الشاهد - العراق يبحث عن ذاته
الشاهد

العراق يبحث عن ذاته

العراق يبحث عن ذاته، ينشد حريته مقاومة وسلما، يحاول حفظ ذاكرته ووحدته، نشاهد العراق ونسأل أهله شمالا وجنوبا.

مقدم الحلقة:

أحمد الشيخ

ضيوف الحلقة:

غازي عجيل الياور: عضو مجلس الحكم
صدر الدين القبانجي: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
مثنى حارث الضاري: هيئة علماء المسلمين
عمار الحكيم: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
خالد الفيصل: شيخ مشايخ قبائل شمر في العراق
وآخرون

تاريخ الحلقة:

09/04/2004

– الأوضاع في البصرة وبغداد
– الشيعة وانتظار فتوى المقاومة
– الوضع في البصرة مقارنة بالشمال والوسط
– كركوك.. نموذج مصغر للعراق
– حلم الأكراد
– البصرة.. وانتظار وعود الاحتلال ودور العشائر
– سامراء والفلوجة.. الإصرار على المقاومة
– وضع المقاومة العراقية وتنظيماتها


undefinedأحمد الشيخ: نبدأ رحلتنا في العراق من ضفاف دجلة عند الرصافة والكرخ، حيث بغداد تواجهك وتضمك بين وجوه العراق المتعددة ومن يدخل المدينة مثلنا لأول مرة بعد الاحتلال الأميركي لابد أن يجول ببصره عله يشاهد بعضا من القوة الغاشمة التي تفرض نفسها على المكان وأهله منذ عام. إنه الاحتلال الثامن والعشرون للمدينة التي ما تزال ترتفع في بعض أحيائها شواهد قبور غزاتها وإذ يمضي العراقيون في حياتهم اليومية تحت الاحتلال فإن شوارع مدينتهم المكتظة بالناس وبهمومهم لم تشهد احتلالا أسرع من هذا. اندفع الأميركيون بآلتهم العسكرية الماحقة من الجنوب من أرض عربية وأخذوا يتقدمون بسرعة نحو بغداد تحت غطاء جوي كثيف وما هي إلا تسعة عشر يوما حتى وقفت دبابتهم فوق مياه دجلة. انكسار صاعق لجيش عريق متمرس ما صدقه العراقيون بل وربما قادة الغزاة أنفسهم. سقطت بغداد وتساقطت رؤوس لم تدرك حقائق الحاضر ومتغيرات العصر ولم تعِ من الماضي القريب والبعيد درسا أو عبرة وشاهد العالم كله نهاية مأساوية لنظام الرجل الواحد والسيد الأوحد الذي اختزل مثل عرب كثيرين غيره الوطن في شخصه. هلَّل كثير من العراقيين آنذاك بل واعتبر بعضهم وما زال الاحتلال تحريرا والمحتلون قطعوا الوعود كثيرة وعريضا ازدهار وحرية وأمن وديمقراطية ونهاية للمعاناة. أين بغداد من ذلك كله بعد عام من الاحتلال؟ فما تحقق من ازدهار اقتصادي لم يتجاوز قشرة هذه اللافتات التي تدعو وتشجع القلة القليلة من القادرين الذين قد تستهويهم في متاجر راقية ثقافة الاستهلاك القادم مع الاحتلال.

الأوضاع في البصرة وبغداد

مواطنة عراقية: الأسعار هنا يعني زينة بالنسبة لنا.. بالنسبة للدخل المحدود يعني ما يضر يعني شوف هاي الناس بسطاء ما يقدروا يدخلون هاي المحلات.

مواطن عراقي: الوضع تغير يعني الحالة الاقتصادية أحسن من الأول بالنسبة لطبقة معينة من الناس والطبقة صاحبة الدخل المحدود بقى على حالة ما تغير كل شيء يعني ينتظر الراتب شهر بشهر وشهر ماكو وشهر أكو مو زي الأول بس بالنسبة للتجار دافعي الضرائب الأول، المستوردين، أصحاب المهن الحرفية زين وضعهم أحسن من الأول.

أحمد الشيخ: وأولئك الذين قذفهم المحتل إلى الشارع بعد حل الجيش وإلغاء أجهزة الأمن واعتبرهم متقاعدين مع غيرهم تبخرت آمالهم تحت نار احتلال لا يرحم ويطحن الجميع.

مواطن عراقي ثان: ماكو مصداقية يعني لا الأميركان عندهم مصداقية ولا مجلس الحكم عنده مصداقية والوضع الحالي إحنا يعني هسا اليوم تطلع مظاهرة الساعة العاشرة، العاشرة ونصف تطلع مظاهرة على الرواتب مآلتنا قليلة وما تتلاءم ويا الوضع.

مواطن عراقي ثالث: وين الأفضل هو شنو الأفضل بنا؟ يعني أنت لما تيجي تقول لي الوضع أفضل أو الأسعار أفضل شنو اللي صار عندنا أفضل؟

مواطن عراقي رابع: مثال أجيب يعني أكو واحد من المتقاعدين ادوه أمواله كل شهر هو أربعين ألف دينار يأخذ ادوه أمواله يصرفوا عليه خمس وعشرين ألف دينار يبقى له 15 ألف زين، هاي الـ 15 ألف وين يوديها؟

أحمد الشيخ: أما الحديث عن إعادة الإعمار فلم يتجاوز مرحلة الأمنيات إذ ما تزال جراح بغداد التي فتحها الاحتلال ناكئة. كثير من المباني العامة ومقرات شبكة الاتصال والمواصلات التي قصفتها الصواريخ والطائرات الأميركية والبريطانية أثناء الحرب ما تزال تحملق في وجوه المارة في أنحاء كثيرة من المدينة وما حدث من إعمار لا يكاد يذكر وكل ليلة تغرق بغداد في الظلام مع انقطاع الكهرباء الدوري عن أحيائها كما كان الحال عليه أثناء الحصار القاسي الذي فرض على العراق لأكثر من اثني عشر عاما. والمستشفيات في بغداد بملايينها الستة ليست أيضا أحسن حالا عما كانت علية إبان الحصار وقبل الحرب نقص في المعدات وسيارات الإسعاف وإمدادات الطاقة والأسرة والأدوية والقوة البشرية وغيرها كثير.

مواطن عراقي خامس: المأساة الصحية ما تزال في العراق يعني الحرب كانت ثلاثة أسابيع لكنه إحنا نشوف الحرب يومية.

أحمد الشيخ: محمد الذي لم يكمل الرابعة محظوظ لأنه وجد سريرا في قسم الحروق بمستشفى الكندي، أما هذا الذي وصل ونحن نصور فقد لا يكون محظوظا بما يكفي إذ يقول الأطباء إنهم سيقدمون له الإسعافات الأولية ثم يطلبون من أهلة البحث عن سرير في مستشفى آخر إن أسعفه الحظ ووجد. وفي عنبر العظام مريضات ومرافقات لهن اغتنمن فرصة وجود الكاميرا للبوح بآلامهم والشكوى من آمال أحبطت.

مواطنة عراقية ثانية: هاي مريضة خامس عملية لها زين أدري ما يقدرون ليش الرواتب كل ثلاثة أشهر خلصنا من صدام النوبة.. الأمور للأسوأ يعني ترجع.

مواطنة عراقية ثالثة: فقراء إحنا يعني أنا عندي سبع أطفال وراح أبوهم بالكويت من 1990 وبقيت.. وحمايا رجله مقطومة وقاعدين والله كل شيء ما أكو.

مواطنة عراقية رابعة: قبل أحسن يعني كنا قبل أحسن هسا كل شيء ماكو كان أكو أمن كان أكو يعني الإنسان كان عايش أحسن هسا ما يكون لا شغل لا شيء كل اللي الدوائر حلوها وانتهى كل شيء.

أحمد الشيخ: الأمن الذي فُقد رغم اللافتات والابتسامات والشعارات الجميلة إذ تركت بغداد ومنذ اليوم الأول ليستبيحها اللصوص ممتلكاتٍ وتراثاً. ثم تُرك العراقيون ليقتلوا بمئاتهم في تفجيرات مروعة وقوات الاحتلال المسؤولة عن الأمن لا تفعل شيئا وفي أحيان كثيرة كانت وما تزال تنكل بالناس في بيوتهم تنتهك حرماتها وتهين أهلها أو هي تقتلهم إن طالبوا براتب لم يدفع أو رزق قطع. أما الحرية فإن كانت تعني غير ما سلف فإن ما تحقق منها حتى الآن ليس إلا شعارات تملأ الجدران أطلقتها أحزاب كثيرة ظهرت في العام المنصرم من الاحتلال بعضها كان منفيا ثم عادة مع الدبابة الأميركية لكنها جميعا لا تزال إما مُغيَّبة أو تفتقر إلى البرامج الواضحة والقوة الفاعلة للضغط على الاحتلال.

غازي عجيل الياور: يجب أن نتخلى عن الأنانية السياسية، الأعضاء الموجودين والكل يفكر في موضوع العراق الواحد، اليوم لو تروح بالعراق تسأل العراق تلقى الكل يتكلم عن شيعة وسنة وعرب وأكراد والعراق الغائب الأكبر لا أحد يذكر العراق في كلامه يعني العراق صار مثل صاحب عمارة مسافر والسكان المستأجرين لا يدفعون إيجار ولا يقومون بصيانة العمارة هذه.


العراقيون من مختلف المراكز والطبقات ما زالوا يعتبرون الخلاص من النظام السابق مكسبا وفرصة لإزالة كل ما يتصل به ويراودهم الأمل في خلاص قريب من الاحتلال

أحمد الشيخ: ورغم كل شيء فإن بعض العراقيين من مختلف المراكز والطبقات ما زالوا يعتبرون الخلاص من النظام السابق مكسبا في حد ذاته وفرصة لإزالة كل ما يتصل به ويراودهم الأمل في خلاص قريب من الاحتلال أيضا.

صدر الدين القبانجي : نحن اصطففنا مع كل الأيدي الخيّرة مع إرادة العراقيين في الوصول في مرحلة التحرر من النظام السابق.. الوصول إلى غاية هذه المرحلة، بمعنى نحن لم نكن نفكر فقط في إسقاط صدام ولا في النظام وهيكل النظام وإنما في اجتثاث عنصر الجريمة وعنصر الإرهاب في المنطقة وهو كل حزب البعث وأتباع حزب البعث. نصل إلى قضية الاحتلال بالنسبة لنا أنا أعتقد أن الاحتلال لا مجال له في العراق وهي قضية مفروغ عنها عندنا، أن الاحتلال لا يستطيع أن يبقى أساسا يعني ما هي إلا أشهر و إلا في أقصى الحالات سنوات حتى ينتهي الاحتلال.

أحمد الشيخ: سنوات بمعنى؟

صدر الدين القبانجي: في أقصى الحالات، لماذا؟ لأنه لا الأرض العراقية تسمح ولا المعادلات السياسية اللي تجري في داخل الولايات المتحدة الأميركية والتطورات السياسية في العالم لا تكاد تسمح بصيغة احتلال.

[فاصل إعلاني]

الشيعة وانتظار فتوى المقاومة

أحمد الشيخ: وانطلقنا خارج بغداد كي تكون الصورة أوسع وأشمل، قصدنا مدينة النجف مهوى أفئدة الشيعة في العراق والعالم. هنا حيث المرجعية الدينية والسياسية للعراقيين تختلف الأولويات فلا مقاومة مسلحة حتى الآن، بل مطالبة سلمية برحيل المحتل وبانتخابات تعيد للشعب سلطته. في النجف تقف وجها لوجه مع واحد من فصول التاريخ الإسلامي التي ما تزال حتى اليوم مثار للجدل والاستقطاب سواء على أرض العراق أو خارجها تحت هذه القبة يرقد رابع الخلفاء الراشدين كرم الله وجهه وعندها وبجوارها نُسِجت وما تزال جوانب كبيرة من الحياة السياسية في العراق وفيما جاوره من أقطار العالم الإسلامي. جئنا إلى الصحن الحيدري كما يطلق المسلمون الشيعة عليه زائرين ومستطلعين، غير أن الكاميرا توقفت في الخارج لتلتقط شيء من واقع العراق المعاصر وعلاقته بجواره فقط فتح انهيار النظام السابق وزواله أبواب العتبات المقدسة أمام مئات الألوف من الإيرانيين الشيعة، حتى إن الفارسية تتردد إلى جانب العربية عند الأضرحة وفي أسواق النجف وقد تحول الوجود الإيراني في النجف وكربلاء إلى فصلا من فصول التجاذب السياسي في العراق اليوم بين قائلٍ إن آلافا من غير العراقيين يعبرون الحدود المفتوحة كل يوم مما قد يؤثر على أي انتخابات تجري وبين رافض لذلك.

مثنى حارث الضاري : ثم الوضع الأمني سيمنع الكثيرين من الإدلاء بأصواتهم إضافة للمخاطر المعروفة من تسرب كثير من غير العراقيين لأن الحدود مفتوحة وعندنا معلومات موثقة حول هذا الصدد من اللي اعترف وزير داخلية بمجلس الحكم بهذه القضية وهناك عشرة آلاف غير العراقي يدخل يوميا إلى العراق، هذه كلها ستخل بالمعادلة.

عمار الحكيم : أنا أعتقد كمبدأ أي تدخل أجنبي في العراق من أي دولة من الدول كانت هو مرفوض، العراق للعراقيين وهذا مبدأ نتفق عليه جميعا ولا يختلف فيه أحد ولكن أنا أعتقد أن هناك نوع من أنوع الظلم في تفسير هذه الظاهرة نعم هناك آلاف من الشعب الإيراني يدخل العراق اليوم ولكن يدخل لأي سبب يدخل للزيارة لأنه من شيعة أهل البيت وأئمة أهل البيت مدفونين في العراق وحرموا منها لسنين طوال. نعم هناك عراقيون كانوا يعيشون في إيران دخلوا إلى العراق وبدؤوا يطالبون بحقوقهم، أنا عمار الحكيم كنت من أولئك الأشخاص أعيش في إيران رجعت إلى وطني كنت صغير حينما ذهبت ولا أعرف أين هي جنسيتي سواء صدرت في وقتها أو احترقت، فراجعت الدائرة وطلبت وبعد أن راجعوا دفاتر النفوس وتأكدوا من الاسم والخصوصيات وبعد عملية روتينية طالت أشهر من الزمان حصلت على الجنسية العراقية، أنا لست إيرانيا.


السيد علي السيستاني كان أول مرجعية شيعية عُليا تطلق الدعوة إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة وتختار للعراقيين ممثليهم وحكومتهم وتؤمن لهم خروج الاحتلال من أرضهم

أحمد الشيخ: العراقيون وغيرهم في العالم يتطلعون إلى ما يصدر عن الرجل الذي يقيم في هذا الحي المتواضع منذ عقود طويلة آية الله العظمى السيد علي السيستاني كان أول مرجعية شيعية عُليا تطلق الدعوى إلى انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة وتختار للعراقيين ممثليهم وحكومتهم وتؤمن لهم خروج الاحتلال من أرضهم وتسلم السلطة منه. آية الله العظمى السيد علي السيستاني جاء إلى العراق من إيران طفلا وهو اليوم في عقده الثامن يقوم بدور ديني مرجعي مباشر وبدور سياسي من وراء الكواليس يضطر في كثير من الحالات أصحاب القرارات في واشنطن وبغداد لإعادة النظر فيها وما الدعوة إلى الانتخابات وتفعيل دور الأمم المتحدة إلا مثالا على ذلك. يستمد السيستاني وغيره من المراجع الدينية الشيعية العليا في حوزاتهم المختلفة قوتهم من ولاء ملايين الشيعة الذين يقلدونهم دونما مناقشة وإلى جانب ما لها من دور ديني يحرك أتباعها ويؤجج عواطفهم فإن الحوزة تستمد قوتها مما يريدها من ما موارد مالية كبيرة عبر ما يدفعه المسلمون الشيعة من خُمْس أموالهم. ومنذ الأيام الأولى للاحتلال الأميركي برز دور الحوزة ورجالاتها عاليا باعتبارها مرجعية للشيعة لعبت عبر التاريخ أدوار سياسية مؤثرة.

فاضل البديري – حوزة النجف: إن الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف لم تتأثر بأي تأثير على الإطلاق بالحكام الظالمين، بل إذا جاء حاكم ظالم أو جاء حاكم جَوْر استعدت الحوزة استعدادً كاملا ولبست جميع أحزمتها من أجل أن تقف بوجهه وما جاء ظالم إلا وبدت هي الشجاعة وهي التي تأتي بالآراء والأفكار.

أحمد الشيخ: وقد وجدت الحوزة في انهيار النظام العراقي متنفسا بعد عقود من المواجهة الخفية معظم الوقت والعلنية أحيانا ومع أن شيعة العراق يجمعون على أن الوقت لم يحن بعد للمقاومة المسلحة للاحتلال وأن المراجع هي التي تقرر ذلك حينما ترى مناسبا، فإن تياراتهم لا تجمع على كل الموقف حسب المرجع الذي يعود إليه كل تيار إذ تفاوتت مواقفهم حيال الانتخابات ودور الأمم المتحدة على سبيل المثال.

عبد الهادي الدراجي – جماعة الشهيد الصدر: نحن نطالب بإجراء انتخابات داخل العراق لكن هذه الانتخابات ليس بإشراف الأمم المتحدة، لأنه أقولها وبصراحة أن الأمم المتحدة كانت ظالمة للشعب العراقي من خلال قراراتها السابقة في زمن صدام وحتى الآن عندما شرّعت الاحتلال ولا يزال العراقيون يعانون من الاحتلال وعانوا من نظام هدام فُرض من قبل الأمم المتحدة الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي وليس على الحكومة العراقية وعذب الآلاف وتمرد الآلاف ومات الأبرياء عُرض الشعب العراقي بسبب قرارات الأمم المتحدة والتي كانت قرارات جائرة.

جواد الخالصي – الحركة الإسلامية في العراق: نريد أن تتنسق الأمور قبل اتخاذ الخطوات، لكي لا يقع البعض في المخاوف يعني الدعوة للانتخابات كنا نود أن يُبلغ أكثر العراقيين بالغاية منها وأن يجري التنسيق معهم، ثم تتم الدعوة حتى لا يتخوف أحد من هذه الدعوة فتستغل هذه المخاوف من قبل جهات أخرى لا تريد للعراقيين أن تجتمع كلمتهم على أمر صحيح، هذا أمر لا ينبغي أن يوكل للأمم المتحدة العراقيون خبرائهم، كل أطيافهم، يجتمعون ويقررون هل يمكن أن تجري الانتخابات الآن أو تجري غدا أو بعد شهر.

أحمد الشيخ: على أن الشعور بالغبن والظلم الذي يقول الشيعة إنه لحق بهم إبان حكم النظام السابق وهو أمر يعترف به غيرهم أيضا ما زال يؤثر على مواقفهم في المرحلة الراهنة، فهم يشيرون إلى الحرمان الذي عانت منه مدنهم ومناطقهم فجعل منها رغم ما لهم عندهم من قدسية مدننا هرمة وإلى الاضطهاد الذي لحق بعلمائهم إلى حد اغتيالهم أحيانا الأمر الذي يتهمون به النظام السابق. وحين يتناول المرء مع بعض شيعة العراق دورهم في تاريخ العراق الحديث فإنهم يشيرون إلى أنهم كانوا الزاد الأوفر لثورة العشرين من القرن الماضي ولم يجنوا شيئا وهذه مسألة يختلف العراقيون أيضا على بعض تفاصيلها. ذهبنا من النجف جنوبا باتجاه السماوة إلى المكان الذي بلغت فيه ثورة العشرين ذروتها ضد المحتل البريطاني مضارب آل حارتشام والظوالم أحد أفخاذ عشائر بني حشيم، يقول بعض أبناء العراق إن ثورة العشرين انطلقت من هذا المكان وانتهت فيه حيث عشيرة الظوالم آنذاك بزعامة الشيخ إغثيث آل حارتشام وقد شاركت في الثورة التي انطلقت شرارتها من هنا جميع عشائر ومدن العراق من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فحين انطلقت الثورة هبب بنو حشيم ليتصدوا للغزاة وأوقفوا تقدمهم وألحقوا بهم خسائر فادحة إذ ما تزال بواقي قبورهم في هذه الأرض الدارسة.

هيثم ناجح كامل: بدأت الثورة من هذا المكان الذي ترونه أمامكم الآن، حيث عندما استعمر الإنجليز البصرة والناصرية وصلوا إلى مدينة السماوة ولم يجتاحوا أرض بني حشيم، فعادوا من جهة الموصل واستحلوا الموصل والرمادي وبغداد والحلة ووصلوا إلى الديوانية إلى حدود منطقة الرميثة وهي تسمى منطقة العرضيات فلم يستطيعوا أن يعبروا هذا المكان.

أحمد الشيخ: آنذاك قاتلت العشائر العراقية قبل صدور الفتوى من المرجع وما أن صدرت الفتوى حتى عمت الثورة كل العراق وهم اليوم ينتظرون فتوى أخرى.

هيثم ناجح كامل: بالبداية الثورة عند مخرج (كلمة غير مفهومة) لم يكن هناك فتوى ولكن باستمرار المعارك أتت الفتوى وهي الجهاد ضد الإنجليز، فعمت العراق من شماله إلى جنوبه جميع العراقيين شاركوا في هذه الثورة ولا نذكر لأي طرف شعبي فيها رجال الدين ساهموا فيها عشائر الموصل، البصرة، العمارة، الناصرية وكل العراق.. كل العراق.

[فاصل إعلاني]

الوضع في البصرة مقارنة بالشمال والوسط

أحمد الشيخ: وانطلقنا جنوبا أيضا بلغنا البصرة ليلا مدينة موغلة في التاريخ ذات أغلبية من المسلمين الشيعة، هنا وجدنا الوضع مختلفا عن العاصمة. بدت الحياة في المدينة طبيعية حتى في الليل رغم أن الحرب الأخيرة بدأت من البصرة التي يقول العراقيون إن كل حروب العراق تبدأ منها. كانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة ليلا وبعض القوم يتسامرون في المقاهي وشاشة التلفاز تعرض شيئا غير الأخبار. هنا ربما تختلف حسابات الناس مع تحسن الجانب الأمني ويجد الناس وقتا لطبخ المسائل على نار أكثر هدوءا لكن الهاجس الأمني والاقتصادي الكامن تحت الرماد والمستقبل الغامض ليس بعيدا عن السُمّار الذين آثر الأكبر سنا منهم الابتعاد عن الكاميرا.

مواطن عراقي- البصرة: والله الوضع غير مستقر هسا حاليا بسبب الوضع الأمني بصورة عامة هو الأهم شيء بالنسبة للمواطن العراقي سواء بالبصرة أو غير المحافظة فغير مستقر نهائيا.

مواطن عراقي ثان- البصرة: بالمناطق الجنوبية بعدين الحرب الوضع أحسن.

أحمد الشيخ: من أي ناحية أحسن؟

مواطن عراقي ثان: يعني استقرار أمان أحسن بالوضع بالجنوب بس لكن بالوسط والشمال لا مو مناطق الأكراد أنا احكي لك بس احكي لك مناطق تكريت بغداد.

أحمد الشيخ: والمقاومة المسلحة ليست أيضا بعيدا عن حساباتهم النهائية إن طال الاحتلال وجاء الأمر بالتصدي.

مواطن عراقي ثالث- البصرة: هذا يعتمد على طبيعة السبل اللي راح تستخدمها القوات البريطانية أو السياسة اللي تستخدمها مع الشارع العراقي، إذا تحسنت تحسن أفضل لكن إذا يبقى الوضع كما هو مستقبلا لا راح تصير مقاومة.

مواطن عراقي رابع- البصرة: المقاومة ممكن تكون حتى بالكلام كافي بالنظرة إحنا حتى هسا يمكن ننظر لهم نظرة إيشي هم يفتهموها.

أحمد الشيخ: لو صدر فتوى؟

مواطن عراقي رابع- البصرة: سنقاتل.

أحمد الشيخ: في الصباح انطلقنا عند ضفاف شط العرب. قواعد تماثيل رموز النظام السابق بقيت واختفى من اعتلوها، كلهم اختفوا إلا رمز من طين العراق يبحث عن جيكور وعن عينين كغابتي نخيل. وقبل أن نغادر البصرة وقفنا عند شيء من وجدان العراق السياب واقفا يغني لشمس أجمل من سواها ويتأمل العراق في داخل نفسه وتاريخه يرسم نحو الحرية طريقه. تركنا السياب لنرى أسواق البصرة نهارا، هنا الاحتلال مختلف إذ تسيطر القوات البريطانية على المدينة وجنودها يقومون بدوريات راجلة في الأسواق دونما خوذ، لكن البصرة قدمت أيضا من دماء أبنائها برصاص البريطانيين عندما خرج الناس يحتجون على البطالة وغياب الأمن والعمل على أن أرض البصرة ما تزال تحمل في بطنها ذكريات من مواجهات سابقة في نهاية الحرب العالمية الأولى وفي ثورة العشرين من القرن الماضي وفي أرض الجنوب أيضا تكمن معظم ثروة العراق النفطية التي ربما كانت السيطرة عليها إحدى الأسباب وراء احتلال العراق برمته ومع أن صادرات العراق من النفط قد قاربت مليوني برميل يوميا في الوقت الراهن فإن ذلك لم ينعكس حتى الآن على مستوى حياة الناس وما لم تتحقق الوعود المقطوعة من عودة للسيادة الوطنية وانتعاشا للاقتصاد واستقرار للأمن فإن الهدوء الراهن قد لا يستمر طويلا.

مواطن عراقي خامس- البصرة: إذا أعطى منفعة للعراق فهو باقي وإذا لم يعطِ منفعة للعراق فهو خلال يومين ينتهي.

أحمد الشيخ: هذه القناعة الشعبية في جنوب العراق بضرورة انتهاء الاحتلال بصرف النظر عن الوسيلة المتبعة تتزايد إرهاصاتها في الواقع العملي فحين وقعت التفجيرات الأخيرة في كربلاء والكاظمية وقتل فيها مئات من الأبرياء لم يجد هؤلاء المفجوعون إلا قوات الاحتلال ليرجموها والعلم الأميركي ليحرقوه، أما الحوزة فقد ارتفعت نبرة التهديد الصادرة عنها خاصة بعد التوقيع على قانون إدارة الدولة المؤقت وما احتواه من نصوص تهدد وحدة العراق الجغرافية ولم يكن من قبيل المصادفة أن يقف طلبة الحوزة في ساحة ثورة العشرين في النجف ليتظاهروا وليعلنوا موقفهم واستعدادهم ما لم يُعدل ذلك القانون أو يوقف العمل به خاصة ما يتعلق منه بالفدرالية التي يصر عليها الأكراد في شمال العراق.

عبد الهادي الدراجي: كل الشعب العراقي يجب أن يشارك، مطلب الفدرالية الآن حكومة مؤقتة بعد لم تنتخب فالمطلب سابق لأوانه، فنريد أن تتحقق حكومة بعد ذاك إذا رأينا أن هناك مصلحة لإقامة حكومة فدرالية بمشاورة القيادات الموجودة والصالحة عند ذاك نقول من حق الأخوة الأكراد أن يقرروا هذا المطلب إذا أرادوا، بس نحن نريد أن يكون هؤلاء بيننا إخواننا الأكراد فبالتالي العرقية والطائفية قد تأتي نتيجة مطلب الفدرالية.

كركوك.. نموذج مصغر للعراق

أحمد الشيخ: الفدرالية وحلم الاستقلال الكردي أو كابوسه وقبل أن نصل الحواضر الكردية كان لابد أن نمر بالعراق المُصغر، شمال العراق نقترب من كركوك مركز نفط الشمال ونموذج مصغر للعراق برمته طائفيا وعرقيا يقول لك العراقيون أن من ينجح في تسوية أوضاع كركوك التي يستمر الجدل حولها ينجح في تسوية مشاكل العراق برمته والعكس صحيح. مدينة تضم كل الأعراق والطوائف والأديان، عربا وأكراد وآشوريين وتركمانا، سنة وشيعة ومسيحيين، كلهم يتعايشون فيها بسلام حتى الآن ولولا ألاعيب السياسة ربما لم يختلفوا، كردي رحل وعربي جاء، ثم عربي ذهب وكردي عاد وكذلك التركمان، أما النفط المتدفق منذ ثمانين عاما فعيون الجميع عليه من كركوك تصبح التطلعات الكردية القومية أكثر وضوحا كثير من الشوارع والمحلات التجارية تُكتب أسمها باللغة الكردية وغيرها مازال بالعربية وكثير من الأسر الكردية التي كانت قد جلت عن المدينة أو أُجليت عنها عادت إلى منازلها بعد أن هجرها عرب سكنوها أثناء حكم النظام السابق، هذا البيت متى عدتم إليه؟

مواطن كردي عائد: يوم 11/4 بعد تحرير مدينة كركوك

أحمد الشيخ: هو في الأصل كان بيتكم؟

مواطن كردي عائد: نعم.

أحمد الشيخ: متى غادرتموه؟

مواطن كردي عائد: الحكومة العراقية بعد أن طردونا من هذا البيت بسنة 1974.

أحمد الشيخ: لماذا؟

مواطن كردي عائد: بسبب أبوي كان من قوات البشمرغة؟

أحمد الشيخ: وعند أطراف المدينة تنتظر مئات أخرى من الأسر الكردية العودة إلى كركوك وتحتمل شظف العيش في هذا المخيم الكئيب.

عبد الرحمن كريم: أسمي عبد الرحمن كريم رحمن وأنت شو أسمك؟

أحمد الشيخ: حاج رحمن في الثالثة والتسعين من عمره عاد قبل بضعة أشهر بعد أربعين عاما قضاها خارج كركوك في العمق الكردي بسبب عمله مع البشمرغة ومع زوجته الثالثة يرى أن كركوك وأهلها من أقاربه هي كل ما يريده فيما تبقى من عمر.

عبد الرحمن كريم: كل إشيء مبسوط عليه وكل أملاك الدنيا مالي كل الدنيا مالي، حتى الدولة العربية والأجنبية كل تشتغل إلي يعني فلوس عندي لأن أشوف قرايبي أخويا أختي بناتي قرايبي صديقي لأن تسعين سنة هاي صار ثمانين- 82 سنة أنا قاعد في كركوك.

أحمد الشيخ: حاج رحمن قال إنه لا يكره العرب رغم ما حدث أما الأكراد الشبان فموقفهم مختلف.

شاب كردي: والله العرب غدروا بنا كثيرا ورحلنا وعمري ثماني سنوات ورجعت وعمري عشرين سنة لقد أتوا بثمانين ألفا من العرب إلى كركوك، لماذا لا يغادرون إلى ديارهم؟

أحمد الشيخ: ساكنوا هذا المخيم وُعدوا بحل مشكلتهم وبمنازل وأراض زراعية وما من أحد منهم يعرف متى سيتحقق هذا الوعد وقد تصبح المخيمات خاتمة المطاف كما حدث مع شعوب أخرى. وفي جانب المدينة الأخر عرب نقلهم النظام السابق إلى هذه الأراضي الزراعية من مناطقهم الأصلية. في حقول نفط كركوك هذه الأرض كانت للتركمان الذين رُحِّلوا عنها إلى مناطق أخرى اليوم عاد التركمان نصبوا مخيما وبدؤوا يطالبون بإعادة أراضيهم وهؤلاء العرب لا يجدون مكانا أخر والسلطات الجديدة سجنت بعضهم لإجبارهم على الرحيل.

مواطن عربي من كركوك: إذ يرحلونا إحنا وين نروح؟ يعني لا عندنا مكان شبر واحد بالعراق ما عندنا غير المكان هذا.

أحمد الشيخ: إنتوا أصلا من كركوك؟

مواطن عربي من كركوك: أينعم من أصلا من كركوك تجيء مآلتي.

مواطن عربي ثاني- كركوك: فإذاً أكو قانون وأكو عادلة فيحلوا مشكلتنا وإذا ما أكو هي الموتة لا موتين. موتة واحدة.

أحمد الشيخ: الكل في كركوك يعتبرها وطنه وجميعهم يشتكون من ضيم لحق بهم.

محمد الجنابي- شيخ عشيرة الجنابي في كركوك: يعني هذا بيتي هاي الساعة أنا واقف أمام بيتي وأنا من سكان كركوك الأصليين أبا عن جد في حالة إذا أية نظام يرحلني أو قوة في الأرض ترحلني أنا أظل أطالب ببيتي وحقي الشرعي هذا، حقي وحق جهالي وهما ناس أصحاب ملك يعني سندات طابية وملكية وهما من حقهم أن يطالبوا وبيعانوا إذا تركماني راح جعوا وإذا كردي راح جعوا من حقه أن يطالب بجعه.

حلم الأكراد


مطالبة الأكراد بكركوك تنطوي على أبعاد سياسية فأعينهم ليست على المدينة فقط لكن على نفطها في المقام الأول، فلو قُدر لهم أن يستحوذوا عليه لأمنوا كيانهم المتمتع بشبه استقلال منذ 13 عاما

أحمد الشيخ: غير أن مطالبة الأكراد بكركوك تنطوي على أبعاد سياسية فأعينهم على المدينة لكن على نفطها في المقام الأول، فلو قُدر لهم أن يستحوذوا عليه لأمنوا لكيانهم المتمتع بشبه استقلال منذ ثلاثة عشر عاما واحدا من أهم مقومات الدولة غير أن ذلك الحلم مازال سرابا حتى الآن، توجهنا إلى السليمانية لنعاين الحلم الكردي عن كثب دخلنا المدينة ليلا وفي الطريق إليها غابت صور الاحتلال المباشرة ودورياته كان المشهد احتفاليا وكأن الأكراد هنا يحيون مناسبة سعيدة ففي السنوات الماضية نعم الأكراد بالاستقرار واكتسبوا ممن وقفوا معهم شيئا من السلوكيات والطقوس، فشجرة عيد الميلاد لعام 2004 ما تزال تتلألأ على أعمدة الكهرباء أنه عراق آخر إذا اكتفينا بنظرة سطحية إلى الواقع، لقد أنعكس ذلك الاستقرار المدعوم من الخارج على حركة الناس ومرافق المدينة وطباع وحتى سحن مرتاديها في الأعوام الماضية، وجد الأكراد فرصة ليشعبوا مشاعرهم القومية وينحتوا واقعا جديدا يرفع من معنوياتهم.

مواطنة كردية- السليمانية: أنا متفائلة.. متفائلة أوي، أوي يعني إحنا دلوقتي حُررنا من حزب بعثي حزب فاشي ديكتاتوري تعود على قتل العراقيين بأشكال يعني كثيرة وإحنا حُررنا منه والحمد لله.

أحمد الشيخ: لكن المستقبل قد لا يكون مطمئنا بما يكفي لتوقف الدعم الخارجي ورحيل الاحتلال.

مواطن كردي: ما أكو واحد يؤيد غيرنا مثلا سوريا ضد أم إيران ضد تركيا ضد وشو منه نصدق والأميركان إذا يريدون ممكن يولدون هذه الدولة بس أهم عندهم مصالح شخصية مع تركيا ومع هذا ما يبدلونا بهم.

أحمد الشيخ: صباح اليوم التالي في السليمانية كان شديد البرودة غير أننا خرجنا لنشاهد بعض معالم حلم الدولة الكردية كل شيء مكتوب بالكردية وإن بحرف عربي والعلم الكردي في كل مكان وإلى جانبه أحيانا علم العراق القديم وجامعة السليمانية افتتحها سيد المدينة جلال الدين الطالباني. أما في المدارس فشتى ما تتجلى المشاعر القومية الكردية على وجوه التلاميذ ذكورا وإناثا وهم يُنشدون السلام الوطني الكردي من قال إن الشعب الكردي سيموت لا سيحيا ويعيش هؤلاء الأطفال يلقنون تاريخهم الكردي بلغتهم إذ لم تعد العربية هي لغة التدريس والكتب تجسد البعد القومي الكردي بالكلمة والصورة غير أن العربية تدرس مادة مثل الإنجليزية سألناهم عبر مدرستهم من يؤيد انفصال كردستان عن العراق فكانت هذه هي النتيجة، يطل الأكراد كذلك على العالم عبر شاشة خاصة تتحدث بلسانهم تمثل كيانهم وتنقل للدنيا شيئا مما يدور في شوارعهم ويتصل بهويتهم القومية التي بلغت هذه الأيام ما لم تبلغه من قبل إلا في مناسبات عابرة كما تنقل شيئا من معاناتهم عبر العصور، أردنا أن نزور حلبجة آخر فصول المعاناة الكردية لكن الثلج الذي اجتاح السليمانية ليلة كاملة أغلق الطرق الجبلية فتوجهنا إلى النصف الكردي الآخر، على مشارف أربيل في قلب كردستان العراق. هنا تتقاطع الأحلام القومية مع ألاعيب السياسة وحسابات الواقع المحلي والإقليمي والدولي فيما مضى كثيرا ما تحول حلم الاستقلال الكردي إلى كابوس احتمى منه الأكراد بجبالهم، فماذا عن اليوم؟ في أربيل ثمة رموز أخرى لحلم الاستقلال الكردي وقد كانت هذه المدينة التاريخية التي تعاقبت عليها حضارات العراق عاصمة الحلم الكردي في العصر الحديث هنا يقوم البرلمان الكردي الذي شُيِّد بتمويل من خزينة النظام العراقي السابق في سياق ما منحه للأكراد من حكم ذاتي لم يجده لا أكراد تركيا ولا أكراد إيران وهنا يجتمع ممثلو الأكراد من الحزبيين الرئيسيين تحت قبة واحدة وهو ما اعتبر إنجازا بارزا على طريق وحدة الإقليم السياسي المنقوص حتى الآن وهنا يمارسون طقسا آخر من طقوس السيادة وهم يحيون أبرز أعلامهم وقادتهم الملا مصطفى البرزاني على أن وحدة الأراضي الكردية الممتدة من البحر الأسود شمالا إلى هضاب ما بين النهرين جنوبا وجبال زاغروس شرقا لم تتحقق إلى إبان حكم الأتراك العثمانيين وظلت كذلك إلى أن قسمتها اتفاقية سيفر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ثم معاهدة لوزان عام 1923 ومنذ ذلك التاريخ انتكست أحلام الأكراد القومية مرة تلو الأخرى وكان أبرزها القضاء على جمهورية مهاباد التي أعلنوها في الجزء الكردي من إيران، فهل يصيبون نجاحا هذه المرة؟

محمود عثمان- عضو مجلس الحكم: طبعا يجب أن نكون حذرين نحن يجب أن نكون متحدين فيما بيننا هذا واحد، ثانيا يجب أن نطلب ضمانات دولية نحن نطلب دور الأمم المتحدة عندما تنتهي حالة الاحتلال أعتقد الأمم المتحدة يجب أن يكون لها دور محوري ومهم في الإشراف على العملية الانتخابية، في الإشراف على تطبيق القوانين، في الإشراف على الوضع العراقي لحين وجود حكومة منتخبة ذات سيادة، فضمانات دولية مهمة ولكن الأهم من الضمانات الدولية هو تأييد شعبنا وحدة الشعب والعمل مع بعضنا ومحاولة الاستفادة من الآخرين.

أحمد الشيخ: وإذا كان للأكراد أن يحافظوا على ما أنجزوه فلابد لهم من تجاوز نقطة ضعفهم الرئيسية داخليا وهي انقسامهم بين أربيل والسليمانية فصور الاحتفالات بإقرار مبدأ الفدرالية في الدستور العراقي المؤقت لم تمحو من الذاكرة بعد صور الاقتتال الكردي-الكردي عام 1994 بين جلال الدين الطالباني ومسعود البرزاني، اقتتال أعاد الأكراد إلى مرارة الواقع ليشاركوا بقية العراقيين مسلسل المعاناة الناجم عن تضارب المصالح والولاءات.

محمود عثمان: هو حصل اقتتال مؤسف في السابق وطبعا هذا أدى إلى تقسيم المنطقة، الآن تعاون بين الحزبين جيد جدا لكن لحد الآن ما واصل إلى درجة التوحيد طبعا سبب عدم التوحيد هو تغليب الأمور الحزبية على الأمور القومية، علميا المفروض الشعب الكردي يجي درجة واحد ويهتموا بمصالح شعبهم قبل الحزب ولكن في بعض الأحيان في منطقتنا الشرق الأوسط تصير أمور الحزب يصير أهم والمسائل الحزبية الضيقة تفضل وتتقدم إلى الأمام وتؤثر سلبا على المسائل الأخرى.

أحمد الشيخ: وحين استطلعنا آراء الطلبة في جامعة أربيل وجدنا ذلك الفوران القومي الذي كثيرا ما يغفل عن الواقع ومحدودياته معظمهم مع الفدرالية كخطوة نحو الاستقلال التام وكلهم يحلمون بكردستان الكبرى ويرجون إلا يتحول الحلم إلى كابوس آخر وكلهم يشعرون بالمرارة.

طالب كردي – جامعة أربيل: هذا هو الشيء الوحيد ليس لنا من أصدقاء والأميركا اليوم مدت يد الصداقة إلينا فلا مفر من أن نمد لها يد الصداقة قد ننجو هذه المرة.

طالبة كردية – جامعة أربيل: حسب القوانين والمعاهدات الدولية إنه حق تقرير المصير لكل جماعة بشرية فالجماعة الأكراد يملكون كل من الأرض والشعب واللغة فمن حقهم إنه الانفصال لكن في الوقت الحاضر إنه أبسط حقوقنا وهي أنه الفدرالية أبسط حقوقنا أنه ندعي بها هي الفدرالية وليس انفصال في الوقت الحاضر.

أحمد الشيخ: حلم الأكراد في العراق لا يتوقف هنا إنهم يطالبون بكركوك وأجزاء من محافظة ديالى ومن الموصل، بل منهم من طالب بالموصل كلها حيث العروبة اليوم هي التاريخ والجغرافيا في آن.

[فاصل إعلاني]

البصرة.. وانتظار وعود الاحتلال ودور العشائر

أحمد الشيخ: وما أن تطل على المدينة الموغلة في التاريخ تأخذ هموم العراق وجها آخر، هنا يصبح الاحتلال أشد وطأة ويصبح معه الإيمان بالمقاومة أقوى وأعمق. وصلنا المدينة وشمسها تضرع بالأصيل على استحياء، الشوارع كانت تعج بالحركة فالليل هنا يصبح أكثر خطورة إذ عدنا لنشاهد صور الاحتلال من جديد. الموصل هي الرأس الشمالي لما بات الاحتلال الغربي يطلق عليه المثلث السني إمعانا في سياسة تقسيم مواقف العراقيين ومع أننا نرفض التسمية فلا مناص من القول إننا الآن أمام موقف ثالث في العراق المحتل فرغم الهدوء الظاهري في شوارع الموصل لا يكاد يمر يوم دون أن تشهد المدينة أو محيطها عمليات مقاومة ضد قوات الاحتلال أو هجمات مثيرة للجدل ضد مواقع الشرطة العراقية وحين يتحدث المرء إلى الناس في هذا الجزء من العراق كما في جنوبه يجدهم ينتظرون أيضا مواعد حددها الاحتلال لتسلم السلطة.

مواطن عراقي- الموصل: والله الاحتلال نحن ننتظره لثلاثين حزيران نشوف الوعود مالهم والأقاويل مالهم التخلص من الاحتلال حسب الوعود مالهم يعني إذا ما صدقوا ويانا وما رجعوا السلطة لنا فالإجراءات نشوف شلون بتصير.

أحمد الشيخ: هؤلاء الطلبة في جامعة الموصل تتراوح مواقفهم بين داع للمقاومة من فوره وبين من يفضل التفاوض لكنهم جميعا يرفضون أي عمليات تستهدف العراقيين ويتهمون عناصر خارجية بتدميرها.

مواطن عراقي ثاني- الموصل: يعني السيارة المفخخة مو من ثقافة العراقيين يعني السيارات المفخخة فعلا مو من ثقافة العراقيين أكو جهات مسؤولة عن ها الشغلات مو عراقية.

أحمد الشيخ: منهم من يأس ومنهم من يعتبر ما حدث للعراق خطة مدبرة بصرف النظر عمن كان في الحكم.

مواطنة عراقية- الموصل: بس هي كاحتلال عراقي يعني هو أصل قبل صدام حسين يتنحى عن الحكم أو ما يتنحى عن الحكم هو العراق يحتل يحتل.

مواطنة عراقية ثانية- الموصل: هو أمر مدبر قبل صدام أو بعد صدام أو بعد صدام إن كان صدام نظام صدام أو غير نظام صدام هو أمر مدبر ومخطط للأمة العربية كلها، هذا جوابي.

أحمد الشيخ: ثم انطلقنا إلى خارج الموصل لاستطلاع بعد عراقي لم يولى حتى الآن الاهتمام الكافي رغم أهميته في تاريخ العراق، نحن على مشارف ربيعة موطن بكر ووائل وتغلب قديما وشمر حديثا، العشائر العربية مرة أخرى كما في السماوة. هذه العشائر التي مازال دورها مغيبا حتى الآن بين عنعنات الأحزاب الجديدة ومجلس الحكم والاحتلال. ديوان الشيخ خالد الفيصل صفوك الجرب، شيخ مشايخ شمّر في منطقة الجزيرة، حين وصلنا كان القوم يتوافدون كانوا يخوضون في واقعهم تحت الاحتلال وينتظرونهم أيضا أن يفي المحتل بوعوده بإعادة إعمار ما دمره.

خالد الفيصل صفوك الجرب: ما نشوف إنه أكو شيء يعني مهم أو ذات.. ذو أهمية كبيرة أو.. يعني قاعد تصير مشاريع بسيطة يعني خاصة ضمن القرى والنواحي ما هي بالمستوى المطلوب أو المستوى اللي يحقق طموحات الناس يعني بل بالعكس يعني الناس كانت تتوقع أنه من يتغير النظام وينشال الحصار راح تصير طفرة يعني طفرة كبيرة بمختلف مجالات العمران لكن ما صار شيء لحد الآن من هذا القبيل يعني.

أحمد الشيخ: لقد لعبت العشائر العربية قبل الإسلام وبعده دورا جوهريا فيما كان يعرف بأرض السواد منذ معركة ذي قار وحتى ثورة العشرين، أهل هذه المنطقة يقولون إن تلك الثورة شملت هذه الأنحاء أيضا بدءا من منطقة تل عفر قرب الموصل ثم امتدت جنوبا.

خالد الفيصل صفوك الجرب: ثورة العشرين هي ملك لكل العراقيين هي تاريخ لكل العراقيين يعني وهذه مثل ما يقول ما يختلف عليها اثنان لأنها موثقة يعني ثورة العشرين وكل العشائر اللي شاركت بالثورة معروفة يعني ومعروف شو هي فاعلياتها ومعروف شو هي أدوارها ثورة العشرين اشتركوا العرب والأكراد الشيعة والسنة والتركمان وحتى قسم من اليزيدية والمسيحيين شاركوا في ثورة العشرين ووقفوا موقف موحد.

أحمد الشيخ: وإذا كانت ثورة العشرين هي التي أرست أركان الحكم الهاشمي في العراق فإن ذلك الحكم مازال له من يؤيده بين العشائر.

خالد الفيصل صفوك الجرب: أعتقد أنه إذا كان هناك يعني إجماع من أبناء العراق على موضوع الملكية فأتصور أنه الملكية راح تكون ضمانة لوحدة العراق، النظام الملكي وخاصة الأسرة الهاشمية.

أحمد الشيخ: أردنا أن نغادر بانتهاء المقابلة مع الشيخ خالد لكن العادات الأصيلة كانت أقوى من رغبتنا جلسنا وعلى غير موعد جاء جنود الاحتلال وضعوا عدتهم عند المدخل وانضموا إلينا.

إعادة الأعمار الموعودة ما تزال هنا في مرحلة السؤال والاستطلاع جاءوا يسألون الشيخ والقوم ماذا ينقصهم وماذا يريدون؟ دار الحديث مع الشيخ عبر مترجم عراقي مسلح بمسدسين، ثم غادرنا الديوان وإياهم وطيلة الوقت كنت أتسائل ماذا يفعل ديفد ابن ولاية ميامي أو السيرجانت لويس في مضارب شمّر؟

لويس: نحن هنا لمحاولة مساعدة الشعب العراقي في بناء ديمقراطية أفضل وبلد أفضل.

أحمد الشيخ: وهل يشعرون بالخطر رغم ما يحميهم من عدة؟ مثل مصفحة سترايكر التي قالوا لنا إنها أحدث ما أنتجته مصانع السلاح الأميركية؟

جندي أميركي: وأنا أتحرك كل يوم أشعر بالخطر لكنني أشعر أن الأمر يستحق هذه المخاطرة إن هناك أشياء تستحق المخاطرة ومنها وجودي هنا.

سامراء والفلوجة.. الإصرار على المقاومة

أحمد الشيخ: انطلقوا لمكان آخر ونحن توجهنا جنوبا باتجاه وجه عراقي آخر.. وجه العراق العربي العباسي في سامراء. إحدى معاقل المقاومة المسلحة التي تزداد مؤشراتها كلما اتجه المرء نحو بغداد، هنا يكاد التاريخ ينطق بأن العراق يكبوا ثم ينهض ثم يقف شامخا. هنا أيضا كان الوجود الأميركي ثقيلا بآلته حول المدينة التي كانت حاضرة المعتصم يوما وثقيلا على نفوس الناس، كان الحديث معهم مليئا بالمرارة مما يرتكب بحق الناس وبالإصرار على المقاومة وربط احتلال العراق بدائرة مواجهة أوسع.

مواطن عراقي- سامراء: على المحتل فالمحتل الآن هو متغطرس وعنده في العقيدة بيذل العرب والمسلمين، إسرائيل هي اللي جابت الأميركان إلى هذا والشعب العراقي اللي كان يدافع دفاع مستميت عن القضية الفلسطينية وعن القضية العربية لهذا السبب أميركا احتلتنا.

مواطن عراقي ثاني- سامراء: احتلونا ودمورا البلد قتلوا الناس والأطفال حبسوا جميع الناس أنا ابني محبوس في أبو غريب صار له خمس شهور بدون ذنب وبأي شيء.

أحمد الشيخ: وما تزال جدران المنازل في سامراء تحمل ندوب واحدة من أشد عمليات التنكيل التي ارتكبتها قوات الاحتلال في وقت سابق وسقط فيها العشرات قتلى وجرحى. وسواء في سامراء أو تكريت أو الأنبار بحاضرتيها الرمادي والفلوجة لا يكاد المرء يتلمس فرقا في المواقف والأولويات. تدخل الفلوجة فأول ما يواجهك فيها أثار عمليات المقاومة.. وعلى الجدران شعارات ذات نبرة مختلفة ترفعها المدينة التي اكتوت بنار الاحتلال قبل غيرها من مدن العراق في الثامن عشر من أبريل من عام 2003 أي بعد تسعة أيام فقط من الاحتلال سقط سبعة عشر عراقيا برصاص الأميركيين.. وما تزال أثار الرصاص تذكر العراقيين بذلك اليوم صاحب.. هذا المنزل المتواضع مثنى صالح كان مع أفراد أسرته التسعة عندما فتحت النار هب لإنقاذ الجرحى فأصيب وأصيبت زوجته وأمه وقتل شقيقه ومازال مثنى يتذكر ذلك اليوم وساقه التي بترت.

مثنى صالح: يوم 28/4 ذاك اليوم جاءت مظاهرة سلمية للمدرسة المقابلة لنا اللي كان موجودين بها.. اللي كانت موجودة بها القوات الأميركية وعندما وصلوا.. المظاهرة وصلت إلى حائط المدرسة أو بداية المدرسة بدأ إطلاق نار عليهم من قبل القوات الأميركية المتواجدة فوق سطح مع المدرسة والطابق الثاني بصفوف للمدرسة، أصابوا عدد كبير من الجرحى حاول قسم من الجرحى الاحتماء بداري دفعوا الباب وطبوا إلى داخل الدار، حاولت سحب واحد من الجرحى اللي كان مضروب إصابته قوية وظاهرة سحبته إلى داخل الدار انصبت أنا برجلي حسيت بالضربة برجلي وسقط على الأرض ها الأثناء طلعت أطفالي وزوجتي فبدؤوا يصرخون على الحادث اللي شافوه على قدمي اللي طبعا قدمي تهشمت نهائيا على الصراخ طلعوا أهلي اللي هما أخوتي اثنان ووالدتي من بيت أهلي المجاور لبيتي وحاولوا حملي بدأت القوات الأميركية تضرب عليهم واستشهد أخي بالحال واحد من أخوتي أستشهد بالحال، أستشهد أثناء الضرب والأخ الثاني حاول إخراج السيارة من الجراج بمجرد أن شافوا إن السيارة خرجت من الدار من الجراج بدأ الرمي عليها وضربت السيارة بقت يمكن 72 إلى ثمانين طلقة بالسيارة وأنصاب أخي الثالث ببطنه وبرأسه وانصابت والدتي أثناء الحادث وانصابت زوجتي برجليها بهذه الليلة.

أحمد الشيخ: بقية أهل الفلوجة يشاركون مثنى صالح مرارة الاحتلال والواقع الكئيب الناجم عن غياب الاستقرار والسلطة الوطنية إلى جانب الرفض والإصرار على المقاومة.

مواطن عراقي- الفلوجة: مستقبل العراق الآن مجهول، إلى أين يتجه العراق؟ الشباب معطلة وتحس نفسك متكتف.

مواطن عراقي ثاني- الفلوجة: كل شيء بيجي من أميركا مرفوض وتبقى المقاومة وتبقى الاستشهاد وتبقى القتال في هذه المحافظة، نعم مادام أكو أميركي ريح جندي أميركي أو مدرعة أميركية تبقى المقاومة إلى يوم تبعثون إلى أن تطلع أميركا من ها البلد.

وضع المقاومة العراقية وتنظيماتها

أحمد الشيخ: لقد قطعت المقاومة العراقية شوطا بعيدا منذ أن انطلقت في الأغلب الأعم من هنا من الفلوجة وهي آخذة في التوسع إلى بقية أنحاء العراق خارج ما يسمى بالمثلث السني في الأوساط الإعلامية الغربية وبصرف النظر عمن يقف وراءها فإن كثيرا من عمليات المقاومة تدحض مقولة انحصارها في مناطق سنية وما العمليات التي وقعت في مناطق عديدة من الجنوب كالبصرة والعمارة والناصرية والحلة إلا دليلا على ذلك وهي مرشحة للتصاعد كلما استمر تدهور الوضع الاقتصادي والأمني وما لم تفي سلطات الاحتلال بوعود إعادة السلطة إلى العراقيين.. والملفت للنظر أن المقاومة العراقية انطلقت بعد الاحتلال بأيام قليلة ومنذ ذلك شهدت نشاطاتها تطورا ملحوظا في النوعية والأساليب والجرأة والقدرة على إلحاق الخسائر في قوات الاحتلال أرضا وجوا.. وقد ظهرت على مدى العام المنصرم أسماء تنظيمات مقاومة عديدة تجاوزت العشرين، لكن معظمها اختفى أو أندمج مع غيره حتى بقيت ثلاثة أسماء أبرزها المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية التي تتبنى تفجير هذه الآلية وجيش محمد وأنصار الإسلام إضافة إلى أنصار السنة الذين تبنوا هذه العملية قبل شهور قليلة.. وتنظيمات وطنية وقومية أخرى ما تزال تمارس أنشطة المقاومة في أماكن مختلفة من العراق.. وتتقارب أهداف التنظيمات المباشرة إذ تقول جميعها إن هدفها هو تحرير العراق من الاحتلال لكن بعضها كأنصار السنة يعلنون أن هدفهم هو إقامة دولة إسلامية في العراق وحتى الآن لم تعلن معظم تنظيمات المقاومة العراقية مشروعا سياسيا محددا باستثناء المقاومة الإسلامية الوطنية التي تقول إن لها مكتبا سياسيا سريا لأسباب أمنية.

أحد أفراد المقاومة العراقي: المقاومة الآن في دراستي أن يخرج من ينطق في أسمها.. باسمها وبحالها في هذا الوقت وليس عند خروج الأميركان في هذا الوقت وكذلك لها مكتب سياسي يتدارس أموره وهناك برنامج سيعرض وربما يعرض بصورة غير مباشرة على أنه من سيمثلهم لأنهم كما تعلمون أن نظهر شخصية ما الآن إلى المجتمع ظهور هذه الشخصية إلى المجتمع ربما تكون طامة بالنسبة لهم.

أحمد الشيخ: أما الأولويات فتنحصر في تحرير العراق في هذه المرحلة خلافا لتوجهات إسلامية أخرى

أحد أفراد المقاومة العراقي: نسعى الآن أن نحرر العراق من الاحتلال ثم بعد ذلك يختار العراقيون أنفسهم قادتهم وحكماؤهم ومن يحكمهم ولكن الشرط الأول أن يزال الاحتلال من أرض العراق فليس هناك حكومة تقام والأميركان يحكمون.

أحمد الشيخ: وإذ ترفض بعض تنظيمات المقاومة مهاجمة أي أهداف غير قوات الاحتلال فإن بضعها تعترف بمهاجمة أهداف أخرى.

أحد أفراد المقاومة العراقي: وقد عمل من غير المجاهدين وربما بدس وبإيحاء من الأميركان أن يشوهوا سمعة المجاهدين وعملوا بعض العمليات التي لا تمت للمقاومة بصلة أبدا من ضربها بعض المكانات أو تفجير بعض المكانات لبعض العراقيين الآمنين وأرادوا أن يشوهوا سمعة المقاومة.

أحمد الشيخ: ويكاد العراقيون يجمعون بمختلف طوائفهم على أن الهجمات التي تستهدف المدنيين العراقيين وأفراد الشرطة والجيش الجديد ليست من فعل أبنائهم بل ترتكبها أياد جاءت من الخارج وهو الانطباع الذي لمسناه في جامعة بغداد.

مواطن عراقي- بغداد: هذه مو مقاومة هذه لأن هي ما ينفذوها أبناء الشعب العراقي الحقيقيين اللي ينفذوها الأجانب جماعة القاعدة اللي مدسوس يدخل العراق هذا إثارة فتن ربما المخابرات الأميركية يكون لها باع في هذا الشيء.

أحمد الشيخ: وهؤلاء الطلبة يدركون واقع الاحتلال في بلادهم ومع تطلعهم جميعا إلى يوم قريب يتحرر فيه الوطن فإن مواقفهم من المقاومة كمطلب فوري تتفاوت حتى الآن.

مواطنة عراقية- بغداد: والله الحقيقة يعني أنا أقول إنه تكون مقاومة بعد فترة يعني يعطون مهلة لخروج الأميركان ما خرجوا بها الفترة تبدأ المقاومة.

مواطنة عراقية ثانية- بغداد: والله الاحتلال لا ينفع معه لا عمل سلمي ولا إضراب، الكفاح المسلح هو الطريقة في رأي هذا هو الطريقة يعني لمواجهة الاحتلال لأنه هما بالإضراب ما راح يحلون شيء ولا يطلعون نتيجة هذا الشيء.

أحمد الشيخ: وتتفاوت كذلك نظرتهم إلى دوام الاحتلال.

مواطن عراقي ثاني- بغداد: لا حقيقة لا يدوم لأنه قوات الاحتلال وضعت جدول لإخراج القوات وتسليم السلطة المدنية للعراق وإلا يكون الكلام آخر يعني..

أحمد الشيخ: هل تثق في هذا هل تثق في وعود الأميركان؟

مواطن عراقي: لا، نثق بأنفسنا.

مواطن عراقي ثالث- بغداد: أعتقد أن القوات الأميركية وعند مجيئها إلى العراق وصرف هذه الخسائر من الأموال والأرواح والمعدات سوف.. أن مخططها الأصلي هو البقاء لأكثر من ثلاث أو خمس أو عشر سنوات في العراق.

أحمد الشيخ: ورغم حداثة عهدها وما تواجهه من عقبات ناجمة عن غياب الإجماع العراقي فإن المقاومة هي العامل الأبرز الذي قد يعيق الاحتلال في تنفيذ خططه الهادفة إلى صياغة مستقبل العراق على هواه وقد حاولنا في سياق هذا البرنامج دون جدوى الحصول على مقابلة مع الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر نستطلع فيها الموقف الأميركي وحساباته إذ تستعد سلطة الائتلاف المؤقتة لتسليم السلطة كما تقول للعراقيين بحلول نهاية يونيو المقبل.. ولكن لمن تسلم السلطة؟ هل لمجلس الحكم الذي عينه بريمر وفق قواعد وحسابات عرقية وطائفية أريد منها زرع بذور الانقسام في العراق إلى أمد طويل أو إلى أي دستور أو قانون تستند تلك السلطة وحتى القانون المؤقت الذي ولد حديثا برعاية بريمر أيضا يحتدم الخلاف عليه بين العراقيين.. ويبدوا أن سياسة المحاصصة الطائفية التي ابتدعها الاحتلال الأميركي والبريطاني باتت تؤتي أكلها إذ لا تغيب تأثيرات الجوانب الديمغرافية والسكانية عن مواقف مختلف الأطراف وعن الجدل الدائر حول ما ينبغي أن يكون عليه نظام الحكم القادم في العراق بعد التحرير.. الشيعة يؤكدون أنهم يشكلون أغلبية السكان وفق آخر الإحصائيات ويقولون إن ذلك يجب أن يتمثل بطريقة أو بأخرى في شكل الحكم المقبل وسلطاته التنفيذية والتشريعية وهم يفسرون معارضة أطراف سنية لدعوة السيستاني لإجراء الانتخابات بالخشية من وصول الأغلبية إلى الحكم.

عمار الحكيم: قد تكون مقالك من هذا القبيل عبر عنها البعض من إخواننا في طوائف وقوميات أخرى من أننا لسنا الآن مؤهلين تنظيميا، ليست لدينا أحزاب كافية لندخل ونأخذ موقعا مناسبا إلى غير ذلك مما سمعناه من قلق نحن نعتقد بأننا بحاجة إلى مزيد من الطمأنة وإشعار الجميع بأننا نريد عراق للجميع لا يغيب فيه أحد ولا يحرم فيه أحد بل يشارك الجميع ويساهم بما يتناسب وحجمه في هذه البلاد.

أحمد الشيخ: غير أن الأطراف الأخرى تتحدث هي أيضا عن أغلبية من المسلمين السنة عربا وأكراد وتركمانا وتقول إن معارضتها للانتخابات لم تكن خشية من الواقع السكاني بل لأن الانتخابات تحت ظروف الاحتلال وانعدام الأمن غير ممكنة.

مثنى حارث الضاري: المشكلة أنهم يريدون إجراء الانتخابات الجهات التي تريد الانتخابات الآن والطريقة التي عرضها الأميركيون كبديل كلها المفروض أن تتم قبل ثلاثين حزيران وهذا هو الخطأ في القضية لو كانت الانتخابات والمقترحات الأخرى بعد تاريخ ثلاثين حزيران لكان هناك فسحة في الوقت وبالتالي يمكن النقاش حول هذه القضية.

أحمد الشيخ: أما آن للعراق أن يبحث عن نفسه بنفسه لا أن يرسم طريقه من خارجه؟ أما آن للعراق أن يبحث عن خلاصه من ذاته المثقلة بمرارات التاريخ؟ بعض العراق يقاوم وبعضه ينتظر ومَن حوله يكيدون أو هم غافلون فإن وجد العراق خلاصه نجا وإن ضل تاه ومعه يتوه مَن حوله ولنا في التاريخ خير عبرة وخير شهود.. انتخابات وفدرالية ومقاومة وأغلبية، قد يختلف العراقيون الآن على تفاصيل عديدة بشأن مستقبل بلادهم لكن ثمة شيء واحد يجمعهم الاحتلال الذي يحاول أن يرسم مستقبلهم على أرضهم ويكاد يسحق بين أنيابه القاسية كل شيء لا فرق بين طائفة أو عرق أو دين، الدم المسفوح يجمع العراقيين الخوف في عيون أطفالهم والأرض التي أرضعتهم وما تزال القبضة الواحدة تحميهم.