ميخائيل بوروفيتش-موسكو / مؤرخ ومسؤول الأرشيف الروسي
أرشيفهم وتاريخنا

الأحزاب الشيوعية العربية ج5

تستكمل الحلقة علاقات الأحزاب الشيوعية العربية بالمركز الشيوعي في موسكو وبرلين، والدعم السخي الذي قدمه المركز مقابل خدمات متعددة الأوجه والأبعاد تقدمها الأطراف الأحزاب الشيوعية العربية.

– دعم الحزبين الشيوعيين الألماني والسوفيتي
– التدريبات الأمنية للكوادر الشيوعية العربية

– الدعم العسكري والمادي

إن الكرملين لم يهيمن على مصير دولة عظمى فحسب، بل على شعوب خاضعة وبنحو أكثر عمومية أثر في شؤون العالم وكان على كل مرء في العالم الإصغاء بعناية إلى ما كان يقوله الكرملين.

زبجنيو بريجينسكي

– الفوضى –

[تعليق صوتي]

علاقات تسير في اتجاهين، دعم سخي من المركز في موسكو وبرلين مقابل خدمات متعددة الأوجه والأبعاد تقدمها الأطراف الأحزاب الشيوعية العربية، حقائق مذهلة حول الأشكال التي كانت تأخذها العلاقات متجاوزة في أحيان كثيرة حدود السياسة والنظريات والشعارات حيث تبدو العلاقات في شكل أرقام وأمور عينية وأساليب توظيف استخباراتي وأمني وعلاقات مخملية حافلة بالاستجمام والعلاقات الحميمية.

[تعليق صوتي]

تأخذ علاقات الأحزاب الشيوعية العربية بالمركز الشيوعي أشكالاً عميقة عسكرية وأمنية واستخباراتية تؤشر إلى نوعية المهام المطلوبة في مناطق ودول عربية شهدت أحداث مهمة وحروب ومعارك واضطرابات، كان الدعم السوفيتي إحدى الأوراق والرهانات القوية في مجرياتها وكان الأمل معقوداً على استكمال تلك الحقائق من أرشيف عواصم غربية ظلت إلى وقت قريب تَعتَبر الأحزاب الشيوعية خطراً محدقاً بحضاراتها وقيمها الليبرالية، لكن موانع قانونية وأمنية في بعض الأحيان حالت دون فتح تلك الملفات المستعصية لحد الآن وخصوصاً باريس حيث كان يوجد فيها أعتى الأحزاب الشيوعية الأوروبية.

دعم الحزبين الشيوعيين الألماني والسوفياتي

[تعليق صوتي]

في عقد الثمانينيات عندما كان الحزب الشيوعي في مرحلة مواجهات مع نظام الرئيس العراقي صدام حسين تكشف وثيقة ألمانية تعود إلى عام 1987 عن اتفاقية تعاون بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الاشتراكي الألماني الموحد ومن بين القضايا المتفق عليها الحزب الاشتراكي الألماني الموحد يخصص للحزب الشيوعي العراقي سنوياً عشرة أماكن للعلاج الطبي لصالح كوادر الحزب الشيوعي العراقي داخل المنشآت الطبية الألمانية، الوثيقة تحمل توقيعاً عراقياً وألمانياً باليد. في وثيقة من أرشيف الحزب الشيوعي السوفيتي في موسكو بتاريخ الحادي عشر من فبراير عام 1987 يوافق الحزب على طلب الشيوعي العراقي بصرف سيارتي لادا ويرى بإعطاء السيارتين كهدية لقيادة الحزب.

ميخائيل بوروفيتش- مؤرخ ومسؤول الأرشيف الروسي: يمكن تفسير هذا بنظرة السوفيت للعراقي كونه أكثر الأحزاب الشيوعية تأثيراً في المنطقة ولهذا سعى للنهوض به وتقويته واتخاذه ورقة في يده، من الصعب الحصول على وثائق تؤكد غير ذلك ومن المؤكد أن الشيوعي العراقي كان من أول خيارات الاتحاد السوفيتي كقوة شيوعية ضاربة في المنطقة فعول عليه.

[تعليق صوتي]

تورد الوثائق السوفيتية اسم الزعيم الشيوعي العراقي عزيز محمد في أكثر من موقع لطلب الدعم والمساعدة من السوفيت ولكن تبدو هذه أكثرها إثارة للدهشة، حيث تقول نرجوك رجاءً حاراً أن توافقوا على تبديل خمسين ألف روبل إلى دولارات وهو المبلغ الذي تجمع لدي منظمتنا في الاتحاد السوفيتي من اشتراكات وتبرعات أعضاء وأصدقاء الحزب لكي يمكن التصرف به وصرفه على أوجه العمل الحزبي في الخارج، التوقيع عزيز محمد بتاريخ الرابع عشر من أبريل من عام 1986.

عبد الحسين شعبان- الحزب الشيوعي العراقي: لا أشك شخصياً في موضوع نزاهة الرفيق عزيز محمد فيما يتعلق بالأموال التي يجرى الحديث عنها في هذه الوثيقة وإنما هذا كان جزء ربّما من متطلبات التحرك اليومي، إذ أن المنظمة الحزبية في الاتحاد السوفيتي كانت قد جمعت مبلغاً من المال قدره خمسين ألف روبل وهذه الخمسين ألف روبل لابد من تحويلها إلى العملة الصعبة لكي يتم إخراجها من الاتحاد السوفيتي ولابد هنا من موافقات رسمية وبهذا المعنى عزيز محمد يطلب تحويل هذه العملة إلى عملة صعبة لكي يتم الاستفادة منها بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي خارج إطار الاتحاد السوفيتي، بهذا المعنى أنا أفهم هذه الوثيقة.

[تعليق صوتي]

وثيقة سوفيتية أخرى تكشف أنه في عام 1988 أخذت طلبات الحزب الشيوعي العراقي بُعداً جديداً، حيث وافق نائب رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي على طلب باستضافة حيدر العضو القيادي في الحزب قادماً من بلغراد إلى موسكو على نفقة الحزب الشيوعي السوفيتي وتمكينه من تدريبات أمنية وهكذا سيظهر الحزب الشيوعي العراقي في بداية التسعينيات شريكاً في العمليات المسلحة التي قامت بها الميليشيات الكردية ضد نظام صدام حسين شمالي العراق، فهل كانت المهمة من صميم أهداف الحزب الشيوعي العراقي أم أنها مهمة متأخرة في زمن الاتحاد السوفيتي المنهار؟

عبد الحسين شعبان: قضية التحالفات وما ترتب على ذلك من إشكالات ومن اختيارات أحلاها مر إذا جاز لي التعبير أن أقول، كنا قد خرجنا جبهة عام 1973 بمرارة كبيرة وبعد حملات تصفية وإعدامات وملاحقات طالت عشرات الآلاف من الشيوعيين ومن أصدقائهم، دخلنا في جبهة جديدة أسميناها جوقد في دمشق عام 1981، بعد أسبوعين دخلنا في جبهة جديدة أسميناها جود في كردستان، بعد بضعة أشهر في مطلع العام 1983 دخلنا في جبهة.. في طرابلس جبهة 17 أو19 حزباً، ثم دخلنا في لجنة العمل الوطني وقبلها دخلنا في الجبهة الكردستانية، ثم دخلنا في المؤتمر الوطني، ثم دخلنا في جبهات وفي ائتلافات إلى أن وصل الأمر إلى أننا دخلنا في جبهة بريمر بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى ومن إشكالات وانعكاسات خطيرة على منهج وعلى توجهات الحزب الشيوعي العراقي.

"
الحزب الشيوعي العراقي كان وضعه معقدا خاصة بعد تحالفه مع الحركة الكردية شمال العراق وتعرض لاضطهاد عنيف لأنه كان يدافع عن هوية عراقية تستوعب الأقلية الكردية

إبراهام السرفاتي

إبراهام السرفاتي- الحزب الشيوعي المغربي: الحزب الشيوعي العراقي كان له مع ذلك وضع معقد، خاصة لما تحالف مع الحركة الكردية شمال العراق حيث تعرض لاضطهاد عنيف من طرف البعثيين العراقيين، ليس فقط بسبب القضية الفلسطينية بل أساساً بسبب أنه كان يدافع عن هوية عراقية تستوعب الأقلية الكردية.

[تعليق صوتي]

كان لنظام ألمانيا الديمقراطية علاقة وثيقة بالشيوعيين والماركسيين في مصر وضمنهم أعضاء مجلة الطليعة التي كانت تتحلق حولها نخبة من قادة الشيوعيين وشكلت المجلة إطاراً يجري من خلاله التنسيق بين هذه القيادات في مرحلة كان نظام جمال عبد الناصر يُضيِّق فيها الخناق على الشيوعيين، في أرشيف الحزب الاشتراكي الألماني الموحد تكشف وثائق عن أشكال متنوعة من العلاقات مع قادة التنظيمات الشيوعية المصرية خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، حيث ترد رسالة من القاهرة بتاريخ الرابع من سبتمبر من عام 1968 تقول.. ميشيل كامل اتصل بنا قبل أيام مشيراً إلى أن عضو فريق التحرير لمجلة الطليعة الدكتور إسماعيل صبري عبد الله سيزور بولندا بين السابع عشر والخامس والعشرين من سبتمبر وهو ضيف لدى معهد العلاقات الدولية، نظراً لأهمية هذا الشخص نوصي بدعوته مباشرة بعد زيارته إلى بولندا إلى زيارة ألمانيا الديمقراطية، الرسالة تصف شخصية عبد الله أستاذ سابق للاقتصاد السياسي في جامعة القاهرة يعمل بشكل رئيسي كرئيس تحرير في دار المعارف وهو أحد خبراء الاقتصاد الماركسيين المتميزين في جمهورية مصر العربية الذي عمل كمستشار للقضايا الاقتصادية لدى الرئيس ولدى موظفين بارزين في الوحدة الاشتراكية العربية، رغم أنه ليس عضواً في المؤتمر الوطني إلا أنه يبدو أن موظفين بارزين في الوحدة الاشتراكية العربية والرئيس نفسه لهم ثقة فيه ويكلفونه بأعمال مهمة، من بين رغباته خلال زيارته إلى ألمانيا الديمقراطية الاتصال باقتصاديين بارزين هناك لمعرفة تجارب ألمانيا الديمقراطية في البناء الاشتراكي لاسيما مشاكل النظام الاقتصادي الجديد والتباحث مع أعضاء بارزين في الحزب لشرح موقف القوى الماركسية في مصر العربية تجاه التنمية، الرسالة توصي في النهاية بدعوة عبد الله إلى ألمانيا الديمقراطية نظراً لإشعاعه في مصر.

هانس زايدل- الحزب الاشتراكي الألماني الموحد: أفتكر أن عند هذه العلاقات اللي كانت وطيدة ومتطورة جداً ولكن أفتكر فعلاً أنها كانت ذات فائدة متبادلة للجهتين، ما فيه شك إن.. وحتى أفتكر أن الأحزاب الشيوعية العربية استفادت من الناحية.. كيف يمكن أن نقول المادية أكبر طبعاً خاصة ما يهم تدريب الكوادر، إمكانيات اللقاء ومثل كده.

[تعليق صوتي]

في وثيقة ألمانيا أخرى توجد رسالة من الكاتب الشيوعي لطفي الخولي موجهة إلى الدكتور شول مسؤول قسم العلاقات الدولية في الحزب الاشتراكي الألماني الموحد، حيث يقول نعتقد أنه سيكون مجدياً تنظيم ندوة من قِبل مجلتينا الوحدة والطليعة تشارك فيها مجلات أخرى تُنَظم في النصف الأول من العام القادم حول موضوع أساليب ووسائل التعاون بين الدول الاشتراكية وحركات التحرر الوطني والأنظمة التقدمية في كفاحها المشترك ضد الإمبريالية من أجل الاستقلال والتقدم الاشتراكي، إذا وافقتم مبدئياً على هذا الاقتراح يجب علينا بحث القضايا التفصيلية التالية، جدول العمل وموضوعات التقارير الأساسية والمساهمات، موعد ومكان الندوة، الأحزاب والمنظمات والشخصيات التي يجب دعوتها، قضايا تنظيمية ومالية وشؤون السفر والإقامة، الرسالة تشير إلى ندوات سابقة نُظِمَت بمبادرة من الطليعة في أكتوبر عام 1966 وأخرى في الجزائر عام 1967 تناولت قضايا الاشتراكية العربية، الرسالة تقول إذا كنتم متفقين مع المشروع أطلب منكم بحث القضايا التفصيلية مع ميشيل كامل وسنتخذ القرارات الأخرى عبر تبادل الرسائل وخلال زيارتنا إلى بلدكم.

رفعت السعيد- الحزب الشيوعي المصري سابقاً ورئيس حزب التجمع: كنا بننضرب لما ننعدم في السجن والمقالات في البرافدا الأفراح على ضفاف النيل مثلاً ومثلا أنا فاكر أنا دخلت في حوار مع بعض العلماء السوفيت كانوا جايين يزرونا في الطليعة حول كانوا بيسموا الأنظمة اللي زي نظام عبد الناصر ونظام بتاع اسمها دول النظام اللارأسمالي، أقول لهم ما فيش حاجة.. يعني بلام النفي دي تصف أي ظاهرة، اللارأسمالي هو الاشتراكي قول يا اشتراكي يا رأسمالي، يقولوا لا، هي لا كده ولا كده، طيب قولوا اللااشتراكي، قالوا لا يزعل.

[تعليق صوتي]

في الثالث والعشرين من يونيو عام 1969 يرد تقرير من نائب رئيس قسم العلاقات الدولية في الحزب الاشتراكي الألماني الموحد إلى الرفيق إيكسن يقول.. في حديث مع موظف في قسمنا أعلن رفعت السعيد سكرتير المجلس القومي للسلام وعضو قيادي سابق في الحركة الديمقراطية لتحرير الوطن إحدى أكبر المنظمات الشيوعية حتى عام 1964 في مصر أن الماركسيين المصريين عادوا إلى نوع من العمل التنظيمي وخالد محيي الدين رئيس المجلس القومي للسلام وعضو اللجنة المركزية في الاتحاد الاشتراكي العربي أحيط علماً بهذه الخطوات لكن لم يتم إشراكه ليظل في الجانب الآمن، محيي الدين سيتصل بنا من أجل منح المساعدة المادية من جانب الحزب الاشتراكي الألماني الموحد لهذه المجموعة الماركسية، هذا النوع من المساعدة يمكن أن يتم إيصاله على شكل صفقات طباعة مع دور نشر يرأسها أعضاء الحركة الديمقراطية لتحرير الوطن.

رفعت السعيد: بالقطع لا لأن ميدان النشر.. وإحنا ما عندناش غير ميدان واحد للنشر اللي هو جريدة الأهالي وطول عمرها متنيلة على عينها.. يعني ممكن يبقى الكلام ده مكتوب، بس يبقى مكتوب إن حد قال لهم أنا هأخذ نصف مليون دولار وأروح أديهم لخالد محيي الدين وأخذهم ضربهم في جيبه، يروحوا يدوروا هم يشوفوا مين اللي أخذهم، بس بالقطع لا.

هانس زايدل: مبدئيا أفتكر إن المساعدة الأساسية أو التأييد الأساسي المادي هذا كان صح إلى حد ما، ماليا إلى حد ما لمؤتمرات أو مساعدة مثل كده كانوا هم دفعوهم أو مثل كده أبداً ولكن دفعوا ممكن الرحلات إلى مؤتمر أو تأييد في تنظيم مؤتمر أو مثل كده.

التدريبات الأمنية للكوادر الشيوعية العربية

[تعليق صوتي]

في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي كانت مصر تعيش أجواء توتر شديد ومواجهات بين الجماعات الإسلامية ونظام الرئيس حسني مبارك وكانت النخب والتنظيمات الشيوعية تعيش مرحلة إنحسار وحيرة نتيجة فقدان البوصلة عشية بداية تفكك المعسكر الاشتراكي وظهور أعراض الانهيار على الاتحاد السوفيتي، لم يكن الشيوعيون في مصر خلال هذه الفترة يخوضون معارك تذكر مع النظام أو يشكلون عليه خطراً ولم يظهر في أجندة البلاد ما يدل على ذلك، لكن في مقر الـ(K.G.B) في موسكو نهاية يونيو/ حزيران عام 1988 صدرت رسالة موافقة على طلب تقدم به القيادي الشيوعي المصري رفعت السعيد قبل شهر من هذا التاريخ يطلب فيه إعداداً أمنياً، الموافقة صدرت ومعها توصية بأن يجري الإعداد الأمني خلال رحلة استجمام.

رفعت السعيد: كان فيه خطة لتخويفنا، فمثلا الأستاذ خالد كان في الإسكندرية ونازل السواق لقى ناس قاعدة تلعب في العجل بطريقة فجة.. يعني بتقول له شوفني والنبي أنا بألعب لك في العجلة بتاعتك، فجاء بص لقى العجل مفكوك، الصواميل بتاعته مفكوكة بما يوحي بإنه لو كان جري عليه وهو راجع القاهرة كان ممكن عجلة تطير فالعربية تتقلب، فبدأ كثير من الدبلوماسيين بما فيهم حتى الفرنسيين نفسهم بدؤوا يقولوا لنا خلوا بالكم ويعني شوفوا نفسكم أنتم متراقبين ولا لا وخلوا بالكم وبتاع، لكن حكاية تدريب أمني وبتاع لا، بالنسبة لي ما حصلش وبالنسبة لي لا أعتقد إن أنا كنت في الاتحاد السوفيتي سنة 1988.

[تعليق صوتي]

من المستبعد أن يكون الإعداد الأمني الذي وافق عليه جهاز الـ(K.G.B) ليستفيد منه رفعت السعيد بسبب مخاوف أمنية شعر بها القيادي الشيوعي من السلطات كما يُستبعد أن يكون مؤشراً على مواجهات تستعد التنظيمات الشيوعية لشنها ضد السلطات وعلى الأرجح في هذا السياق أن يكون رفعت السعيد طلب إعداداً أمنياً كإجراء احتياطي، ففي عام 1990 راح الكاتب العلماني فرج فودة ضحية لعملية اغتيال وذلك بعد أيام قلائل من انتهاء ندوة علماء الأزهر والتي استصدرت بيان أعتبر بمثابة تحريض سافر على القتل، حيث وصفه بأنه من أتباع اتجاه لا ديني وشديد العداوة لكل ما هو إسلامي وأعلن متحدث باسم الجماعة الإسلامية عقب حادثة الاغتيال أنهم نفذوا العقوبة الشرعية لعريضة الاتهام التي أعلنها الأزهر وفي هذا السياق يُعَد رفعت السعيد من أشد خصوم الحركات الإسلامية فكراً وسياسية.

رفعت السعيد: لا.. أنا المرة الوحيدة اللي تلقيت فيها تدريب أمني تلقيته.. أنا كنت رايح سنة 1971.. 1972 كنت رايح إلى هلسنكي لكي أعمل في سكرتارية المجلس العالمي للسلام، كنت السكرتير العام التنفيذي للمجلس العالمي للسلام، فيوم ما وصلت.. حظي فقري بقى.. وقعت حادثة ميونخ، اللي هي اغتيال الرياضيين في ميونخ ودي عملت حالة من النفور في فنلندا فظيعة جداً فجاء لي ضابط من الأمن الفنلندي قال لي أنت ساكن في حته محدوفة.. حته طبعا كان اسمها لوهاره ما أعرفش دلوقتي بقى شكلها إيه، فأنت ماشي.. يعني كلام ما أخدش ربع ساعة وأنت ماشي من محطة الأتوبيس لحد البيت أول ما تنزل تلفت حواليك شوف كذا، إذا حسيت إن فيه صوت عربية جاي أطلع على الرصيف علشان تكون العربية دي ناوية تدهسك، كلام من العبيط ده اللي.. يعني يمكن (K.G.B).. يعني (K.G).. يعني أولى روضة يعني.

[تعليق صوتي]

في فلسطين أخذت علاقات الارتباط بين الحزب الشيوعي السوفيتي والمنظمات الشيوعية منذ الأربعينيات أشكالاً مختلفة، توسل فيها السوفيت بقنوات وسيطة لتفادي الحواجز التي تقيمها سلطات الانتداب البريطاني على التنظميات الشيوعية اليهودية والعربية وخصوصاً بعد مؤتمر يلطا الذي أعقبته سياسة حذرة متبادلة بين الطرفين السوفيتي والبريطاني وكانت انعكاساتها مباشرة على نشاط الشيوعيين في فلسطين، حيث عرضنا سابقاً عبر الوثائق الأميركية الصادرة في الأربعينيات من القرن العشرين الوسائل المختلفة من الدعم عبر دور النشر السوفيتية بالإضافة إلى دور وكالة تاس ومراسليها في تجنيد عناصر شيوعية جديدة.

آلان جريش- مسؤول العلاقات العربية في الحزب الشيوعي الفرنسي: في الـ1947، 1948 كان الهدف السوفيتي الأساسي خلق بشكل.. للقوة العظمى للمنطقة اللي كانت بريطانيا وأنا أظن أنه ده السبب الأساسي لتأييد الاتحاد السوفيتي لانقسام فلسطين.. لقرار انقسام فلسطين، أظن ده.. كان بيفكروا في هذا الوقت.. يعني الاتحاد السوفيتي في هذا.. يعني كان له فكرة مقفولة شويه إن الكفاح الأساسي في العالم هو كفاح بين الاشتراكية والرأسمالية، إن الشعوب ما هنسميه العالم الثالث ما لهوش تأثير مهم، فإذا فيه إمكانية نستفيد عدو العدو (Ok) بنعمله.

[تعليق صوتي]

بعد ثلاثة عقود من الزمن كانت أوضاع فلسطين لا تزال على حالها من الاضطراب والمواجهات بين إسرائيل والمقاومة وكنا تطرقنا في فقرات سابقة إلى العلاقات بين الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية بوساطة الحزب الاشتراكي الألماني الموحد وتجاوب منظمة التحرير من خلال منحها الحزب الشيوعي الفلسطيني فرص العمل بحرية في الأراضي التي تراقبها المنظمة عبر خلاياها وتسائلنا عن المستفيد من العلاقات بين الشيوعيين الفلسطينيين والإسرائيليين.

فريتكش بالكة- سفير سابق بعدة دول عربية: أنا مازلت أتذكر ندوة حول كارل ماركس في عام 1983 في الذكرى المئوية لوفاته، حيث دعيت إليها جهات من كل أنحاء العالم تقريباً، ليس فقط الشيوعيين بل حتى قوى تقدمية من هذه البلدان وحتى أحزاب أخرى من فلسطين مثلاً وبلدان عربية أخرى وأعتقد أن هذه النقاشات كان لها تأثيراً إيجابياً.

[موجز الأنباء]

[تعليق صوتي]

نتوقف هنا عند مضمون وثيقة سوفيتية تكشف بعداً آخر في علاقات الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ففي الوثيقة يظهر أن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي وافقت على طلب قدمه زعيم الحزب الشيوعي الإسرائيلي للاستفادة من دورة تدريب أمني في يونيو من عام 1979 وتشير الوثيقة إلى مخاطر أمنية يتعرض لها الشيوعيون في إسرائيل، بيد أن الوثيقة لا تحدد بدقة مصدر تلك المخاطر ولكن ترتيب رحلة الذهاب والعودة من تل أبيب إلى موسكو يثير التساؤل إن كان يجرى بعيداً عن علم السلطات الإسرائيلية وأجهزتها الاستخباراتية القوية وإذا كانت تل أبيب على علم بالزيارة فهل كانت على علم بالمهمة؟ وإذا علمت بها فمَن كان مصدر الخوف على الحزب الشيوعي الإسرائيلي؟

نعيم الأشهب- الحزب الشيوعي الفلسطيني: كان الصوت الوحيد اليهودي في الكنيست بعد حرب 1967 العدوانية اللي وقف يشجب هذا العدوان هو مائير فيلنر وفي شهر عشرة من 1967 أعتدي عليه أحد أعضاء الحيروت كان يشتغل في جريدتهم بالسكينة تبعت المطبعة وطعنه وكاد يقتله لولا المارة اللي حموه منه، لأنه وقف بشجاعة ضد الاحتلال.

بنيامين بن جونين- الحزب الشيوعي الإسرائيلي: بعد سنة 1967.. بعد أن سمنت إسرائيل وانتفخ خصراها حدث الكثير من الاعتداءات، أثّرت السمنة على إسرائيل لذلك الموضوع ليس المساحة العريضة أو الرفيعة، الموضوع هو الاحتلال والتحكم بشعب يجب أن يكون سلام والسلام معناه الانسحاب إلى حدود 1967، السلام معناه منح الشعب الفلسطيني حقه دون أية شروط، ليس 20% أو 30% من الضفة الغربية، يجب الانسحاب إلى حدود الـ1967 في الحال، لأن حدود الـ1967 ستكون هي الحدود الآمنة لإسرائيل وهذا يضمن وجود إسرائيل.

الدعم العسكري والمادي

[تعليق صوتي]

في بدايات صيف عام 1985 بدأت الحرب الأهلية في لبنان تضع أوزارها وتتجه الأطراف للبحث عن تسويات، لكن الاغتيالات السياسية كانت لا تزال تحصد مزيداً من رؤوس الزعماء اللبنانيين من طوائف واتجاهات مختلفة، كما أن الميليشيات لم تكن قد سلمت أسلحتها بعد، في السابع من يونيو تلقت السفارة السوفيتية في بيروت رسالة من جورج حاوي أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني يشكر السوفيت على مساعدتهم في مجال إعداد الكوادر العسكرية ونتيجة للاحتياجات التي تتطلبها ظروف النضال في بلاده يقترح موعداً لبدء دورات في مطلع نيسان من كل عام وحتى نهاية كانون الأول ويبلغ عدد العناصر المطلوب تدريبهم مائة وسبعين شخصاً، ثلاث دورات عسكرية سنوياً لمدة ثلاثة أشهر لخمسين عضواً في الاختصاصات التالية.. دبابات، مدفعية، أسلحة مضادة للطيران شيلكا، ستريلا اثنين والصواريخ الموجهة ضد الآليات، العمل الخاص دورتان لكل عام لمدة خمسة أشهر لعشرة رفاق، العمل الأمني ثلاث دورات كل عام لثلاثة أشهر لخمسة رفاق، التوقيع جورج حاوي ويتضمن الملف وثيقة الموافقة النهائية من وزارة الدفاع وقعها المارشال سوكولوف والتي تنص على تدريب ستين فرداً بحسب الاختصاصات العسكرية وذلك على حساب وزارة الدفاع السوفيتية.

فريتش بالكة: كانوا يحصلون بالطبع على مساعدات من الخارج، من الاتحاد السوفيتي وأيضاً من ألمانيا الديمقراطية ويمكن لي أن أوضح ذلك بتقديم سوريا كمثال، ما هي نوعية المساعدات التي حصل عليها الحزب الشيوعي السوري؟ لقد كانت تتمثل في تبادل زيارات الوفود، دعوات لفترات دراسية، أماكن للدراسة العليا والتطبيب ولا أتذكر ما إذا حصلت هذه الأحزاب على أموال أو أسلحة.

فيتسلاف موتوزوف- مسؤول الأحزاب الشيوعية الشرقية: ليست هذه قضية علاقات دعم تلك الأحزاب مالياً ومادياً، كانت هناك المساعدات.. مساعدات بسيطة جداً، بسيطة لإصدار الصحافة الحزبية، لتطوير المشاريع المشتركة الاقتصادية أحياناً، (Business) شركات تابعة للأحزاب الشيوعية كانت موجودة.

[تعليق صوتي]

يُعَد الحزب الشيوعي اللبناني من أعرق الأحزاب الشيوعية العربية التي قدمت خدماتها مبكراً إلى الاتحاد السوفيتي وتُظهر مراجع ومصادر متعددة أنه كان يتوفر على إمكانيات مادية وإعلامية ضخمة تتألف من دور نشر ومؤسسات إعلامية كان لها إشعاع على مستوى المنطقة العربية بكاملها وكمؤشر على أهمية المؤسسة الإعلامية فقد ولِدت من صلبها محطة التليفزيون الجديد ويبدو أنه مع توقف التمويل الخارجي للحزب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودخول لبنان مرحلة جديدة وفرض إجراءات رقابية اضطر الحزب الشيوعي لبيع المؤسسة في عام 1992.

فيش باخ- متخصص في قضايا الشرق الأوسط: ما أثار اهتمام الأميركيين في علاقة السوفيت بلبنان أكثر هو كيف ستكون علاقة الاتحاد السوفيتي بسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية أكثر من وضع الشيوعيين المحليين وأعتقد أن الأميركيين كانوا مهتمين بالطريقة التي سيتعامل بها الاتحاد السوفيتي بعد تدخل السوريون بالوضع في حالة دخول اثنين من حلفائهم غير العراقيين في حرب مع بعضهما البعض.

[تعليق صوتي]

استثمرت ألمانيا الديمقراطية منذ بداية الستينيات في اتجاه تعميق علاقاتها في اليمن ونشطت أجهزتها الدبلوماسية والاستخباراتية والحزبية في نسج علاقات مع النخب السياسية اليمنية ذات التوجهات الشيوعية واستقبلت عدداً من قيادات سياسية لم تقتصر على قيادات اليمن الجنوبي بل شملت قيادات اليمن الشمالي وليس الرئيس علي عبد الله صالح رغم توجهه اليبرالي المحافظ سوى واحد من أبناء المدرسة الألمانية الشرقية، في عام 1966 عندما كانت عدن محمية بريطانية كانت أهداف المعسكر الاشتراكي مركزة على اليمن الشمالي وفي وثيقة لقسم الشؤون الخارجية للحزب الاشتراكي الألماني الموحد سبق أن عرضنا قسماً منها تكشف شكلاً من أشكال ربط الصلات مع عناصر ذات توجهات شيوعية ونخب نافذة في أجهزة الحُكم في الدولة الأمنية في عهد الرئيس السلال، تبدأ العملية بهدية رمزية تتمثل في آلة كاتبة مهداه إلى منظمة شبابية يمنية وتتعمق باتجاه ربط القنصل الألماني خيوط الاتصال برئيس الاستخبارات اليمنية محمد السلامي والاعتماد عليه كمصدر للمعلومات عن أوضاع البلاد، في وثيقة ألمانية أخرى تتضمن رسالة من قيادة منظمة الشبيبة في اليمن الديمقراطي وحزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي تُعبِّر عن الآمال التي تعلقها منظمات شبيبة يمنية على النظام الشيوعي في ألمانيا الديمقراطية في الحصول على المساعدة المادية والسياسية ولاستعجال الدعم المادي تؤكد الرسالة أن المعسكر المنافس أي الرأسمالي يحقق نجاحات في اليمن على حساب القوى التقدمية وبالتالي تطلب تقديم الدعم بل التدخل بصفة غير مباشرة عبر هذه المنظمات اليمنية وتقول الرسالة بالحرف نحن لن نقدر على تحريك شيء من دون مساعدتكم التضامنية التي يحصل عليها الشيوعيون في العالم العربي.

فيكتور أمبيلوف- متشدد منشق عن الشيوعي السوفيتي: أقول انطلاقاً من فهمي للإمبريالية أنها تسعى لترسيخ دكتاتوريتها رافضة بالمقابل دكتاتورية التواجد السوفيتي أو الصيني في هذه المنطقة أو في العالم برمته.

[تعليق صوتي]

أشكال الدعم الذي كان يحصل عليها الحزب الاشتراكي في اليمن الجنوبي كانت تأخذ أشكالاً متعددة وهنا في وثيقة سوفيتية تبين أنه عندما كان إسماعيل عبد الفتاح رئيساً وأميناً للحزب الاشتراكي وهو معروف بولائه للسوفيت أمر ليونيد برجنيف باسم الحزب الشيوعي السوفيتي ببناء مقر للحزب اليمني على نفقة موسكو وتبرز في أعلى الوثيقة علامة سري للغاية مما يؤشر على أن هذه المساعدة كانت لأهداف لم يكن مطلوباً كشفها ولاسيما في ظل الصراعات المحتدمة داخل قيادة اليمن الجنوبي بسبب تعدد الولاءات للمراكز الشيوعية المتنافسة.

"
بعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني كانت تتأثر بالتوجهات الصينية ذات النبرة اليسارية العالية، لكن تدريجياً أخذت قيادات الأحزاب الشيوعية العربية ومنها اليمنية تميل إلى الجانب السوفيتي وحصلت على مساعدات كبيرة على هذا الصعيد
"
 عبد الحسين شعبان

عبد الحسين شعبان: يمكن القول أن بداية الصراعات في السبعينات كان هناك تأثيراً للصين في اليمن خصوصاً عبر سالمين.. سالم الربيع علي الرئيس اليمني السابق كان متأثراً بالتيار الصيني وبالاتجاه الصيني، كان بعض قيادات الحزب الاشتراكي اليمني الجبهة القومية سابقاً تتأثر بالتوجهات الصينية ذات النبرة اليسارية العالية وذات الرنين المدوي والجملة الثورية، لكن تدريجياً أخذت قيادات الأحزاب الشيوعية العربية ومنها قيادة الحزب الاشتراكي اليمني تتوجه أو تميل إلى الجانب السوفيتي وحصلت على مساعدات كبيرة على هذا الصعيد.

[تعليق صوتي]

في الوثيقة السوفيتية بتاريخ الثالث والعشرين من مايو عام 1985 والتي عرضناها سابقاً تبين أن وفد زعماء أحزاب الشيوعية العربية الذين قاموا بزيارة لليمن الجنوبي في تلك الفترة للتوسط بين أجنحة الحُكم المتناحرة كانوا يقومون بالمهمة لحساب الحزب الشيوعي السوفيتي ومن ثم طلبوا منه تسديد فواتير الرحلة التي جمعتهم من عواصم مختلفة، المهمة إذاً لم تكن مجانية ومن صميم التضامن بين الرفاق الشيوعيين العرب.

ميخائيل بوروفيتش: انطلاقاً من الوثائق المتوفرة لم يقدم السوفيت دعماً لأحزاب شيوعية عربية غير مؤثر فحسب بل كان يفهم أن هذه الأموال لم تكن تذهب في الاتجاه الصحيح وبقيت جل هذه المساعدات في حسابات زعماء هذه الأحزاب الخاصة.

[تعليق صوتي]

في بداية الستينيات كان الحزب الشيوعي السوداني يتعرض للملاحقات من قِبل نظام عبود العسكري ويبدو أن الظروف كانت مواتية له ليستغل علاقاته مع ألمانيا الديمقراطية لمنح امتيازات لشركة داخل السودان، حيث يرد إلى قسم العلاقات الدولية في الحزب الاشتراكي الألماني الموحد البرقية التي تقول الحزب الشيوعي في السودان يطلب منا توسيع العلاقات التجارية مع شركة (Farah trade company) أرباح هذه الشركة تعود بالنفع على الحزب الشيوعي في السودان، نحن نطلب منك بحث إمكانيات توسيع التجارة واستغلالها في الحفاظ على الشروط التجارية.

فريتش بالكة: علاقة الحزب الاشتراكي الألماني الموحد مع الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان كانت لها الأولوية، لكن الحزب الاشتراكي الألماني كان أيضاً مهتماً وبالتحديد في هذه البلدان ذات ما يسمى بالتوجهات الاشتراكية بربط علاقات جيدة مع الأحزاب الحاكمة وكان هذا ينطبق بوجه خاص على سوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبية وتسبب هذا أحياناً في نزاعات.

[تعليق صوتي]

في عام 1966 عاش السودان أيام انفتاح في ظل حكومة منتخبة ديمقراطياً جاءت على أنقاض الحُكم العسكري بعد انتفاضة شعبية ولم يكن الحزب الشيوعي يواجه محناً، لكننا سوف نتوقف هنا أمام وثيقة ألمانية مثيرة حول حقيقة أهداف الحزب من وراء مساعدات من نوعيه خاصة، حيث تقول تلك البرقية في الحادي والثلاثين من يناير جرى الحديث مع السكرتير العام للحزب الشيوعي في السودان بطلب منه، الرفيق خالق وجه طلب عاجل بأن يرسل الحزب الاشتراكي الألماني الموحد ثلاثة إلى أربعة آلات تسجيل على شكل ساعات يد أو ما شابه ذلك وآلتين للتصوير بحجم صغير، لتسلم ذلك سيسافر في الثاني أو الثالث من فبراير عام 1966 مبعوث لقيادة الحزب باسمي حامد محمد حامد السباعي آتي من سويسرا عبر برلين الغربية وليس له تأشيرة سفر من ألمانيا الديمقراطية وهكذا يثار التساؤل، هل هي مساعدة للقيام بأعمال تجسس على جهات معينة داخل السودان؟ كما كُتِب في أعلى هذا التلغراف بخط اليد كلمة عاجل من قِبل الشخص الذي تلقاه مما يوحي بضرورة تسليم تلك الأدوات بسرعة إلى الجهات السودانية.

هانس زايدل: أفتكر أن هذه المساعدات من تشجيع كان صح طبعاً، كمان مربوط مع الأمل أن هذا يؤثر على توازن القوى مبدئياً في المنطقة ولكن مع اشتراك هذه القوة في التطور الداخلي في البلدان، أما.. يعني لا أريد.. أريد أن يكون لها لسه عملاء أو ناس المخابرات أو مثل كده، طبعاً موجودين في كل جهة في كل مكان ولكن مش الحزب الشيوعي ولا هم شيوعيين، أنا أعرف أن في الناس اللي يشتغلوا في سبيل المخابرات في هذه البلاد أو هذه البلاد من.. حتى من جهات معادية للشيوعية ومثل كده هذه حاجة أخرى.

[تعليق صوتي]

في وضع آخر كان يجتازه السودان في أواخر أيام حكومة الصادق المهدي كانت أوضاع البلاد غير مستقرة، تصدر عن الحزب الشيوعي السوفيتي في الثاني والعشرين من مايو عام 1987 وثيقة حول طلب السوداني بتدريب عشرين عضواً لإعدادهم عسكرياً وتقول الوثيقة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في التاريخ المذكور نظرت في مسألة قبول عشرين عضواً شيوعياً سودانياً لإعداد عسكري خلال عام 1988، مدة الدورة ثلاثة أشهر، تأخذ على عاقتها التكاليف كلها بما في ذلك بالعملة الصعبة منذ سفر هؤلاء الأعضاء إلى موسكو والعكس والتوقيع لوزارة الدفاع مسؤول الاستخبارات العسكرية الجنرال ميخائيلوف موافق.

رفعت السعيد: فيه حاجات غريبة أنا بأسمعها للأول مرة.. يعني تدريبات عسكرية، مين اللي تدرب تدريبات عسكرية؟ فين.. في أي بلد انعكس ذلك؟ هيدربوا الإسرائيليين تدريبات عسكرية؟ هيدربوا المصريين تدريبات عسكرية؟ طيب المصريين هيعملوا إيه بالتدريبات العسكرية؟ ما بانش انعكاس لا للمصريين ولا للسوريين ولا للسودانيين ولا لأي حد من هذه في إنهم تلقوا تدريبات عسكرية، يمكن دربوا الكوادر الفلسطينية ودي حركة تحرر وطني كانوا بيدربوهم.

[تعليق صوتي]

لا تتضمن رسالة الحزب الشيوعي السوداني ولا رسالة الموافقة التي صدرت عن القيادة في موسكو توضيحات لدواعي الإعداد والتدريبات العسكرية لعناصر من الحزب الشيوعي السوداني ولكن في تلك الفترة شهدت البلاد حالة احتقان سياسي كان نتيجتها حدوث انقلاب عسكري عام 1989 قاده الجنرال عمر البشير وكانت الجبهة القومية الإسلامية بزعامة الدكتور حسن الترابي من أقوى المؤيدين للانقلاب.

رفعت السعيد: الحالة السودانية دي حالة مختلفة، يعني مثلا نميري و.. والترابي كانوا زملاء في مدرسة حنتوب أظن الثانوية والمدارس السودانية.. على فكرة المدارس السودانية كانت وفق النمط الإنجليزي كلها داخلية، فلما الطلبة يبقوا قاعدين بقى في الدخليات سنوات عدة كانوا بيبقوا أصدقاء، أما حالة العداء بين الإسلاميين السودانيين والحزب الشيوعي السوداني أنا رأيي إنها حالة طبيعية بين فكرين؛ فكر يقوم على أساس إقامة دولة دينية وفكر بيرفض فكرة إقامة دولة دينية.

[تعليق صوتي]

نتوقف هنا عند وثيقة جامعة للائحة طويلة من الأحزاب الشيوعية والاشتراكية العربية تكشف بعض أرقام من موازنة الحزب الشيوعي السوفيتي حيث تذكر في هذا العام قدم الصندوق الدولي المساعدات التي منحت للأحزاب الشيوعية والمنظمات التالية.. الحزب الشيوعي الجزائري ثلاثمائة وعشرون ألف دولار، حركة التحرير الكردية البرزاني 268.126 ألف دولار، الحزب الشيوعي الكردستاني مائتان وأربعون ألف دولار، الحزب الشيوعي الإسرائيلي خمسة وسبعون ألف دولار، الاتحاد الديمقراطي الصومالي خمسة وسبعون ألف دولار، الحزب الشيوعي العراقي ستة وخمسون ألف دولار، الحزب الشيوعي السوري خمسون ألف دولار، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المغربي خمسون ألف دولار، الحزب الشيوعي اللبناني أربعون ألف دولار، الحزب الشيوعي السوداني 33.600 ألف دولار والحزب الشيوعي المغربي خمسة وعشرون ألف دولار وتؤشر لائحة الأحزاب وقيمة المساعدات إلى أن هذه الأرقام تُعَد كبيرة بمقاييس الفترة الزمنية التي أنفقت فيها وأن المساعدات التي كانت تتلقاها الأحزاب الشيوعية العربية لم تكن مجرد مساعدات عابرة أو ظرفية بل موازنات مفصلة سنوية، مما يدل على طبيعة الارتباط الهيكلي والعضوي لهذه الأحزاب باعتبارها فروعاً للمركز الشيوعي في موسكو وأن هذا الارتباط له تبعات سياسية في تنفيذ المهام المطلوبة من كل حزب في بلده على أصعدة السياسات الخارجية والداخلية.

رفعت السعيد: كان بتيجي معونات مالية من الاتحاد السوفيتي إلى بعض الأحزاب الشيوعية في العالم، هل المصريين أخذوا؟ ما أعتقدش، المصريين كانوا دائما مناكفين.. يعني أنا عايز أقول لك حاجه علشان تبقى عارف من 1924 عندما أصبح الحزب الشيوعي المصري حزباً سرياً لحد 1936 ظل الحزب الشيوعي على علاقة بالسوفيت، منذ 1936 وحتى يمكن 1978 لم تكن هناك أي علاقة مع.. بين الشيوعيين المصريين وبين السوفيت، العلاقة بدأت في نهايات العصر السوفيتي.. الأفق السوفيتي، ما أعتقدش بالنسبة لمصر، لكن بالنسبة للأحزاب الأخرى.. يعني ممكن تسألهم.

عبد الله العياشي- عضو قيادي سابق في الحزب الشيوعي المغربي: الواقع بأن الحزب الشيوعي السوفيتي كانت له علاقات مع الحكومة ومع فصائل الحركة الوطنية.

المذيع: منذ تلك الفترة؟

عبد الله العياشي: منذ تلك الفترة ومنها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أما كونه دعم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مالياً مثل ما فعل مع الحزب الشيوعي فليس لي علم بذلك، الأكيد وهو أن الحزب الشيوعي المغربي لم ينل لسنوات فلساً واحداً من الاتحاد السوفيتي.

ميخائيل بوروفيتش: الاتحاد السوفيتي موّل كثيراً من الأحزاب والتيارات وعلى رأسها الشيوعية، بما فيها تلك التي لم تكن تمتلك دوراً ملحوظاً داخلياً أو في المشهد الدولي وأعتقد أن السوفيت كانوا مضطرين لذلك وخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين بعد اندلاع حالة الصراع الطاحنة مع الولايات المتحدة والغرب، طالما كانا بدورهما يمولان تيارات حليفة لهما

نعيم الأشهب: ولو كنا عملاء وبنتلقى مصاري طيب يا عمنا ليش ننجلد ونتبهدل وننسجن، ما خلناش لا سجن ولا معتقل صحراوي ولا زنازن لا عند الأردنيين ولا عند الإسرائيليين إلا دخلناهم، إذا بدنا نشتغل عملاء ما هاي عندهم ما شاء الله بيصيروا رؤساء وزراء ويعلن باعتزاز أنه أنا بأشتغل مع الـ(C.I.A)، رئيس وزراء ومع جهات أخرى وبيأخذوا مصاري طيب ما نعرفش إحنا نشتغل زيهم يعني.

هانس زايدل: الأحزاب الشيوعية أو الفكرة الشيوعية مازالت حية ولكن شكل العمل، شكل التنفيذ أو كده.. الهدف الاجتماعي الأساسي يجوز أنه بعيد جداً، لأنه من ناحية أخرى نرى طبعاً أن مش فقط انهيار المعسكر الاشتراكي ولكن فيه ناحية أخرى أنا أظن أن ما وصلت إليه العالم الآن هذا تطرف إلى الكل سياسياً يسار أو تطرف إلى الحُكم الرأسمالي، مش فقط الرأسمالي ولكن فعلاً الاستعماري خالص.

بنيامين بن جونين: تحكم إسرائيل مجموعة صغيرة من أصحاب المليارات، لا تظنوا بأن هنالك حكومة تتخذ القرارات وإذا كنا نتكلم عن العملاء فأنا لم أكن أبداً عميلاً سوفيتياً ولكن حكومة إسرائيل هي عميل للنظام الأميركي، هناك يقررون السياسة، لذا فأنا لا أمثل أصحاب المليارات بل أمثل طبقة العمال.

فيكتور أمبيلوف: على العرب أن يشعروا بالمسؤولية والذنب لسماحهم للاحتلال الكولونيالي تقسيم بلادهم ووصولهم إلى هذه الدرجة، فإذا أراد العرب صياغة وحدتهم عليهم عدم الالتفات للمعايير الدينية كشيعي وسنّي أو القومية عربي وكردي مثلاً وذلك لمصلحة الإنسان العربي وهذا ما يجسد تهديداً للمصالح الإمبريالية.

[تعليق صوتي]

وقبل الختام نتوقف عند محتوى وثيقة ألمانية نتوخى عدم ذكر بعض تفاصيلها أو رقمها التسلسلي نظراً لحساسية ما ورد فيها، ففي ختام رسالة تلقاها مسؤول رفيع في الحزب الاشتراكي الألماني الموحد حول أجندة زيارة مهمة كان قيادي شيوعي مصري بارز قام بها لبرلين خلال سنة 1969، حيث تقول الرسالة يرغب الرفيق في قضاء حوالي عشرة إلى أربعة عشر يوماً مع صديقته مواطنة ألمانيا الديمقراطية وتحمل الرسالة توقيع مسؤول الحزب الألماني، بين مصدِّق ومكذب وعبر راوي وناقل تبقى الوثيقة الرسمية هدفنا الحقيقي التي نأمل من خلالها أن نكون قد اقتربنا قدر الإمكان من بعض الجوانب الخفية والمجهولة في تاريخنا الحديث عبر تلك الرحلة الطويلة في ملفات الأحزاب الشيوعية العربية.