجيش ورئيسها كان رئيس أساقفة يورك، يلاحظ من بين أسماء أعضاء لجنة الصندوق اسم موزيس مونتيفيوري وهو من سنتحدث لاحقا عن دوره الكبير في دعم الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين، يلاحظ أيضا ورود اسم الكابتن وارين أو تشارلز وارين خريج كلية سانت هيرست العسكرية الذي كان برتبة جنرال عندما قاد في عام 1869 بعثة استكشافية للتنقيب عن الآثار اليهودية في فلسطين وهي بعثة كانت تابعة للمخابرات العسكرية البريطانية وكانت أعمالها لبنة لاختلاق تاريخ إسرائيلي قديم في فلسطين.


زيفي شيلوني/ معهد بن غوريون لأبحاث الصهيونية-تل أبيب: لقد اعترفت المسيحية بالعهد القديم لذلك فقد كانوا يبحثون عن الأماكن المذكورة في العهد القديم وفي العهد الجديد كذلك وحتى فيما بعد، لكن ليس عن رغبة في مساعدة الصهيونية وفي الحقيقة فإنه في تلك الفترة لم تكن الصهيونية النشيطة قد بدأت بعد، فعندما كانوا يعملون وعندما انتهوا من عملهم كان عمر الهجرة الأولى ثلاث سنوات فحسب، بالكثير من الفشل والقليل من النجاح ومجموع الصهاينة لم يكن يتعدى بضعة عشرات من الألوف من اليهود فما فعله الصندوق كان من أجل أغراضهم الخاصة، لكن ربما تكون اكتشافاتهم قد ساعدت اليهود فيما بعد في المطالبة بحقهم في الأرض.


المعلق: أوردت لنا التايمز تغطية لأحد اجتماعات تلك العصبة في يونيو/ حزيران من عام 1868 لتقول "تم عقد الاجتماع في قاعة ويليس في سانت جيمس برئاسة آرتش بيشوب يورك لدعم صندوق استكشاف فلسطين ومن الحضور اللورد شافيتسبري، السيد لايارد والمقدم وارين وعندما حان وقت حديث المقدم وارين تحدث بمعونة خارطة للقدس عن أن أعمال الاستكشاف تقوم بها مجموعة من المهندسين وسبعون مسلما من أصول مختلفة يشرف على تشغيلهم بعض اليونانيين برئاسة عدد من اليهود".


مساعدة اليهود في أوروبا مسألة كانت إنسانية تدور في إطار خيري، لكن استعمار فلسطين كان يدور في إطار جيوإستراتيجي

عبد الوهاب المسيري: مساعدة اليهود في أوروبا دي مسألة كانت إنسانية تدور في إطار خيري، لكن استعمار فلسطين كانت تدور في إطار جيو إستراتيجي.


سلمان أبو ستة: ومن المفارقات وأستطيع أن أوريك عندي هذا العدد من حوليات صندوق اكتشاف فلسطين أنه قبل أن يتم الانتهاء من مسح فلسطين عام 1870 إلى 1880 كانت هذه الحولية التي يصدرها صندوق اكتشاف فلسطين تكتب مقالات عنوانها استعمار فلسطين وكيفية أن فلسطين بلد خصبة وليس فيها ناس كثيرون ونستطيع أن نحتلها ويستعمرها اليهود بأموالهم ونشاطهم ويحولونها إلى جنة.

[فاصل إعلاني]


المعلق: في ثمانينيات القرن التاسع عشر بدأت المشكلة اليهودية بالتأجج في روسيا بدورها فبالتزامن مع فشل خطط إدماج اليهود في الحياة الروسية أخذ الكثيرون منهم ينضمون إلى الحركات اليسارية المناهضة للحكم القيصري، كما اتهم البعض بالضلوع في اغتيال القيصر ألكسندر الثاني عام 1881 وهكذا انفجرت موجة من العداء الصريح ضدهم وظهر بقوة مصطلح اللا سامية وأسفر عن موجة كبيرة من هجراتم نحو أوروبا الغربية والأميركيتين وتعاطف غربي كبير وصار المزاد في بريطانيا مفتوحا للمزايدة في هذه القضية.


قسطنطين كابيتونوف/ صحفي متخصص في العلاقات مع الشرق الأوسط- موسكو: إذا أردنا التعليق بصراحة عن تلك الفترة التاريخية، عهد القيصر ألكسندر الأول وألكسندر الثاني وألكسندر الثالث والأخير نيكولاي الثاني فقد ظهرت في الصحافة السوفياتية لا سيما في الفترة الأخيرة ظهرت مجموعة من الكتابات والوثائق تشير إلى أن هذا القيصر كان جيدا مع اليهود فيما كان الثاني سيئا أما الثالث فقد كان أكثر سوءا لكن ومن حيث المبدأ فلم يكن اليهود في العهد القيصري يعيشون بشكل طيب.


المعلق: ولا سيما من رواد هذا التوجه أمثال اللورد شافيتسبري الذي نشرت التايمز رسالته المعنونة "اضطهاد اليهود في روسيا" حيث يخاطب رئيس تحرير التايمز قائلا، "سيدي هل أستطيع أن أنال حرية توجيه سؤال إلى الجماهير في بريطانيا العظمى وإيرلندا من خلال أعمدتك الصحفية؟ أريد أن أسألهم هل ستبقون صامتين في وجه أعمال الشر غير المسبوقة التي ترتكب يوميا وفي كل ساعة بحق الجنس اليهودي من قبل إمبراطور روسيا؟ لقد أظهرت سيادتك وبشكل واضح تعاطفك الشخصي في مقالك الرئيس بالإضافة إلى تقاريرك من موقع الأحداث التي سجلت ثورة وحشية يتم التستر عليها من قبل مسؤولي الحكومة وقام بتنفيذها جماهير حاشدة ربما لم نشهد مثلها من قبل ومنذ انتفاضة القدس ولكن أي استخدام للغة العنف أو التهديد سيكون بلا جدوى، ومن الممكن أيضا أن لا نتدخل حتى على الصعيد الدبلوماسي ولكن عن طريق استخدام الاحتجاج الديني والأخلاقي للكثير من الجماهير للدفاع عن العدالة والإنسانية سيكون هناك قوة حقيقية وفعالة لا بد لها من أن تصل بلا شك إلى كل الآذان بما فيها الإمبراطور شخصيا ووزراؤه ومسؤولوه".


قسطنطين كابيتونوف: لا يمكن لي أن أربط بين مقتل القيصر ألكسندر الثاني والمزاج المعادي لليهود أو للسامية في روسيا، أؤكد أن معاداة السامية في العهد القيصري كانت دائما واضحة.


زيفي شيلوني: بدأت أول منظمة صهيونية حقيقية فورا بعد الأحداث الكبرى ضد اليهود في جنوب روسيا في العديد من المدن والبلدان وفي مناطق واسعة والتي جرت في عام 1881 فبعد هذا الحدث على الفور بدأ اليهود في تنظيم أنفسهم.


المعلق: بعد وفاة لورد شافيتسبري بحاولي أربع سنوات وفي الخامس عشر من يونيو/ حزيران عام 1891 نشرت التايمز رسالة بعنوان "ما هو مصير اللاجئين اليهود؟" يطلب كاتبها وهو سكرتير جمعية صندوق استعمار سوريا من محرر الصحيفة البريطانية أن يمنحه مساحة وفرصة كي يطلب دعما ماليا يحتاج إليه الصندوق بشدة لزيادة الجهود اللازمة لإتمام المشروع الذي بدأه الراحل لورد شافيتسبري، وقد منحه محرر التايمز تلك المساحة في صدر الصفحة الأولى ليقول "هناك القليل من البلدان التي قامت بتقديم تسهيلات لاستقبال اليهود وقد تم السماح لهم بالإقامة في فلسطين وتركيا حيث يأمنون على حياتهم وحيث يجدون مكانا وفرصة سانحة للصناعة، هذه الجمعية تساعد اللاجئين على مغادرة إنجلترا للبحث عن وطن جديد وقد قامت بإغاثة ومساعدة خمسين رجلا وامرأة وطفلا خلال الشهر الماضي، وفي فلسطين تم تدريب اليهود على بعض الصناعات الخارجية بالقرب من القدس وبذل الكثير من الجهد ليتمكن اليهود من الالتحاق بالمقاطعات الزراعية، وفي هذه الحالة فإن ما نحتاج إليه هو منحة مالية محددة وعندما ينجح يهودي سوف يأخذ بيد يهودي آخر وهكذا، بالإضافة إلى قيام المستوطنين السابقين بمد يد العون للاجئين الذين أتوا من بعدهم، نحن نطلب المال لنوسع نطاق جهودنا وليس فقط لتخفيف معاناة اليهود الذين يحييون حياة بائسة ولكن أيضا من أجل خفض القلق والتوتر في لندن المزدحمة والمحتقنة عن طريق توفير أعمال مأمونة لهم وحياة آمنة خارج إنجلترا، علينا أن نفعل ما نستطيع وأن نتذكر أن المضطهدين ليسوا وثنيين أو مسلمين ولكنهم مسيحيو أوروبا".


روجر أوين: أظن أن أغلبية الناس نظروا إلى الأمر من منظار الإنجيل ومعظم البريطانيين اهتموا بفلسطين لأسباب غير إستراتيجية وإنما لأنها مهد الإنجيل.


عبد الوهاب المسيري: أساسا الأثرياء اليهود كانوا لا يؤمنون بالصهيونية، كانوا يؤمنون بضرورة إبعاد اليهود، يهود شرق أوروبا الذين تدفقوا عليهم، وهو الأعمال الخيرية هنا كان الهدف منها في الواقع إبعاد اليهود أيضا، أما واحد زي السيد لورانس أوليفانت فده وضع مخططا محددا لاستعمار فلسطين والاستيطان فيها.


المعلق: نموذج آخر من المتدينين المخلصين لأفكار المسيحية الصهيونية حول الخلاص، إنه لورانس أوليفانت المولود في كيب تاون في جنوب أفريقيا حيث كان والده النائب العام لهذه المستعمرة البريطانية وتأثر بأفكار الروحاني توماس ليكهاريس، عمل سكرتيرا خاصا للورد جيمس بروس إليغان الذي كان مديرا للمستعمرات في الخارجية البريطانية وعمل محافظا لإقليم كندا ونائبا للملك في الهند، كان أوليفانت كثير الرحلات إذ سافر إلى روسيا وكندا والصين واليابان وفرنسا ومصر وأميركا وغيرها، كما سافر بالطبع إلى فلسطين التي زارها أول مرة في عام 1879 وعندما ترك العمل مع اللورد إليغان عاد إليها عام 1884 ومنذ المرة الأولى انشغل بمشروعه الاستعماري لفلسطين الذي لم يكن يختلف عن مشروع صديقه اللورد شافيتسبري وانصب اهتمامه على النصف الشمالي للأراضي المقدسة بل وذهب إلى القسطنطينية في محاولة للحصول على فرمان يتيح له استخدام تلك المساحات التي رآها مناسبة لإقامة مستعمرات وتوطين عدد كبير من اليهود فيها. له أيضا مشروعه المدعوم بالخرائط لاستعمار فلسطين فقد كان يرى مثل بعض السياسيين البريطانيين منذ القرن التاسع عشر ضرورة إنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها المستعصية كي تظل حاجزا صلبا ضد الزحف الروسي وذلك بإدخال عنصر اقتصادي نشط في الجسد المتهاوي، جسد رجل أوروبا المريض، وقد وجد أن اليهود هم هذا العنصر ولذلك دعا بريطانيا إلى تأييد مشروع تأييد اليهود لا في فلسطين فحسب وإنما في الضفة الشرقية للأردن أيضا ومع تحديده للخرائط الداعمة لمشروعه دعا كذلك إلى إنشاء شركة استيطانية لتوطين اليهود برعاية بريطانية وبتمويل من خارج بريطانيا ويكون مركزها اسطنبول.


روجر أوين: المجتمعات الأوروبية لم تنجح في استيعاب الأقلية اليهودية في فرنسا وفي ألمانيا.

الأدبيات المسيحية الصهيونية والتعبئة الدينية

المعلق: كان شافيتسبري وأليفانت ومشروعهما وكذلك إنشاء صندوق اكتشاف فلسطين تجسيدا لما يصفه بعض المؤرخين بحمى مساعدة اليهود التي تفشت في النصف الأول من القرن التاسع عشر في كل الأوساط البريطانية التي واكبت التوسع البريطاني الاستعماري، وكان لهذه الحمى أدبياتها المسيحية الصهيونية التي قدمت الأسس التوراتية التي استندت إليها الصهيونية التوطينية غير اليهودية وهو ما قدمه بالفعل هنري هارت ميلمان الابن الثالث لطبيب الملك جورج الثالث الذي لمع نجمه كشاعر عام 1812 وفاز بجوائز أدبية عدة قبل أن يصبح في عام 1818 كاهن أبرشية القديسة ماري. لقد جاءت موسوعته عن تاريخ اليهود في عام 1829 ليعد أول رجل دين مسيحي يعتبر اليهود قبيلة شرقية معترفا بشيوخها وأمراء العهد القديم في سرد تاريخي بهدف التوثيق، الأمر الذي عرضه لانتقادات أدت إلى تأخير ترفيعه الكنسي والذي لم يحدث إلا في العام 1835.


عبد الوهاب المسيري: وجدوا أن النصوص الدينية والعقيدة الدينية لها مقدرة تعبوية قوية وبالتالي يستخدمونها ولكنها هي مجرد ديباجات أما ما يحدد السلوك فهو مصلحة الدولة الصهيونية في إطار وجهتها كدولة وظيفية تقوم بخدمة الاستعمار الغربي.


المعلق: يمكن استخلاص أهم ما جاء في موسوعة ميلمان في أن بقايا الموقف المعادي لليهود في الديانة المسيحية تجلى في القرن الثامن عشر عبر سلسلة من الإجراءات العازلة أو الطاردة من المجتمعات الغربية وهو ما ساهم في تأسيس الأرضية الدينية والفكرية والسياسية الداعمة لفكرة الجيتوات، وعلى الرغم من التقدم الذي حصل في وضعهم من الناحية القانونية والمساواة وفتح المجالات لهم في السياسة والتجارة إلا أن عمق الثقافة المسيحية المعادية لليهود ظلت متأصلة. هذا الوضع شكل من الناحية الدينية لبعض المسيحيين أساس التنظير لفكرة إخراجهم من أوروبا إلى فلسطين وتجلت في عدد من الكتابات، هذه الأفكار الدينية المسيحية لم تتحول إلى تفكير ورؤية سياسية إلا بعد الثورة الصناعية وتوسع ظاهرة الاستعمار الخارجي وبالتالي بدأت مع مطلع القرن التاسع عشر تظهر الأفكار السياسية الداعية إلى توطينهم في فلسطين في نقطة التقاء إستراتيجية لتأمين طرق التجارة مع آسيا. يشير ميلمان في كتابه إلى الإجراءات العازلة أو الطاردة لليهود في المجتمعات الغربية كما يشير إلى أن بريطانيا أصدرت قانونا لتطبيع قانون اليهود في عام 1753 حيث منحوا الجنسية بعد ثلاثة أعوام ولكنهم منعوا من المناصب الحكومية، وحقيقة الأمر أن بريطانيا لم تمنح يهود بريطانيا حريتهم أو الأهلية المدنية إلا في عام 1858 في عهد الملكة فكتوريا وكانت هذه القضية محل سجال منذ العام 1853 قادته في ذلك الوقت صحيفة التايمز البريطانية والتي كتبت في عددها الصادر يوم 30 أبريل/ نيسان لتقول "إن مجافاة اليهود تعتبر إجحافا سينتهي مع الأيام مثلما انتهى أي إجحاف أحاق بآخرين من قبل أو مثلما حدث مع الاسكوتلنديين" وفي إشارة إلى الجدل الدائر وقتها حول حق يهود بريطانيا في الانتخاب والترشح للبرلمان تمنت التايمز أن يقوم اللوردات بإثبات أنهم ليسوا أقل من دول وحكومات أخرى، وفي إشارة إلى موقف اللورد شافيتسبري الذي كان يعارض منح الأهلية لليهود لكنه تراجع عن موقفه جاء في الصحيفة أن "موقف اللورد شافيتسبري الجديد يزيد من أهمية النقاش الجاري داخل المجلس التشريعي الآن لأن هذا النبيل كان معاديا لهذه المطالب طوال سنين لكنه أصبح الآن ليس فقط داعما بل هو أيضا مقترحها، ومن الغريب أن نجد أن الرأي الشعبي كان منحازا لهذه الحركة وأن بيان المطالب يوضح هذا الانحياز".


روجر أوين: أظن لو أنه كان هناك شعور ما في تلك المرحلة فقد كان جزءا من التعصب الأوروبي المعتاد.


المعلق: اللافت للنظر هو أن لورانس كبير أساقفة كونتربري المعارض لقانون اليهود كان من أهم أعضاء اللجنة العامة لصندوق اكتشاف فلسطين الذي تأسس تحت رعاية الملكة فيكتوريا وقد أوضحت التايمز في عددها الصادر في الثامن من يونيو/ حزيران عام 1853 أن "كبير أساقفة كونتربري لم يقل شيئا ضد شخصية أو صفات اليهود ولكن اعتراضه كان على دينهم الذي يقوم على الليبرالية والتي تتسم بها شخصيات المؤمنين به وهو ما يتعارض مع العقيدة المسيحية ويعتبر معاديا لها وفي ظل هذه الظروف فهو يعتقد أنه لو سمح لليهود بالمشاركة في وضع وإدارة قوانيننا سوف تتحول وتتغير شخصية الهيئة التشريعية ولن نكون بلدا مسيحيا خالصا ولكنه رغم ذلك لم يضمر مشاعر غير لطيفة ضد اليهود ولو فعل يجب أن يعتبر نفسه غير جدير بشخصية المسيحي، في الواقع هو تمنى أن تتحد قوى أوروبا مع هذا البلد لتستطيع توفير الأمان لليهود والمسيحيين الذين يعيشون في خضوع بائس في أنحاء الإمبراطورية العثمانية". إقحام الإمبراطورية العثمانية في تغطية صحفية خاصة بالجدل الدائر في بريطانيا حول قانون أهلية اليهود قد يبدو غير ذي صلة له بالموضوع لكنه يعيدنا إلى أطر ونماذج التنظير المسيحي الأوروبي. نجد هنا نموذجا آخر من التنظير المسيحي الأوروبي في كتاب "اليهود في فلسطين" والذي نشر في لندن في النصف الأول من القرن التاسع عشر للمؤلف آرثر جورج هاربر هولينغ زورف وهو قس أو كاهن بروتستانتي، يبدأ الكتاب بوصف أدبي للأرض المقدسة ثم يلجأ الكاتب إلى وصف لاذع لسكان فلسطين العرب فيصفهم بالبدو الجوالين واللصوص وأنهم ليس لهم بيوت يستقرون فيها وبدون أي صلات تربطهم بالأرض ويقول إنه "وسط المدن المحطمة والقرى هناك عدد محدود من العائلات المسيحية غير المتحضرة وغير العارفة بشكل صحيح لأصولها ولأي جنس تنتمي"، ثم يأتي إلى الأتراك الحاكمين للبلاد ويتحدث عن ظلمهم وإرهاقهم للناس بالضرائب.


روجر أوين: شعروا بأن العرب والهندوس والمسلمين وكل من عاشوا في العالم الثالث هم مواطنون من الدرجة الثانية.


المعلق: بعد أن يتحدث الكاهن البروتستانتي عن الأرض الحزينة النادبة بانتظار سكانها يصل إلى أن "اليهود الذين يتزايد عددهم فقراء يعيشون في المدن المقدسة، القدس والخليل وطبريا، كنسهم لا زالت موجودة وليس لديهم حقوق وحتى الملاك منهم عرضة للسرقة من السكان المحمديين والضباط الأتراك والبدو العرب"، ويخلص الكاتب إلى أن المهاجرين اليهود إلى فلسطين لا يمكنهم بسبب هذه الأوضاع الحصول على تعويض لأموالهم وعملهم فهو "يمكن أن يكدح لكن محصوله سيتعرض للسرقة من الآخرين، اللصوص العرب يمكنهم أن يدخلوا ويحملوا ماشيتهم وطيورهم" ولهذا "فإن فرمانا من الضروري الحصول عليه من السلطان لتأمين ممتلكات اليهود، ولاستحالة هذا المطلب لا بد من مساعدة من قوة عظمى مثل إنجلترا للحصول على الأمن والحرية والعدالة في فلسطين وتأمين حقوقه"، "كيف يمكن السعي لفرمان لاستئجار أو شراء أرض؟ وإذا كان على عشرة آلاف عائلة أن تغني خزينة السلطان لرغبتها في الاستقرار في الأرض المقدسة فكيف لحكومة محمدية أن ترتعش لمجرد مثل هذا الطلب ما لم يدعم بالحماية والتعاطف من قبل إنجلترا؟"، "إن هذه البلاد الخصبة لديها إمكانيات رائعة للتطور والتقدم وموقعها مركزي لتكون بين أوروبا والهند ومناخها مناسب جدا للسكان اليهود بعددهم القليل"، ولهذا فهو يطالب حتى بأن تشمل حماية العلم البريطاني اليهود متسائلا "هل اليهودي في إنجلترا هو غير اليهودي الإنسان في فلسطين؟ اليهودي بحاجة إلى حماية قوة أوروبية عظيمة لأنه مشرد بدون بيت وبدون بلد.
مصطفى بدك/ مسؤول الوثائق العربية في الأرشيف التركي- أنقرة: الدولة العثمانية منذ نشأتها عاملت بتسامح كافة منتسبي الأديان وهذا هو نظام الملة العثمانية وسياستها الأساسية في نظرتها لجميع الشعوب المنضوية تحت رايتها وبالتالي فلم يتعرض اليهود ولا غيرهم في العهد العثماني لأي تعذيب بل على العكس من ذلك فإن اليهود وخاصة التجار وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة منهم كانت لهم امتيازات خاصة لدى السلاطين في مختلف العصور وكانت تقدم لهم تسهيلات عديدة ومن ثم فقد عاش اليهود حياة رغدة هنية في كافة أرجاء الإمبراطورية، وعشرات الآلاف من الوثائق تؤكد ما نقول.


المعلق: يصل الحديث في الكتاب إلى بيت القصيد إذ يطالب بالامتيازات لليهود ويطلب شراء الأرض وامتلاكها أو استئجارها مع تشكيل قوة عسكرية للحماية من النهب والسرقة التي يمارسها العرب كما يطلب امتياز امتلاك السلاح، وللإغراء يتحدث عن الأهمية الإستراتيجية لبريطانيا من خلال الوجود اليهودي في فلسطين وأنها ستكون "الجسر إلى كل من المنطقة العربية وإلى آسيا من سوريا وإلى إمبراطوريتنا في الهند" ويختتم بالقول "إن اليهود على شواطئ المتوسط ينتظرون النداء وضمانات الحماية الإنجليزية وتعاطفها وأن اليهود هم أمة وما ينقصهم هو الأرض.


روجر أوين: كان ذلك جزءا من العالم الإمبريالي لذا تصور هؤلاء أنهم يستطيعون جمع مجموعات غريبة من الناس في مكان واحد وإنجاح ذلك التعايش.


المعلق: لم تكن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين عملا إنسانيا وعادلا كما يقول الكاهن البروتستانتي هونغورث وإنما كانت ضرورة سياسية في الذهن البريطاني لحماية الطريق عبر آسيا الصغرى إلى الهند وهي الفكرة التي انتشرت في بريطانيا وفرنسا بين غير اليهود بشكل أوسع وأشد من انتشارها بين اليهود، وتأتي كتابات توماس كلارك أبرز أساتذة التاريخ في جامعة أوكسفورد ويعد كتابه الهند وفلسطين أو "إعادة اليهود" نموذجا لذلك التطور الملحوظ للتنظير الديني المسيحي لتوظيف اليهود في خدمة السياسة والأهداف البريطانية حيث يعرف توماس كلارك نفسه كمسيحي وإنجليزي وأنه ينتمي لأمة ظلت لقرون عدة المدافعة عن اليهود كما يظهر وكأن خطابه المسيحي المتعاطف مع اليهود امتداد لخطاب الحروب الصليبية متهما الإسلام بانتهاك الهيكل المقدس، ويصل إلى أن مصالح بريطانيا الإستراتيجية لتأمين طريقها نحو الهند هو في احتلال فلسطين وكذلك تأمين الجيش اليهودي وإعطائه الفرصة لامتلاك الأرض ويؤكد على ضرورة احتلال فلسطين من قبل اليهود تحت حماية بريطانيا ودورهم في حماية هذا المثلث الهام للتجارة، إذ لا يوجد أفضل من اليهود للقيام بهذا الدور، لماذا؟ يجيب قائلا "لأنهم شعب قوي وقومي ولا يمكن أن يخضع لسيطرة أجنبية إن تمكن من تحقيق استقلاله وهم بالتأكيد سيمنعون دخول الفرنسيين والروس كما أنهم يملكون رأس المال للاستثمار ورأس مالهم متحرك يمكنهم من الاستثمار خلال سنوات معدودة لتحويل البلد إلى بلد حي". في تلك الفترة جاءت الأدبيات اليهودية الصهيونية مواكبة لتطور التنظير الديني المسيحي لتوظيف اليهود في خدمة السياسة والأهداف البريطانية وحريصة على التحفيز والحشد الدينيين لدفع اليهود إلى فلسطين، مثال ذلك يجسده الخطاب الذي ألقاه الراباي حاييم في مدينة ميلبورن في أستراليا الخاضعة للتاج البريطاني في الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1861 حيث يتحدث الراباي ببلاغة مؤثرة عن إعادة بناء مدينة سليمان والهيكل الثاني فيها ويقول عن القدس "إنها مدينة الله التي حان وقت إعادة بنائها وترميم آثارها" ويضيف "عندما نواجه العديد من الصعاب سيظهر أي دولة سعيدة سنكون، عندما نصبح مثل أمة واحدة في مملكة الله المقدسة عندها سنعلن على الملأ اسم الله في صهيون ومجده في القدس".


هُجر اليهود من قبل الرومان سنة 1970  لأنهم كانوا يمثلون أقلية دينية تنتمي للديانة اليهودية، لذا فقد كان اليهود يتوجهون دوما في صلواتهم بالدعاء للعودة إلى القدس

فولفجنج فيبرمان/ مؤرخ متخصص في القومية النازية والعداء للسامية-برلين: يتعين علينا هنا أن نلقي نظرة على الماضي فقد هجر اليهود من قبل الرومان سنة 970 ميلادية لأنهم كانوا يمثلون أقلية دينية تنتمي للديانة اليهودية، لذا فقد كان اليهود يتوجهون دوما في صلواتهم بالدعاء للعودة إلى القدس.


المعلق: يحمل خطاب الراباي حاييم اليهود عقد ذنب تاريخية وأن عليهم التكفير أمام الله عن السماح بتدمير الهيكل المقدس وإخراج إسرائيل من أرضها، تلك كانت الخطيئة الكبرى منذ زمن الهيكل الثاني. وفي ختام هذا الحديث المشبع بالأسطورة يتبين أن الهدف من ذلك هو الترويج لبعثة باسم بعثة القدس حيث يسهب الراباي حاييم في الحديث عن إنشاء صندوق للمساعدة في بناء بيوت للإيواء في جبل صهيون ويشير إلى ما قاله رئيس تلك البعثة في افتتاح الجلسة عن عيش اليهود حتى وقتنا الحاضر في القدس تحت اضطهاد كبير ليس فقط لأن العرب سرقوهم ولكنهم منعوا أيضا من امتلاك أرضهم وتحت هذه الظروف كان عليهم أن يدفعوا إيجارات عالية للأتراك الذين تركوهم في حالة فقر، لكن السلطان قرر مؤخرا بيعهم أراض كما سمح لهم بالشراء والتملك وقد اشتروا جزءا من جبل صهيون لكن الأموال الخاصة بالشراء لم تكن كافية وهذا هو سبب البعثة وهو كسب الأصدقاء من أجل المساعدة في بناء المنازل والمدعوون للمساعدة هم الأخوة اليهود لكن القائمين على المشروع يسعدهم قبول المساعدة من أصدقائهم المسيحيين.